رواية قنابل الثقوب السوداء أو أبواق إسرافيل.كتارا - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
نفثات مقدسة من أنحاء اخرى .. (الكاتـب : محمد الجهني - مشاركات : 3 - )           »          الغُرفــة ! (الكاتـب : نوف الناصر - آخر مشاركة : خالد العلي - مشاركات : 1 - )           »          (( أبْــيَات لَيْسَ لَهَــا بَيــْت ...!! )) (الكاتـب : زايد الشليمي - مشاركات : 18 - )           »          عندما تشيخ الحروف (الكاتـب : جاك عفيف الكوسا - مشاركات : 41 - )           »          [ فَضْفَضَة ] (الكاتـب : قايـد الحربي - آخر مشاركة : زايد الشليمي - مشاركات : 75162 - )           »          البحيرة والنورس (الكاتـب : حمد الدوسري - مشاركات : 3513 - )           »          مَا لَمْ أقله لكـ (الكاتـب : محمد سلمان البلوي - آخر مشاركة : نويّر الحربي - مشاركات : 1978 - )           »          نبضٌ لايموت .. (الكاتـب : عفراء السويدي - مشاركات : 172 - )           »          غُربة .. (الكاتـب : نوف مطير - آخر مشاركة : نوف الناصر - مشاركات : 14 - )           »          مُعْتَكَفْ .. (الكاتـب : نوف الناصر - مشاركات : 62 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد النثر الأدبي > أبعاد القصة والرواية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-21-2021, 10:31 AM   #20
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

الصورة الرمزية إبراهيم امين مؤمن

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 1364

إبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


حكمة: الثعلب يترصّد أمام الحظيرة
دخل فهمان على وكيل النيابة، أبلغه الوكيل أنّه متهم بالتعدّي على المدعو إسرائيل، وإتلاف سيّارته الطائرة بعد سرقتها بالإكراه.
فصمت فهمان ولم ينبس بكلمة. وكان صمته عبارة عن خوف ممزوج بالدهشة مما ألجم لسانه فلمْ يجد ما يقوله.
وكان إسرائيل صاحب البلاغ جالسًا واضعًا أحد قدميّه على الأخرى أمام وكيل النيابة، ويلوك في فمه شيئًا، ويرتدي نظّارة -هي إحدى نظارات جوجل التي تنقل الواقع الافتراضي- وعلى الطرف الآخر نجد الذعر يملأ قلب فهمان، ووكيل النيابة يتأهب لفتح التحقيق.
لحظات وقدِمَ جاك ودخل المكتب وقال: «أنا الذي أخذت سيارة هذا الرجل وكلّ الجامعة تشهد بذلك.»
فردّ (أو ردت كتعبير رمزي) إسرائيل: «أنا صاحب السيارة وهذا المصريّ هو الذي سرقها منّي.»
قالت الوكيل لليهوديِّ بسخريّة: «هناك شهود يا معالي الرئيس فما قولك؟»
قال إسرائيل له: «أنا صاحب السيارة، وأنا أتهم ذاك الفهمان.»
ردتْ الوكيل ساخرًا: «يا سيادة الرئيس،عنده شهود ولن أستطيع أن أحتجزه، إن أردت اتهام الطالب جاك فلا مانع لدي لفتح التحقيق.»
لحظات أُخر وجاء رئيس الجامعة ودخل على النيابة وقال أنا شاهد على الواقعة، وقص عليه كل ما شاهده.
نظر الوكيل إلى اليهوديّ إسرائيل: «ماذا ستفعل الآن؟»
خلع اليهوديّ نظارة الواقع الافتراضي وطرحها أرضًا وسبَّ فيهم جميعًا: «أتدافعون عن المصريين المغتصبين؟!»
ثم تركهم غاضبًا.
أقبل الوكيل على فهمان وقال: «لله درك يا فتى، لقد أنقذت أمريكا من ضر محقق.»

مضى فهمان وهو غاضب من سلوك إسرائيل؛ سلوك مستفز صارخ، وشعر بعدم الأمان في هذه البلد. ولقد شعر جاك بوجيعته فقال له: «لعلك غاضب من ثقة الطالب إسرائيل المفرطة، حنانيك يا صديقي، إنّ الرئيس الحالي لأمريكا يحاول بقدر الإمكان التضييق عليهم بعد أن توغّلوا كثيرًا في عهد الرئيس السابق، ولولا يعقوب إسحاق وحسن تدبيره وسعة حكمته لضاعتْ إسرائيل في عهد رئيسنا الحالي، ألَا يكفيك أنّي أحبك كثيرًا حتى أنّك أعزّ علىّ مِن أيّ أمريكيّ، صدقني لو كان لدىّ أخٌ لاستأثرتك عليّه، أنت يميني في العلم والخلق، لا أستطيع الاستغناء عنك.»
سكت هنيهة ثمّ قال: «فهمان هذا رجلٌ حقود عليكَ لأنّك تميزت عليه في كل شيء، ومثله مثل أيّ يهوديّ لا يحبّ أيّ ازدهار حضاريّ لأيّ دولة عربيّة ولاسيما لو كانت في محيط المساحة المعروفة من النيل إلى الفرات.»
وزفرَ زفرة طويلة ولم ينبس بكلمة بعدها.
طأطأ فهمان رأسه وقال: «لذلك ضربتَ الضابط وقلت له: «لمّا يتعرض أحد للظلم فلجاك الشأن كلّ الشأن.».»
قال جاك: «فهمان، هذا الطالب أعرفه جيدًا، إنّه يهودي متطرف، ولو أحببتَ أن أركلَ مؤخّرته وأحطّم نظارته وأكسّر قدمه لفعلت، ولا أخاف منه ولا مَن وراءه، فهمان، كلّ ما أريده أن تبتسمَ وتفهم وترضى.»
احتضنه فهمان وشعر أنّ جاك حضارة وأمّة أخلاق في شخص إنسان، شعر أن الألفة التي وجدها في قلبه غلبتْ غربته نحو العالم الأجنبي كلّه.
وهكذا، فقد قوّت تلك العاصفة -التي كادت أن تعصف بفهمان- العلاقة بينه وبين جاك، فاجتمعا معًا، وتآلفا معًا، وتآخيا معًا، تحت قبّة هي أجلّ القباب، أغلى القباب، أثمن القباب، إنّها الإنسانيّة.

***
لقد وضعتْ المخابرات الأمريكيّة ملف جاك وفهمان على رأس الملفات الحساسة بعد حادثة حريق الجامعة مباشرة ولاسيما بعد موقف جاك الذي اتّخذه عندما ضرب ضابط الشرطة في مكتب رئيس الجامعة من أجل صديقه.
فهم لا يريدون أن تتكرّر كارثة بروفسيور بيتر مرّة أخرى. وقد سلكتْ أمريكا حربًا ضروسًا تجمع بين الترغيب مِن جهة، والترهيب الحذر المشوب بالضبابيّة مِن جهة أخرى لجذب العلماء العرب على وجه الخصوص، وذاك لأنّ السيطرة على منطقة الشرق الأوسط مِن أولويات أصحاب القرار الأمريكيّ -وسبب هذه الأولوية أنّها معبر للدول الأسيويّة مِن خلال المضايق والقنوات والممرّات الحيويّة- ومِن التدابير التي قامتْ بها الإدارة الأمريكيّة تجاه ملف فهمان وجاك أن قرّر السي آي أي عمل تقرير كامل عن الفتى وعن حالته العلميّة والاجتماعيّة، ومِن أجل ذلك، تمَّ تكليف أحد أفراد جهازهم أن يتحرّى عن فهمان في بلده.
وبعد يومٍ واحد فقط كان التقرير أمام أحد مدراء الجهاز، مدوّن فيه باختصار الكلام المعنىْْ به مِن قِبلهم. ومفاده الآتي:
«فهمان فطين المصريّ هو شاب مصريّ الجنسيّة أبًا وأمًا، أمّه متوفيّة، كانتْ خبيرة في فيزياء الجسيمات، وكانتْ تساعد زوجها في عمله، ولم تعمل في أيّ جهة حكوميّة بعد زواجها. أما أبوه فقد باع منزله في منطقة جنوب سيناء، وسافر إلى الوادي الجديد، ويقطن هناك منذ عامين تقريبًا. فور نزوله أرض الوادي الجديد قام بعمليّة زرع رأس جديد، ولم يعرف أحد سبب انتقاله مِن أرض سيناء إلى الوادي الجديد لأنّ انتقاله كان مفاجئًا، كما لم يُعرف سبب قيامه بعمليّة الزرع. يعمل ساحرًا، ماهر جدًا في أداء عمله، ولقد شاهد عروضه السحريّة أحدُ رجالنا الذي كان له باع طويل جدًا في هذا المجال، وقال إنّ هذا الرجل يملك قوّة خارقة تمكنه من أداء ألعابه السحريّة ببراعة لم يصل إليها أمهر السحرة حتى اليوم. ذو ذكاء وهيبة، يخشونه كلَّ الناس. مشهور بين أهل منطقته بالوطنيّة والكرم، وطنيّ حتى النخاع، ذاع صيته حتى وصل إلى أمن الدولة المصريّة. الأمن المصريّ وضعه تحت المجهر بسبب التفاف الكثير مِن الناس حوله.»
وقام جهاز المخابرات بتحليل هذه المعلومات، ومما توصلوا إليه أن فهمان سيكون عالم فيزياء نظرية بالوراثة قبل أن يكتسبها من البيئة التي تُوفر له. أما بالنسبة لترْك الأب لجنوب سيناء فجأة ورحيله إلى الوادي الجديد مع عملية تغيير رأس ينم عن وجود سرّ خطير، وبالقطع هو هارب مِن شيء ما. وبالنسبة لخوارقه في أعماله السحريّة فأرجعتْ الإدارة ذلك إلى قوّته في علم الفيزياء، ولكن عندما تمَّ عرض تلك الأعمال على أمهر السحرة وعالم الفيزياء والذي أخبر من قبل رئيس الجامعة بشأن جاك وفهمان قالا كلمة سواء: «إنّ هذا الرجل يمتلك قوة داخليّة ليست روحيّة تمتْ إضافتها في مخّه، في الغالب تحتوي خلاياه الدماغيّة على رقاقة إلكترونيّة إضافيّة تجعله يتحكم في حركة الأشياء في اتّجاه وعكس الجاذبيّة الأرضيّة، ولا أحد يستطيع القيام بهذه العمليّة إلّا بروفيسور بيتر فقط على مستوى العالم كلّه.»

فتأكّد للمخابرات أنَّ هناك خيطًا يربط بين فطين وبروفيسور بيتر ولاسيما أنّ عملية تغيير الوجه تمتْ بعد اختفاء بيتر بفترة ليست كبيرة. أمّا الأمن المصريّ فهو يخشى مِن قيام ثورة على النظام يكون هذا الرجل مُحرّكها.
وبناء على ذلك قرّر جهاز المخابرات بتأليب الحكومة المصريّة على هذا الرجل عن طريق لجنة حقوق الإنسان، وسردتْ عدة أمور تخصُّ منطقة الشرق الأوسط منها تجاوزات الأنظمة في السجون، وتغييب الوعي المدرك ودروشته ووضعه في بؤرة الجهل والتخلف عن طريق الدجل والشعوذة.
كما حثّت الحكومات العربيّة والمصريّة على وجه الخصوص معاقبة هؤلاء الدجّالين، وأيّ دولة ستقصّر في هذا ستتعرّض للمساءلة والعقوبات.
وبدءوا بتنفيذ القرارات، فاتصل جهاز ال سي آي أي بالرئيس المصريّ يعلمه أن يقبض على المدعو فطين المصريّ لضلوعه في قتْل أو اختطاف البروفيسور بيتر المختفي منذ فترة دون أن يلحقوا به أي ضرر.
صدر على الفور قرار رئاسيّ باعتقال المدعو فطين المصريّ بتهمتي الدجل وإثارة الشعب ضد النظام الحاكم، ففطين مصدر تهديد لهم مِن الأساس، وعلى ذلك فهم يراقبونه منذ فترة خشية تأليب الشعب على الحكومة من خلال الثورة.
كما قرّروا القيام بعمليّة مسح شامل في جميع المحافظات وخاصة القاهرة للقبض على كلّ القائمين بعمل الدجل والسحر.

المخلصون يشعرون بقدوم الزلازل
منذ فترة وفطين يشعر بقدوم كارثة ستسحقه، لذلك اتصلّ بالطبيب مؤيد وأخبره بما يشعر.
ردَّ الطبيبُ عليّه أن يستعين بالله على قضاء حوائجه، وكان اللقاء بينهما عابرًا إلى أقصى درجة حيث اكتفى فطين بإبلاغه أنَّ هناك خطرًا يحدّق به، وأنّ ابنه فهمان في الخارج سيتحطّم مِن بعده، فدعى له مؤيد وطمأنه بأن اتحاد المقاومة لن يتركه أبدًا، وسيظل يسانده حتى يصل الى مبتغاة.
قال فطين بدموع حارة: «مؤيد، وصيّتك ولدي مِن بعدي.» ثُمّ ناوله عنوان ابنه.
رحل مؤيد وترك فطين حائرًا لا يدري ماذا يفعل، أصابه الإبلاس والتيه، وأخيرًا قرّر إرسال خطاب إلى ابنه كتب فيه:

«بسم الله الرحمن الرحيم
ولدي الغالي، السلام عليكم، أرجو أنْ تكون بصحة جيدة، لقدْ سعدتُ كثيرًا باختراعك الأوّل، الخليّة الصماميّة، وفي انتظار المزيد والمزيد مِن ابتكاراتك، وأنا متأكد أنّكَ سوف تنجز الكثير منها. وكلُّ ما أرجوه أن تبتكر لنا ما يُخرج مصر من دهاليز القيعان المعتمة ويحلّق بها إلى قمم الشموس المضيئة؛ كلّ ما أرجوه أن تبتكر لنا ما يُطفئ النار التي شبّتْ في عروبتنا، وتمزّق أشرعة الأهواء التي مزّقت أشرعة سفينتنا، يجب أن ينتهي رماد الاحتراق المنبعث من ..
أهوائنا .
أحقادنا .
نزاعاتنا .
أطماعنا .
ولدي، إنّى أشمُّ رائحة غدر اليهود وأنا أكتب كلامي هذا، وأنّ مخططهم لحرْق العالم تطرق أُذنيّ الآن. إنّ العالم مقبل على حرب عالميّة ثالثة لا محالة، وستكون كلمة الفصل فيها للعلم والتكنولوجي.
العالم سيحترق، فاجعل علمك يطفئ ناره ولا يشعلها؛ اجعله سلاحًا في يدك اثقبْ به طبول الحرب، وسُدّ أبواقها، وصُمّ به آذان الشياطين، وهذّبْ به النفوس الآثمة، وأشهرْه عاليًًا، ستجد حمائم السلام يتخذونه متكأ.
ولدي، أريدك أن تكون ردءاً لمِصر مِن هذه الصراعات، تعَلّمْ وعلِّمْ وحاول أن تصلّ بقلبك إلى رئيس بلدك فتعينه ويعينك على الخلاص مِن أضراس الحرب النوويّة القادمة، لا تعملْ لدى أحد، اِعملْ في بلدك، كُنْ نابغة عصرك؛ تجدُ رئيس بلدك مِن أمامكَ وخلفكَ وعن يمينكَ وعن شمالكَ، لا تعملْ خارج مصر، لا تعملْ لدى أحد.
ولدي، تثبت ولا تهن، ولا تترك مكانك، فإنّي راحل عاجلاً أم آجلاً، فاتخذ مؤيدًا أبيك؛ فهو رجل ليس له نظير.
ولدي، لا أحبّ أن أرى دموعك إلّا عند الفرح، فلا تحزن، فكلنا راحلون؛ كلنا راحلون.
ولدي، لقد آثرت أن أكتب لا أن أتكلم حتى تظلّ كلماتي منتصبة على سمعكَ وبصركَ وفؤادكَ فتتلوها وتذكرها ولا تنساها أبدًا، فاحتفظْ بخطابي هذا ما دمتَ حيّاً. ليكن خطابي وحيك ودربك ونجاتك.
ولدي، لا تعملْ لدى أحد غير بلدك مصر، أكرر كُن بين أبناء وطنك
أبوك:فطين المصريّ.»
وبدأ يغلّف كلماته بيدين مرتعشتيْن وعينيْن دامعتيْن ويضعها في الخطاب،كما نوى إرساله أيضًا إلى مؤيد.
شعر فطينُ بأنّ القلم قد انكسر، وأنّ اللسان قد خرُس، وأنّ الروح قد نُزعتْ، وأنّ المسافة بينه وبين ابنه قد بعُدتْ وغدتْ في اللانهاية بعد هذا الخطاب.
وصل الخطاب بالبريد السريع وقرأه فهمان؛ فشعرَّ بأنّ أباه نعى نفسه فانصدع قلبُه، وحاول طرْد هذا الإحساس مِن قلبه تفاؤلاً.
***
أنهى فطينُ عمله اليوم بعد أداء عرْض مميز قدمه مجانًا لأوّل مرّة. وكان مِن بين المشاهدين فرقة من أمن الدولة، ونظرًا لأنّ المطلوب عدم إثارة بلبلة أثناء القبض عليه لحبِّ الناس له تقُرّر القبض عليه في الخفاء.
عاد إلى منزله. فتح بابه وأضاء الأنوار وأسند عصاه على الحائط، فلمّا نظرَ أمامه وجد فرقة أشبه بفرقة المارينز الأمريكيّة التي تؤدّي المهمات الصعبة، فتوجّس شرًا وأمسك بعصاه مرّة أخرى، ثُمّ نظرَ إليهم بغضبٍ وازدراء وقال: «مَن أنتم؟»
قال أحدهم بصلف وحزم: «أمن الدولة، معنا أمر بالقبض عليك.»
- «لن أخرجَ معكم حتى أعرف تهمتي بالضبط.»
رد الضابط بحزمٍ: «ستعرف هناك.» ثم مضى للأمام وهو يقول للفرقة:«اسحبوه.»
ردّ غاضبًا بعد أن صرخ في الممسكين به ودفعهم بقوة: «أريد أن أعرف الآن.»
تعصّب الضابطُ عليه قائلاً: «نحن لا نلعب.» ثم صرخ مجددًا في الفرقة قائلاً: «هيا يا بهائم اسحبوه.» ودلف الباب وهو يتكلم.
فأقبلوا عليه ليكبّلوه، فلمّا دنوْا منه تضاعفتْ قوّة فطين وعزيمته، وتضخمتْ عضلاته، ونخرَ أنفه وزأر كالأسد، واستُنفرتْ الخليّة الإلكترونية وغدت في مرحلة تأهّب قصوى لدفع ضرر المعتدي.
ضربهم بعصاه بقوّة وثباتٍ فخرّ بعضهم على الأرض، وبعضهم أمسكه من ياقة جلبابه فنطحه فشقّ رأسه، تكاثروا عليه من جديد بعد أن نهضوا من الأرض فأمسك أحدهم ورماه عليهم فخرّوا جميعًا على الأرض. وقعتْ لاسته على الأرض فانتبه لذلك وتوجس شرًا. أخرج الضابط مسدسه من مغمده وشهره في وجهه وقال مهددًا: «سرْ أمامي وإلّا قتلتك.»
وكذلك أخرج رجاله مسدساتهم مِن أغمادها، ركّز فطين على الأسلحة تركيزًا شديدًا فخرّت واقعة مِن أيديهم تحت تأثير الخليّة، وخطف مسدس الضابط بسرعة خاطفة ثمّ لكمه في وجهه فأدماه. تناولوا المسدسات من الأرض مجددًا، وأشهروه في وجهه، لكنّ الضابط وجد الدماء تنزف منه كالأنهار فضربه قصاصًا بطلقتين في قدميه فخرّ فطين ينزف، تحامل فطينُ ونهض يتوكأ على الجدار عندما دنوا منه ليجرّوه؛ فضربهم جميعًا فطرحوا أرضًا من جديد، وللأسف نزْف الدم أسقطه هو أيضًا، فسقط مغشيّاً عليه. حملوه وأوضعوه في سيّارة الشرطة، ثمّ ألقوه في زنزانة انفراديّة وأرسلوا له طبيبًا ليخرج الرصاصتين. وعلى الفور تمَّ إبلاغ السي آي أي بإنجاز المهمة.
آفاق فطين مِن غيبوبته فور إلقائه في الزنزانة مباشرة، وفور أن تحرك سُمع صوت الأصفاد المرعب التي تغل يديه وعنقه وقدميه.
بعد قليل دخل عليه جنديان أخذاه واصطحباه إلى مكتب أحد رموز النظام، بعدها أجلسه أحد كبار رجال أمن الدولة وبدأ التحقيق معه
نظر إليه المحقق قائلاً: «لماذا قتلتَ يا فطين؟»
ردَّ دهشًا: «قتلتُ مَن؟»
قال غاضبًا: «لا تتصنّع الجهلَ يا ابن الكلب، بيروفيسور بيتر؟»
قال بهدوء: «أتعرف يا هذا لو تركوني عليك لنفخت فيك فتبخرت في الهواء، لا أعلم شيئًا عمّا تقول.»
- «لا، أنت لست قاتلاً فقط، بل قليل الحياء والأدب أيضًا، فطين كُن متعاون معنا حتى نستطيع أن نساعدك، ألم تقتل بروفيسور بيتر بعد أن زرع لك رأسًا؟ تعاون معنا نتعاون معك.»
ضحك فطين وتعالت ضحكاته الساخرة، ثُمّ تثاءب فجأة ووضع يده على فيه كأنّما يريد النوم ثُمّ قال: «أتعاون معكم لأجل أنْ تتعاونوا معي!لا جرم، عالم فندق طابا كان بودِّه أن يتعاون معكم فهل تعاونتم معه أم.» قاطعه المحقق قائلاً: «لِمَ تخرج بنا عن موضوعنا الرئيس! قتل بروفيسور بيتر لا يهمنا في شيء، هذا شأنهم وسوف يقتصّون منك بطريقتهم، لكنْ من قتل ضابط الأمن أثناء قيامه بتطهير الخلية الإرهابية في منطقة إمبابة؟ والرائد الشهيد كذلك أثناء وجوده في اقتحام ال ..؟»
وأخذ يعدّدُ له رجال النظام الذين قُتلوا على مدار سنة ونصف مضتْ. وقد نسب له إدارة خلية إرهابية
- «مَن هؤلاء الذين سيقتصّون منّي بطريقتهم، فئران أم أبراص؟ وأيّ خلية تقصد؟ خلية نحل مثلاً، تسألنّي عن رجالكم! أيّ رجال؟ أنا أعلم رجالاً بمعنى الكلمة أنت لا تعلمهم؛ ألم يكن عالم الفندق مِن رجالكم؟! ألم يكن العلماء المغتالون في القرن السادس والسابع والثامن والتاسع والعشرين والواحد والعشرين من رجالكم؟! ألم يكن فهمان ولدي الذي سوف يتشرّد مِن بعدي مِن رجالكم؟! ما زالتْ أياديكم إلى الآن تسيل منها دماءُهم.»
قال منتفضًا: «هل أنت مجنون!هؤلاء رجال تخلّوا عن مصريتهم وعروبتهم فتركناهم، ولمّا تابوا وأرادوا العمل في بلادهم بعد أنِ استيقظتْ ضمائرهم لَمْ يخبرونا؛ فكانتْ مصائرهم الاغتيال بيد إسرائيل. هل تظنّ أنّنا نقتل أبناءنا، ثُمّ أنّهم لم يطلبوا الحماية منّا كي نحميهم، ولكن كانتْ كلُّ قراراتهم منفردة دون تنسيق معنا، فمثلاً عالم فندق طابا كان تحت حراستنا وقد فعل رجالنا ما كان يتوجّب عليهم فعله ولكن للأسف طالته يد الغدر. مصر ملآنة بالصراعات الداخليّة، ونحن نعمل ليل نهار لعدم إحداث فوضى قد تؤدّي إلى ثورة على نظام الحكم فتحدث انقسامات بين الشعب تؤول في النهاية إلى حرب أهليّة.» صمت هنيهة يستبقي نفسه ثم استأنف وهو يشيح بيده يمينًا ويسارًا: «انظرْ إلى العالم وتلك الحروب الأهليّة التي تحدث بين الشمال والجنوب والشيعة والسنة و ...إلخ. ثمّ تأتيني وتكلّمني عن رجال ونساءٍ لمْ يخبرونا بوجهتهم ولا بطلب من أجل حمايتهم.»
كان فطين ساند خدّه إلى كف يده اليمنى وأنزل جفني عينيه أثناء كلام الضابط، فلمّا سكت عن الكلام رفع جفنيه متثائبًا ووضع باطن يده على فمه ثمّ قال: «كلام جيد، لننهي كلامنا، أنا وابني نلوذا بِكم فهل ستتركونا؟»
سكت هنيهة ثمّ تابع كلامه بحسرة: «كم زوّرتم التاريخ على مدى عقود طويلة، وسوف يأتي رجل منها يحملوه رجال منها أيضًا فيأخذون بيدها.»
- «يأتى مَن؟ ومَن المسكينة؟»
- «ألا تعرف الأمّ، هي المسكينة، غُلّت بأياديكم، مصر يا أيّها السجّان.»
- «مصر.» ارتعش المحقق وانتفض ثمّ استأنف: «أنت ممن تريد النيل بمصر أيّها المزوّر القاتل.» ثمّ نادى على الحرّاس أن يرجعوه إلى زنزانته.

وقد علم فطين مِن أحد المسئولين الصادقين الذين يخافون على هذه البلد ولا يرضون الدنيّة في أوطانهم أنّ غدًا سوف تقلّه طائرة إلى أمريكا مقبوضًا عليه مِن قِبل رجال المخابرات الأمريكيّة للتحقيق معه.
ومنذ أن علم ثارت ثورته وهاج اهتياج الثور، وبدا له أنّ أشرّ ما يقع به وبابنه أن يكون مجرمًا في بلد يكون ابنه فيها عالمًا.
فأطفأ أجيج الثورة ببرد الصلاة، وظلَّ طوال الليل يدعو ربه ألّا يجمع بينه وبين ابنه في أمريكا. في الصباح نزل الوفد المخباراتي مِن المطار متّجهًا إلى فطين؛ وعندما وصلوا إلى محبسه وجدوه قد فارق الحياة.
ومات المواطن فطين المصريُّ، وودّع الحياة بعد أن رسم للعروبة دروب نجاتِها، وضرب لهم أروع الأمثلة في الشجاعة والفِداء والتضحية.
مات المواطن فطين المصريُّ بعد أن أعدّ مِن صُلبه فتىً سوف يكون له شأن في إصلاح هذا العالم الفاسد (كما ستبين أحداث الرواية).
الآن الجسد الطاهر مسجّى بعد أن رسم البسمة على شفاه عشرات الألوف مِن أهل قريته ووادعهم وآلفهم وصاحبهم.
مات فطين المصريُ، فهل سيواري الثرى جسده الطاهر أم تحمله الرياح إلى النجوم؟ وكيف سيُدوّن شخص فطين المصريّ في التاريخ؟ سيدوّن في مزابله أم في نفحاته؟
رماد معطّر يزين سماءَ مصر
ظلَّ مؤيد منذ القبض على فطين متوترًا، لا يكاد يتمالك نفسه نتيجة الحزن عليه، حتى إن لسانه يتلعثم أثناء الكلام بسبب الحزن المشوب بالخوف الساري في كل أوصاله.
لم يخف عن مؤيد فزّاعة أمن الدولة المصريّة التي تُصيب ولا تُخطئ من أجل الحصول على الاعترافات؛ تلك الفزّاعةُ التي اِنهار تحت وطأتها رجال أقوياء، كما يعرف أيضًا قوّة ورباطة جأش فطين ومدى إخلاصه ووفائه له وللمقاومة. وظلّتْ هاتان المعرفتان تختلجان في صدره فتحدث له الريبة والاضطراب؛ مصارعة عنيفة بين أمل يكتنفه يأس، وعزيمة يكتنفها وهن. ولقد نصحه قادة الاتحاد بالاختباء خشيّة أن يرشد فطين عليه تحت وطأة أساليب أمن الدولة؛ لكنّه رفض لثقته الشديدة في إخلاص فطين ومدى صلابته التي لا توهن.
ظلَّ مؤيد يكدّس كلَّ قواه الحيّة في رصد كلِّ ما يتعلق باعتقال فطين، ويحوم حول الأسباب التي بسببها تمَّ اعتقاله، واتحاد المقاومة لهم عملاء في كلِّ مكان داخل مصر وخارجها، بلْ لهم أنصار داخل الأنظمة نفسها يفدونهم بأعمارهم إذا لزم الأمر.
وكان التقرير يأتيه أوّلاً بأوّل عن ملابسات اعتقاله وحالته، بل أدقّ الأسرار وصلتْ إليهم وهو وصول الوفد الأمريكيّ ليأخذ فطين.
وفي الليلة المشئومة وصل التقرير إلى مؤيد أصيل يقول عبارة واحدة: «اُستشهد فطينُ.»
سمعها مؤيد، فاختلجتْ عيناه وزاغ بصره، واسودَّ وجهه وخرس لسانه إذ التصق في سقف حلقه، وانتفضَ جسده وسرتْ فيه حرارة الصيف الحادِّ حتى ألجمه العرق إلجامًا، جلس وشرب شربة ماء ليجري في سقف حلقه الجاف، وأدار التكييف حتى يذهب عرقه، وأغمض عينيه حتى لا تخطف من أثر الحزن.
بعد عدة ساعات مِن وصول التقرير الأول وصل تقريرًا آخر يقول بأنّ فطين لم يُدفنْ؛ بل أُحرقتْ جثته وذرّتها الرياح؛ فسقط مغشيّاً على الفور.
مرَّ يومان ومؤيد ما زال معتكفًا في بيته، يفكّر كيف يواجه ابن فطين بخبر اعتقاله ثمّ موته حرقًا.
ومن بيركلي اتصلَ فهمان أكثر مِن مرّة بأبيه، بيد أنّ الهاتفَ مغلقٌ دائمًا، فهو أو أبوه قلّما يمرَّ يومٌ إلّا تبادلا الحديث عبر البريد أو صفحات التواصل الاجتماعيّ، لكنّ هذه المرّة كلّ شيء مغلق.
وتمرّ الأيّام، وظلَّ فهمان مشتت الخاطر لا يذهب إلى الجامعة، وعندما تذكر خطاب أبيه توجس شرًا؛ فقرّر النزول إلى مصر.
وجاك مشفق عليه بسبب حالته العصيبة، وليس في إمكانه فعْل شيء تجاهه إلّا بكلمة اطمئنان تُهدّأ مِن ثورة الخوف والوجل اللذين يعتريانه.
وفور رفعه الحقائب جاءه خطاب مِن مجهول، فتحه، قرأ: «بعد السلام، أنا صديق أبيك، ومعي نسخة من الخطاب الذي أرسله لك والدك منذ أيام، أكيد تذكُرني، الأمن المصريّ اعتقلَ أباك بتهمة الدجل والشعوذة؛ فمات في محبسه، وقد قاموا بالواجب ووارو سوءته. ابقَ في مكانك وتذكّر وصايا أبيك لك، ابقَ في مكانك ولا تتركه، وقدْ حوّلت لك مالاً وفيرًا يكفيك حتى الإنفاق على دراساتك.
افتح خطاب أبيك واقرأه، وتذكر قوله: «تثبت ولا تهن ولا تترك مكانك، فإنّي راحل عاجلاً أم آجلاً، فاتخذ مؤيدًا أبيك فهو رجل ليس له نظير.»، واعلمْ أنّك موضوع تحت ميكرسكوب السي آي أي بعد حادثة حريق الجامعة. ابقَ في مكانك وسيطرْ على مشاعرك، وكنْ رجلاً مثل أبيك يا ابن فطين المصريّ.»
بالطبع لمْ يقلْ الطبيب له الحقيقة لأنها قد تصيبه بانهيار عصبيٍّ وتؤثر على مستقبله العلمِيّ وإنّما قال له ما يبقيه ثابتًا ويفي بالغرض.
تناول فهمان الخطاب، انهار بمجرد قراءته، أحسَّ بنار الفراق الأبديِّ يحرق قلبه إلى الأبد، وأنّ التشرّد سبيله، وأنّ حواسه ما عادت تصلح للعمل.
رمقه جاك؛ فجلس بجانبه، وتناول الخطاب، وقرأه، ثمّ تركه ونظرَ إلى فهمان ذي الجسد المرتعد والدموع الساخنة والأنف الأخنّ، قال له: «إنّ المصيبة وإن عظُمتْ؛ فليس لها أن تُعجزك وتُفتت عضديك، و كلّ مصيبةٍ وإن جلت وعظُمت فلابدَّ يومًا ما تهون. أنت رجلٌ تحمل رسالة للناس جميعًا، ولقد كان نبيّكم محمدٌ صلدًا رغم وفاة زوجته وعمّه في عامٍ واحد. فهمان، سيطرْ على مشاعرك ولا تجعلها تأخذ بناصية عزيمتك ووفائك للعلم؛ فتضيع وتضيّع عَالمًا في أمسِّ الحاجة إليك غدًا. صديقي نحن نحمل رسالة كبيرة، ويتوجب علينا أن نتماسك عند الكارثة وألا نتباهى عند النجاح حتى نستطيع أن نؤدي رسالتنا العلمية على أكمل وجه.»
ثمّ توجّه إليّه ونصب وجهُهُ في وجهِهِ وطلب منه أن ينظرَ إليّه، بيد أنّ فهمان ما يستطيع أن يرفع هاتيْن العينيْن البائستيْن في وجه أحد أيًا ما كان هذا الكائن، ولذلك قضى يومه مغمضًا كالأعمى.
ووضع يديه على منكبيّ فهمان ثمّ قال له: «فهمان، تماسك، المفروض أنّك عالم فيزياء لا تهزّك أبداً نائبة الدهر، كما يجب ألّا تهزّك متقلبات الطبيعة، لابدَّ أن تتغلب على كلِّ شيء وتنسى كلَّ ما يعوق مسيرتك. فهمان تماسك، أمامك الدنيا كلّها ذلولة ارتعْ فيها كيفما تشاء وأرِ هذا العالم كمْ سيصبح علمك ترياقًا في وجه الموت عندما يتحدّى َالإنسانُ الطبيعةَ الغضوبة. وإن كانتْ مصر فقدتْ رجلاً مثل أبيك فعلمك المنتظر يستطيع أن يُحيي ألف فطين إذا نُشر به السلام.»
يكلّمه جاك لكنّ فهمان لمْ يكن حاضرًا مطلقًا، لا عقل ولا قلب ولا رؤية، كلّ ما يسيطر على كيانه هو حزن الفقد وانتظار الضياع.

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
بشأن رواية قنابل الثقوب السوداء إبراهيم امين مؤمن أبعاد الإعلام 6 11-12-2019 12:19 PM
قنابل الثقوب السوداء أو أبواق إسرافيل إبراهيم امين مؤمن أبعاد الإعلام 4 07-12-2019 01:07 AM


الساعة الآن 12:00 AM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.