منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - !! المقهورة ]] رواية [[ !!
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-12-2007, 08:39 AM   #21
الوجه الأليم
( كاتبة )

افتراضي


.0.
.0.




الحلقة السادسة " إعدام يتليه حقائق !



أخبرتني فاطمة بأنها تلتقي بمريم في الحافلة والتي خصتها الوزارة لتوصيل الطالبات ,, وقد جن جنوني حينها ,, حاولت اقناع والدي في التخلي عن المواصلات الخاصة التي وفرها لي وقد اعترض قائلا :
" لم يبق َ سوى اسبوعان فقط !!

اقتربت منه أكثر حيث كان يجلس على الكرسي وبين يديه صحيفة اليوم قائلة :
" أبي أريد أن أذهب في حافلة الوزارة !!

كان مندمجا ً في القراءة وفجأة يقول وأطرافه ترتعش :
" لقد أُحكم على المتهمين بالاعدام الاسبوع القادم !!

قلت بقهر :
" أبي دعك من هؤلاء وحادثني !

ينظر لي سائلا :
" أين والدتك ؟
" في المطبخ تعد الغذاء .
" ناديها بسرعة !
" ماذا عن موضوعنا ؟
" سنتحدث فيه لاحقا ً أذهبي وأخبري والدتك بأني اريد الحديث معها ! وبسرعة !


أزعجني عدم اكتراث والدي بالامر أعرفه جيداً لن يقبل به لكني سأحاول من أجل مريم . وماقصة هؤلاء المتهمين التي أراه مهتما ً بها ؟

كانت رائحة الغذاء تخترق أنفي وتجعل معدتي تشعر بالجوع فجأة , وجدت أمي تغسل الاطباق :
" أنت طباخة ماهرة !

فقالت لي مداعبة :
" سأعلمك الطبخ إذا تزوجت ِ !

" لا أريد الزواج الان لا أزال صغيرة .

لم تعلق والدتي فكانت مشغولة بأمر الاعداد فهي دائما ً هكذا !
وتذكرت طلب والدي
" أمي والدي يريد الحديث معك .

تلفت ناحيتي وتقول :
" ماذا يريد ؟

" أظنه يريد الحديث معك حول أمر متهمين مجرمين سيعدمون .

قلتها دون مبالاة ووجدت طبق الغذاء يسقط من يدي أمي وينكسر !
وضعت يديها على قلبها وتقول :
" حقا ً ؟

ودفعتني جانبا ً وجرت إلى حيث يجلس والدي ,, إنه لأمر غريب ؛ لأول مرة أجد والدتي هكذا !

خرجت من خلفها لاستفقد الأمر فأجد أمي بحسرة تقولها :
" هل أنت متأكد ؟

يتناول والدي الصحيفة ويشير للخبر فأجد دموع والدتي تتفجر .. مالأمر يا ترى ؟؟ وأي متهمين ؟ وماعلاقتنا بالأمر ؟؟

كنت في مكاني أرقب الحدث من بعيد وأرجو أن يحصل ماهو كفيل في إخباري عن حقيقة الذي يجري من خوف وألم متمثلان في والدتي وأجدها بعد لحظات تقول :
" فليعينك الله يا أخي !!


لوالدتي أخ واحد وقد غاب منذ ثلاث سنوات بشكل مفاجئ .. أوهمتنا والدتي بأنه سافر للدراسة ,, ونحن لم نستسغ الفكرة ! لكننا عشنا على وهمها طيلة الوقت الذي مضى ,, وها انا أجد والدي يقرأ خبر إعدامه ,, أحتاج لوقت طويل لكي أستوعب الأمر .. !!

ويضيف والدي :
" سيعدمون معه ناصر ابن جارنا محمد ! وآخران !


