.
.
البُحتري شاعرٌ فصحوي، ونورة الحوشان شاعرةٌ نبطيةٌ ( عامية )
قال البُحتري : يُجانبُنا في الحُبِ من لا نُجانِبُهْ / ويُبعدُ مِنّا في الهوى مَنْ نُقَارِبُهْ
وقالت نورة الحوشان : اللي يبينا عيّت النفس تبغيه / واللي نبي عيّا البخت لايجيبه
كلنا يعرف (توارد الخواطر) في الشعر والنثر والأدب عموماً حتى أن هذا الأمر
يحدث في الحديث بين الناس (السوالف) ودليل ذلك أن أحدنا يسبق الآخر في
الحديث ويأتي بجملة ويرد عليه الآخر بـ( تصدق؟ كنت بقولها ) وهذا يعني أن
الفِكَر والمفردات مطروحة على قارعة الكتابة والحديث، مما يجعلنا نؤمن بوجود
توارد الخواطر بمعانيها ومفرداتها، ولكن هذا لا ينفي الإقتباس والذي لستُ
بصدد ذكره هنا.
ولو ركزنا قليلاً حول هذا التوارد سنجد أنه يحدث كثيرًا والدليل كم من شاعر
تغزل بالعيون وجمالها ؟ هم كُثر وكانت المفردات متقاربة في الوصف ولكن كلٌ
بحسب مايملكه من مفردة واسلوب وصياغة وبناء.
وأنا هنا سوف اُركز على بيتٍ للبُحتري وآخر لنورة الحوشان، ذاك شاعر فصحوي
وهذة شاعرة عامية لنرى مدى هذا التوافق في توارد الخواطر.
دعونا نقارن بين فترة حياتهما وزمنهما :البحتري : 205هـ ـ 284هـ .. نورة
الحوشان : 1286هـ ـ 1355هـ .. الفرق شاسع في الزمن بينهما ، وثقافة
البحتري لا تخفى على الجميع وكذلك نورة الحوشان وثقافتها الفطرية كونها
شاعرة وفي بيئة شعراء ، ولكن هل سمعت نورة الحوشـان بيت البحتري؟ في
رأيي الشخصي أنها لم تسمع به وهناك قرينة تشفع لرأيي بأن بيتها نتج عن
قصة حقيقة حدثت لها ومعنى البيت واضح بحسب المفردات التي لا مناص من
قولها ولا يوجد مفردات بديلة تحل محلها ، وكذلك قرينة أخرى وهي أن حقبة
نورة الحوشان لم يُتداول الفصيح بها بين العامة إلا ماندر مما يجعل سماع نورة
الحوشان للبيت أقرب للمستحيل، لذلك وقع الحافر على الحافر دون عمد.
لذلك دعونا نرى البيتين :
البحتري قال : يُجانبُنا في الحُبِ من لا نُجانِبُهْ// ويُبعدُ مِنّا في الهوى مَنْ نُقَارِبُهْ
وقالت نورة : اللي يبينا عيّت النفس تبغيه // واللي نبي عيّا البخت لايجيبه
المفردات :
يُجانبنا = يبينا
نُجانبه = تبغيه
ويُبعدُ مِنّا من نُقاربه = واللي نبي عيّا البخت لا يجيبه
هذه المفردات متشابهة المعنى ومباشرة ولا بدائل لها في الكلام المتداول
الفصيح والعامي، لذلك قول نورة الحوشان نتج عن معاناة حقيقية لشاعرة عامية
عاشت حياتها في نجد وفي بيئة (فلاليح) وهنا نتأكد من نسجها لبيتها بحسب بيئتها
دون أن تسمع بيت البحتري والذي عاش في حقبة شعرية بعيدة الزمن عن حقبة نورة
الحوشان، وهذا الأمر يؤكد توارد الخواطر بين الشعراء حتى وإن إختلفت الحقبة
الزمنية الشعرية أو تباعدت وهذا يكون في بيتٍ أو شطرٍ واحد ولايكون في قصيدة
كاملة والتي تجعلنا نفتح باب السرقة على مصراعيه ونبحث في الأمر من باب آخر.
أترك لكم الأمر للمشاركة بطرح الآراء ووجهات النظر حول ما طُرح أعلاه.
.
.