استراتيجية كتابة النص مع المتلقي المفترض لدى الكاتب :
من نافذة التلقي سنطل برؤوسنا إلى باطنية النص ..سننتهك هذه الحرمة بدون استئذان ..فلنا الحق كل الحق في ذلك مع الذي قراءته قد تؤدي بنا إلى نوبات من الدهشة واللذة ..أو ربما نصرخ بصوتٍ عالٍ أمام هذا الذي هو ربما يشبهه البعض بالسحر ..
ولنا في خير الأنام قدوة إذ قال (( إن من الشعر لحكمة ..وإن من البيان لماهو سحر )) ...
ونقف هنا أمام توجهاتٍ عدة :
أولاً : هل المؤلف عندما يكتب النص ..يغيب عن تنظيمه وآليات كتابته فتخرج الدفقة الشعرية أو النص الشعري عفوياً
(( الإلهام )) .. دون تعمد وهكذا هي حال الإبداع دائماً ؟ (( الفرويدية /التجربة السريالية ))
ثانياً : هل يتعمد الشاعر ترتيب أنساق نصه بناءً ومعنى ..لتحقيق هدف الدهشة ..والتي هي سر الشعر ..وإذا كان كذلك فمن يوجه اسنراتيجية المؤلف في هذا السبيل ..المتلقي أم مؤسسة اللغة أم ذاته الخارقة ؟ (( البنيوية/ الأسلوبية ))
ثالثاً : إذا كان المتلقي يعيش مع الناص ..مفترضاً كان أم حقيقياً ..فأين دوره في كتابة النص ..على مستوى البناء أم المعنى
وأين دور النص التغيري ..في تبني القيم ..بما يتوافق مع القارئ ..؟ (( جمالية التلقي ))
والسؤال الكبير الذي يجمع كل هذه التساؤلات هو ماهي استراتيجية كتابة أي نص الشعري
السيدات والسادة اسمحوا لي معكم بخوض هذا الغمار على مستوى النص الشعري ..وسأترك النص السردي الروائي / القصصي ..
وذلك من أجل حصر الهدف وتنظيم الجهد.. والوصول إلى خلاصة فيما يتعلق بهيكل الإبداع اللغوي ..وأنا أتحمل المسؤولية وأقول بأنه الشعر ..؟
السيدات والسادة ..من يجرؤ على الإقرار بآليات الشعر بشكليه الكلاسيكي والحديث ... وتثبيتها كقواعد قارة !
إنها المتاهة الفكرية والتي لاتتجاوز أن تكون محاولة لتثبيت متحرك ..فالتفسير العقلاني ..هو تثبيت للفكرة ..العقلنة تؤدي إلى التثبيت ,,والإبداع الشعري ..حالة تتميز بالنسبية وعدم الاستقرار وعلى ذلك عقلنة عملية الإنتاج الشعري ستكون ناقصة دائماً لهذا السبب ..
ولكننا هنا بحاجة للإجماع على مرتكز ننطلق منه باتجاه مناقشة ظاهرة الكتابة الشعرية ..
نعم لن ننكر الدراسات الهائلة في فقه اللغة ولأسلافنا قصب السبق في هذا المضماروالذين جهودهم تناولت المعنى المقصود .. المعنى اللازم غير المقصود والمتبوع ..واللازم .. المقصود بالأصل.. والمقصود بالتبع والإيجاز والإعجاز ومدارج الشعر.. في أي إنتاج كلامي صادر عن ذات مفكرة واعية أو غير واعية ..
إلا أننا حتماً سنصل إلى الأس والأساس الذي أدى إلى هذه التصنيفات ..
إنهما قطبان في أية كتابة دالة على الإبداع الشعري ..وهما اللذان حتماً سيتم الإجماع عليهما ..
وهما ..الإستعارة ..والكناية ..
وبين هذين القطبين يدور محور استراتيجية توليد عرض المعنى وتعدده في النص الشعري ...
