.
.
طابت أوقاتكم بكل خير، في رحابة الوعي مقالي المنشور اليوم في صحيفة الاتحاد الإماراتية يسعدني أن يكون هنا ...
-
-
بين رحابة الوعي ومهابة الانتماء إليه قولاً وعملاً، سلوكاً وقناعة، إيماناً وارتباطاً، هناك اشتراطات، ومهارات، وخيبات، ونجاحات، هناك ابتلاءات، وإملاءات، وامتلاءات، وهناك جهل وعلم، ورغبة ورفض، وقطيعة واتصال، وهناك قناع واقتناع، وهناك تصنع وكذلك حقيقة وواقع ناصع الوضوح.
الوعي يعني الإدراك والفهم والاستيعاب، أن تكون واعياً يعني أن تكون قادراً على قراءة ما حولك، ما يحدث، واستشراف ما قد يحدث بحضور كامل لقواك وحواسك، وما تختزنه في ذاكرتك وأرشيفك الخاص من معلومات وحقائق، وقراءات، وثقافة خاصة اعتنيتَ بنفسك جيداً حتى وصلت إليها.
الوعي لا يأتي من فراغ، إنّه كم معرفي وتراكمي في شقّه الأول نعمة من نعم الله على الإنسان، كأن يولد بقدرات ومواهب وإمكانات غير عادية تجعله خارقاً للعادة، ومختلفاً في حضوره عن أقرانه منذ الصغر، يتمتع بكاريزما خاصة، تلك التي تجعلك تشعر بشيء من الدهشة عندما تلتقيه، أو تتحدث إليه، وعيه يكون مبكراً ولافتاً وقريباً من التوهج الوضّاء.
الشق الثاني مكتسب يعمل المرء على اكتسابه والسفر إليه والبحث عنه عبر طرق كثيرة في أغلبها تنحو نحو صناعة الذات وتطويرها، ورسم الشخصية التي يريد أن يكونها وصقل ذلك بالعلم والدّربة والتمرين، وبمرور الوقت يصير حالة خاصة يعيشها بفرح لأنها تكون شغفه الخاص، وترتبط به حتى إنه يتلقف كل شاردة وواردة يمكنها أن تسهم في بناء شخصيته التي يريد.
ومع السفر ذاك نحو الذات يستطيع حينها استقراء ما حوله دون أن يكون مصدر قلق للآخرين، أو أن يكوّن ذاته بالقفز عليهم، بل إن استيعابه يكون مكمّلاً للأصيل من الوعي، لذا هو يستوعب السكون والحركة حين حدوثها بذكاء وفطنة وتقنيات عالية من المقدرة على الوصول إلى ما وراء السطور والكلمات.
الشخصيتان بوسعهما التعايش مع الآخر، وفهم ما يحدث، عندما يكتمل نضوجهما يكونان على مرمى حجر من امتلاك المعرفة الذاهبة بهما نحو الحضور المميز، والتأثير الإيجابي المطلوب، والاستيعاب الحقيقي الذي يصرفهما عن الالتفات إلى العادي من السلوك والتحمل كذلك.
كثيرون من حولنا طيّبون، وأمناء على علاقاتهم بالآخر لكنهم ليسوا على درجة من الوعي المطلوب الذي ينبغي أن يكونوا عليه، تكتشف ذلك حينما يقعون في مواقف تستدعي الهدوء والحِلم والسكينة يقطعونها بحدّتهم، وسلوكهم العدائي باتجاه من يختلف معهم، يَشي ذاك السلوك هنا بغياب الوعي، وانعدام ثقافة الاختلاف، واستيعاب الموقف.
لذا يتعبون كثيراً أولئك الذين يحتكمون إلى أناهم الداخلية في مواجهة وعي الآخر، وتضيق بهم دائرة الوعي حتى تستحكم حلقاتها وتكاد لا تنفرج، الوعي سيد كل المواقف.
رابط المقال:
https://www.alittihad.ae/news/دنيا/4...في-رحابة-الوعي