قردة وخنازير (رواية) - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
[ فَضْفَضَة ] (الكاتـب : قايـد الحربي - آخر مشاركة : زايد الشليمي - مشاركات : 75148 - )           »          (( أبْــيَات لَيْسَ لَهَــا بَيــْت ...!! )) (الكاتـب : زايد الشليمي - مشاركات : 13 - )           »          فلسفة قلم .. بأقلامكم (الكاتـب : سيرين - آخر مشاركة : زايد الشليمي - مشاركات : 3845 - )           »          غياب القناديل (الكاتـب : أحمد عبدالله المعمري - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 3 - )           »          تخيل ( (الكاتـب : يوسف الذيابي - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 428 - )           »          ورّاق الشعر [ تفعيلة ] (الكاتـب : نوف الناصر - مشاركات : 5 - )           »          بُعدٌ جديد ! (الكاتـب : زكيّة سلمان - مشاركات : 1 - )           »          عَـيني دَواةُ الحـرفِ (الكاتـب : حسن زكريا اليوسف - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 4 - )           »          " قلطة " : اقلطوا .. (الكاتـب : خالد صالح الحربي - مشاركات : 94 - )           »          اوراق مبعثرة!!! (الكاتـب : محمد علي الثوعي - مشاركات : 423 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد النثر الأدبي

أبعاد النثر الأدبي بِالْلُغَةِ ، لا يُتَرْجِمُ أرْوَاحُنَا سِوَانَا .

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-29-2019, 04:11 PM   #1
عمرو مصطفى
( كاتب )

الصورة الرمزية عمرو مصطفى

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 2618

عمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي قردة وخنازير (رواية)


تهميد

(في البدء كانت الفكرة)

