بسم الله الرحمن الرحيم
والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلينَ، نبينا محمد قائدُ الغُرِّ المحجلينَ.
أمّا بعد:
فإنََ الله َسبحانهُ وتعالى قد خصَّ العربَ بلغةٍ معجزةٍ وهي وعاءُ كتابهِ "القرآن الكريم". تتمتعُ اللغة العربية بخصائصَ لا توجد لها مثائل في لغاتِ البشر متمثلة في فنِّ الشعر والنثر وعلوم اللغة من نحو ٍ وصرف ٍ ومعان ٍ وبيان ٍ وتبيان.
وقد كان للعربِ مواسم ثقافية وكثيراً ما كانت هذه المواسم معرضاً رائعاً يعرض فيه الشعراء شعرهم، والخطباء ما لذَّ وطاب من خطبٍٍ تساير الشعر في كثير من الأحيان، ومن أسواقهم عكاظ ومجنة وغيرهما حيث يختلط الفن الرفيع بعروض التجارة والبيع والشراء، وكان عكاظ أشهر هذه الأسواق.
وكان الشِّعر ديوانُ العرب، حتى قيلَ في الأثر ِ(ولا اعرف من قائله) : "لا تترك العربُ الشعرَ حتى تتركُ الإبلُ الحنينَ"، وهذا يعني أنَّ العربيَّ لن يتركَ شِعرهُ أبداً كما أنَّ النوقَ لن تتركَ حنينها أبداً.
يقول محمود العقاد فيما تحدث به عن اللغةِ الشاعرة : إنَّ اللغةَ العربية وصفتْ بأنها لغة شاعرة أو اللغة الشعرية ليس فقط لانها لغة تكثر فيها الشعر والشعراء وإنها لغة موسيقية تستريح الآذان والنفوس لوقع ألفاظها وأصواتها وحروفها وأنها تشبه الشعر في قوامهِ وبنيانهِ من وزن ٍ وحركةٍ وايقاع.
قال ابن خلدون في كتابه "المقدمة": (والشعر من بين فنون الكلام صعب المأخذ على من يريد اكتساب ملكته بالصناعة من المتأخرين، لاستقلال كل بيت ٍ منه بأنه كلامٌ تامٌ في مقصوده، ويصلح أن ينفرد دون سواه، فيحتاج من أجل ذلك إلى نوع من تلطف في تلك الملكة، حتى يفرغ الكلام الشعري في قوالبه التي عرفت له في ذلك المنحى من شعر العرب، ويبرزه مستقلاً بنفسه. ثم يأتي ببيت ٍ آخرَ كذلك، ثمَّ ببيت ٍ آخرَ، ويستكمل الفنون الوفية بمقصوده. ثم يناسب بين البيوت في موالاة بعضها مع بعض بحسب اختلاف الفنون التي في القصيدة. ولصعوبة منحاه وغرابة فنه كان محكماً للقرائح في استجادة اساليبه، وشحذ الأفكار في تنزيل الكلام قوالبه. ولا تكفي فيه ملكة الكلام العربي على الاطلاق، بل يحتاج بخصوصه إلى تلطف ٍ ومحاولة في رعاية الأساليب التي اختصت العرب بها وباستعمالها فيه). أهـ.
عِلمُ العَرُوْض ِ:
العَرُوْضُ بفتح العين معناها في اللغة "الناحية" وهي اسم المكان الذي ابتكر فيه هذه العلم. وقد قيل أنها مكة حيث كان الخليل بن أحمد قد تعلق بأستارالكعبة في الحج، وهناك دعا ربه أن يرزقه علماً لم يسبقه إليه أحد، فاستجاب الله دعاءه، وفتح عليه بالتفكير في انشاء علم العروض، فشرع الخليل يضع معاييره وأوزانه.
وهو علمٌ يعرفُ به صحيح أوزان الشعر العربي وفاسدها وما يعتريها من الزُّحَافَات والعِلل.
تعريفٌ بواضعهِ ومبتكره:
العبقري الألمعي الجهبذ: الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم أبو عبدالرحمن البصري الفراهيدي الأزدي النحوي اللغوي الزاهد. ولد عام 100 هـ وتوفي عام 175 هـ. وهو من كبار العلماء في اللغة والنحو ففي النحو كان استاذاً لسيبويه والأصمعي. وكان من رواد المعاجم العربية بكتابه المُعُنْون بـِ "العين".