أقتربت منهما أود فهم الموضوع كان والدي يجلس على الكرسي ذاته أما والدتي فكانت تجلس على الارض قريبة منه وقلت لها بألم :
" أماه هل خالي سيــ ع دم ؟

لم أقوَ على نطق الحروف جيدا ً ونظرت لوالدتي ارتقب ماستقوله من حقيقة أخفتها وقت طويل ! لكنها لم تجب ,, والدي هو الاخر بقى صامتا ً !
جلست بقرب والدتي وأبكاني منظرها:
" أمي اخبريني بالحقيقة .
وأغمضَت عيناها تاركة الدموع تنهمر بحرية دون قيود !


يدخل أخي عادل وينظر لنا بشيء مصحوب بالاستغراب ,, ويجد أمي غارقة في دموعها ,, أنظارنا نحن الثلاثة متجهة إليه وهو يجول ببصره وكأنه يود معرفة شيء ما , ظنناه جميعا بأنه سيسألنا عما يبكينا وحين نطق فإننا صدمنا :
" أعتقد بأن شيئ يحترق ألا يشم أحدكم ؟

وتذكرت الغذاء الذي لا يزال على الموقد انتفضت والدتي ومسحت بيديها دمعها وتوجهت للمطبخ بذات السرعة التي خرجت بها منه وقد صرخت فور وصولها :
" الغذاء قد أحترق !

ويلحق بها والدي مهدئاً من روعها ,, أما أنا فبقيت في مكاني متصلبة مع أخي الذي أظنه للتو تذكر المشهد المؤلم ويقول :
" مابكم ؟ أراكم في حالة عزاء !
" ما أدراك ؟

نظر لي باستغراب قائلا :
" هل توفي أحد حقا ً ؟

أدرت ببصري ناحية الارض ويقترب مني مكررا ً سؤاله لكنه لم يلق َ جواب فقال غاضبا ً
" إني لا أحبذ أن يُفعل بي هكذا أخبروني ماذا هناك ؟

أشرت بسبابتي نحو الصحيفة وباشارة ما فهم إن الامر متعلق بما تحتويه ,, فتناولها وأخذ يتجول عند الصفحة التي توقف عندها والدي ويجول ببصره بين العنواين ! ويستدير ناحيتي :
" لا أرى شيئا ً.

وبتثاقل وبوجع نهضت من جلستي وقد اشرت له عند الخبر المقصود ,, قرأ جزءا ً منه وعاد ليقول :
لا أرى شيئا إلى الان ,, مجرد متهمين بحرق سيارة شرطة سيعدمون !

فقلت له منصرفة إلى غرفتي :
" أسأل والدتي عن هوية المتهمين وستعرف لماذا كنا نبكي .




*********


هي المرة الأولى التي افتقد فيها عزيزا ً ! وأرجو أن تكون الاخيرة ,, لقد أخبرنا والدي قبل قليل بأن خالي أحرق سيارة شرطة عمدا ً انتقاما ً لرفيقه التي قٌتل في السجون والذي لم يحتمل التعذيب وقد شاركه في هذه العملية ثلاثة شبان أحدهم ابن جيراننا ,, في الحقيقة لا أعرفه من يكون ! ولكن خالي كان يكثر من الحديث عنه !


اُخفيت الحقيقة عنا أنا وعادل ,, كي لا يكون لقب مجرم يليق بخال ٍ طالما حملنا بين ذراعه وأطعمنا بيديه وسرح شعرنا وأخذنا نلعب في الملاهي وأشترى لنا الملابس!

لا أتصور بأنه سيعدم حقا ً وتراءت امامي كل الصور القديمة وقتها ,, وتذكرت كيف حزنت لأمر غيابه المفاجئ إلا أن الخبر الوهمي الذي عشنا على أمله دعانا لتجاهل الامر قليلا ً
تمنيت أن أحضتنه ,, أن أراه ,, أن اسمع صوته فقط ! لكن كل ذلك لا يحق لي فعله ,, فلقد مُنعت الزيارة !