اجتمعوا في قبو أحد القصور المهجورة..
تسعة متشحين بالسواد، يرتدون أقنعة بيضاء و يجلسون حول طاولة مستديرة عليها شموع بعدد الجالسين..
هذه ليست حفلة تنكرية، وليست جلسة لتحضير الأرواح .. حينما تنصت لما يقولون ستدرك أن هذا اجتماع لإحدى الحركات السرية..
قال كبيرهم :
ـ بسم المهندس الأعظم لهذا الكون، نفتتح الجلسة..
عطس أحد الجالسين فطار قناعه وكاد يطفئ الشموع.. حدجه كبيرهم من وراء قناعه بنظرة حادة.. لو انطفأت الشموع لفروا أجمعين..
ضحكة رقيعة أفلتت من أحدهم فازداد الموقف سوءاً.
كل ذلك كان يجرح جو الرهبة الذي تعمدوا بثه في ذلك الاجتماع..
لكن لا بأس.. فكل الحاضرين من الشباب.. وغداً حينما يعرفون مدى المسئولية الملقاة على عواتقهم فسيودعون نزق الشباب للأبد ..
بعد برهة عاد السكون يغلف المكان، وواصل كبيرهم الكلام :
ـ إن العالم يسبح في الفوضى مذ نشأ.. لأن مقاليد الأمور توسد إلى العقليات الرجعية التي تقدس الظلام ، وتكره النور.. لقد قضيت ليلة أمس مفكراً في إيجاد حل لمأساة عالمنا.. العالم مقسم لدول وممالك متباينة فيما بينها من حيث اللون والجنس والدين.. وهذه الاختلافات الثلاث كانت أحد الأسباب الرئيسة في النزاعات والحروب التي جرت بين الأمم على مدار التاريخ.. ولقد حان الوقت لمحو كل تلك الأسباب التي تعيق التعاون والتآخي بين البشر..
وجال فيهم ببصره قائلاً :
ـ لاحظوا أن بيننا يهود ومسيحيين ومسلمين وهندوس وبوذيين.. بيض وحمر وصفر وزنوج .. هذا ليس متحفاً للأجناس أو مجمع للأديان.. نحن هنا لنعلن للعالم أن المرء أذا أراد أن يزيل الغشاوة التي على عينيه ويبصر النور الحقيقي، يمكنه أن يسمو فوق الجنس واللون والدين.. يمكنه أن يندمج في عمل جماعي يرتقي بالبشرية كلها..
ثم استطرد :
ـ إن لدينا فرصة لإقامة مشروع نظام عالمي جديد.. لكن أقول لكم بصدق: أن فكرتنا لا يمكنها أن تنجح في ظل الحكومات القائمة اليوم.. لذا..
وضرب المائدة بقبضته مردفاً :
ـ لابد من تدمير سائر حكومات العالم وبلا استثناء..
كاد قناعه أن يسقط عن وجهه لولا أن تداركه بيده بسرعة.. تأكد من تثبيته جيداً ثم عاد ليواصل الكلام لكن بحماس أقل:
ـ فقط ينقصنا لتحقيق ذلك الهدف السرية التامة.. والتمويل.. وحتماً سنجد بعض السادة الأثرياء من الهواة ومحبي الغموض والإثارة.. فمثل هؤلاء يغدقون الأموال على حركات سرية بعدد شعر الرأس.. لكن ليس بين هاته الحركات من يرقى إلى عقولنا كاملة الاستنارة..
تدخل أحد الأعضاء قائلاً:
ـ اسمح لي أيها الأستاذ الأعظم.. فأنا لدي عم عجوز وثري وليس له وريث غيري..
ـ هذا النوع لا يموت ميتة طبيعية غالباً.. لأن الوريث المنتظر حتماً سيفتقر إلى الصبر..
قال العضو بلهجة ساخرة :
ـ أنت تقرأ أفكاري أيها الأستاذ الأعظم.
ـ وأنهاك كذلك عن التصرف بحماقة حتى لا تخسر ثروة عمك.. وربما حياتك نفسها حينما تعلق في حبل المشنقة.
تحسس العضو عنقه لا إرادياً على حين عاد الأستاذ الأعظم يواصل حديثه لبقية الحضور.. قال:
ـ وإلى أن نجد الممولين المناسبين لهذا المشروع الكبير فسنقسم الآن جميعاً على المضي قدماً في هذا المشروع مهما كلفنا من تضحيات.. ومهما واجهتنا من عقبات..
تنحنح أحدهم.. ثم تساءل :
ـ معذرة أيها الأستاذ الأعظم.. ولكن لماذا أغفلنا العنصر النسائي في تنظيمنا هذا.. فكلنا هنا من الذكور.. وهذا منافي لنظرتنا التقدمية التنويرية.
وانبرى ثان قائلاً :
ـ هذا سيظهرنا بمظهر الحركات الذكورية الرجعية.. وستسود صورتنا أمام بقية الحركات السرية المنافسة.
رد كبيرهم قائلا:
ـ مازال أمامنا وقت طويل حتى نجد العناصر النسائية المناسبة للتضلع بدورهن إلى جوار الرجال.. فنحن سيكون لدينا طقوس رذيلة حتمية في المستقبل القريب.. نحن لسنا بأقل من الحركات السرية الأخرى..
ابتهج الجالسون للأخبار السارة وبدو أكثر انسجاماً.. فواصل كبيرهم بلهجة منتصرة :
ـ أرى أننا الآن مستعدون للقسم..
قالها ثم وضع كفيه مبسوطتين على المنضدة، فحذا الجميع حذوه.. بعدها قام كل منهم بوضع راحته اليمنى على يسرى المجاور له والعكس بالعكس.. فكونوا دائرة مغلقة من الأكف المتلاحمة.. عندها قال كبيرهم بصوت جهوري :
ـ لنردد معاً القسم..
هنا تحطم باب القبو وأحاط بهم جيش من رجال الشرطة مدججين بالسلاح..
نظر الأستاذ الأعظم للفوهات المصوبة إلى رؤوسهم، ثم التفت للعضو الذي تكلم عن ميراث عمه وسأله في مغضباً :
ـ أقتلت عمك؟
هز العضو رأسه نافياً في عنف.. فالتفت الأستاذ الأعظم لرجال الشرطة قائلاً في سخط :
ـ ما هذه الهمجية ؟ نحن جمعية سرية محترمة ولا نمارس أي نشاط معادي للدولة..
قال كبير الشرطة :
ـ تقصد لا تمارسون نشاطاً معادي لدولتنا وحدها.. لقد تم تسجيل كل شيء.. مؤامرتكم قد انكشفت.
صرخ الأستاذ الأعظم :
ـ خيانة..
رد عليه قائد الشرطة بنبرة ساخرة :
ـ بل هي حماقة.. فنصف أعضاء جمعيتك من رجال الشرطة.
صاح الأستاذ الأعظم متشدقاً:
ـ كجماعة محترمة لابد أن يكون لنا رجال في شتى المجالات.. لدينا أطباء ومحامون ومهندسون كذلك و..
ـ وفر هذه المعلومات المهمة لحين يتم استجوابكم.
لم يكد كبير الشرطة يتم عبارته، حتى هجم رجاله على أعضاء الحركة وطرحوهم أرضاً، ثم قاموا بتقييدهم قبل أن يسحبوهم للخارج وسط ضجيج وصراخ وتوسلات وعويل..
لكن لم ينس الأستاذ الأعظم وسط كل هذا الصخب أن يصيح برفاقه وهم يسحبون على وجوههم :
ـ غداً حينما نسيطر على العالم.. ذكروني أن أمحو هذا المشهد من ذاكرة التاريخ.
***

 

التوقيع

" تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَة ..
تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!"