بعضٌ من مؤلفاتهِ:
كتاب العَرُوْض
كتاب النقط والشكل
كتاب العين
كتاب الشواهد
كتاب النّغم
كتاب العوامل
في أركان ِ عِلم العَرُوْض ِ:
أركان علم العروض أوزانه وتفاعيله، وهي متحركات وسكنات متتابعة على وضع معروف يوزن بها أيَّ بحر من بحور الشعر. وتتركب هذه الأوزان من ثلاثة أشياء: أسباب، وأوتاد وفواصل. وهذه الثلاثة تتكون من حروف التقطيع العشرة المجموعة في "لـَـمعتْ سُـيوفنا" ولا تتركب من غيرها أبداً.
قد أخذ علماءُ العروض أكثر الأسماء عن الخيمة وأقسامها. فالبيت هو بيت الشعر أي الخيمة، والسبب هو الحبل الذي به تربط الخيمة، والوتد هو الخشبة بها تشد الأسباب، والفاصلة الحاجز في الخيمة، وكذلك المِصْرَاع هو نصف البيت.
البيتُ الشِّعريّ:
كلامٌ تامٌ يتألفُ من أجزاء وينتهي بقافية. وتُسَمَّى السبعة أبيات وما زاد عنها "قصيدةً". وللبيت الوحد مصراعان ِ: الأول يسمى "صَدراً، والثاني يسمّى "عَجزاً". كقولي من قصيدة طوية:
لا خيلُ بكر ٍ بهذا اليوم ِ ندركها=وخيلُ تغلبَ لمْ نعرف لها خببا
صَدر--------------=---عَجز----------
ومن أقسام البيت الشعري الواحد ما يلي:
العَروض: آخر تفعيلة (جزء) من الصدر
الضَرب: آخر تفعيلة (جزء) من العجز
الحشو وهو كل ما عدى الذي ذكر أعلاه، أي كل ما تبقى من البيت ماعدا العروض والضرب.
مثال قولي هذا البيت من قصيدة طويلة:
الهوى لولا وجهك ِ الطّ(فلُ ضاعتْ)=قسماتُ الغرام ِ في (قسماتي)
حَشُو---------------عَرُوْض=---حَشُو----------ضَرْب
الكتابة ُ العروضيَّة:
تختلف الكتابة العروضية عن الكتابة الاملائية، فالقاعدة في الكتابة العروضية هي أنّ ما ينطق يكتب، وأنّ ما لا ينطق لا يكتب.
لذا يجب أن نراعي زيادة بعض الحروف، وحذف بعض الحروف في الكتابة العروضية وعند تطبيق قواعد الكتابة العروضية يظهر الفرق بينهما وبين الكتابة الاملائية، وبيان ذلك كما يلي"
1- التنوين: يكتب التنوين نوناً ساكنة، مثال: بدر ٌ .. بدراً .. بدر ٍ .. كلها تكتب هكذا: بدرن، لا فرق.
2- الحرف المشدد: يكتب على هيئة حرفين الأول ساكن والثاني متحرك، مثال: إنَّ .. إنْ نَ
3- زيادة حرف الواو: مثال: طاوس داود فهي تكتب : طاووس .. داوود
4-زيادة حرف الألف: مثال في الاسماء التالية: هذا هذه هذان هذين هؤلاء ذلك ذلكما ذلكم،هكذا، لكنْ و لكنَّ، "طه"، أولئك. تكتب: هاذا هاذه هاذان هاذين هاؤلاء ذالك ذالكما ذالكم، هاكذا. لاكنْ، لاكنـْـنَ، طاها، ألائك.
5- لفظ الجلالة: "الله" "الرحمن" إله"، تكتب عروضياً: اللاه. ررحمان. إلاه
6- نشبع هاء ضمير الغائب للمفرد المذكر مثل: له، به منه، عنه. فنكتبها عروضيا: لهو، بهي، عنهو. شريطة أن لا يترتب على ذلك كسر في التفعيلة الشعرية.
