منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - ذو النظارة السوداء
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-10-2018, 01:12 AM   #3
سالم الجابري
( كاتب )

الصورة الرمزية سالم الجابري

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 0

سالم الجابري لديها سمعة وراء السمعةسالم الجابري لديها سمعة وراء السمعةسالم الجابري لديها سمعة وراء السمعةسالم الجابري لديها سمعة وراء السمعةسالم الجابري لديها سمعة وراء السمعةسالم الجابري لديها سمعة وراء السمعةسالم الجابري لديها سمعة وراء السمعةسالم الجابري لديها سمعة وراء السمعةسالم الجابري لديها سمعة وراء السمعةسالم الجابري لديها سمعة وراء السمعةسالم الجابري لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


فيزياء شاعرة


شاعرنا بو علي جاءني الليلة وأعدنا مناقشة فكرة قديمة بحضور فيلسوفنا الزهيري. ودعوني أولاً أقدّم للفكرة بمراجعة بسيطة لمبادئ الفيزياء.

تعرفون أنّ المادّة تتكون من جزيئات، والجزيئات من ذرّات، والذرات تتكون من جسيمات هي البروتونات والنيوترونات والإلكترونات، وتلك الجسيمات بدورها تتكون من جسيمات أصغر تسمّى الكواركات. وجديد الفيزياء أن تلك الكواركات أيضاً تتكوّن من خيوط أو أوتار متذبذبة.

تلك الأوتار المهتزّة أو المتذبذبة تحدّد طبيعة المواد التي نراها ونلمسها بواسطة طريقة تذبذبها، فعلى سبيل المثال اهتزاز الوتر بطريقة معينة يجعل إحساسنا بالشيء حجراً أصمّاً، ولو عزف الوتر بطريقة مخالفة قد يكون حريراً. إذن كل شيء نراه ونحسّه بداية في أنفسنا أو من حولنا عبارة عن عزف موسيقي على وتر، وليس كما كنّا نظنّ أنّها مواد جامدة.

ودعوني أيضاً أعود بكم إلى مبدأ فلسفي قديم وهو نظريّة الشكل. تقول النظريّة أن الشكل هو الأساس في كل شيء، وأن المضمون وظيفته بلوغ الشكل. والشكل هو ما يحدّد وظيفة الأشياء ومدى فاعليتها. مثال ذلك أن مضمون الثمرة هو السعي لبلوغ شكل معيّن من حجم ولون واستدارة واستطالة، وبعد بلوغ تلك الغاية تبدأ عوامل الهدم بالتأثير فيها فينحدر شكلها إلى الذبول، وما يجري على الثمرة أيضاً يجري على كل الأحياء ومنهم نحن البشر، فالشكل المراد بلوغه مخزّن في جيناتنا منذ بداية الخلق، حتّى إذا بلغنا أشدّنا من طول وعرض وصفات بدأت عوامل الهدم تحفر فينا.

من زاوية نظر المنطق الفلسفي السابق فإن الموسيقى هي أكمل الفنون، وذلك ببساطة لأن شكلها هو مضمونها. وبالمثل تكون الرياضيات أكمل العلوم لأن شكلها هو مضمونها.

عند ربط الاستنتاج السابق بنظرية الأوتار الفيزيائية للمادة تتكون لدينا صورة شديدة الالهام، وقد يكون في الأمر تفسير لذلك التأثير السحري الذي تثيره فينا الموسيقى، وذلك العشق المتأصل فينا لإيقاع الكلمات بين الحركة والسكون في الشعر.

في تلك اللحظة رفع الزهيري يده ليعيد نظارته القاتمة على عينيه رغم أن الإضاءة خافتة، عرفت أنّه يريد قول شيء ما، ومن طريقة مدّه لشفته السفلى عرفت أنّه سيعارض ما توصلنا إليه من استنتاجات أنا وبو علي. قال الزهيري

-فيما يتعلّق بنظرية الشكل، أستطيع أن أدحض تلك الفكرة من عدّة أوجه، لكن أيضاً ستستطيعون معارضتي، وهذا سيدخلنا في جدل عقيم. وفكرة أن الشكل هو الأصل هي من الأفكار العامة والواسعة كفكرة أن أصل الأشياء من ماء وهواء وتراب ونار، وعيبها الأصيل أنّك لا يمكن أن تستخدمها لتتنبأ بشيء ما.

والآن دعوني أعود لكلامكما عن الموسيقى وتأثيرها علينا بسبب كون المادّة الأساس المكونة لنا هي أوتار مهتزّة، فبناء على ما استنتجتماه ينبغي على الموسيقى أيضاً أن تؤثر في كل الأشياء الأخرى، ويطيب لي أن أتخيّل بو علي يعزف لحناً رقيقاً أمام قضيب حديدي ليصير منديلاً من حرير. في رأيي أن تأثرنا بالموسيقى والشعر يرجع لأمرين، الأول بسبب الجانب الروحي الذي من خلاله تنفذ إلينا منه الموسيقى والشعر، والثاني هو خيالنا الذي يستخدم الموسيقى والشعر ليوقد نيران الجمال لأرواحنا. وأظنني أستطيع أن أضيف أمراً ثالثاً، وهو الذائقة التي تنمو بالممارسة، ولتبيين ذلك لنتخيّل رجلاً من بلاد الغرب أو من بلاد الصين يستمع للحن عربي نطرب نحن له، أظنّه سيجده منفراً، والسبب أن ذائقته لم تعتد على ذلك اللحن.

 

سالم الجابري غير متصل   رد مع اقتباس