النبوغ الخُلُقي - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
شطحات وأمل (الكاتـب : نواف العطا - مشاركات : 3474 - )           »          تساؤلات تضج بالإجابة (الكاتـب : نواف العطا - مشاركات : 268 - )           »          مرارة النارنج (الكاتـب : د. لينا شيخو - مشاركات : 16 - )           »          أَعـتَــرِف .! (الكاتـب : سُرَى - آخر مشاركة : عمرو بن أحمد - مشاركات : 56 - )           »          فســحة ســماويّة " لنا " (الكاتـب : د. لينا شيخو - مشاركات : 46 - )           »          فنتـــــــــــــــازيـــــــــــا! (الكاتـب : عمرو بن أحمد - مشاركات : 1317 - )           »          &،، تـبـاً ،،& (الكاتـب : علي البابلي - آخر مشاركة : عُمق - مشاركات : 116 - )           »          تعريفات في كلمة ونص (الكاتـب : سيرين - آخر مشاركة : عُمق - مشاركات : 545 - )           »          ارتعاش في جوف الصمت. (الكاتـب : عُمق - آخر مشاركة : نواف العطا - مشاركات : 4 - )           »          اقرأ الصورة بمِدادٍ من حبر (الكاتـب : نواف العطا - مشاركات : 2916 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد المقال

أبعاد المقال لِكُلّ مَقَالٍ مَقَامٌ وَ حِوَارْ .

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-25-2010, 06:21 PM   #1
عبد الله العُتَيِّق
( كاتب )