7- اشباع ميم الجماعة: ما لم يترتب على ذلك كسر في التفعيلة. مثال: همُ ، لكمُ: همو، لكمو.
8- يفك حرف المد "آ" إلى حرفين الأول يكون متحركا والأخير يكون ساكناً، مثال: آدم .. أّأْدَم. آمنت .. أَأْمَنْـتُ.
9- اشباع حرف الرَّويّ (وهو آخرُ حرفٍ في البيت): إن كانت الحركة ضمة تصبح واواً. مثال: نعيم ُ تكتب نعيمو.. نعيم ِ .. نعيمي.. نعيمَ .. نعيما
10 - اللام القمرية واللام الشَّمسية: تكبت مثلا: والقمر ... ولقمر، والشمس .. تكتب .. وشْـشَـمس.
11- حذف ألف الوصل: إذا كانت في غير ابتداء الكلام كالقول: واستغفر لهم .. وَسْتغفرْ لهم. أما اذا كانت في أول الكلام فلاتحذف تكتب مثلا استغفر لهم. .. تكتب إسْتغفرلهم.
12- في اللغة العربية لا يلتقي ساكنان. مثال: في البيت .. تكتب هكذا: فلبيت. رؤى الخيال .. رؤلخيال. الحرف الأخير ساكن من الكلمة الأولى والحرف الأول من الكلمة الأخيرة ساكن فيحذف واحد منهما.
التقطيعُ العَرَوْضِيّ:
يرمز لكل حرف متحرك بالرمز شرطة مائلة (/) سواء أكانت الكلمة مفتوحة أو مضمومة أو مكسورة. ويرمز للحرف الساكن بالرمز بدائرة صغيرة (o). ما نستفيده هنا هو معرفة ميزان وقراءة البيت عروضياً بحيث يتضح نغمة البحر ووزنه ومقابلته بالتفاعيل الخاصة به.
نقابله من هذه الجملة:
من هذا الفتى /. /./. //.
من /.
هذا = هاذا /./.
الفتى /.//.
وبتقطيع عروضي واحد تكون:
/. /./. //.
فلنقطع هذا البيت من الشعر، من مطلع قصيدة قلتها ونكتبه مرةً أخرى كتابة ً عروضيةً ونقابل معه التفاعيل الخاصة به:
أترحلُ أمْ لكَ البلدُ القفارُ :: فزدْ وصْـلاً فما في الوصل ِ عارُ
أترحلأمْ - لكلبلدلْ - قفارو :: فزدوصلن - فمافلوصْ - لعارو
مفاعلَـتن - مفاعلَـتن - فعولُ :: مفاعلْـتن - مفاعلَـتن - فعولُ
//.///. - //.///. - //./. ::: //././. - //.///. - //./.
(نلاحظ عنها وقوع الزّحاف على مفاعلتن الثالثة فتمّ تسكين اللاّم بدلا من تحريكها)
مثال آخر: قول أبي تمام:
السيف ُ أصدق أنباءً من الكتب ِ ::: في حدهِ الحدُّ بين الجدِّ واللعب ِ
أسْسيْـفأصْـ - دقأنـْ - باءنملـْ -كتبي :: فيحدْدهلْ - حددبيْ - نلجدولـْ - لعبي
مستفعلن - فعلن - مستفعلن - فعلن :: مستفعلن - فاعلن - مستفعلن -فعلن
/././/. - ///. - /././/. - ///. ::: /././/. - /.//. - /././/. - ///.
التفاعِيْـلُ العَرَوْضِيَّةِ:
هي النغمات التي نزن بها الشعر على ميزانه اللفظي الموسيقي، أو هي أجزاء البحور الشعرية كما يلي:
- فعولن
- فاعلن
- مفاعيلن
- مفاعلتن
- فاعلاتن
- مستفعلن
- متّفاعلن
- مفعولات
في الزِّحَافِ والعِلَل:
الزِّحَاف: اذا دخل في بيت من أبيات القصيدة الواحدة فلا يجب التزامه فيما يأتي بعده من الأبيات. مثال: مُـتَــفـَـاعِـلـُـنْ تصبح مُـتْــفـَـاعِـلـُـنْ .. بتحريك ومن ثم تسكين حرف التاء.
