على ثيمة البنفسج
وهاب شريف
*******
صباح عيد....
في شارع الإمام المؤدي إلى نخلة الكون سيد العدالة
النساءُ يقفْنَ بباب يؤدي إلى السجن يحملْن والأطفالُ
ما تحتوي الحقائبُ مما لا يريد المودعون
المودعون بينهم وبين بناتهم هفوة حرب
أو سعادة صدفة
شارع مفعم بالأسف
مثل أمّ تكتبُ ابنتُها شعرا على طريقة الخنساء
ونساء الجنوب يذهبن حيث أودعن أعزاءهنّ
وهم في عزّ حيرة مقمرة
جمّعن دمع العمر حتى جفّ نهرُ الضيم
نهرُ الضيم جف ّ
يترقب الأطفال َ علّهمْ يرمون بعض الدمع عند المقدرة
كهمّ التصاق الخراف ببعض بوجه السيول
كصحرائه الممطرة
يرتّبُ أيامه تلُّ الأماني
وأنت أنت ولا أنت أنت على ما تلثغ القبّرة
تمرّرُ كيد ذئب خبيث الخطى على ما تخلف من بعثرة
ويستعبدونك مثل اتساخ الثياب على بعد بلوى من الثرثرة
ومثل كذوب يرسخ في نباتات القرى النائية
جبابرة وصايا وتعاليم أئمة جدد جديرين بالمغفرة
تحاول أن تراني أسيرا كمتّسع من الورد في امة ضيقة
وينثر أحلام لا جدواه رسامٌ غريب الدموع
ليشرب غائبٌ عن مغيب خيبة شيقة
وخلفك أبيات شعر ضيعتْ مناديلها
من لعطر عزيز مثل طفل ضاع من أمه بين عيد ومقبرة
ومن لأب الغريق الذي إلى الآن مذ لم يمت
يحرث الصبر في أسرة مقفرة
أنا وأنت
نقتفي مطر القبور
لم اقل أحلامَهم
ولم اقل أحلامُهم
لأنها لم تتضح ْ
ومن سيأتي بعدنا
سيقتفي مطر القبور
لم اقل أحلامَنا
ولم اقل أحلامُنا
لأنها أيضا
وأيضا :
سيبدعون طريقة مثمرة
لذبول وردة مغفلة
مبتكرو الكوابيس
براعة اختبائهم ناعمة
لأننا معمرون في الظهور سنبلة
سنشرب قبل نومنا المسألة
لتعطش الظنون من حديد
نمرّ عند حزننا بكل ما يحزننا
ليفرح اللبلاب من كثيف
نحو أندى.
من طفولتنا
ازدادت الأراجيح عند المسنين
واتسع الشق بيتنا
نحن مرايا غيرنا وسيئات مراياهم
بعبارة أخرى
نداعب أعضاء القرود
هم يضحكون
ونحن نضحك من ضحكهم
من احتضان بعضنا لبعضنا
من شدة افتراقنا ،
من افتراق بعضنا لبعضنا
من شدة احتضاننا
وقلت فيما قلت
من احتضان بعضنا لبعضنا
من شدة احتضارنا ،
من افتراق بعضنا لبعضنا
من شدة افتراضنا
بيد إن وهاب شريف
لم يشعر لمرة واحدة بصمت حرف
وعندما جاءت قبائل الورد
من آل جوري
وفخذ ألرازقي
ومن بيت ورد الأقحوان
وأعلنوا طاعتهم لليأس والياسمين
كان منهمكا بخلاصته
وكيف يريقها في المستحيل
علّ طباع الغزال
تتغير في نسله المبشر بالمحنة والركض
من منافق
كظهيرة هدها الصمت في زحام متهورين
أو متملق
كبنتٍ تتقمصُ صبحا فيروزيا
لا يصدقه الكداؤون
إلى شاطئ يملؤها حبا وأمانا فجمالا
من بعد أن شغفتْ بالصحراء خلاصا وشذوذا
يبحث عن صديق مثله
لا شريك له غير همه
ولا التزام له
غير وطن
كان يقول تنبه
كان يسمى اتركني
وطن
يرافقه
أينما حل
أو ضاق
أو ضاع
في أوضاعه المتراكمة
ياه كم أنا متفائل هذه الميتة المتفاقمة
ياه منا نحن المتلهفين لسؤر البنفسج
الذي يكرّرُنا دائما
ويمنحُنا العطش
نؤجّجه ُ بالغناء
وحسرة الفواخت
كلانا يبدّلُ ثوبا
ليخدع َ سربَ الحروب
كلانا يغيّرُ جلدا
لينسى
كلانا يشقّ ُ النهارَ
لينمو
كلانا يخطّط ُ للاختلاف
مثل الذي لا يكرّرنا دائما
مثل الذي لا نؤجّجه بالغناء
نداعبهُ بابتسامات ما نكتوي
من ذكريات
ليجرحنا برقّتنا
مثل أمس مغفّل
نحن المشتغلين على ثيمة الأمل
َمنْ يملك عنفوان الاعتذار
من يملك قوة الهزيمة
من يملك لامبالاة الكرم
ِمن أجل أغصان التجارب
التي شربتْ حماقات البلابل
من أجل أنْ تتّعظ َالسواقي
من أجل أنْ أذكرَ إن الذي
منحْتُهُ عدمَ اكتراثي
مررْتُ عليه مثل موت مفاجئ
لذلك امتلأتْ دموعي بأسماكه البريئة
بيد إنّ الذي ضاع بين النجوم
كان قلبي الذي عندهُ
مثل لغز عصيّ
أيقن َ الأطفالُ إنّ جميعَ الحروب خاسرة
أدرك المكسور ُ إنّ حروفَ الكؤوس عابرة
أرجعَ العصفورُ أحلامهُ للمآسي الغابرة
وأذكرُ إنه عاد صافي الذهن
لا يعي المبرراتْ
عاد يمتلك القرارَ الحياةْ
وأذكرُ إنّ وهاب شريف
كان يبني من الطين آلامه ُ الباسلة
وينفخُ فيها من الصبر ما يكفي
لأيامه السائلة
كان في كلّ أنثى يموت ُ فيها
نخلة ً تكنس ُ الأرضَ من آثامها
وعلى جذعها ذكريات انتظار
وبقايا أغنيات
كلّ ُ زيتونة غيمةٌ من تأمّل
كلّ ُ غيمة رصيف
يذكرُ بعضا من خطى وهاب شريف
هل تذكرون بلدة ً جميلة ً
ودمعة ً خميلة ً
كان اسمها وهاب شريف؟