صدر حديثا للشاعرة الزميلة سعدية مفرح كتاب عنوانه
« سين... نحو سيرة ذاتية ناقصة »، عن الدار العربية للعلوم ناشرون في بيروت، تضمن الكتاب ثلاثة فصول الأول
: عن الشعر والذاكرة وعلل الروح، والثاني: في مدينة على هدب طفل: لم أغادر لأعود، والثالث: في شظايا أدبية: على هامش الصمت أكتب.
تقول الشاعرة في كتابها:
السؤالُ نفسُهُ يباغتُنِي
كلّما وضعْتُ قدَميَّ
على طَرَفِ الإِجابةِ المُحْتملةِ
وتحت عنوان «سين وحسب»، قالت مفرح: «أما هذا الكتاب فهو اجابة بعد إجابة عن أسئلة نبشت من قاع
روحي الكثير مما تراكم فيه، وساعدتني على مواصلة رحلتي القديمة والمستمرة في سبيل اكتشافي لذاتي».
وأضافت: «وفكرة الكتاب نبعت من حوار طويل، أجراه معي أعضاء منتدى (مدينة على هدب طفل)
على الانترنت، وفقا لآلية تطلبت مني أن أجلس كل يوم، لعدة ساعات وعلى مدى أكثر من شهر، أمام شاشة الحاسوب
لأجيب بشكل كتابي مباشر على الأسئلة التي كان يضعها أعضاء المنتدى تباعاً. وقد وفرت لي تلك التجربة التي كانت
جديدة بالنسبة لي قوة إضافية في مجابهة وهني الشخصي أمام جبروت السؤال وسطوته، فعلى الرغم من تعلقي بعلامة
السؤال دائماً، وشغفي برسمها في نهايات الجمل كلما آن لفضولي أن يمد رأسه بين الكلمات الكثيرة إلا أنني كنت أشعر
بالنقص والعجز أمام تلك القوة الكاملة الكامنة وراء تلك العلامة المعقوفة على فيض من الدهشة، والمنحنية بجمالية
أخاذة على المزيد من الاحتمالات الغامضة».
وكتبت المؤلفة على الغلاف الأخير من الكتاب:
«رحلت والدتي فعلا، لكنها تركت الكثير منها فيّ، وبعد رفقة امتدت على مدى أكثر من أربعة عقود من الزمان بشكل
يومي حميم، صرت، أنا المختلفة عنها دائما وربما في كل شيء كما كنت أعتقد، أفكر كما كانت تفكر، وأحب ما كانت
تحب، وحتى عطر دهن الورد الذي كانت تفضله على غيره من العطور صرت أحبه واستلهمه
وأكاد أشمه في كل فضاءاتي كلما استحضرتها أو استحضرتني.
هل تفكيري فيها بهذه الطريقة يغني عن قصيدتي لها؟
هل أكتب لها أم عنها؟
هل أكتب عني معها؟ أم عني في غيابها؟
هل استذكرها؟.. أم استحضرها؟... أم أعيد خلقها في قصيدتي؟
لا أدري. أردد أحيانا مفردات وجملا شعرية غير مكتملة كهذيان... لكنها تغيب.
قبل رحيلها... لم يكن الموت قريبا مني إلى هذا الحد، ولكنها عندما ماتت في حضني، وتسربت روحها
من جسدها وتصاعدت نحو السماء بينما اسند رأسها على صدري، كانت نظرتها الأخيرة لي، وكلمتها
الأخيرة لي، ورائحتها الأخيرة الممزوجة بدهن الورد في انفي، فأي قصيدة يمكن أن تكون إذاً؟
عندما عدت بعد دفنها في مقبرة الجهراء الموحشة، كأي مقبرة، لغرفتي، شعرت أنني تحررت من خوفي
الذي تنامى في السنوات الأخيرة بشكل مرضي عليها. لكنني لحظتها دخلت نفقا يشبه قبرا صغيرا.
وعندما ذهبت لزيارة قبرها لاحقا، تكثف المعنى الشعري كله في شكل القبر الذي كان أمامي. شعرت
بألفة نادرة مع المقبرة، وكانت رائحة الورد تلاحقني وترسم خطوطا مستقيمة بين القبور الكثيرة لتدلني
على ما يخصني من كومة تراب... كنت ألمح قصيدتي معطرة بدهن الورد تنتظرني هناك كي ألحق بها يوما ما».