فلوعرفناالاستعارة لقلنا : شكل من الكلام يتم فيه إيصال المعنى بالتشبيه او المعنى البديل وأضعف أشكال الاستعارة هي التشبيه باستخدام (( كـ ،كأن )
أما الكناية : بكل أصنافها (( مجاز /تلويح /إيماء /تعريض /ترميز )) هي شكل من أشكال الكلام يتم فيه استخدام لفظة بغير معناها الموضوع له ..وقد نريد بها أحياناً المعنى الحقيقي ..
وأخطر وأهم أشكال الكناية ..هي المجاز : وهو كلام استخدم فيه تراكيب في غير معانيها الموضوعة لها ..ولا يقصد بها أبداً المعنى الحقيقي ..
مثال : (( الرحمن على العرش استوى )) هذا مجاز أريد به السيطرة والقوة ..ولكن المعنى الحقيقي ممتنع لأن الذات الإلهية تمتنع عن التجسيم ..
وبعد هذا العرض المختصر يمكن أن نقول بأن أي شكل من أشكال الشعر نثراً ..عموداً ..تدور استراتيجية إنتاجه بين هذين القطبين .. وأقول هنا على مستوى الأنساق المولدة للسياقات
وفي حال تم تجاوزهما ..لايعد النص أكثر من كلام مباشر ..وفي حال تبنيهما في أي صنف أدبي آخر
(( مقال /قصة /رواية /مسرح .)) نرى بأنه يوصف بصبغة من أصباغ الشعر
(( شاعرية ..رومانسية ...بلاغة .. جزالة ..الخ ))
وقد ينتابنا هنا سؤال ..ماهو تعلق نظرية التلقي ..فيما سبق ؟
أقول إن قطبي الكتابة الشعرية تتأثر استراتيجية تدخلهما في النص الشعري بثلاثة أطراف :
الكاتب ...النص (( باعتباره تابع لمؤسسة اللغة )) ..المتلقي ...
وهذه هي تماماً فرضيات نظرية التلقي .. وخصوصاً أصحاب أفق التوقع الذين أقروا بتبادلية الفاعلية الأدبي بين النص والقارئ ..
1- الكاتب (( المكتسب والفطري / معجم مفردات الألفاظ / الخيال الخصب / البيئة سوسيولوجياً /درجة الاستجابة بين المنفعل والفاعلية = بدهية ..حدس ..موهبة ../ ..))
2-النص (( باعتباره تابع لمؤسسة اللغة )) / محور الزمان والمكان /العرف والتراث المستثمر/ المغالطة التأثيرية والقصدية *
3- المتلقي : نماذج المتلقي المفترض ..لدى المؤلف ..والحقيقي
هذه هي مكونات استراتيجية الكتابة و التي تؤخذ بعين الاعتبار في أية كتابة شعرية ..
وقد ينتاب البعض سؤال : إن الكاتب هو الذي يعتبر الحاكم على كتابة النص ؟
أقول هنا بأن المتلقي ومؤسسة اللغة لهما دور غير مباشر في توجيه قصدية الكاتب .. وكما قال مؤسس نظرية النقد الأدبي
(( مايهمنا القصيدة وليس ما تقوله القصيدة )) ريتشاردز
وألفت النظر بأنني هنا لا أعني أن تلك الاستراتيجة ناجحة أوتلك فاشلة ..فالنجاح والفشل أمر يتعلق بما أطلق عليه
(( كيمياء التلقي ))
وهذا ما سنتابعه في نهاية الدراسة ..
هوامش:
* رومان جاكبسون / فقد القدرة على الكلام /
- *المغالطة التأثيرية : اصطلاح يعبر عن الخلط بين القصيدة وبين نتائجها (( بين ماهي بذاتها ، وماذا تفعل ))
وهي التي تقول بأن النص لايجب أن يخرج عن قصد الشاعر وإن النص هو سبيل يفضي إلى المؤلف ذاته وهي التي تحكم على نجاحه وفشله وغاياته ..
v وهذه المغالطات هي من الأسباب القوية التي تسببت في ولادة نظرية التلقي ..
ملاحظة (( أستميح الجميع العذر على هذا التكثيف ..لأننا لو فصلنا سندخل في مدارس النقد ومصطلحات سندرسها لاحقاً ))
دمتم بخير ..
(يتبع)