؛
؛
؛
؛
مُذ فارقتْنِي أقصد فارقتْ الحياة وأنا أتضوَّرُ كبتاً صمتاً
وحدهُ الحديثُ معها وهي تحتضنُ كفّيَ بين راحتيها كان يشفيني ويطبطب على خيباتي
بينما كانت عيناها تلتمِع ببرآةٍ طافحة وكأنها تقولُ لي انهمري
وكثيراً ما كانت تُشاركُني عزف جوقة البكاء وتتبادلُ أصابعنا مهمّة تكفيفِ الدموع !
كم كنتُ أستفيض بلا قلق أو ارتياب ، ذاك لأنها كانت ذات ذاكرة متجددة تلقائياً !
كانت تصحو كل يوم بذاكرة جديدة بينما تُطعِمُ الأمسَ لرماد النسيان
كنتُ أدخلُ عليها أحياناً وأجدها تنتحب في صمت وحين أقترِب منها أحتضن كفيها كانت تقول لي بصوتٍ متهدّج اشتقت لأحبتي جميعهم،
فأسألُها هل تذكرينهم ؟؟ كانت تغمض عينها بشدة وتقول أعلم بأنهم كُثرٌ لكنها ذاكرتي تخونني ولا أذكر إلا فلان وفلان وتعددهم نفس الأشخاص وفي كل مرة
عجباً للقلب كيف يقاوم أعتى عِلل الذاكرة ويتشبَّثُ بأحبائه !
وكم كنتُ أُدرك كم هم محظيُّون عندها أولئك الثلاثة الذين لم يسقطوا من ذاكرتها وكم هم متأصلون قبلاً في صميم الروح !
كنت أخفف عنها وأهمس لها وهي في غمرةِ حزنها ودموعها تنهمر .. ياستِّي كم أنتي محظوظة أو تعلمين كم أحسدك وليتني مكانك ؛ فكانت سرعان ماتنصت وتفتح فمها قليلاً فكنتُ أعلم أنها علامة الإنصات التام
فأستأنف حديثي بينما تتوقف دموعها المنهمرة .. ( يابختك ياسِتّي، وهبك الله ذاكرة متجددة يومياً تضعين رأسك على الوسادة وذاكرتك فارغة من كدر الحياة وتستقبلين الغد وكأنك ولدتي للتوّ، بمحبةٍ وتوق تنتظرين أحداثهُ السارّة ( وكانت بطبيعتها الملائكية تفسِّر جُلّ المواقف بإيجابية وحبور ممّا ينعكس بدوره على كل المحيطين بها )
و مِن طقوسها المعهودةِ في كل لقاء؛ وحين فضفضةٍ عميقة، كانت تمسح دمعتي وتخفض صوتها وتقول لي كم أنتِ جميلة يا بنتي، ثم تردف فكِّريني من أنتِ ومن أكون لكِ ، فكنت أبتسم وأُعرِّفُها بنفسي فكانت تبتسم ابتسامة عريضة وتردف؛
أها الآن فهمت سرَّ جمالك لقد ورثتيه عني إذن وتقهقه كالأطفال مما يرغمني لمشاركتها عنوة وتناسي أمر الفضفضة وسنينها
يالله؛ كم أنا في أمسِّ الحاجة لها، لإنصاتها؛ لقلبها الكبير؛ لطبطبتها ولذاكرتها المتأرجحة مابين اليوم والأمس !
كم كنتُ أستلِهُم منها العِبر وكم كنتُ أزهدُ في الحياة ومسرّاتها !
كانت بالنسبة لي صورة تكعيبية مستقبلية لماهية الحياة ومجرياتها
كنتُ أُواسيني من خلالها فتبرُد حواسّي وأرتدي قناع البلادة
ولكن؛ تلك الـ لكن الفارقة تقف لي بالمرصاد!
ويداهِمُني خيالُك؛ يختلِطُ وتلك الوجوهِ المفقودة؛
تعتصِرُني الحسرة؛ وينحسِرُ كُلِّي في زاويةٍ ضيِّقة
كيف لي أن أهنأ وكلي يفتقدك، وذاكرتي لا تنفك تستحضرك حتى في انقطاعي عن الوعي و موتتي الصغرى !
الوَحْشةُ تتكثّفُ في صدري
كل الطرق تؤدي بي الى جادّة الفقدِ الأول
كلُّ الأبجديات باتت مُهترئة
وحدها ذاكرتي زرقاءُ تماماً .. وكلُّ مادونها يبابٌ قاحل
أبتسمُ لأنفاسي, كلما تضخُّ رائحة عطرك
أبتسِمُ لذاكرتي, فتنبثق السماءُ عن غيمةٍ وخيط
أُخيِطُ لقلبي جيباً ولثغري بسمات ولخصري يداً تشبهُ يدك
أسترِقُ ملامحك لتمطرني اللحظةُ بمعزوفة
وصوتكَ لتغمرني العافية
العتمةُ تزحف وذاك الطريقُ يقترب
واللانهاية نحياها في برهةٍ عابرة
الآن فقط؛ وللتوِّ؛ أنظر كيف بدأت تتفتّح أرواحنا
فلسنا بشيءٍ غير هذه السعادةِ الكاملةِ المنقوصة !