عندما أجدُ مُتَّسعاً من الوقت أتَّصلُ على أحدهم لنتناول العشاء سوية ، وذات ليلةٍ أتيتُ إليه وكانت أخته قد أتتْ من مدينة أخرى ومكثتْ عندهم بضعة أيام ، وعندما وصلتُ إليه اتصلتُ على هاتفه فخرج واستقلَّ السيارة معي ، وأنبأني –باسماً-أن أختَهُ قالتْ : ما هذا المزعج !
نظرتُ إلى صاحبي أطالتْ أذناه ؟ وهل على ظهره بردعةٌ (لأني خلتُه في تلك الساعة حماراً) ؟! بلغت الأنانية بهذه الوقحة أن تحرمَ أخاها بضع ساعات يُروِّح فيها عن نفسه مشقة الذهاب بها والإياب ، وتلبية طلباتها التي لا تنتهي !
أخالُ أنها نظرتْ إلى السماء فخالتْ نفسها بصفائها ، وبهاء القمر ، ونقاء السحاب ، ورقة النسيم ، وهي –بعرةٌ اتزرتْْ بمئزر-فما حالها إذا التطمتْ أمواجها ، وثارتْ زوابعها ، واندلقتْ ساقيتها ! بل كيف للكبر أن يغمرها رغم الأقذار والأدناس التي تملؤها من مفرقها لأخمصها ؟!
ربما أنها تخالُ أنَّ طينتَها عُجنتْ بالمسك ، وطينة سواها عُجنتْ من حمأٍ مسنون !
بل ربما تخالُ نفسها –اللُّعْبَة-التي تَضْربُ الحور على عاتقها ، ويَقُلْنَ لها: طُوبى لكِ !
وأنا أستعيد هذا الموقف دارت بخلدي هذه الكلمات : وأيم الله ، أن العَجَبَ يأخُذُ مني كلَّ مأْخَذٍ ، حينما أُبْصرُ من يشمخُ بأنفه عالياً ، وينظرُ إلى الناس وكأنهم خولٌ مُسَخَّرون لخدمته والقيام على راحته ، وهو لو طأطأ رأسه قليلاً وتفكَّرَ بالمُخاطِ ، والخَلُوفِ ، والتَّنَخُّع ، والسَّهَك ، وتأمَّلَ ممَّ خُلق ، وفيمَ تَكوَّن ، وعلى ماذا تغذَّى... لعرف ضآلة قدره ، وحقارة شأنه !
يقول الحق تبارك وتعالى في الحديث القدسي : (الكبرُ ردائي فمن نازعني ردائي عذبته) .