الأربعاء لا يأتي .. والخميس بات كل العمر يا سلمى ، فيه أتحسس نظراتك الغافية على وجهي ، أوقظ الصباح النائم تحت نافذتي .. ولأني لا أتسامح مع ذكرياتنا .. أمنحه عطراً مغشوشاً من علبة قديمة .. وأدس كلمات عطرك في جيبي .. وحينها .. أركل الشمس كجيفة تلتقمها الظلال .. أسرق الشجر .. فلا أريد لأحدٍ أن يدعي الجمال غيرك .. أتلفت حذراً من لساني .. هو يعاشر الماء في فمي .. فلا آمن عليه أن يسيل بحبنا ويفضح سرنا .
كل أربعاء .. كان القمر يستدير بدراً منتشياً بالصحة والشباب .. ويبدو أنه انتهى لتوه من ضحكة طويلة .. أمامه تفاح أبيض في طبق أسود كبير .. ولأنه كريم معي .. يمنحني نسخة منه اصطحبها في سيارتي .. فأسمع صوت السحاب ونكات النجم المستهام .. أشم رائحة العشاق وقصائد الشعراء الكبار .. وحين ألتقيكِ .. أقول ماداً يدي .. تفضلي يا سلمى .. قمرٌ طازج .
كل أربعاء .. ينقضي عمر ويولد عمر .. أحيا فيه كملك .. تحتي القصور وتغريد الزهور ، المساء له ملمس دهان ناعم .. برائحةٍ لست أسميها وألوان صاخبة جريئة ، أسافر إلى عينيك لأعود محملاً بالمطارات .. بالهدايا .. بحقائب الذكريات الفاخرة ، أؤخر الشاي لئلا يشغلني النادل عن شهي حديثك .. أحب آخر حرفٍ في كلماتك .. ففيه نبضة قلب وإطباقة جفن .. وتلك الكلمات التي تلقحينها بضحكة .. والكلمات التي تبدأ بالحاء .. لعلها تكتمل حبيبي .
وفي غفلةٍ منا .. ينتصب الوقت كزبون سخيف يطلب منا ترك الطاولة .. انتبه حينها لأناس يجلسون حولنا .. للمفرش الأحمر المستكين تحت كؤوس الشاي .. وأمضى لا أدري إلى أين .. فالنوم حرام .. والأصدقاء قد يسرقون نكهة اللقاء ، وأراني كفيلٌ وقتها بإيواء الليل في قميصي ومنحه بعض المرح ، أتعرفين يا سلمى .. أمي لا تذكر يوم ميلادي .. أما أنا فأذكره .
يوم الخميس .. وعند السابعة .. تصحو الذاكرة ، تغسل وجهها من عوالق الأحلام .. تلبس ثوب المناسبات .. وتتكئ لتتناول كأس القهوة من يد الصباح ، تفتح ألبوم الصور لتفاصيل الأمس .. هنا وأنتِ مقبلة كعيد .. فيه التفاتة الصغار وحنو الكبار .. هنا وأنتِ تلتقطين الملعقة .. كفجر يُمسك بدهشتنا .. هنا وهنا ، ولأن ذاكرتي تجيد الفوضى .. تعيد ترتيب الصور لمواعيد آخرى .. لتمنحني نكهة موعدٍ جديد .
تصب كأساً آخر وتعيد الترتيب .. فهذه برائحة الليمون وتلك لها طعم التمر وأخرى بلون الكرز .. وفي النهاية ترش عليها بعض المطر .. ما أتعسنا يا سلمى وكل حياتنا ألبوم كبير .
اليوم .. مررتُ بذات المكان .. على مقعدينا عاشقان بلون الحياة .. يناولها ورقة لعلها قصيدة ممزوجة بالعطر وورق الريحان .. أتلمس يدي اليمنى لأطمأن على رسائلك القديمة .. وفي يدي اليسرى أتحسس حفنة من أربعاء .