أراحت رأسها إلى مسند المقعد، واتحدت عيناها مع البحر، كأنها تستعد لحديث طويل، الأمواج التي هي الأخرى انصاعت لرغبتها فهدّأت من تلاطمها، وجلستُ أنتظر هطولها، وبعد زفرتين وبضع تنهدات، التفتت إليّ مخاطبة:
_ سامي ما رأيك أن نؤجل الحديث عن الخيبات، سأحدثك عن خيباتي وعن أطرف ما مرّ بسريري، دعني أبوح لك بحلم يراودني منذ زمن، ولا أظنه يتحقق، لذلك احتفظت به لنفسي كنوع من العزاء.
_ بعض الأحلام نافذة نفتحها كلما اختنقنا ونهرب بعيداً حتى يضبطنا متلبسين رنين هاتف أو قرع باب أو .. أو فنعود لقيود واقعنا، افتحي لحلمك النافذة دعينا نهرب سوياً هذه المرّة، يبدو المكان مناسبا للهروب.
_ أفكر أن أقيم جمعية خيرية أو نقابة للعاهرات. أعرف أن الأمر يبدو خيالياً، لكنّه يبقى حلم ربما يتحقق، وربما بقي نافذة للهروب كما سميتها يا سامي.
كنت أصغي لها وأراقب بريق عينيها حين تتكلم عن حلم نسبة نجاحه تساوي تماماً نسبة الشرف في مهنتها. بدت لي أكبر من حقيقتها، وتحمل بداخلها ثورة جعلتها لكثرة ما رأت من الرذيلة، تبحث عن المدينة الفاضلة، عن مجتمع مثالي، أفلاطوني، بعد هنيهة من التقاط الأنفاس عادت للكلام
- أعرف يا سامي أن هناك أسئلة كثيرة تراودك، لكن دع الإجابات تأتي من تلقاء ذاتها، فقط أريد أن أقول لك خلاصة: كلما انغمست في الرذيلة زاد طلبك للقرب من الله، لأنك بحاجة ماسة إليه، كي ينجيك ويغفر لك ولا يأخذك بخاتمة سيئة، من يملك ضميراً حياً تعذبه الأخطاء.
سكتت هي وعادت للشرود، الذي أصابتني عدواه فشردت بدوري، وأخذتني مراكب الخيال، أحاول إعادة ترتيبي، قبل أن تبعثرني هذه المخلوقة، فلا يمكن أن أجمعني بعد ذلك، كنت أحاول أن أفتح لها ملفاً في ذاكرتي، دون أن تعيقني ذاكرة أخرى على الأقل الآن فأنا بحاجة لأسمع وأحفظ، لأن أراكم فقط، فيما بعد سأُحلل الأحداث وفق تراتبية القدر المتآمر بطريقة أو بأخرى، هي من أقصى المغرب وأنا من أقصى الشمال نلتقي في أقصى الشرق، ولا ندري ربما أُلقي شخص ما من أقصى الجنوب يوماً، ثم نلتقي أخرى في بلاد لا نعرفها إلا على الخريطة المدرسية، نسيتها كأنثى وأصبحت بالنسبة لي مجرد فكر جديد. فكرت أن أكتب رؤوس الأقلام من أفكارها، أو ان أسجل كلامها بالجوال، لكنّي استهجنت الفكرة، لأنها تتكلم كي تتخلص من عبء الكلام، أحيانا نحتاج لهذا التفريغ.
سألتها: ألديكِ خطة لتنفيذ حلمك، وقبل أي شيء ألديكِ خطة كي يتقبله المجتمع.
- نعم لكثرة ما أهرب من واقعي أصبحت أتعايش مع حلمي بكل تفاصيله، أخطط له، أراه يكبر كطفل يتيم، لكنه سيكون قوياً، لأنه مولود من رحم الذل والخوف والجوع، أحتاج الآن لمن يؤمن بإنسانية حلمي، فهم الرصيد الأهم في ولادته واستمراريته، وأحسبك أحدهم يا سامي.
- أنا؟؟!! لكني لم أفهم تفاصيل مشروعك بعد.
- ستعرفها كلها، بأدق التفاصيل وتستطيع حينها تحديد موقعك إن أردت، أو آمنت بما سيحققه هذا الحلم من خير للمجتمع.
من روايتي :
مدرسة السرير
الرواية ستطبع قريبا