الصورة الرمزية عبد الله العُتَيِّق

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 18

عبد الله العُتَيِّق غير متواجد حاليا

افتراضي النبوغ الخُلُقي


"النابغة لا يحتمل ، إذا لم يُضف إلى خصاله اثنتين على الأقل : الشكران و النقاوة "
نيتشه
تميز الجنس البشري عن سائر المخلوقات بما حُبيَ من الله بعقلٍ ، يُميز فيه بين الخطأ و الصواب و الضار و النافع ، و يستعمله في عمارة ذاته و حياته ، و كذلك في بناء مجتمعه و أمته ، و هذا العقل درجات متفاوتة لدى الجنس البشري ، فليس سواءً ، ففيها من التمايز الكبير ، مما يدع الشخصَ مُنطلقاً في الزيادة العقلية ،ويدع الآخر منفرطاً في النقصان ، فالأول يُمدحُ و الأخرُ يُذم ، و كلاهما وجهان متجاوزان الحدَّ للشيءِ الوسط ، و لكنَّ الاعتبار في تقييمهما في نتائجهما و آثارهما .
لا كلام عن النوع الثاني ، فليس محلَّ اهتمام النوعين ( الوسط ، و المتجاوز للزيادة ) ، و لا كلام عن النوع الوسط أيضاً ، لأنه ليس متميزاً في ذاته بل هو على طبيعته ، و إنما الكلام عن النوع المنطلق في الزيادة ، حيثُ يُرى هذا النوع من العقلاء أنهم يمتازون بشيءٍ ليس موجوداً في غيرهم ، و في حقيقة الحال هم كذلك ، لكن من ناحية أنهم أبدوا و أظهروا تلك الزيادة ، في حين أن غيرهم كتمها و لم يُبدها ، و ما لم يُبْدَ كما لم يُوْجد .
هذا النوع المتميز بالزيادة في عقله ، هو النوع العبقري ، أو الذكي ، أو النابغ ، و هو ظاهرة إيجابية كبيرة في الجنس البشري ، لأن به يظهر ميزان العقل الوسط و العقل النازل السلبي ، و من ثم كان محلَّ اهتمام الدارسين في كثير من الأحوال ، و في عدة جهات ، منها الجهة الأخلاقية و السلوكية ، فالعاقل النابغ الممتازُ عن غيره بزيادة الذكاء و العبقرية ينبغي أن تكون سلوكياتُه سائرة مع تلك الصفة فيه ، فبقدر القوة العقلية ينبغي أن تكون القوة الأخلاقية ، لكن حين نُمعن الكثير من النظر في أحوال أولئك نجد أنهم سلكوا مسالك شتى ، فما بين نابغ ارتقى به ذكاؤه فصانه عن السفاسف ، و ما بين آخرَ هوى به ذكاؤه حتى أوردَه السَّقْطَة التي لا قيام بعدها .
قد يتقبل الناس النابغة ، و يُفتنون به ، و يتبعونه أينما حلَّ و ارتحل ، لأنهم سيقفون منه على جديد يُنوِّرُ عقولهم ، و يُكسبهم المزيد من أبعاد و أعماق نظرته للحياة ، و لكن هذا لن يشفع أبدا له عندهم حين لا يكون مرتقياً السلوك الحسن ، و الخُلُقَ الحميد ، بل سيجعلهم في نُفْرة منه ، و في منأىً عنه ، و في مُنصرفِ القلب عن مودته ، و تلك مكمن خسارته ، لأنه سيكتسب صوراً لأتباع ، و لكن يكتسب قلوباً و لا عقولاً ، ففي حال غيابه تغيبُ مودته معه في قلوبهم ، فلا يرقبونه و لا يأملونه . أما إن كان على ارتقاء في أخلاقه ، و اكتمال في سلوكه فإنه سيكسب في إطاره الكثير من الناس ، و سيتناقل العالَم خبره جيلا بعد جيل ، لأنه أبقى معانيه بعد أن فَنِيَتْ مبانيه .
نوابغ الرجال عبر تاريخ البشرية كلها ، كانت على هذه السُّنة من السلوك ، و يُعنى بهم هنا : الباقون سيرةً و خبراً ، فلا نظرَ في تخليدهم إلى شيءٍ سوى معانيهم الباقية ، و الأخلاقُ أسمى المعاني ، فلا بقاء لمن صحَّ دينه و قد ساءَ خُلُقه ، و لا لمن علا نسبُه و سفُل أدبه ، بل كانت الخالديةُ الذِّكْرِيَّة لأولئك الذين لما ارتقوا بنبوغهم العقلي ارتقوا كذلك بنبوغهم السلوكي و الأخلاقي .
عودةُ النظر أخرى في حال أولئك النابغين ، الخالدين ، نجد أنهم لا يمكنهم أن يرتقوا سُلَّم المعرفة إلا على أكتافِ آخرين ، و لا يمكنهم أن يصلوا إلى منزلة إلا بدلالة غيرهم ، و لو قلَّ عنهم ، و هنا تكمنُ حقيقةُ نبوغهم الأخلاقي و السلوكي ، فهم سيمنحون أولئك شكراً و ثناءً و حمداً ، فمن لا يعرف للشكر لغةً لا يجدُ في النعمة بُلغةً ، فتراهم يلهجون شاكرين لمن كان عوناً لهم ، بدءاً من الرب الأعظم جلَّ ، إلى آخرِ من أرشدهم بإشارته ، و يصل الحال بأحدهم أن يستدلَّ بجماد على شيءٍ فينتزوع في قلبه منزع الشكر له ، فلا يجد إلا أن يتوجه إلى الله شاكراً له أن دلَّه على شيءٍ بشيءٍ لا يُؤْبَه به ، و الكاملون يرون في كلِّ شيءٍ كمالاً .
قلَّما تجد خصلة الشكر عند من يرى نفسه شيئاً عن غيره من جنسه ، لأنه غارقٌ في بحرٍ لُجِّيٍ من الكِبر و الغطرسة ، فيرى أنه أرفعَ من غيره ، فلا حاجة أن يشكر من قلَّ عنه ، و لا يرأف الله بمثل هذا ، فقانون الحياةِ أن من حقَّر شيئاً حُقِّرَ يوماً ، " لكل بطَّاح من الناسٍ يومٌ بَطوح " ، و حين يصل النابغةُ إلى هذا القدر أن يُعرض بخده عن شكرِ من صنعَ منه شيئاً و لو لحظة فإنه ينادي على نفسه بتبديد و ضياع .
آخرُ من الأشياءِ في النابغين ، كثُرَ من نفاها عن نفسه ، و لا تجدها إلا عند قلةٍ ، و الكرام قليل ، صفاءُ الروح ، و نقاءُ النفس ، و تلك تعني سلامة القلبِ من حقدٍ و حسدٍ ، لا يخلو جسد من سوء ، و لكن الكاملين يدفنونه بمفاخر أخلاقهم السامية ، و الناقصين يحسبونه ميزةً فيُفاخرون بالردى ، و كلٌّ على ما تكوَّن عليه . لا يصل النابغة إلى حد النقاء و الصفاء التام في حالاته ، القلبية و النفسية و الروحية ، إلا حين يؤمن بأنه ليس إلا أثراً من آثار العناية الكبرى ، و التي ميزته بهذا النبوغ ، و أنه ما كان ليكون كذلك إلا ليمنح الوجود أثراً بما يُقذف في عقله من بديع المعارف ، و حين يصل إلى ذلك فإنه سيكون إلى نقاءِ في طريقٍ واضح أبينَ ، لا ينغلق أمامه إلا حين يرى أنه شيءٌ بذاته ، فعندها يُسلب ما لم يكن في حسبانه أن يُسلَبَه يوما .
حين يتخلَّى النابغة عن نبوغه الأخلاقي و السلوكي ، فإنه يُغلق على نفسه باب الزيادة من ذاك النبوغ ، فليس النبوغ إلا شيئاً متى ما وُهِبَ و عُومل بأدبِه أعطى و منح الأكثر ، و من دقائق منحه الأكثر جلبُ الأتباع المخلدين ، أنعتقد بأن من خُلِّد من النابغين إنما خُلدوا بأنفسهم ؟ ، لا ، و إنما خُلدوا بالأتباع الذين لزموهم ، و ما لزمهم الأتباع إلا لكونهم نابغين سلوكياً و خُلقياً .
لا يتجردُ عن النبوغ السلوكي و الأخلاقي أحد نبغ فكرياً إلا لاعتراء النقصِ في شيءٍ من حاله ، ذاك النقصُ كامنٌ في تَيْنك الخصلتين اللتين ذُكرتا ، إهمال الشكر و العرفان ، و تغييب الصفاء و النقاء ، و عند غيابهما تسقط مهما كل قيمة للنابغة ، مهما كانت أثار نبوغه .

 

التوقيع

twitter: ALOTAIG

عبد الله العُتَيِّق غير متصل   رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:15 AM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.