أحببتُ أن تتذوقوا معي قصيدة مدوية .. يوجهها أمير شعراء اليمن الحسن بن علي بن جابر الهبل إلى أحد ملوك اليمن الزيدية يطالبه بطرد الأتراك من مكة -حسب النص-.
القصيدة ماتعة و فيها مرح غنائي موسيقي آسر ، و زوبعة و جلجلة هائلة ..
أعرضها لغرض التذوق ... فكأن الرجلُ تكيَّفت أنفاسه حين كتابتها مع وقع حوافر الخيل و صرير السيوف و همهمة الرماح ، فأتى فيها بالسهل الممتنع ، و يكادُ ينقل القارئ إلى عُمْق الحَدَث مباشرة ، في تصويرٍ خياليٍ لا مثيل له.
أحسِبُ أن القارئ معي لها لن يكتفيَ أثناء قراءتها بمجرد الإعجاب بل ربما يضحك من قوة التأثير فيها.
استهلها بالغزل كعادة القدماء ، ثم تخلَّص من الغزل النسناس بطريقة خفية و كأنه جنِّيٌ ظهر و تلاشى .. سحب من خلالها بساط القارئ من حيث لا يشعر، فقد كان القارئ يُبرِمُ العهود و العقود للمحبوبة بالوفاء و الولاء المُطلق ، و ما هي إلا ثوانٍ فإذ به لابسٌ خوذته و راكب خيله و قد حمي الوطيس....
لوَّنتُ لكم البساط الغزلي باللون المناسب له (الوردي) و جعلت لقرع الطبول لونها الأحمر.
أترككم مع القصيدة
[poem=font="simplified arabic,6,deeppink,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="double,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
كَمْ ذا يذوبُ أسَىً .. و كمْ يتجَلّدُ!؟ =أين المُعينُ له .. و أين المُسِعدُ ؟
أ أًهَيْلِ وادي المُنحنى و حياتِكُمْ=إني على ما تعهدونَ و أَعْهَدُ
لا تُنْكِروا كَلَفِي بِكُمْ و صبابتي ..=..هذا الضَّنَىْ .. ودموعُ عيني تَشهَدُ
ما خان قلبي عهدكم أبدا ولا =مَدَّتْ لِسُلواني إلى صبري يدُ
أأخونُكمْ و أودُّ قوماً غيركم =أَنَّىْ -و عهدكُمو لدَيَّ مُؤَكَّدُ-
يا هاجرين و ليس لي ذنبٌ سوى =دمعٌ يفيضُ و لوعةٌ تتجددُ
و مُحَمِّلِيْ الصَّبَّ الكئيبَ صبابةً=بين الجوانحِ حَرُّها لا يبْرُدُ
أ كذا يكون جزاءُ مَن حفظ الهوى =و رعى عُهودكمو يُهان و يُبْعَدُ !!؟
و بمهجتي الرشأُ الذي مِن خَدِّهِ=في كل قلبٍ جمْرةٌ تتوقدُ
الطّرْفُ منْهُ مُهنَّدٌ .. و الخَدُّ منهُ =مُوَرَّدٌ .. و الجِيْدُ منه مُقلَّدُ
يُمسي و يُصبحُ آمناً في سِرْبِه=و أخافُ -و هْوَ القاتلُ المُتعمِّدُ !!-
يَسْبِي القلوبَ بمقلةٍ سَحَّارَةٍ="هاروتُ" فِتْنَتُها يَحُلُّ و يعْقِدُ
و بِقامةٍ ألْفِيِّةٍ فَتَّانَةٍ=مِن فوقِ أَرْدَافٍ تُقِيْمُ و تُقْعِدُ
سَكِرَتْ مَعَاطِفُهُ بكأسِ رُضَابِهِ =فَ لَهَا اعْتِدالٌ تَارَةٌ و تَأَوُّدُ[/poem]
***
[poem=font="simplified arabic,6,darkred,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="double,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
فكأنَّ ذِكْرَىْ "أَحْمَدٍ" خطرتْ لها ..=..و لذكره يَنْدَى الجمادُ الجلمَدُ
يا مَالك المُلكِ العقيمِ و مَنْ لهُ=في كُل أرضٍ أنْعُمٌ لا تُجحَدُ
مهلا فما فوقَ السِّماكِ لطالبٍ=قَصْدٌ و لا فوق الثُّريا مَقْعَدُ
أنفقتَ مَالَكَ في النّدَى مُسْتَخْلِفَاً =رَبَّاً خزائِنُ فضْلِهِ لا تَنْفَدُ
أَوَ يَمَّمَ الطُّلابُ يَمَّ مكارمٍ=إلا وأنتَ مُناهمو و المقصدُ !!؟
عِلْما .. و حِلْماً باهراً .. و سماحةً.=فليهتدوا .. و ليقتدوا ..و .. ليجْتَدُوْا
سجَعَوا بذكرِكَ في البلاد وإنما =طَوَّقْتَهُمْ بالمَكْرُمَاتِ فَغَرَّدُوا
و تعلموا منكَ المَديْحَ فمنكَ ما =تُعطْيِهْمُوْ كَرَمَاً و أنتَ المُنْشِدُ
ما سُوْحُكَ المحروسُ إلا جَنَّةٌ =لو أنَّ مَنْ يأتي إليهِ يُخَلَّدُ
ما زال سيفُكَ منذُ كان مَجّرَّدَاً =في غيرِ أفئدةِ العِدَىْ لا يُغْمَدُ
ماذا أقولُ وكلُّ قولٍ قاصرٍ =و الفضلُ أكثرُ فيكَ مِنْهُ و أزْيَدُ
الدهرُ مِن خَطَّارِ رُمْحِكَ خائفٌ.. =.. و الموتُ من بَتَّارِ سيفِكَ يَرْعُدُ
كمْ موقفٍ يُوهِي الجَلِيدَ وَقَفْتَهُ =للموتِ فيهِ تَوَعُّدٌ و تَهَدُّدُ
ما زال عنكَ النصرُ فيه كأنما =في الكَفِّ مِنْكَ زِمَامَهُ و المِقْوَدُ
حتى تردَّدَ مَن رآكَ أ أنتَ للـ = ـفتح المُبينِ أمُ السيوفُ تَجَرَّدُ ؟!
