تملكتني رغبة في الكتابة ، كلما حاولت الامساك بفكرة وجدتها تهرب مني ، حتى طاردتُ هذه ومسكتها من طرفها وجررتها " لمخي " قسرًا وتمنعتْ من الخروج في حلة بهية .. وبدتْ كثوب مر عليه حول ٌ لم يفارق جسد صاحبه حتى رثَّ فيه .
ولكني أبيتُ إلا أن أخرجها مثلما أرادتْ .
ورددتُ عنادها بعناد أقوى منه
فاعذروا لي خروجها البالي !
أسر زوج لزوجته أنه أزهق روحا . وناصحها أن تكون له من الكاتمين ، خشية أن يصل إلى مسامع الناس ، ومنهم لرجال الأمن ، فيدك في الحبس دهورا على ما اقترف ، وحذرها من مغبات التصريح به وإن في إخراجه نهاية العهد الذي بينها وبينه ، إلا أنها لم تحمل لذاك الأمر كتما وهي من عرفت في الحي " بوكالة الأنباء " ، وجاهدت نفسها مرارا على حفظه، ولم تجد سبيلا لرد هوى نفسها الأمارة إلا أن تعض على لسانها كلما راودها خاطر البوح . حتى تقيح لسانها من كثرة العض ، وصعب عليها ابتلاع شيء من وقع الألم . ولم تجدِ المراهم في تطبيب حالها ، ولا سبيل لإيقافه إلا إعلان السر .
ضاق فؤاد الزوجة على حمل السر، ولم تعد قادرة على احتمال آلام لسانها المتقيح . كما إن النوم فر من جفنيها منذ أخبرها . وحتى تدفع عن نفسها فكرة البوح ، اشترت مجموعة قصص لتقرأها وتشغل بها ذهنها وكان من بين ما حوته قصة " أذنا الحاكم كأذني الحمار " وهي قصة حلاق أودع سر الحاكم الذي يحمل أذنين كأذني الحمار ، فلما أوشك السر على الفتك بفؤاده لم يجد سبيلا إلا البوح به في بئر وأصبح يصيح فيه يوميا ضحية وعشى "أذنا الحاكم كأذني الحمار" ويحس بعدها بسكينة في نفسه وكلما أتته رغبة الإفشاء اتجه للبئر ؛ فأتى يوم عاصف حمل صياح الحلاق إلى المدينة وعلم الجميع بالسر ، وسيق الحلاق للحاكم لينال جزاءه .
فكرت الزوجة في طريقة تخرج بها خلجات نفسها مثلما فعل الحلاق ، دون أن يقع عليها نذر الزوج . واهتدت بعد فكر عميق أن تكتب على قصاصات ورق ما تلاه زوجها . علَّ ذلك يخفف من وطأته في نفسها .فكتبت عليها "زوجي أزهق روحا . ولم تبق ِ مسافة إلا وسطرت عليها ذات العبارة ومن ثم مزقتها ورمتها في سلة المهملات . بقت على هذا الحال أياما ، لكن نارها لم تبرد , وبقي للسر دويه في نفسها . وقررت البحث عن سبيل آخر لإخراجه دون أن يعلم به مخلوق . فلم تجد إلا أن تلقيه على أذن ابنها الصغير ذو الخمسة أعوام , فهو وإن أخرجه فلن يحفل به أحد وسيجري عليه القول " كلام أطفال "
قربت فاها من أذنه وأسقطت فيه ..
" أباك مجرم ، قتل شخصا وفر وهو مطلوب للعدالة "
قلب الطفل بصره محاولا وزن كلام الأم ، ولم ينطق إنما هرع لغرفة ألعابه وهو يصيح " فارس العدالة قادم "
ولما عاد الزوج من عمله استقبله الابن حاملا سيفه البلاستيكي وصاح بوجهه
" سأقتلك يا مجرم ، أنا فارس العدالة "
كانت الزوجة تقف خلفه شاخصة البصر ولم تقدر على النطق إنما اكتفت بعض لسانها حتى أدمته .
اقترب منها هامسا " لم يكن ما أزهقته إلا قِطا اعترض طريقي وما فعلته إلا لاختبر قدرتك على صون السر وفشلتِ "
جثت الزوجة تقبل قدمي زوجها ، وألقت أيمانا غليظة أنها لن تعيد ولن تكرر ..
اعرض عنها الزوج وتركها تنوح وتعض لسانها ..!