تناسيت كل شيء ,, ولم أفعل شيء سوى الغرق في بحر الدموع !


~~~~~~~~


استيقظت باكرا ً بعد نوم عميق ,, كانت الساعة تشير الى الرابعة فجرا ً ,, يبدو بأن خيوط الشمس بدأت تتسلل إلى كبد السماء ,, فنهضت لتأدية صلاة الفجر !

ولعلها من المرات القليلة التي اؤدي فيها الصلاة عند هذا الوقت المبكر !

وحينما فرغت رفعت يدي إلى السماء باكية ,, متضرعة ,, أدعو الله أن يفرج هذه المحنة ,, وأن يخرج خالي سالما ً!

أرجو لا يكون مثل رفيقه الذي عٌذب !
بقيت وقتا ً طويلا ً أفكر في أمر خالي ومصيره .. أبكي واتذكر الماضي .. وفي الوقت ذاته غير مصدقة للنبأ الاخير ,, غير مصدقة بأن خالي قاتل ومجرم ! وانتقامي عند هذا الحد .. أحتاج لوقت طويل لأستوعب هذه الحقيقة , فعقلي إلى الان يأبى التصديق !


" ليلى لقد تأخرت عن المدرسة .

نادتني والدتي وايقظتني من الغفلة .. وانتبهت لها واقفة عند الباب وتضيف :
" كالعادة لاتصلين إلا متأخرا ً !

دققت النظر لساعة الحائط فوجدتها تشير الى السادسة وخمس دقائق ,, هل مرت ساعتان وأنا على الحال ذاته بحجاب الصلاة أفكر ؟ لم أشعر بذلك أبدا ً !

هي لا تزال واقفة تراني أتمتم مع ذاتي
" لقد أديت الصلاة باكرا ً هذا الصباح لكني كنت أفكر في خالي يا أمي !

أتممت جملتي فأجد الباب يُـغلق بسرعة ! ولم اسمع خطواتها ,, يبدو أنها لاتزال واقفة خلف الباب ,, غير راغبة في سماع أي شيء !


***********



لم أكن على مايرام بالمدرسة هذا اليوم ,, كنت قلقة وخائفة ,, وتناسيت كل الأمور ,, كنت متعبة وما زادني تعبا ً هو هذا الطابور الصباحي الممل الذي أمقته !

اذاعة صباحية طويلة مملة ,, أكاد أجزم بعدم وجود طالبة منتبهة لما تقوله هذه الاستاذة من نصائح نجدها قديمة متكررة قد حفظناها !


فاطمة هي الاخرى منزعجة من أمر هذه الاذاعة الطويلة وللهروب من أجوائها تسألني :
" ألم تقولي بأنك ستتواجدين معنا في الحافلة هذا اليوم ؟

استرجعت شيء من ذاكرتي وقلت لها :
" اتصدقين نسيت ؟
" حقا ؟
" أجل نسيت الأمر ولم أتذكره إلا الآن بقولك !
" مريم لم تحضر اليوم بالحافلة لقد أوصلها والدها .
" هل هذا غريب ؟
" هي المرة الأولى التي تفعلها .
" هل تتوقعين .....

ولم أتم جملتي فقد زجرتني الاستاذة غاضبة :
" دعكما من الثرثرة واصغيا للإذاعة !

وتقدمت بخطواتها نحو الامام وتقول فاطمة :
" سنستأنف الحديث بالفصل !


لقد وجدت مريم هذا الصباح حين الانتهاء من الطابور الصباحي وابتسامة غريبة تبدو على ملامحها ,, أما أنا فلم يكن يثير اهتمامي ذلك ,, فلقد كنت متألمة لأمر إعدام خالي !

شعرت بصداع حاد يجعلني أفقد كامل قواي في التركيز وقد استئذنت الاستاذة بالنزول للمشرفة الاجتماعية معللة ذلك بشعوري بالارهاق

وهي لم تمانع وطلبت من إحداهن إيصالي .


استلقيت على السرير المخصص للمرضى بعد أن أخذت حصة من " البندول " وقد نمت دون شعور للوقت الذي قضيته أثناء هذا !


وصحوت على أصوات تصدر من الغرفة الخاصة بالمشرفات القريبة من هنا ,, حاولت أن أركز ولو بالقليل على مايجري هناك ,, أعتقد بأن إحداهن أغشي عليها !

أدرت ببصري ناحية ساعة اليد أجدها تشير الى العاشرة ,, لقد بدأت الحصة الرابعة الآن !

نهضت وقد أعدت ترتيب اللحاف وأجد الباب يفتح فجأة

يحملن طالبة يردن وضعها على السرير !
كما توقعت فتاة أغشي عليها .. !

في الغرفة سريران فقط وهما متقاربان من بعضهما وحين ابتغت المشرفات وضع الطالبة قالت لي إحداهن :
ابتعدي بسرعة !

فانصرفت فجأة ملقية نظرة عابرة على الطالبة .

وفجأة توقف الكون من حولي وشعرت بأن قدماي لا تساعداني على النهوض وأمعن النظر لأتأكد من هذه التي أراها محمولة بين الأذرع مغشى عليها ولعاباً يسيل من فمها وعيناها الفارغتان من نورهما !

مريم لا لا !

صرخت مفزوعة :
" يا إلهي ماذا بها ؟

أمسكت بيد إحدى الطالبات أسألها لتجيبني :
" لقد تلقت خبرا ً عن أخيها لم تحتمل فهوت أرضا ً !

وسألتها بسرعة :
" ماذا عن أخيها ؟

وتجيبني وهي تنظر لمريم بخوف :
" سيعدم !


لحظة !
سيعدم ؟

تذكرت حديث والدي بالأمس جيدا ً ,, لقد قال من ضمن حديثه بأن ابن جيراننا سيعدم .. ناصر ! الان فهمت .. ابن جيراننا هو ذاته أخ مريم !


وقد أخبرني والدي بأن خالي أحرق السيارة وقتل من فيها مع رفاقه الثلاثة . هل يعني ذلك بأن أخو مريم صديق خالي !؟

أمور كثيرة جرت بسرعة لم أعد قادرة على استيعابها ,, اشعلت في رأسي الالم ذاته الذي راودني قبل ساعات ولا شعوريا ً وجدت يدي تمتد نحو كتف أحدى المشرفات وقد افتقدت قوتي على الوقوف !