و هِيَ الرِماحُ الزَّاعِبِيَّةُ أمْ هيَ الـ =أقدارُ ترمي مَن أرَدْتَ فتَقْصُدُ ؟!
و هي الجيوشُ أمِ المَنايا قُدْتَهَا =للحربِ أمْ بحرٌ خِضَمٌّ مُزْبِدُ ؟!
هيهات لا يقوى لما تأتي به =بشرٌ و لكنَّ الملائكَ تَعْضُدُ
يا خيرَ مَن رَكِبَ الجِيَادَ و مَنْ له =في الكونِ ألْوِيَةُ الولايةِ تُعْقَدُ
ذلَّلْتَ في الأرْضِيْنَ كل مُمَنَّعٍ =فجميعُ أملاكِ الورى لكَ أَعْبُدُ
لم يبقَ إلا مكةٌ .. فانهض لها =فاللهُ –جَلَّ- بنصْرِهِ لكَ مُنْجِدُ
جَرِّدْ لها أسْيَافَ عَزْمِكَ إنَّهَا =لِطُلُوْعِ نَجْمِكَ بالسعادةِ تَرْصُدُ
و الدهرُ فيما تبتغيهِ طائِعٌ =و السَّعْدُ فيما تنتحيهِ مُسَعِدُ
أ يصُدُّكُمْ عنها أُنَاسٌ ما لَهُم =قَدَمٌ إلى العَلْيَا تَسِيرُ ولا يَدُ ؟!!
و لَأَنْتُمُو دونَ الورى أولى بها =فبها مَقَرُّ أبيكمو و المعْهَدُ
طَهِّرْ مِن التُّرْكِ الطِّغَامِ بِقَاعَهَا =فلطالما عاثوا هُناكَ و أفْسَدُوا
عَوِّدْ عُدَاةِ اللهِ مِنْ إهلاكهم =ما كان عَوَّدَهُمْ أبوكُ "محمدُ"
جَرِّدْ حُسَاْمَكَ إنَّهُ في غِمْدِهِ =للغيظِ مِنْهُمْ جُمْرُةٌ تتوقَّدُ
و أَدِرْ عليهم بالصَّوارِمِ و القَنَا =حرْبَاً يَشيبُ إذا رآها الأمْرَدُ
و مُرِ الزمانَ بِهْم فإنَّ لِصَرْفِهِ =سيفاً يُشتِّتُ شملهم و يُبَدِّدُ
أين المفرُّ لهم وسيفُكَ خلفَهُم =في كل أرضٍ ... أَغْوَرُوْا أَوْ أَنْجَدُوْا
إنْ أشْهَروا -جَهْلاً- عليكَ سُيوفَهُم =فلَسوفَ في الهاماتِ منهُمْ تُغْمَدُ
أو اشرعوا سُمْرَ الرِّماحِ فإنها =لا بُدَّ في لّبَّاتِهِمْ تَتَفَصَّدُ
أو أوقدوا نارَ الحُروبِ فإنَّها =بدمائهم عمَّا قريبٍ تُخْمَدُ
ماذا عسى أن يُوْقِدُوا من كيدهم ؟=.. ناراً ؟ وربُّكَ مُطِفِىءٌ ما أوقدوا
لا تبتئسْ بفعالهم فلربما =يكفيكَ شأنَهُمو القضاءُ المُرْصَدُ
ما فِعْلُهُم و يَدُ الإلهِ عليهمو؟ =ما فعْلُ سيْفٍ ليسَ تحمِلُه يَدُ ؟!
وهمو الكلابُ العاوياتُ و إنما =ذاقوا حِلَاوَةَ حِلْمِكُم فاستأسدوا !!!!!
الله أسعدكم وأشقى جمعهم =والله يشقي من يشاء و يُسعِدُ
و أرادَ منكَ اللهُ جل جلاله =من نصر هذا الدين ما تتعودُ
و لسوف تَقْدَحُ فيهمو أسيافكم =شَرَرَاً لِأَيْسَرِهِ يذوبُ الجلمدُ
و يقالُ: قومٌ قُتِّلُوْا منهم .. و قو=مٌ أُوْثِقُوْا أَسْرَاً.. و قومٌ شُرِّدُوا
و إليكها مَلِكَ البَرِيِّةِ مِدْحُةٌ =كادتْ لها الشمسُ المنيرة تسجد
من صادق في وُدِّ آلِ مُحمدٍ =يفْنَى الزمانُ .. و وُدُّهُ يَتَجددُ
نَظْمَاً تَوَدُ الغانياتُ لَوَ أنَّها =يوماً بِ دُرِّ عُقُودِهِ تَتَقَلَّدُ
[/poem]