منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - ثنائية النثر (5) إباء الشرق \ محمد سلمان البلوي
عرض مشاركة واحدة
قديم 10-26-2016, 01:33 PM   #4
محمد سلمان البلوي
( كاتب )

افتراضي



من أ. إلى م. وبالعكس
(هل ثمَّة مَنْ يكتبُ مثلنا؟)

الجوابُ الأوَّلُ

يا الغريبة:

إنَّنا ننتظرُ -على الدَّوام- شيئًا ما، بكاملِ وعينا ويقيننا ننتظرُ، لكنْ بلا شغفٍ لحوحٍ وبلا طموحٍ، ننتظرُ، وفقط ننتظرُ ما نعتقدُ جازمين أنَّها حياتُنَا لن تستقيمَ إلَّا به ولنْ تستقرَّ أرواحُنَا من دونه، وكلَّما تحقَّقَ حلمٌ من أحلامِنَا خابَ نِصْفُهُ... أو حضرَ غائبٌ من أحبابِنَا اكتشفْنَا نَقْصَهُ... وإذا ما أحببْنَا شخصًا تلفَّتَ قلبُنَا مِنْ حوله... أو تعلَّقنا بشيءٍ اِجْتَذَبَنَا إليه غَيْرُهُ... يا لِشَقَاءِ النَّاقص الطَّامح إلى التَّمامِ والْمَعِيْب الْمُتطلِّع للكمالِ! يُوْجِعُنَا الجمالُ، يا صديقتي، يُوْجِعُنَا! والحقيقةُ –غالبًا- بقبحِنَا تَفْجَعُنَا! الحقيقةُ الَّتي من فرطِ وضوحها نُكذِّبُ أنفسَنَا ثمَّ نُصَدِّقُ كذبَنَا.

فرقٌ بين أنْ نكتبَ وأنْ نكذبَ، لكنَّنا ندسُّ الكذبَ في الكتابةِ، وبكتاباتِنَا نُجمِّلُ كذباتِنَا، ونُجمِّلُ كتاباتِنَا بكذباتِنَا. أليستْ كتاباتُنَا كما كذباتنا ملوَّنةً؟ أليستْ قلوبنا كما أقلامنا لا يُقوِّمها إلَّا الممحاةُ؟

إنَّنا بين الأسود والأبيض، فيما بين اللَّونين نسبحُ ونرمحُ ونكدح ونمرح... الأسودُ الخالصُ يجرحُنَا، والأبيضُ الخالصُ يفضحُنَا، والكلمةُ البيضاءُ كالكذبةِ البيضاء تضرُّ وتُؤذي... لكنَّها يشفعُ لها سلامةُ نيَّتها ونقاءُ سريرتها. وليتنا حين نكتبُ نقولُ كلَّ شيءٍ! لكنَّنا لا نفعلُ، ولا ينبغي لنا أنْ نفعلَ، ولذا أجدُنِي مشدودًا –دائمًا- إلى ما وراء الكلماتِ، إلى الظِّلال والفراغاتِ والْبُقَعِ الْمُبْهَمَةِ والشَّذراتِ الْمُهْمَلَةِ، إلى الكنايةِ والاستعارةِ والمجازِ... وإلى ما تُضْمِرُهُ الحروفُ وتُخفيهِ السُّطورُ وتسترُهُ الصُّورُ والتَّشبيهاتُ... إلى ما لا يُقالُ إلَّا بالمواربةِ وبالتَّوريةِ وبالتَّلميحِ وبالتَّلويحِ... وقد لا يُقَالُ أبدًا ولا يُنَالُ ولا يُطَالُ.

أجملُ ما في رسالتكِ شجاعتكِ، وأصدقُ ما فيها ما احتفظتِ به لنفسكِ، وكلُّها وجعُهَا بليغٌ، والمعاناةُ فيها عميقةٌ وعتيقةٌ، ثمَّ إنَّ غربتَكِ بدتْ فيها واضحةً ومرعوبةً، وهذا جيِّدٌ، جيِّدٌ جدًّا، لأنَّني مثلكِ غريبٌ ومرعوبٌ، مع أنَّني أعي –جيِّدًا- أنَّها الأقدارُ لا تظلمُ ولا تهضمُ... وأنْ ليسَ الموتُ مسئولًا عن موتِنَا؛ لكنَّها الحياةُ تقتُلُنَا ببعضِ ذنوبِنَا، عمدًا تقتُلُنَا، والموتُ ينقذُنَا.

لا عليكِ، لا عليكِ، ولتعلمي أنَّني مُستمعٌ لكِ ومصغٍ...

أخوك/ م.







 

محمد سلمان البلوي غير متصل   رد مع اقتباس