صهوة الأقــلام

[حسين الراوي]

الأقلام كالخيول، منها الأقلام الأصيلة في مبادئها ونهجها وفكرها، ومنها ما هو دون ذلك حيث المبادئ الرخيصة والنهج الأعوج والفكر السخيف. هناك من الأقلام من يصهل بقوة بصاحبه ليمسك بلجامه ويمتطي صهوته وينطلق به فوق سطور الورق بكل فروسية، لكي يكتب كلمة حق أو يوصل صرخة مظلوم أو يُسلط الضوء على قضية مهمة. هناك أقلام جامحة لا تروّض بالدينار والدرهم، ولا يحلم كرباج المصالح أن يطاول شموخها وأنفة مدادها، لذا هي تكتب بانطلاقة ولا تلتفت إلى أصوات الرماح التي تريد أن ترهبها، فتراها تفضح سوادهم وتقفز من فوق خيباتهم المرمية، كالجثث، كما يقفز الطموح العظيم من قلوب الثوار الشرفاء.
هناك أقلام «ك.دش» ليس لها في مضمار الكتابة أي جدوى أو بصمة أو حضور أو قيمة حقيقية أو ثقل، وهي ذات همة دونية وعزيمة رديئة، كل مطمعها أن تسجل حضورها في المضمار، ولو كان حضورها لا يسر المضمار ولا يسر الجمهور. هناك أقلام تُستأجر كالخيول المستعارة للسباقات، يعتليها أصحابها من أجل رائحة الدسم والدينار، فترى صاحبها يجبر قلمه عنوة أن يكتب بحبر الباطل لمصلحة سيده الذي استأجره، فتراه يجلد بوحشة ظهر حصانه كي يجري جرياً شديداً يكسب به إعجاب ذلك الذي دفع له فكتب بلا ذمة وضمير. هناك أقلام ذات خبرة وواثقة وقوية وعتيدة كالخيول ذات السُلالة العريقة التي لا ينافسها أحد في قيمتها المرتفعة في سوق الخيول، إذ إن تلك الأقلام تكون مرابط أفكارها بنيت وأُسست على ثقافة متينة ووعي جميل، لا تقدم للناس إلا النتاج النافع المثمر، لذا تراها قد تلتزم الصمت طويلاً لكنها حينما تتنحنح فقط! تشد إليها الأسماع والأبصار والعقول.
هناك أقلام تشبه خيول الشرطة في مصيرها عندما تكبر أو تنكسر، تُستخدم من أجل مهمة معينة ومحددة، وبعد أن يمضي بها الوقت وتؤدي غرضها وتنتهي مصلحتها تحترق فجأة وتختفي، كما تنتهي حياة خيول الشرطة بإطلاق النار عليها.
لي وجهة نظر في تلك الأقلام التي تتقد في الفتن وتخبو في الس.لم، تلك الأقلام التي تزيد النار إضراماً في سخفها وعنصريتها، تلك الأقلام التي تظن أنها قوية الوجود، وهي أقل بكثير من أن أصفها بهشة الفكر والمبدأ والحقيقة. كل كاتب يثور لدافع عنصري بحت من دون تحكيم العقل هو كاتب أخرق أجوف يشبه أصبع الكوسة الذي سُلبت أليافه وجهزوه للحشو. ليست القوة في كتابة المقال أن يأتي أحد الكُتاب ويشتم فلاناً ويُشهر بفلان ويطعن بعرض فلان من أجل ذلك الغضب العنصري الذي تلبسه من هامه إلى إبهامه! لا، وألف مليون لا، إن القوة الحقيقية في كتابة المقال أسمى من ذلك وأجل وأرفع، إن القوة في الكتابة هي أن تكون صادقاً في ما تكتب ومخلصاً لمن يتابعك وإنساناً حقيقياً مع قلمك.

http://roo7.net/?news=126