منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - قردة وخنازير (رواية)
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-21-2019, 09:36 PM   #15
عمرو مصطفى
( كاتب )

الصورة الرمزية عمرو مصطفى

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 2618

عمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


(3)

عشرون نفراً كانوا مجتمعين في ذلك اليوم..
وهناك نفر واحد يعتبر وجهاً جديداً؛ لذا فقد شعر أن كل الأنظار مسلطة عليه.. حتى تمنى لو انخسفت به الأرض من شدة الخجل والارتباك.. هناك مائدة مستديرة تشبه مائدة الإدارة التي تجتمع حولها النخبة الأممية، الفارق هنا هو أن المجتمعون حول تلك المائدة يريدون إزالة الهواء الذي تتنفسه النخبة.. فوقهم كشاف قوي مسلط من السقف يعطي ظلالاً مريعة تليق فعلاً باجتماع سري لحفنة من المتمردين..
ثم وصل رب الأسرة فقاموا جميعاً لتحيته باحترام مثير..
كان ضخماً مهيباً ذا صوت رنان.. تجاعيد وجهه والشيب الذي وخط فوديه ونظرات عينيه الثاقبة كلها تقول: أنه الأكثر خبرة وحنكة وقسوة في هذه الأسرة..
كان عارف قد أوصى باسم بألا يشارك في الحديث إلا إذا وجهت له الأسئلة؛ لذا فقد جلس أكثر من ساعة يستمع لإنجازات أفراد الأسرة خلال الشهر الماضي..
هؤلاء دقيقون جداً مثل بندول الساعة.. باسم الذي يحب المرح ويميل للفكاهة وجد نفسه بين هؤلاء الجادين الصارمين غير قادر على التنفس، بالرغم من كون الفلاتر تعمل بصورة ممتازة في الغرفة..
أخيراً جاء دور عارف في الكلام، وكان أخر المتكلمين، فبدأ يسرد ما حدث له منذ التقى بباسم وحتى وصولهما إلى الاجتماع بدقة عجيبة.. هناك تفاصيل نسيها باسم نفسه لكن عارف ذكرها بالساعة والثانية.. انتهى عارف من الكلام فسادت فترة صمت مطبق.. ثم أعن رب الأسرة أنه قد حان وقت توزيع مهام الشهر القادم..
قال له عارف قبل الاجتماع:
ـ لا تنصت إلا لمهمتك وفقط.. ولا تنس حرف مما قيل لك.. لا تسأل عن أي شيء يخص مهام بقية أفراد الأسرة.. لا تنظر في عيني رب الأسرة أبداً لمصلحتك..
لذا أرهف سمعه بشدة انتظاراً لمهمته الأولى .. قلبه يدق بعنف والعرق يتفصد منه لكنه لن ينسى حرفاً مما سيقال له مهما حدث ..
فهم باسم من طريقة توزيع المهام أن الأسرة مقسمة لفرق صغيرة.. فرق ثنائية وأخرى ثلاثية ورباعية.. وهناك من يعمل بمفرده كذلك .. طبعاً هو وعارف سيشكلان فريقاً ثنائيا..
المهم أن رب الأسرة قال أخيراً بصوته المميز :
ـ الرفيق عارف والمبتدئ..
ضايقه أنه لم يذكر اسمه لكن حاول صرف تركيزه لما هو آت..
ـ نريد منكما تجنيد فتاة ليل في حانة النجوم الساهرة..
هكذا فقط.. بدت له المهمة تافهة وأقرب لعملية تدريب ليس إلا..
تجنيد فتاة ليل ثم ماذا؟..
قال له عارف بعد انتهاء الاجتماع وانصراف رب الأسرة :
ـ لا تشغل بالك إلا بما طلب منك فقط.. أنا وأنت ترس في ألة أضخم من أن تستوعب في جلسة.. أسرتنا ما هي إلا حلقة في سلسلة ضاربة في السماء..
