\
كم من قلبٍ يحتضر حتى الآن ـ يا جمان ـ نتيجة غموض الآخرين في دمِه؟! إننا لا نعلم عنهم الشيء الكثير، جاؤونا ونحن مُشرَعين للشمس، للورد، لاتساخ أثواب الطفولة من غبار الركض، وسقوطنا على بلل السواقي.
إننا لسنا رجال أمنٍ نقف عند نقاط التفتيش، دخلنا العالم قبل أن ندرس معنى السياج وموت الحمام، فلماذا نكافؤ على وضوحنا بهذه الغيابات الأليمة؟!
نحن يا جمان.. تعلمنا من (درويش) أن نكون (كهذا) على مستوى الحالة الشخصية أم الحالة الكتابية على حدٍّ سواء:
قصائدنا بلا لون
بلا طعم بلا صوت
إذا لم تحمل المصباح من بيت إلى بيت
و إن لم يفهم البسطاء معانيها
فأولى أن نذريها
و نخلد نحن للصمت
ويجوز أن نستبدل/ أو تُستبدل مفردة (قصائدنا) في هذا المقطع بمفردة أخرى هي (قلوبنا) أو (ضمائرنا حين تُحب).
:
همسة في أذن التجريب:
في هذا النص ـ لا يقتحم خط التفعيلة مسار الوزن العمودي الأول أو الثاني، بل تداخل معه كصوتٍ متناغم الأشجان، متناعم رغم قيود السجان فيه، وأظنها حرفنة قلما نجدها في مسار التجريب إلا لدى القلة القليلة من الشعراء المجربين، أولئك الذين لم يشرّوا على حبل التفعيلة غسيل التقرير والإخبار، ولكنهم ارتكبوا هذا النهج بتكنيكٍ عالي المستوى، كهذا الارتكاب الذي تقدمه لنا جمان داخل هذا النص المبهر.
:
مخرج:
وتربكنِي تَنَاهِيدِي..
ويسِيل الليل باهدَابِي
وأعَاهدنِي
أخبِيهُم عَن أضلاعي
واخبِينِي
هنا انهزامية العظماء، الذين لا انهزام لهم من الأساس، ولكنها الأنفة التي تقودنا إلى عدم إظهار انكساراتنا المتدلية عن عناقيد الذات المهشمة في دواخلنا، نعاهد قلوبنا بأن لا تضيق في ما لو فقدنا أضلاعنا الحدب، فنحن لم نجرب السكنى في أفقاص صدورنا، لأنها لم تخلق إلا بيوتاً لأولئك الذين سيورثوننا السقطات العظيمة فيما بعد، وإن حدث وفات أوان القلب والأضلاع؛ سنخبئ أنفسنا بين الملامح العابرة، لأن من خانك ـ على الرغم من تضحياتك له ـ فهو قادرٌ على أن يراك بكل رخصٍ في أعين/ملامح/ نواظر الآخرين.
:
مدخل:
[POEM="font="Simplified Arabic,4,sienna,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=1 align=center use=ex num="0,black""]شرّعت لفصول الغياب حكايـة=هزيت من جذعه أماني هشّـه[/POEM]
وهكذا، سبق وأن قالت جمان وأكدت على أنها لا تُشهر خطايا الآخرين خارج قوسيّ الكتمان في صمتها الأبديّ، فهي كلما ناظرت إلى تلك المرآة؛ غاب وجهها وسقطت جدائلها سهوَ خطيئة الآخرين، لتشاهد ملمحها المصلوب في حكاية غياب!
:
باختصار:
إنه شعر!
.