مكان ما كان

[علي آل علي]

	[justify]" للهلوسة عربدة لا يفهمُ معاناتها إلا الجاهل بها" – آل علي - في رأسي ضجيجٌٌ للكلمات يُعاني، تُريد أن تخرج للحياة، أن توطد أركان أحرفها في الورق المهمل قبالتي ساعات طويلة. قابَ قوسين أو أدنى، هذه هي الزوبعة الأولى التي أرادت الولادة، جملة قرأتها في خيالي بعدما قرأتها أحوالي، أخبرني عنها السبات، وكذلك اليقظة، ودقائق معدودات قضيتها تفكراً مباحاً يتكرر بمآله كل يوم ولا يكترث لسؤالي. لم يكن التفكر المباح هو الوحيد الذي يزورني، إنما تفكراً آخر محرّم يقرع أبوابي ويدخل بلا إذن مني أو ترحيب، لم أقنع بما يأتيني به من حماقة تأبى النفس أن تتشربها مهما كانت حجتها فريدة المحتوى، ولأنني أجهل كيف أرد حجته خائبة فإني أتركه يهذي هذيان البائس المحتال. أيا هلوسة باردة، إن أتيت فلا تبالي، أوجعي قليلاً أو كثيراً بوخزك المتتالي، لكي أتنقّلُ بين الحلم واليقظة، كي أكون عاقلاً سليماً معافى من جنون الفلسفة أحياناً، وأحياناً أخرى يأتيني إيمان بأن الفلسفة بوابة الهدوء والأنفة لما أراه أمامي من فتور. يا صديقاً عرفته عبر حديث متبادل ذات يوم، قد سألت عن اسمي من أنا، فأخبرتك بعيني ولامي ويائي، ثلاثة أحرف كونت أشلائي، كل من رآني وعرف اسمي ناداني، لأسأله ما اسمكَ بعدما أخبرته عن اسمي، وفي الذكر بأنّك أخبرتني عن أسماء عدة، ثلاثية ورباعية وسداسية، إذن لست بالصديق الواحد، أنت عدة أصدقاء عرفتهم ومن بينهم أنت، وأنا لكَ مثلما أنت لي، ما أجل اللحظات التي بعثرنا فيها سويةً دقائق معدودات، مضى بها الزمنُ بعيداً عنا وتركنا عراةً من دونها. أينَ أنت وأين أنا، في مدينة أخرى أنت، وفي مدينة أخرى أنا، ها أنا في وحدة غارقة باكية، كل من حولي أشاروا بأني أعاني اضطراباً نفسياً واضحاً، لم يسأل أحدهم عن جمال ما أحمله من صفات، بل يجزم كل نفر منهم على نقصان ما آتي به من أفكار، ومفاهيم، ومعتقدات، صرت أؤمن بها إيماناً مطلقاً، لكنني لا أستطيع مزاولتها بين ضجيج هنا وهناك. كف أذاك عني أيها الغدر، وابتعدي عني يا خيانات نفاثات للعقد، وتمتم أيها التأمل قليلاً، إني أراك بعيدا، كالسراب، كمارج من نار، أثق بكَ لأنك الأمل، ومن الآمال يُبنى الهدف، والأهداف هيَ الوجود الآسن، المائز ببلاط قصره، يجوز فيه الخُلق فما أحسنه، ويحرم فيه النفاق والدجل فما أوضحه، حياة كريمة تحتفي بمريدي الصداقة، والوفاء، من يعتقد حقاً بأنّ أبجدية الإنسان كرامة، يجب المحافظة عليها، لا تمتهن بقيل وأقاويل وأكاذيب، ولا تذبح كما تذبح الشاة كأضحية للعيد حينَ قدومه في هذا العام. ليس شيطاناً ما أبحث عنه، ولا إنسان، ولا أحبذ الإتيان به وصفاً، إني راحل إليه وكفى، ليتك يا صديقي تلقاني هناك، فقرارنا من مشكاة واحدة، كوننا في الزمان قد جلسنا سوية، رأيتك مثلي، ورأيتني مثلك، في كل الاختيارات التي اخترناها في هذه الحياة، ولهذا فإن يقيني على جادة الصواب يسير، أثق بأنك راحل مثلي إلى مثل البقعة الصماء، لا تسمعنا، نناديها، نسير إليها، عمياء هي أيضا، لا ترانا، وسيكون لها الشفاء حين نصل إليها. " تضاريس المكان هي فلتة الأقدار والزمان في آن" علي آل علي 26 / 10 / 1435 هـ [/justify]