~~~~~~~~~


صحوت قبيل نهاية الدوام الدراسي بوقت قصير , وقد وجدت مريم مستلقية في حالة مؤلمة ,, الدموع على خدها تنهمر بقوة !

نهضت من السرير مقتربة منها أريد مؤازرتها مواساتها وفهم شيء مما يحصل فقلت لها :
" هل أنت بخير !؟

لم تعلق على قولي ولاذت بالصمت بدموع تحرق خديها ,, ووجدت يدي تمتد ناحيتها امسح دموعها وتلفت ناحيتي اخيرا ً بحزن عميق وبدمع غزير ,, وبألم كبير وتقول بصوت مختنق :
" سيعدم أخي يا ليلى .

وترمي برأسها في حجري باكية !

مسحت بيدي على رأسها غير قادرة على الحديث ,, أو حتى قول بأن خالي هو الآخر سيعدم !

وتصمت قليلا ً وتعاود الحديث :
" لماذا قتلتهم لماذا ؟ لماذا لم تدعهم وشأنهم ؟
الأ حسبي الله ونعم الوكيل !


كيف أداوي مريم ؟ وأنا أحتاج لمن يداويني ؟؟ كيف أواسيها وأنا أحتاج لمن يواسيني ؟؟ بماذا أحدثها ؟ وأنا أجهل ماعلي قوله !

لم أقو َ على نطق أي حرف ,, بل تركتها تتحدث بحرية ,, وتطلق مابداخلها من زفرات أسى وشجن ,, تركتها في حرية تطلق سيول دمعها فيما أكتفيت أنا بمسح رأسها ! وتربيت كتفها !

" لماذا يا أخي ؟ ليتك لم تقتلهم وليت لم تحرقهم ليتك !

ويتعالى صراخ مريم فتدخل إحدى المشرفات المتواجدات وتسألني :
" مابها ؟
" إنها تبكي أخاها !
" فليعينها الله !

وتقترب منا وتحاول أن تهدأ من روعها قليلا ً وأن تخفف من حزنها بمواساتها وبحديثها لكن مريم تأبى التوقف عن البكاء وتحدثني المشرفة :
" لم يتبق سوى عشر دقائق عن دق الجرس اذهبي للصف لتعدي نفسك للانصراف .

وهل أقوى أنا على الانصراف وترك مريم بحالها المبكي !؟

" سأبقى مع مريم .

" اذهبي فالحافلات لا تنتظر كثيرا ً .
" لا يهم سأبقى !


وتعيد ببصرها إلى مريم وهي تبكي بصمت وتأمرني :
" احضري لها كوب ماء من الغرفة المجاورة .

أحضرت الكوب مسرعة وقد كان على وشك السقوط من يدي !

" مريم اشربي الماء .

تنظر ناحية اللاشيء وفمها مغلق ,, هي لا تدري بشيء ,, هي لا تسمع أي شيء !
مريم ارجوك كوني بخير ارجوك !!!!!!



لقد تعافت مريم بعض الشيء ,, واتصلتُ للمنزل ليحضر السائق المدرسة ,, فالدوام المدرسي انتهى منذ فترة طويلة ,, والحافلات قد سارت !

المشرفة اتصلت في عائلة مريم لتخبرهم عن الحالة السيئة لها ,, كما أخبرتهم بأمر ايصالي لها ! وهم بدورهم لم يبدُ اعتراضا ً على الامر .

لم يكن في المدرسة سوانا أنا وهي والحارس !

وقفنا بالخارج ننتظر السائق وقد جلسَت على الكرسي القريب من البوابة ,, لتحتمي بظلال الشجرة المزروعة هناك ,, فالشمس كانت حارقة عند هذا الوقت .


" مريم هيا لقد وصل .

وبتثاقل تام وبخطى موجعة تتقدم ناحيتي ممسكة بيدي لأوصلها !!

حاولت الحديث معها طوال وقت العودة وقلت :
" هل تعرفين اصدقاء اخيك الذين سيعدمون !؟


شعرت بالندم على سؤالي الغير جيد في وقته ,, لكنها بعد دقائق أجابتني :
" أعرفهم جميعا ً إحداهم ابن جيراننا ,, أما البقية فهم من مدينة أخرى .

هو بالتأكيد خالي فقلت :
" وماذا تعرفين عن ابن جيرانكم ؟

" كان صديق حميم لأخي لقد كان يحدثني كثيرا ً عنه وكما كان يحدثني عن ابناء أخته !!


يحدثك عنا ؟؟ عني أنا وعادل ؟

فأسرعت في السؤال :
" وماذا كان يقول ؟

" كان يكثر الحديث عن ليلى إنها طيبة وفتاة نبيلة وتستحق كل الاحترام والتقدير !
أما عادل فهو شاب مشاغب !

ابتسمت لقول مريم وعدت لأسألها مجددا ً :
" ألا تعرفين ليلى ؟

" للأسف لا أعرف من تكون .
" وهل تودين معرفتها ؟

شعرت مريم بمدى اهتمامي بالأمر فقالت :
" لماذا كل هذه الأسألة ؟

" آسفة لاشيء !


السيارة توقفت ويسألني السائق مصري الجنسية :
" إلى أين أذهب الآن ؟
" إلى الجهة اليمنى !

هناك حيث منزل مريم يقع .



~~~~~~~~~~~~~~



خالي الذي تربيت بين أحضانه قاتل !
وسيعدم عما قريب !!!
الفتاة التي شغلت فكري كثيرا ً أنام معها اليوم في غرفة واحدة !
وخالي صديق لأخيها !
وكان أخيها يحدثها عني !
وهي تود معرفتي !!

أليست كل هذه الأمور كفيلة بأن تجعلني مرهقة إلى حد ٍ لا أفارق فيه فراشي ؟

كنت متعبة للغاية ,, وهي المرة الأولى التي أصاب بمثل هذه النوبة ,, وأنا عاجزة عن التفكير في أي شيء ,, فلقد اختلطت كل الأوراق ,, ولم أعد أميز بينها بشيء !


خبر إعدام خالي اصحبه خبر معرفة مريم لشخصي الذي سمعت عنه ورأته بشكل مختلف !!

أوه يا إلهي أريد أن أنام أريد أن أطرد هذه الافكار من رأسي ,, أريد أن أرى خالي أريد واريد ! وما أكثر ما أردته عند هذه اللحظة !


طرقت باب غرفة أخي عادل ,, كان الهدوء مسيطر على أجواء الغرفة على غير العادة ,, فلطالما كانت اصوات الأغاني تصدر منها وتدوي المنزل بما فيه .

فتحت الباب فأجد أخي مستلقيا ً على السرير يبكي وقد حاول أن يمسح دموعه منذ رآني .

" عادل هل أنت مصدق لخبر إعدام خالي ؟
أغمض عيناها بصمت ,, ولم يجب !

" أعلم بأنك لست مصدق مثلي تماما ً و ..

يفتح عينه بكل هدوء ويقول :
" أتركيني وحدي !




~~~~~~~~~~~~


وأُعدم خالي ,, وأعدم من معه ,, وخيم السواد على أجواء المنزل ,, أخي كان على وشك الانهيار أما أمي فكانت على وشك الموت الحقيقي !!

عم الحزن في قلوبنا ,, ومقتنا الدنيا بما فيها !

تم تسليم الجثة و قد رفض والداي اصطحابي لهناك ,, كنت مستاءة ومتألمة , اريد أن ألقي النظرة الأخيرة أرجوكم لماذا تحرموني ؟

ورجاءي لم يجدِ نفعا ً


التوقيت كان سيئاً للغاية ,, لم أقو فيه على المذاكرة للامتحانات التي ستبدأ الاسبوع القادم ,, فكنا جميعا مشغولين بأمر العزاء ,, والمصاب الذي تجلى في قلوبنا أكبر من أن يدعونا للانشغال بأي شيء آخر .


لقد مرت الايام بطيئة بأوجاعها وبآلامها ,, وكانت هي المرة الأولى التي اعيش فيها تجربة مأساوية بفقد انسان امتلك من قلبي الجزء الأكبر !



النتائج بالامتحانات لم تكن جيدة ,, ولم يثر ذلك اهتمام لدي ,, فالقلب لا يزال مفجوعا ً بفقد خالي .وقد حاولت مع مر الأيام خلال العطلة الصيفية أن أتقبل الواقع الذي يخلو من وجوده !!!!



حينما استعادت والدتي بعض من عافيتها وشعرت بتحسن في صحتها ,, أخبرتني بأنها تود زيارة بيت رفيق أخيها لتعزيهم بفقد ابنهم .. ! وكان ذلك البيت هو بيت مريم !

فكرت ملياً بالأمر ,, لقد أخبرتني طالبة بأن مريم لا تحبذ الزيارات ,, وإنها ترفضها وبشدة ,, اخشى أن يكون حضوري مخجلا ً .

" أمي لا أود الزيارة !
" لا يصح ذلك لابد منها .
" لا يتطلب ذلك حضوري .
" قلت لابد منها ألاتفهمين ؟

والدتي اصرت على وجودي معها ,, وكانت مريم وحدها من تجعلني أخشى ذلك التواجد .
فزرتها بشيء محصوب بالخجل والتوتر ,, وشيء آخر قريب لمعرفة حقيقة الاستنتاج الذي توصلت له في وقت ٍ مضى .


لأن المنزل لم يبعد سوى مسافة قليلة فإننا وصلنا بسرعة , والدتي لم تكن تعرف العنوان ,, يبدو بأنها لم تزرهم من قبل ,, !

" ليلى كيف عرفت العنوان ؟
هو السؤال الذي وجهته أمي لي راغبة في معرفة الوسيلة التي بها عرفته ..

وأكتفيت بتذكريها بشخص مريم المختلف والذي شغل فكري لمدة من الزمن ..
ووجدت نظرات عميقة في عيني والدتي بعد هذا التذكير !


طرق خفيف أعقبه خروج إحداهن يستفقد الزائر ,, وكانت مريم هي من فتحت الباب ,, وهذه المرة كان وجهها شاحبا كمن هاجرت الابتسامة عنه منذ زمن ؛ لا تزال حزينة على رحيل ناصر !
ما أن وقعت عيناها علي ّ شعرت بحدة نظراتها تكاد تخترق عيناي ,, كم نظراتها حارقة هذه الفتاة !!

" مرحبا !

قالت تلك الكلمة وكأنها تستقصد ماهو خلافها ,, شعرت بالخجل من جديد .. !

ثوان ٍ وقفنا أمام الباب في حيرة قاتلة ,, ومريم في وضع ٍ لا تسمح لنا بالدخول ,, كأنها خائفة من شيء ٍ سيقع ! كأنها لاتود أن نرى ما بالداخل .. !
أفكار مجنونة حلقت فوق رأسي عند هذه اللحظة .. ومريم لا تزال في وضع يثير الاستغراب .. وهي تحدق في وجه والدتي .

وينتهي صراع النظرات بقولها :
" تفضلا .. من هنا .. !

وجهت ببصري لأمي ألومها على اصرارها الذي يدعوني لما أنا عليه الآن ..

مريم أوصلتنا للمجلس وجالستنا في صمت دون أن تنطق ..
وقالت أمي بعد وقت طويل ٍ مضى :
" نعزيك بأخيك ناصر .. تجملي بالصبر ..


" حسبنا الله و ..

هي جملة مريم التي بترها فتح الباب بهدوء ,, لتخرج من خلفه إمرأة قد لبست السواد ,, والخصلات البيضاء منسدلة على كتفها ,, كانت تبدو إمرأة في الخمسين من عمرها ..

اقتربت منا نحن الثلاثة وقد وجهت ببصرها نحو والدتي وفتحت ثغرها بقوة وهي تصك بأسنانها :
" أنت ؟ مالذي جاء بك ِ إلى هنا ؟ أما كفاه أخوك بما فعله بابني ؟؟ ماذا تريدون ؟؟
هل تودون قتلي أنا أيضا ً ؟؟


لم تظهر على والدتي شيئا من ملامح الحرج والاستغراب .. حتما ً إنها كانت تتوقع حدوث ذلك .. كانت تلك المرأة هي والدة مريم ,, وهي لا تزال تفرغ ما بداخلها من ألم وتصرخ في وجه والدتي ..


أما مريم فلا تزال جالسة بقربي تحدق بي كأنها غير مصدقة لما قالته أمها قبل قليل .. بأن رفيق ناصر هو خالي أنا ,, أخذت الأفكار تتطاير نحوها .. !

كل ٍ كان يحدق بالآخر حرب النظرات قد عادت مجددا ً وقد تدخل فيها طرف جديد ..


صراخ عنيف ,, توبيخ ,, خجل ,, صدمة ,, هذا ما احتوته زيارة مريم الأولى ,, وبعدما لقيناه هناك أحسبها الأخيرة .. لا أخال والدتها سترحب بنا !! ..





]] يتبعــ ]]




.

 

التوقيع

.0.
.0.


وحيدةٌ أنا دُونما ذاكرة ,,
أو ربما بذاكرة ..
ذُبل فيها كُل شيء .. ,

الاهل ..
الاصدقاء ..
والوطن !


.0.
.0.

الوجه الأليم غير متصل   رد مع اقتباس