إيمانويل ماكرون.. غرور الكتابة وطريق الإليزيه
يشيع في مجال الإعلام قول لكاتب فرنسي عاش في القرن الـ 19 أن "الصحافة تؤدي إلى كل شيء شريطة الخروج منها" وبالنظر للمشتركات بين الكتابة والصحافة، فإن هذا المثل ينطبق بشكل ما على إيمانويل ماكرون الذي لم يخفِ في كثير من تصريحاته أن حلمه في المراهقة أن يكون كاتبا مشهورا.
وبالفعل فقد طرق ماكرون باب الكتابة مبكرا ونظم بعض القصائد الشعرية وألف ثلاث روايات تتخذ إحداها شكل رسائل حول حضارة الأزتيك في أميركا اللاتينية، وتدور أخرى حول قصة حب كلاسيكية، بينما تنبني الثالثة على تنويعات حول الزمن من خلال قصة عازفة بيانو.
يقول ماكرون إنه لم يكن مقتنعا بما كتب ولهذا لم يغامر بنشره، لكن هاجس الكتابة لم يفارقه أبدا حيث
واظب وبشكل شبه يومي على تدوين مذكراته وتأملاته وانطباعاته وأفكاره وراكم مئات الصفحات في ذلك الباب.
وظل طيف الأدب حاضرا في مسار الشاب الطامح وهو يرتاد ما يسمى في فرنسا "الطريق الملكية" وهي المدارس والمؤسسات الأكاديمية التي تتخرج منها النخبة الحاكمة وفيها درس فرانسوا هولاند وجاك شيراك وآخرون. ويحتفظ زملاء وأساتذة ماكرون في مختلف المراحل الدراسية بصورة شاب ذي ملامح وهيئة شاعر، مفعم بالأحلام الرومانسية ومهووس بالسجال والسؤال.
وعندما كان طالبا في مهد العلوم السياسية، قادته الأقدار إلى محيط الفيلسوف الفرنسي بول ريكور (1913-2005) وعمل مساعدا له فيما يتعلق بالتبويب والتوثيق عندما كان بصدد تأليف كتاب "الذاكرة التاريخ النسيان".
* الفيلسوف بول ريكور الذي استعان بخدمات ماكرون في تأليف أحد كتبه .
" الأسلوب والرجل "
وتتباين الآراء في الصحافة الفرنسية بشأن حدود تلك العلاقة بين الطالب الشاب والفيلسوف الكبير، إذ يضعها البعض في حدود تجربة مهنية عابرة لكن آخرين يرون فيها عنوانا لتكوين فلسفي صلب لدى ماكرون.
وبعد تخرجه عام 2004 من المدرسة الوطنية للإدارة ضمن دفعة "ليوبول سيدار سنغور" صال ماكرون وجال في عالم الإدارة والمال في القطاعين العام والخاص، واشتغل في قلب السلطة السياسية مساعدا للأمين العام للإليزيه، قبل أن يصبح وزيرا للاقتصاد وهو في ربيعه الـ 36.
خلال تلك السنوات القليلة اكتشف ماكرون دهاليز السلطة وتعرف على شيفرتها وحمضها النووي، واختار الثورة على قواعدها وكسر مدماكها من الداخل فأطلق حركته "إلى الأمام" وعينه على هرم السلطة لكن بأسلوب جديد.
في ذلك المسعى استعاد ماكرون رصيده الأدبي، وجاء الكثير من خطاباته مطعما باقتباسات لكثير من الكتاب والشعراء أمثال ألبير كامو وأندري جيد وراسين وأرثير رامبو وروني شار. ولتعزيز أدائه الخطابي استعان بخدمات أستاذ أوبرا.
وفي عز السباق نحو قصر الإليزيه، قال ماكرون في أحد الحوارات الصحفية "كما أن للكاتب رؤية وأسلوبا فإنه يتعين على المرشح للرئاسة أن يمتلك رؤية وأسلوبا".
يعكس ذلك التصريح أسلوب الشاب الطموح وخروجه عن المألوف سواء في حياته الشخصية أو مشواره المهني وأحلامه السياسية. وقبل هذا وذلك يستلهم مقولة "الأسلوب هو الرجل" التي نحتها قبل أكثر من قرنين الكاتب الفرنسي جورج بيفون.