منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - لكنه وطن
الموضوع: لكنه وطن
عرض مشاركة واحدة
قديم 10-06-2018, 03:30 PM   #1
عمرو مصطفى
( كاتب )

الصورة الرمزية عمرو مصطفى

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 2618

عمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي لكنه وطن


إهداء إلى السيد سليمان.

***

أشياء عديدة دفعتني دفعاً ؛لاتخاذ ذلك القرار الصعب ..
كلنا يعلم طبيعة عملنا الأمني وقواعده الصارمة ؛لابد أن تظهر خلاف ما تبطن،لابد أن تغلف مشاعرك بجبل من الجليد ..
لكن حتى جبل الجليد يمكنه أن يذوب إذا ثار البركان الذي بداخله ..
أنا أمر بتلك اللحظة حالياً ..
جبل الجليد الراسخ في سبيله للتخلي عن جموده وسرعان ما سيقذف بالحمم في كل صوب ..
ساعتها لا أحد يضمن النتائج ..
الرؤساء يعلمون جيداً تاريخي في الجهاز، والتشدق كلمة لا وجود لها في عملنا القائم على التفاني والكتمان ؛لذا لا سبيل لإساءة الظن بي ،وتفسير طلبي على غير المراد ..
لقد سقطت القشة التي قصمت ظهري يوم عدت مؤخراً من الخارج
بعد عملية الليل البهيم ،عدت للديار التي تفانيت في حفظها وحياطة
أمنها على مدار ربع قرن من الزمان،عدت كي أهنأ باستراحة محارب، يلتقط الأنفاس، من ثم يعود ليمتطي جواده وينطلق مرة أخرى إلى الميدان ،لا داعي ههنا لذكر مواقف أسرية وعاطفية لم نتعود على البوح بها في عملنا، المهم أنني بعد جلسة أسرية حميمة قررت أن، أجوب شوارع العاصمة ..
جولة حميمية أعانق فيها الشوارع والميادين ،أتأمل بني وطني
بتركيز كأنني أبحث في ملامحهم عن الأشياء التي نضحي في سبيلها بأرواحنا ذاتها ، وينتهي بي المطاف حيث مرسى النهر الخالد
لحظات من التأثر تدغدغ مشاعرك وتكاد تجرفك مع أمواج النهر
إلى حيث المصب لكنك تملك كبح جماح مشاعرك وراء جدار من الصلب ترسمه ملامحك باحتراف،لا أحد يتخيل ولا أحد يمكنه أن يستشف شيئاً من وراء قناعك البارد ..
جلست بأحد الكافيتريات التي تطل على الكورنيش وطلبت مشروباً شرقياً دافئاً ..
الأن أقترب أكثر من الناس البسطاء، أراهم وهم يحتسون
المشروبات الغازية !يتهامسون، يضحكون ،أشعر بالفخر والانتشاء وأجد أن ابتسامة طفل أمن في حضن أمه تستحق فعلاً ربع قرن من التضحيات ..

***

أسرة لطيفة كانت تجلس بجانبي مكونة من زوج وزوجة وطفل
لم يتجاوز الثلاث سنوات ، أسرة لطيفة شربت كميات مريعة من المشروبات الغازية القاتلة، لابد أن الحساب سيكون (على النوته).
هنا حدث أخر شيء يمكن توقعه ..
قام الزوج متثاقلاً واتجه للنادل وسأله عن الحمام ،وبعد أن غاب الزوج قامت الزوجة وحملت طفلها واتجهت ناحية باب الكافيتريا وتركت خلفها حقيبة يدها الجلدية ..
نظرة واحدة لحقيبة يدها أدركت أنها لن تعود لا هي ولا زوجها ..
كانت الحقيبة خاوية !..
الخديعة ضلع أساسي في عملنا الأمني لكننا نقوم بخداع الأعداء لا خداع بعضنا البعض ..
بعد قليل جائني النادل أحمر الأذنين وطلب مني الحساب، نظرت
إليه ففهمت أنه بدأ يشعر بالمقلب لكنه لا يريد أن يتسرع في الحكم على الأسرة السعيدة ، حتماً سيعودون ..
ـ لماذا تطلب الحساب الأن ؟..
ـ تبديل وردية ..
طبعاً هو يكذب، فقط هو لا يريد تكرار الخطأ مرتين، من يدريه أنني لن أذهب بدوري للحمام، أخرجت حافظتي وأنا أسأله في
هدوء :
ـ أريد ان أدفع حساب الزوجين ..
صاح في لهفة :
ـ هل تعرفهما ؟..
ـ أنا لا أعرفهما، فقط أعرف أنهم لن يعودا كما تأمل ..
بعد إلحاح شديد قبل أن يأخذ مني الحساب ، كان ممتناً وهو يردد الكثير من عبارات الشكر ، والكثير من اللعن على الزوجين معدومي الضمير لكنني كنت مهموماً بأمر أخر فصرفته برفق وعدت لتأملاتي، ربع قرن من الكفاح في سبيل أسرة تتهرب من دفع حساب المشروبات ..
بعد قليل دخل شاب وفتاة وجلسا في نفس الطاولة التي كان يجلس عليها زوجي النصابين ، لم يكونا من طراز المخطوبين لذا جلست اتوقع الأسوأ، والأسوأ جاء سريعاً مريعاً ..
شاب وفتاة في جلسة منحلة ، قد أقبل هذا في بلاد الأعداء وأنا مشمئز، لكن هنا ، في وطني !..
بعد دقيقتين كنت أغادر الكافيتريا ووجهي البارد محتقن من أثر المجهود الخرافي الذي أبذله في سبيل كتمان مشاعري الحانقة ..
غادرت فقط لأصطدم بمظاهرة لشباب حانق يصر على أن الإصلاح يبدأ بحرق السيارات والمنشئات العامة والتحلية برجال الشرطة ..
أين هؤلاء وأين نحن..؟
هل يعرف هؤلاء ما يحيق بهذا الوطن من المخاطر ..
هل لو علموا لظلوا على ما هم عليه ؟
هل ذهبت أعمارنا سدى ؟
في تلك اللحظة الفارقة اتخذت القرار الحاسم الذي من أجله قدمت
تلك المقدمة ، أنا لن استطيع أن أقف مرة أخرى في وجه الخطر
بظهر مكشوف ، لذا أرجوا من السادة الرؤساء تفهم طلبي والتكرم بقبول استقالتي ..
انتهيت من إلقاء خطبتي العصماء ، ووقفت هنيهة أتأمل وجهي الجامد في المرآة ..
لقد وقفت هذه الوقفة عشرات المرات على مدار ربع قرن وفي كل مرة لا يتجاوز قرار استقالتي حديثي لنفسي أمام المرآة ..
أنا أعرف نفسي جيداً، وأعرف أنني لم أضيع عمري في سبيل أسرة تتهرب من دفع الحساب، ولا من أجل شباب ماجن، ولا من أجل متظاهرين يخربون بيوتهم بأيديهم . كل هذه الصور المحزنة لم تفت في عضدي يوماً، ولم تثنيني أبداً عن أداء مهامي.

***
بلاد ألفناها على كل حالة ..
وقد يؤلف الشيء الذي ليس بالحسن ..
ونستعذب الأرض التي لا هواء بها ..
ولا مائها عذب ولكنها، وطن ..
***

القاهرة
الجمعة 20 جمادى الأول 1435 هـ
21 مارس 2014 مـ

 

التوقيع

" تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَة ..
تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!"

( أمل دنقل)

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس