منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - يوتوبيا الشياطين (رواية)
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-10-2018, 09:49 AM   #8
عمرو مصطفى
( كاتب )

الصورة الرمزية عمرو مصطفى

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 2618

عمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


6ـ عش اليوتوبيا

الزغاريد والأعيرة النارية تدوي من دوار الحاج جابر، ذلك المزيج الذي يجعل قلبك يرجف من الفرحة
و الخوف كذلك، ماذا لو أصابني الآن عيار طائش كما يقولون؟ لن أستطيع اتهام علوش بالطبع،
كما أننا لم نتفق على هذا، طريقة الانتقام تحددت سلفاً، فلا داعي للمزاح الثقيل ههنا.
نظرت لوجوه المدعوين التي تتأملني بنظرات تتقلب بين الفضول و الحسرة وابتسمت بثقة بلهاء
كأني مقبل على فتح عكا. الكل هنا في دوار جابر الصوالحي من العمدة عظيم الكرش وحتى
عوضين مجذوب القرية، لكنني ظللت أبحث بعيني بين الوجوه المتفرقةعن وجه واحد بعينه،
نعم لقد وعدني أنه سيأتي، ترى هل يفي الدجاجلة بوعودهم ؟..
لكن دعوني أصارحكم: كنت أراه بزاوية بصري في كل ركن من الأركان، يرمقني بعينه المتبقية
بنظرة خاوية ..
وحينما ألتفت لا أجد شيئاً.. تكرر هذا عدة مرات ثم قررت أن أنفض الفكرة عن رأسي حتى
لا أبدو معتوها أمام العيون التي تتربص بي، سيقولون أنني جننت في ليلة زفافي لأنني
تحديت علوش، وهكذا تنضم قصتي إلى سائر قصص ضحايا علوش من ضباط سابقين،
ويضيع جهدي في دحض دعواهم سدى.
لكنني بالرغم من ذلك أشعر بوجوده معي في العرس، الوغد قد عبق المكان بروحه الثقيلة
الخبيثة .
ويمضي الزفاف كأي زفاف تقليدي.. قطار بطيء يمر على أعصابك ذاتها ..
متى سأجد نفسي وحيدا مع شريكتي الجديدة في مشروع اليوتوبيا؟
مازال أمامنا طريق ليس باليسير حتى نصل لعش الزوجية في البندر.. وهذه في
الحقيقة كانت حجتي حتى آخذ فتاتي وأنطلق بعيداً بعيداً عن كل ذلك الصخب والأعراف
الغريبة وعبارات المجاملات المنمقة التي لا أدري كيف يحفظونها.
أخيراً جاءت السيارة المستأجرة لتنقلنا إلى يوتوبيا الزوجية.
فاطمة سعيدة وأنا سعيد، وحتى الأشجار التي تتهادى على جانبي الطريق تبدو سعيدة،
وحينما انغلق الباب علينا التفت لفاطمة فوجدت وجهها أحمراً مثل ثمرة الطماطم، ولم
يكن هذا بفعل الزينة المبهرجة ولكن وجهها كان على وشك الانفجار بدماء الحياء.
ـ هل تذكرين يوم تقابلنا لأول مرة ..؟
ـ مممم ...
ـ هل كنت تتصورين أن ينتهي بنا المطاف للزواج حقاً؟
ـ مممم ...
ـ هل أنت جائعة؟
ـ مممم...
ـ إجاباتك بليغة للغاية .
وحينما اقتربت منها رفعت كفها في إشارة تحذيرية واضحة..
ـ ماذا بك ..؟
ـ لا تقترب..
ـ نعم !!
ابتلعت ريقها كأنما تبحث عن كلام مناسب يعبر عما تريده، ثم كان ما قالته
بعدها عبقريا :
ـ اليوم ... لا... لأن ... لا يصلح .. لأنه .. اليوم .. و.. أأ...كح..كح..
فككت ربطة عنقي وخلعت سترتي وشمرت عن ساعدي وظللت لساعة أحاول
توصيل كلماتها المتقاطعة كي أفهم ماذا تريد قوله بالضبط..
ثم أخيراً فهمت ..
الفتاة قررت ممارسة نشاطها الفسيولوجي المعتاد قبل الأوان بسبب التوتر، وهكذا
تركتها وخرجت لأقفت وحدي في شرفة الشقة أرقب النجوم الساهرة مردداً في حسرة :
ـ فقط لو كنا في اليوتوبيا، لما كان هذا عائقا ..
***
لكنني قررت استثمار الوقت بنشاط بديل..
سأقوم بمحاولة شرح النظرية اليوتيوبية لزوجتي المبجلة! ولما لا؟! فلا يوجد
لدينا الأن سوى الثرثرة لحين إشعار أخر..
سألتها :
ـ هل سمعت من قبل عن المدينة الفاضلة؟..
أجابت وهي تبتسم في فهم :
ـ إنها إحدى مدن ألف ليلة..
أغمضت عيني مصدوماً ثم عدت ففتحتهما وقلت في صبر :
ـ ألف ليلة خرافة، أما المدينة الفاضلة فهي حلم الباحثين عن الكمال الأرضي..
ضيقت عينيها في محاولة لفهم كلماتي، فعدت أقول لها بعبارات أبسط:
ـ مثل الجنة يا فاطمة.. مدينة كاملة مكملة.. ليس فيها بغض ولا جريمة.. ليس
فيها غني وفقير.. الكل سواء مثل أسنان الحما... أقصد المشط!
ـ ليس فيها غني ولا فقير.. يعني الكل مستور الحال.
قلت مبتسما لتعبيراتها :
ـ الكل سواء يا فاطمة.. لن ينظر أحد لما عند الأخر ولن يطمع أحد فيما عند الأخر..
سكتت قليلاً كأنها تحاول هضم كلامي، ثم سألتني فجأة :
ـ ولن يحتاج أحد لأحد؟..
قلت لها في تلقائية:
ـ اليوتوبيا ليس فيها احتياج..
ـ إذن فكيف ستستمر الحياة في تلك المدينة.. من دون حاجة الأخ لأخيه وأمه وأبيه وجاره..
داعبت شاربي مفكراً فيما تقول، ثم قلت لها بلهجة لا تخلو من ضيق :
ـ نحن نحتاج لبعضنا البعض لأن بيننا تفاوت..
ـ هكذا خلقنا الله.. مختلفين.. فقراء وأغنياء.. ضعفاء وأقوياء.
قلت بامتعاض :
ـ مختلفين أو متخلفين.. لا فرق..
لاحظت الضيق في وجهي فأشاحت بوجهها قليلاً وقالت :
ـ أنا أحاول فهمك على قدري.. فأنا بالكاد أفك الخط..
شعرت بشيء من الشفقة تتسلل إلى صدري تجاهها، يبدو أنني جرحتها بشدة، لكن تباً،
ما سر تلك الرقة الرقيقة التي هبطت علي فجأة؟..
إنه الزواج يا مجدي، أنت ما زلت عريساً جديداً يا رجل..
قلت لها متلطفاً :
ـ دعك من هذا وتعالي أصحبك معي في رحلة ممتعة بين صفحات الكتب..
وأخذتها إلى مكتبتي الخاصة التي ألحقت بها كل الكتب التي جئت بها من القاهرة،
وبدأت أحدثها أحياناً وأقرأ لها أحياناً مع الشرح ومحاولة تقريب المكتوب إلى فهمها، وكانت
فاطمة تنظر إلي في انبهار طوال الوقت، لقد ظفرت بزوج متنور بحسب تعبيرها، يا لها
من فتاة ساذجة ومثيرة للشفقة، لم أشعر يوماً ما بالمسئولية كما شعرت بها اليوم
بالرغم من كوني رجل شرطة مسئول، لكن هذه الفتاة الطيبة كيف سيمكنها السير
بدوني خطوتين دون أن تتعثر ويدق عنقها؟..
ـ لماذا تنظر إلي هكذا ..؟
انتزعتني عبارتها الخجول من تأملاتي فتنحنحت، ثم تذكرت أنها زوجتي فقلت لها بسرعة :
ـ ولما لا أفعل؟!..
ـ أشعر بالحرج من نظرات الأخرين..
ـ أنا لست كالأخرين .. أنا زوجك ...
أطرقت إلى الأرض وهي تتمتم :
ـ ما زلت لا أصدق أنني صرت زوجة ..
حككت أنفي قائلاً :
ـ عملياً نعم ..
ثم قررت أن أوجه دفة الحديث بعيداً فقلت لها مداعباً :
ـ لقد مر يومان حتى الأن ولم يحدث لي شيء ..هل فقد الشيخ علوش قدراته أم ماذا .. ؟
رفعت طرفها إلي وبدت كأنها مترددة في الإفصاح عن شيء ما، ثم قررت أن تتكلم :
ـ الشيخ علوش ليس شريراً كما تتصور..
ابتسمت بركن فمي قائلاً :
ـ ربما أكثر مما أتصور ..
ـ هل .. هل ستظل تكرهه لو علمت أنه السبب في زواجنا ..
شعرت برجفة تسري في عروقي، وقبضت على ساعدها لا شعورياً قائلاً :
ـ ماذا تعنين ..؟
ابتلعت ريقها بصوت مسموع وساعدها يرتجف في قبضتي فأرخيت قبضتي معتذراً لها، لكنني
كنت بحاجة إلى أن تكمل، وبسرعة، ساعتها طلبت مني حفظ ذلك السر بيننا.. فوعدتها
مغتاظاً وقلبي يدق بعنف..
ـ هل تذكر يوم تقابلنا أول مرة.. كنت عائدة من عند الشيخ علوش ومعي عملين، واحد
لأخي مداح ليصلح من شأنه ويهديه وأخر لي ليرزقني الله بالزوج الصالح.
طبعاً لم تتخيل أن علوش هذا سره باتع كما يقولون، إلا حينما وجدتني أدق باب دارهم.
قلت لها شاعراً بشلل وشيك :
ـ وهل تذكرين أين ذهب ذلك العمل ؟
قالت ببراءة :
ـ للأسف ضاع مني.
ـ لم يضع للأسف.. لقد وقع منك والتقطه أنا كتذكار ووضعته في جيبي، لقد تحول لعجين
بعد أن غسله الشويش ديريني ، لكن يبدو أن هذا لم يبطل مفعوله!
ـ سبحان الله!
قاومت رغبة ملحة في خنقها، على الأقل ليس ونحن في شهر العسل.
قلت لها :
ـ تعرفين أن علوش الطيب هذا لا يسمح لأحد بالزواج في قريتك قبل أن يعطيه إتاوة..
قالت في دهشة :
ـ إتاوة.. أظنه حلوان كي يصنع له حجاب يحفظه من العين..
ـ ليس حلواناً يا فاطمة.. لقد حكى لي والدك كل شيء.. لكن يبدو أنهم لم يخبروك..
طبعاً لم يخبروها..
الأن يتوجب علي أن ألقنها المزيد من الدروس المكثفة..
أعرف أن هذا لن يكون سهلاً، لكنه ليس مستحيلا، سأستغل أيام حيضتها في غسيل
دماغها من كل الأدران التي علقت بها، سأفرغ عليها كل ما تعلمته من فكر تقدمي
شمولي. أنت أول براعمي يا فتاة الريف الساذجة، ويبدو أن شيئاً غريباً قد بدأ يتخلخل
جدار الصلب الذي يضخ الدم إلى رأسي، ذلك الشيء يعرفه أبناء البيئات المحافظة
بالميل ويعرفه الشاعريون بالحب، وأعرفه أنا بالمغناطيس الجاذب لنقيضه..
وهكذا تمضى بنا طبائع الأشياء..
***
أين أنت يا ماركس الآن لتراني في عش اليوتوبيا الصغير؟..
