في فيلم جانجو الحر، أحد أفلام هوليود ( مملكة اليهود) قدم الممثل الأسمر صامويل جاكسون شخصية فريدة من نوعها، وهو الرجل الأسود العجوز الذي يخدم السادة البيض العنصريين لحد التماهي معهم في عنصريتهم، وفناء ذاته في ذواتهم، فهو يكره ويضطهد السود حتى أكثر من البيض أنفسهم، حتى تتصور أنه ليس أسوداً على الحقيقة ، وأن لون بشرته هذا مجرد دهان زائف!
وكنت أحاول فهم هذه الشخصية وتحليلها ( كشخص عادي وليس كمتخصص)، وأحاول كذلك استيعاب حقيقة وجودها.. ولما نظرت في الواقع من حولي، تبين لي أن متلازمة صامويل جاكسون هذه موجودة وبشدة في الواقع من حولنا.. الشخص الذي يتماهى مع أعدائه حتى يصير أقصى وأغلظ منهم على إخوانه، أو من يفترض أن يكونوا إخوانه.. يمكنك أن ترى هؤلاء الأشخاص في صراع الأمة مع عدوها المزروع في قلبها ( فلسطين)ـ بعيداً طبعاً عن الجماعات الحزبية الوظيفية التي شرذمت الأمة ـ تراهم أقواماً من بني جلدتنا يتكلمون بألسنتنا لكن كلامهم هو عين كلام أعداء الأمة، حتى أنك تحتار هل المتحدث هو أحمد ومحمود؟ أم ليفي وكوهين؟ وهل هذه القناة عربية أم عبرية ناطقة باللغة العربية؟
إن فلسطين والقدس هي قضية البقاء والوجود لأمة حية نابضة بالقوة، وبقاء العدو الصهيوني جاسماً عليها هو تهديد وجودي للمنطقة العربية والإسلامية كلها، فهؤلاء في حسابات الغرب ( حماراليهود الأكبر) لم يوجدوا إلا ليكونوا رأس حربة ناشبة في قلب الأمة، وصمام أمان للغرب من نهضة هذه الأمة واستيقاظها مرة اخرى من غفوتها التي طالت، ومن هنا نفهم ذكاء طمعنا في أن يرق الغرب لنا ويدعم حقوقنا ( فيك الخصام وأنت الخصم والحكم).
وهذه الأمة لن تقوم، ولن تنهض، ولن تعود؛ حتى تسترد شرفها المسلوب في القدس، ولن تسترد شرفها المسلوب إلا باتباع الأسباب، وهما يتلخصان في سببين: العدة الإيمانية والعدة المادية.. بهما نقهر عدونا، ونسترد شرفنا، وبالتهاون فيهما أو في أحدهما يطول الصراع ويتأخر النصر.. أو قد لا يأتي.. الأخذ بالعدة الإيمانية يبدأ من تصفية العقيدة التي يصح بها البدن ويقوى من أدران العقائد الباطلة والأفكار الخرافية المريضة والمنحرفة، وتتوحد بها وعليها القلوب، فلا نتحاسد ولا نتباغض ونصير عباد الله إخوانا.. تصفية العقيدة تعني: جماعة واحدة لا جماعات متفرقة تقدم لعدونا بطريق مباشر أو غير مباشر خدمات جليلة لا يستطيع أن يؤديها هو بنفسه، فتؤديها هي نيابة عنه، فتصير خنجراً في ظهر الأمة. وهذا لا يتعارض مع فكرة تعدد الدول التي قد تكون في بعض الحالات ضرورة جغرافية، أو واقع ( بذنوبنا) ليس له من دافع نطالب بالحفاظ عليه كي لا يتفتت المفتت ( لا نضيع الموجود في سبيل تحقيق المفقود). ولا يتعارض مع تنوع الشعوب والقبائل ( التقسيمات التي خلقها الله ومع ذلك نهينا عن العصبية لها).
تصفية العقيدة تعني أن يصير أبناء الأمة معتزين بانتمائهم لها، متفردين بشخصيتهم، لا متماهين مع عدوهم، وآفة المهزوم تقليد المنتصر إلى حد الذوبان. تصفية العقيدة تطرد من الصدور الإحساس بالهزيمة النفسية، تصفية العقيدة تؤدي بك حتماً ولا بد للسبب الثاني من أسباب النصر، ألا وهو العدة المادية، فهي مترتبة على العدة الإيمانية، فدينك يأمرك أن تعد لهم ما استطعت من قوة، ولا يلزمك أن تملك نفس القوة التي يملكها عدوك، المهم أن تملك ما يرهبه، وفي حدود الاستطاعة ( لأنها مناط التكليف)، كما حدث في حرب العاشر من رمضان، وعلى قدر تحقيق الشرط يتحقق الوعد، والنصر على قدر النصر ( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)..