شعر باسم بالحنق، ويبدو أنه قد ظهر شيئاً منه على وجهه، لأن عارف قال له في صرامة :
ـ لا تبدو مسروراً.. مجرد أن تظهر تبرماً أو غير رضا لطريقتنا في العمل يعرضك للعقوبة..
طبعاً لم يزده هذا إلا حنقاً..
لكنه فوجئ بانقلاب الجلسة تماماً بعد انصراف كبيرها..
جاء أفراد الأسرة للتعرف على باسم وتهنئته بالانضمام إليهم.. بدأ يسمع عبارات مزاح وصوت ضحكات من القلب.. هناك جبل من الشطائر وأطنان من المشروبات ظهرت من مكان ما.. أشعره هذا بجو أسري لطيف أذاب الجو القاتم للاجتماع السابق..
حتى عارف بدا أكثر ليونة وتجاوب مع المازحين بطريقة أدهشته.. وهكذا تناول باسم شطيرة من الجبن وبدأ في تفرس ملامح الموجودين رجالاً ونساء.. وجوه لا يمكنك أبداً أن تشك فيها لو قابلتها في الطرقات .. ليست لهم ذيول ولا يمشون على أربع .. لقد تخيل يوماً وهو صغير أن المتمردين كائنات أخرى غير البشر ..
كان هذا حينما ارتطمت عيناه فجأة بعيني تلك السيدة هناك..
كانت ترمقه بعين لا تطرف وهي ممسكة بشطيرتها بلا شهية.. إنه نوع من المشاركة الظاهرية فقط.. لكنه بعكسها كان جائعاً..
شعر بالحرج فصرف بصره وبدأ يلوك شطيرة الجبن.. هنا سمعها تقول له:
ـ أنت من إلوسيوم؟
نظر لها فوجدها لم تغير جلستها ولا الطريقة الثابتة التي ترمقه بها.. هز رأسه إيجاباً وهو يزدرد الطعام..
ـ إذن نحن بلديات..
هز لها رأسه مجاملاً دون أن ينطق بحرف.. أشعره هذا بسخافة موقفه، كأنه مراهق يحدث فتاة لأول مرة في حياته.. يبدو أنه نسي كونه مطلق وأن هذه سيدة بالغة ويبدو من نظراتها الجامدة أنها ليست على ما يرام كذلك .. كأنها مصدومة وعلى وشك الانفجار في البكاء.. امتقع وجه باسم وبدأ ينظر لعارف مستنجداً كي ينقذه من تلك المصيبة..
هنا اقتربت منه السيدة بوجهها فتراجع للخلف متحسساً حنجرته.. لكنه فوجئ بها تقول له هامسة :
ـ اسمي عفاف..
تنفس الصعداء وقال لها مغتاظاً :
ـ وأنا باسم..
لم يكد يقول لها اسمه حتى تراجعت للخلف وشردت ببصرها بعيداً عنه كأنها لم تره ولم تحدثه.. مجنونة.. هكذا فكر.. وهكذا سحب نفسه واتجه لعارف الذي كان مشغولاً بحوار جانبي مع أحد أفراد الأسرة..
سحبه من كمه فنظر له الأخير في ضيق.. همس وهو يميل عليه :
ـ ما حكاية هذه السيدة بالضبط؟
نظر عارف إلى حيث يشير بطرفه فظهر على وجهه الفهم..
ـ تقصد عفاف.. هل وقعت معها؟
ـ تبدو غير طبيعية..
ـ لقد فقدت زوجها وطفلها الوحيد قبل أن تنضم للأسرة..
ظهر التأثر وتأنيب الضمير على وجه باسم.. فقال له عارف وهو يربت على كتفه :
ـ لا تتصعب هكذا يا رفيق.. إنها من أشرس أفراد أسرتنا.. يمكنها خنق طفل رضيع لو كان هذا فقط عمل يغيظ النخبة الأممية..
كالملسوع أدار بصره إليها حيث جلست، فوجدها على نفس حالة الشرود إياها.. لكن هذه المرة أضفى عليها حديث عارف هالة من الرهبة.. هذه النظرة الميتة لا يمكن أن تكون لأم ثكلى أبداً.. بل هي أقرب لليليث قاتلة الأطفال..
هكذا قرر باسم ألا يقترب من عفاف هذه أبداً وألا يتورط معها في أي حديث أخر..