إنني أمضي بنجاح في مشروعي بدونك..
جاءت لي فاطمة بكوب من القهوة ووضعته بجانبي، لفت انتباهي أنها ترتدي ثياب
محتشمة أكثر من اللازم فسألتها :
ـ هل ستغادرين؟..
ضربت بيدها على صدرها كمن تلقت إهانة وصاحت :
ـ أخرج وأنا ما زلت عروس!.. هذا عيب!..
نسيت أن هذه عادة سمجة لدى المتزوجين، لو قرر العروسين مغادرة عش الزوجية
قبل أسبوعين على الأقل فالويل لهما، سألتها :
ـ لماذا ترتدين كل هذه الأشياء؟.. لا تقولي لي أنك تتحشمين أمامي..
ابتسمت قائلة :
ـ لا طبعاً.. فقط سأصلي..
فاطمة تصلي! لاحظت دهشتي فقالت باستغراب :
ـ ألا تصلي أنت أيضاً؟..
تناولت كوب القهوة شاعراً بالحرج، ماذا أقول لها؟ زوجتي أنا تصلي، يا لخيبة أملي
فيك يا فاطمة، يا شماتة ماركس في. قلت لها متحذلقاً:
ـ الحقيقة أن الصلاة شيء جيد.. رياضة رائعة تساعد على تنشيط الجسد..
أشارت لي قائلة بابتهاج :
ـ إذن فلنصلي سوياً..
امتقع وجهي وشعرت أن القهوة تحولت في حلقي إلى رماد حار. قلت لها بصوت مبحوح :
ـ شكراً.. أنا أمارس الرياضة يومياً..
بدا عليها عدم الفهم، فحاولت أن أشرح لها بتلك الطريقة المتعالية التي تشعرها بمدى
جهلها، يمكنني بهذه الطريقة أن أقنعها بوجود أسد تحت فراشها وستصدق، هذه حقيقة
علمية لا تقبل النقاش هل ستعرفين أفضل مني أنا؟!. قلت لها:
ـ الصلاة رياضة للبدن يا عزيزتي.. وأنا رجل رياضي.. إذن أنا أصلي أفضل منك..
ـ يا سلام!..
قالتها ذاهلة..
ستصدق البلهاء وربما تركت الصلاة بسببي، تركتها تذهب وجلست أحتسي القهوة
باستمتاع، لقد أفلت هذه المرة و... تباً.
إنها تصلي!!..
وثبت قائماً، وصحت بها :
ـ فاطمة.. انتظري.. لماذا لم تخبريني أنك.. أنك..
وتوقفت عن مواصلة الكلام ملوحاً لها بكفي لعلها تفهم الباقي فالتفتت إلي بنصف وجهها،
لا أدري لماذا بدا لي لحظتها كالبدر التمام وهي تقول بحياء :
ـ قلت أنك ستفهم حينما تراني أصلي..
أسقط في يدي فتراجعت قائلاً :
ـ لا تؤاخذيني الكلام عن الرياضة أخذنا بعيداً عن.. عن..
ثم قطعت عبارتي وأشرت لها قائلاً في ضراعة :
ـ هلا انتهيت من الصلاة سريعاً..
ـ لما؟
ـ سنواصل الحديث عن اليوتوبيا.. وهل لدينا شيء أخر لا سمح الله!
***
أخيراً وبعد طول انتظار عدنا إلى حيث بدأنا في ليلة الزفاف.. ابتسمت لها في إشراق
فأطرقت في خجل، ساعتها شعرت أنني قادر على رفع جبل المقطم، على الطيران بلا أجنحة
وملامسة النجوم و... لكنها رفعت وجهها وقالت لي كلمة واحدة بحزم مقتضب:
ـ ليس بعد..
***

 

التوقيع

" تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَة ..
تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!"

( أمل دنقل)

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس