منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - دمشقُ لستِ وحيدة
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-06-2010, 12:30 PM   #4
د. منال عبدالرحمن
( كاتبة )

افتراضي


اعتادت دمشقُ أن أتأخّرَ كثيراً في الحزنِ عنها
و أن أسابقها في الهربِ بالصّمت :


صباح الخير يا دمشق
صباح الحزنِ يا غيمَ تشرين
صباح الأمنيات الطفولية الكبيرة
التي ما زالت تصغرُ كلّما كبرنا
و تتضاءلُ كلّما زادَ واقعنا حدّةً في البصر
صباح عمّي منصور و بيتٍ خشبيّ دافئ
حلمتُ بهِ فارغاً
عندما كانَت أناملي تعانقُ دميةً قماشيّةً لا تعرفُ البكاء
حتّى حينَ يُسقطها غصبي على الأرضِ الباردة لدموعي
بيتٌ خشبيٌّ صغير كانَ كافياً للحلم
كانَ يكبرُ في داخلهِ صبيٌّ صغيرٌ أجمل من دميتي
حاولت أمّي كثيراً أن تقنعني أنّهُ أقوى
و أنّهُ يجيدُ الغناءَ في صباحاتي الهادئة
وأنّهُ كبيرٌ بما يكفي ليكونَ صديقي
حينَ اقتنعتُ بضرورةِ وجودهِ في حلمي الخشبي
اكتشفتُ أنّ الأحلام لا تنتظر ..
الآن أنا امرأةٌ بأحلامٍ ورقيّةٍ
أتأثّرُ ببكاءِ الآخرينَ و سقفُ أحلامي يتلفه البلل
أتأثرُ بوعدِ أبي منذُ سنين عشر بأنّهُ لن يتركني
و أعلمُ أنَّ أبي لا يكذب و سيفعل آخرونَ كُثُر
أبحثُ في مدينةٍ لا تعرفُ بائعَ التفاح
عن شيءٍ تائهٍ في الصّباح
عن دميةٍ سمراء في الوجوه الباردة
نلبسُ الحرير كأنّها تطير
و اسمها مها ..
أو عن يدٍ حنونٍ تلمسُ شعري كلَّ صباح
تملأ قلبي بندى الحبِّ ..
أبحثُ عن رابطٍ بينها و بينَ الأحلامِ المهجورة
أنا التي لم أعد أذكر ما إذا رسمَ باسمٌ قفصاً صغيراً للعصفور
أو ما إذا كانت رباب تحبُّ الأقفاص
لم أعثر على تلكَ اللّهفة الطّفوليّة المحبّبة
على تلكَ القدرة الهائلة على الوقوفِ ضحكاً بعدَ السقوط
أو متابعةِ المشيِ بقدمينِ اعتادتا التعثّر
و الركضِ نحوَ طفلٍ آخر بحبّ حتّى إذا ما رفضَ باكياً
كلّ عام و أنتَ بخير يا تشرين الحزين
كلّ عامٍ و أنتَ بخيرٍ يا غيمَهُ الحنون
و أنا إلى موعدٍ مهجورٍ مع وطني في عامٍ وحيدٍ مرّتين !

 

التوقيع

و للحريّةِ الحمراءِ بابٌ
بكلِّ يدٍ مضرّجةٍ يُدَقُّ

د. منال عبدالرحمن غير متصل   رد مع اقتباس