***

لم يبق من عفاف القديمة إلا اسمها فقط..
منذ انضمت للرفاق صارت مخلوق أخر غير تلك الزوجة التعسة التي فقدت زوجها وابنها الوحيد في ضربتين متتابعتين.. لقد أخرج الرفاق ذلك الوحش الكامن في أعماقها.. من الجيد أن تجد من يروض وحشيتك ويجعلها ذات هدف سامي يرضي ضميرك الذي لم تتخلص منه نهائياً بعد.. أن تصير وحش مناضل.. تقتل فترفع لك القبعات.. تفجر منشئات فتحصل على ترقية.. اليوم صارت عفاف إحدى عجائب الأسرة السبعة.. امرأة المهام الصعبة.. المهام التي تحتاج إلى أعصاب من حديد وقلب من صوان.. لقد سمعت كثيراً عن أسطورة ليليث التي فقدت أطفالها فصارت مسخ يمتص الدماء ويقتل الأطفال الرضع..
بدت لها الأسطورة أكثر شاعرية مما توحيه للبعض من بشاعة..
بل هذه هي العدالة الشعرية في أروع أمثلتها..
أنا ليليث في ذروة المجد البشري.. تقولها لنفسها في المرآة وتبدأ في نوبة ضحك هستيري..
مازالت رائحة الدماء التي سفكتها تفعم أنفها وتشعرها بانتشاء لا يوصف..
في أول اجتماع لها في تارتاروس كلفها رب الأسرة بقتل أحد رجال الشرطة لكنها لم تكتف بهذا.. تسللت لمنزل الشرطي بلا سلاح.. أحضرت سكين طويل من المطبخ وبدأت تمارس طقوسها الخاصة..
ذبحت الشرطي أولاً، ثم طعنت الزوجة عدة طعنات في أماكن بعينها كي تبقيها حية لأطول وقت ممكن.. بعد ذلك سحبتها من شعرها للخارج.. إلى غرفة الأطفال طبعاً.. سمعت نداء رفاقها عبر جهاز الاتصال المزروع خلف أذنها..
ـ عفاف انسحبي.. لقد انتهت العملية بنجاح..
الزوجة كفت عن المقاومة وبدأت تحشرج.. أجلستها عفاف لتتمكن من متابعة المشهد المروع الذي أعدته لها خصيصاً.. يشبه كثيراً مشهد ذبح الأرانب..
الأطفال في تلك المواقف يشبهون الأرانب كثيراً.. لكنها لم تقرر سلخهم أمام عينيها كما يفعل بالأرانب ..
للأسف لم تتمكن الزوجة من الصراخ.. لكن عينيها قالت الكثير.. كيف كان مقدار الألم الذي عانته وهي ترى أطفالها يستنزفون أمام عينيها؟..
ـ عفاف.. ينبغي أن تنسحبي قبل فوات الأوان..
حينما انتهت عفاف من طقس شرب الدماء الذي أدمنته مؤخراً، التفتت للزوجة فرأتها تحرك شفتيها الجافتين كأنها تقول شيئاً لكن لا بلا صوت..
انحنت عليها لتسمع ما تقول، فبدت كلبؤة قد مرغت وجهها في أحشاء حمار وحشي..
ـ ماذا تقولين يا حلوتي؟
بعد جهد جهيد قرأت ما تقوله بحركات الشفاه..
ـ اقتليني!

***

 

التوقيع

" تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَة ..
تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!"

( أمل دنقل)

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس