الحادي عشر من سبتمبر وحلحلة القناعات

[محمد السالم]

هناك مواقف تمثّل منعطف في حياة الأفراد والجماعات والدول وحتى الجغرافيا .
فمنا من فطن وعلم بمنعطفه ومنا من جهله
ولكن يصبح الحال غير الحال مهما كانت درجة المعرفة
والمنعطفات كثيرة ولها أسبابها ؛إلا إننا نجد انفسنا في خضمها ولا نتنبه للارهاصات إلا بعد وقوعها .
فما يبقى أحد إلاّويتأثر بالمنعطفات . إلا من يصنعها
قد لانقبل بها وقد نستهجن كيفيتها ولكنها من يحدد التعامل وليس نحن
فهي من يدير عجلة قيادة العربة
فمن ركب في اليوم الأول وإلا فأنه سيبحث عن فرصة في اليوم التالي كي لا يظل واقفا
وهؤلاء الصناع هم من يحددون كينونة المنعطف فأحيان يجعلونه منعطف بالمطلق
وأحايين أخرى يجعلونه شبه منعطف . والفرق بينهما إن الأول تحول جذري حتى يحدث منعطف آخر
يغير في ثوابت السابق . أما الثاني فيبقى تأثيره محدود ويمكن أن يسمح لنا بحمل بعض الأرث .
وغالبا لا تتشابه الإنطباعات والتأثيرات بالمنعطفات ؛
ولكن لا محالة التأثيرات والإنطباعات واردة وإلا فأنها لن تكون لا منعطف ولا شبه منعطف
بل قد يقال له حدث آني والأني ما يتوقف تأثيره على لحظته.
ولكن المنعطف هو ما يتغير معه الحال سواء إلى الأسوى أو إلى الأحسن
أو إلى حلحلة للقناعات دون أسوى أو أحسن . وحلحلة القناعات هذه
من أهم المنعطفات وأخطرها على الإطلاق .
ولرؤيتي له أنه منطعف قد تبدلت بعده القناعات
وايقنتُ يقين جديدا بأن اليقين الثابت في المتحرك يقين لا يستحق الاحترام .
وجدتني مجبر على لفض القناعات السابقة من الجذور .
ولدت مثل أترابي في محيط من يقين اسمه الاستسلام والقبول بالواقع دون مناقشته
أو حتى التفكير في كيفيته .
ولكن بعد هذا المنعطف الذي بللني بغيمة زرنيخيّة فكأني نبتُ من جديد
كأن هذه الغيمة بعد ما قامت بغسلي مما لحق بي من مشيمتي السابقة
رمتني في الهواء الطلق وقالت أنت وشأنك .
فتنفست للمرة الأولى دون مساعدة الأخرين . وبدأت أناقش قناعاتي وأضيف وأحذف.
وسواء أن أعجبت بهذا الاكسجين الجديد أو أنه لم يعجبني أدركت لا محالة إلا القبول به .
أنه أكسجين مر على استنشاقي له ثمان سنوات وستحل ذكرى النشقة الأولى يوم غدا
وبالرغم من محاولتي استهجان كيفية ميلاده وأغتصابه لقناعاتي السابقة وتفكيكه لجزئياتها
إلا أني وجدت نفسي أقدم له وردة دون تخطيط مسبق لخلاصه لي من بين فكّي القناعات السابقة.

أنه أعظم منعطف بعد نكبة الأرض المقدسة

11/9/2001