العِلل: هي تغيير مختص بثواني الأسباب يقع في العروض. والضرب لازمٌ لها "أي أنه إذا دخل بعروض أو ضرب في أول بيت من القصيدة وجب استعماله في سائر أبياتها". وهي نوعان إما زيادة أو نقص. مثال: مفاعيلن تصبح مفاعي أو مفاعيلْ.
إذن فالتغيير في: الحشو يسمى: زحافاً.
والتغيير في العروض أو الضرب يسمى: عِلة ً.
نُبذةٌ مُختصرةٌ عن بحور ِ الشعرِ:
سبب تسمية الوزن من أوزان الشعر بحراً أنه شبيه بالبحر فهذا يغترف منه ولا تنتهي مادته، وبحر الشعر يورد عليه من الأمثلة ما لا حصر لها. فالبحر هو الوزن الخاص الذي على مثاله يجري الشاعر. والبحور عددها ستة عشر، وضع الخليل أصول خمسة عشر منها، وزاد عليها الأخفش الأوسط بحراً آخرَ سماه "المُتَدَارَك"، ((رغم علم الخليل به لكنه لم يكن يعده منها)) فحينئذ ٍ تكون ستة عشرة. وهي الطويل، المديد، البسيط، الوافر، الكامل، الهزَج، الرَّجز، الرَّمل، السّريع، المنْسَرح، الخفيف، المضارع، المقتضَب، المُجَثّ، المُتقارب، المُتَدَارَك.
أيُّ البحور ِالمذكورةِ يمكنُ استخدامها؟
كُلُّ البحور المذكورة أعلاه مستخدمة في الشعر ويمكن لأيِّ شاعر ٍ أن يستخدم واحداً منها متى شاء. ولكن من وجهة نظري الشخصية وكثير من الشعراء والعروضيين، أنّ الاستخدام ربَّما ينحصرُ في البحور التالية: الطويل، الخفيف، الوافر، المتقارب، البسيط، الرمل، وذلك لامتيازها بالقوة والعرامة والجزالة.
علماً أنّهُ سيتمُ افرادُ صفحةٍ خاصةٍ مستقلةٍ مبسطةٍ ومختصرةٍ - بمشيئةِ اللهِ- لكلِّ بحر ٍ على حدةٍ.
أحرف تقطيع البحور عشرة / في لمعت سيوفنا منحصرة
والسبب الخفيف حرفان / سكن ثانيهما كما تقول لم ولن
أما الثقيل حرفان بلا / تسكين شيء منهما نلت العلا
والوتد المجموع زاد حرفا / مسكنا على الثقيل وصفا
وأن يك الساكن جافي الوسط / فسمه المفروق وأحذر الغلط
ومن هنا تألف الأسماء / وعدها عشر بلا أمتراء
أربعة منها أصول وهي / ما قد بدئت بوتد وعمّما
وهي فعولن ومفاعيل خذِ / كذا مفاعلتن بفتح اللام ذي
وفاع لاتن صاحب المفروق في / بحر المضارع وستة تفي
وهي الفروع وأبتداؤها سبب / مستفعلن وسبق فاعلن وجب
وفاعلاتن متفاعلن بلي / كذلك مفعولات فلتبتهلِ
مستفعلن ذو الوتد المفروق في / بحر الخفيف ثم مجتث بفي
مع أعذب تحياتي: عبدالإله المالك
ثَبْتُ المَرَاجِع ِ:
- الارشاد الشافي على متن الكافي في علمي العروض والقوافي، لمحمد الدمنهوري، ط 2، 1377 هـ،
- ميزان الذهب في صناعة شعر العرب. لأحمد الهاشمي، المكتبة العصرية، بيروت، 1432 هـ، 2011
- الكافي في علم العروض والقوافي، لمؤلفه د/غالب الشاويش، مكتبة الرشد ط3، 1424 هـ
- فن التقطيع الشعري والقافية، د. صفاء خلوصي، مكتبة المثنى، بغداد، ط5، 1977 م.
- النبع الصافي في العروض والقوافي، د/ناجي عبدالعال حجازي، مكتبة الرشد، 1427 هـ