( أمل دنقل)

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04-29-2019, 06:29 PM   #2
عمرو مصطفى
( كاتب )

الصورة الرمزية عمرو مصطفى

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 2618

عمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


الشرطي


(1)

أول ما يفتح عينيه.. يطالعه شعار النظام العالمي الجديد..
صورة رمزية لقرد وخنزير كتب تحتهما :
" أنت تحيا في ذروة المجد البشري!.."
إنه يدعوك للفخر والانتشاء.. يدعوك لاحتقار الأجيال السابقة التي لم تعش تلك اللحظة ولم تملأ عينيها كل صباح من ذلك الشعار..
ثم يظهر ذلك الممر المعدني البارد، ومعه عبارة :
" شرطي مكافحة التمرد.. هل أنت جاهز؟.."
قال بلا تردد أنه جاهز.. جاهز جداً.. ترسانة الأسلحة التي معه تقول هذا.. أعصابه المشدودة تقول له هذا..
ظهرت له عبارة تقول :
" في نهاية الممر ستجد غرفة على اليسار.. هناك خمسة يجتمعون للكيد لنا.. أقتل هؤلاء الحثالة البشرية. "
هتف :
ـ المجد للنخبة في الأعالي.
ظهرت له عبارة " انطلق " لكنه لم يكد يتحرك خطوتين حتى ساد الظلام ..
***
" أنت تحيا في ذروة المجد البشري "
حينما قام من الفراش تعثرت قدمه في بقايا طعام الأمس.. الأمس كان حافلاً وعليه أن ينتظر فرق التطهير الألية حتى يعاوده الإحساس بأنه في وحدة آدمية وليس في حظيرة خنازير..
غسل وجهه في كابينة التطهير العضوي الملاصقة لفراشه، ثم تأمل وجهه في المرآة قليلاً.. همس لنفسه :
ـ إيهاب أنت مقبل على الحياة بلا داعي..
إنه يتقدم في السن .. لا زوجة.. لا أسرة.. لا مستقبل ..
لكن أليس هذا الوجه البائس الذي يرمقه الآن عبر المرآة هو وجه أمه؟ هذا الذبول الذي يعتريها، ليس بسبب فقدان الزوج الذي مات بالسلالي، لكن بسبب إصابتها هي أيضاً بالسلالي.. لقد حل على بدنها الهش كضيف ثقيل لا يمكنها رده.. ومع الوقت صارت روحها ضيفاً ثقيلاً علي بدنها الذي صار ملكاً لضيف الأمس..
نام نوماً مثقلاً بالهموم مفعماً بالكوابيس، واستيقظ ليجد روبوت مفزع قد حل محل والدته.. قال له بلطف ألي: أن أمه تركته ورحلت هي أيضاً إلى حيث رحل والده.. وأنه سيتولى تربيته من اليوم حسب القانون .. هكذا صار هو تربية روبوتات.. وحمد الله على أنه كان قد فطم، فلم يضطر للرضاعة من روبوت.. يتذكر هذا وهو يضحك.. طبعاً نشأته في كنف روبوت محترم أهلته للالتحاق بشرطة مقاطعة إلوسيوم.. هذا لم يحلم به والديه.
أن تثق فيك النخبة وتقبلك في صفوف شرطييها، فهذا يعني أنك صرت مواطن نخبوي من الطراز الأول..
يداهمك هذه الأيام إحساس غريب بأنك مفتقد لشيء ما.. هل هو فقدان الوجهة والهدف؟.. كيف وأنت تعمل من أجل رضى النخبة الأممية؟ أليس هذا هدف سامي بحد ذاته .. إذن ما سبب هذا الإحساس؟ .. قديماً كانوا يقولون هذه وساوس شياطين، لكن النخبة الأممية حسمت الأمر في ميثاقها.. لا وجود للشياطين على الحقيقة في هذا العالم، وإن كانت الأديان قد ذكرت الشياطين في كتبها فهذا من قبيل الرمز .. فوسوسة الشيطان ترمز لرغباتنا السيئة والمكبوتة، وعلاجها الوحيد هو جلسات البرمجة اللغوية العصبية في الوحدات النفسية.. في بعض الحالات يتحول المواطن بسبب تلك الجلسات إلى نوع جيد من النبات .. لقد فكر إيهاب في تجربة تلك الجلسات كثيراً، ثم قرر أن يؤجلها إلى حين يقرر التقاعد من الحياة..
فيما بعد قرأ عن مذهب فلسفي يسمى العبثية وقد راق له كثيراً.. إنه سيزيف أخر لا يكل ولا يمل من العبث بدحرجة الصخرة عالياً وهو يعرف أنها حتماً ستعاود السقوط.. العبثية هي قانون هذا العالم ..
إذن سيظل منطلقاً في عالمه، كرصاصة مجهولة المصدر، إلى هدف غير معروف.. لا يهم إلى أين ومتى.. إنه بانتظار الارتطام العظيم والانفجار المروع.. ثم لا شيء..
غادر كابينة التطهير، وفتح المرئي فطالعته المزيد من الإعلانات..
الإعلانات معظمها عن رحلات لعوالم افتراضيه .. رحلات صيد في البراري الافتراضية، وكذلك رحلات فضائية لاستكشاف الكون عن طريق كبسولة المحاكاة ..
المواطن من الشريحة جـ لا يظفر بالحقائق غالباً، بل بالمزيد من العوالم الافتراضية ..
عليك فقط أن تقوم بتحميل البرنامج المعلن عنه، عن طريق شريحة التواصل المزروعة خلف أذنك، ثم تدخل في غرفة مظلمة وتضع عصابة سوداء على عينيك.. بعدها ستجد نفسك تسبح في المستنقعات وتدخل رأسك بين فكي تمساح.. أو تلمس النجوم.. يمكنك أن تقود جيوش الإسكندر، أو تهزم نابليون في واترلو.. يمكنك أن تدمج أشياء من ذكرياتك وواقعك الكئيب بالعوالم الافتراضية في محاولة لتغييرها للأحسن على طريقة ماذا لو الشهيرة..
ومقابل ذلك تدفع المزيد من العملة الافتراضية، التي تتسرب عبر شريحتك الائتمانية المزروعة تحت إبطك.. تتسرب كالتبول اللاإرادي..
لماذا يلجأ المواطن من الشريحة جـ للعوالم الافتراضية مادام يحيا في ذروة المجد البشري؟
هذا السؤال ببساطة يعد نوع من التجديف..
كذلك ليست العوالم الافتراضية هي وسيلة المتعة الوحيدة في النظام العالمي الجديد..
في تلك اللحظة طالعت عيناه ذلك الإعلان الهام.. الليلة سيكون هناك حفل إعدام للمتمردين .. بالأمس كانت سهرة ممتعة.. بث مباشر من هيدز التي تعج بحثالة البشر أعداء المجد..
أما اليوم فالسهرة ستكون مشاهد ممتعة لعملية الإعدام على الخازوق النيوتروني..
المتمردون لا يكاد يخلوا منهم زمان.. وكذلك الخوازيق بشتى أنواعها..
إنهم كالعادة يعتبرون أنفسهم ثوار، ويعتبرون النخبة التي تحكم النظام العالمي مجموعة من الطغاة ، وأن العالم سيصير أفضل بدونهم.. النتيجة هي سلسلة من العمليات التخريبية بين الحين والحين، تنتهي بسلسلة من المداهمات لأوكار المتمردين، ومن يبقى حياً بعد المداهمة يصير فرجة العالم في المساء والسهرة..
إيهاب يعتبر المتمردين جماعة تبحث عن تغيير لنمط حياتها الذي تعتبره مملاً خالياً من الإثارة.. يريدون بعض الإثارة الحقيقية لا الافتراضية.. ولهذا يسببون المتاعب لشرطة النظام العالمي ..
هل هذا نوع تعاطف معهم؟
استعاذ بالله من الشيطان الرجيم.. ثم استعاذ بالله من استعاذته من الشيطان الذي لا وجود له على الحقيقة! .. هؤلاء المتمردون كفار نعمة.. يريدون أن يعود العالم فوضى كما كان قديماً قبل أن يوفق الله النخبة الأممية في تدشين النظام العالمي.. هكذا صرف الخاطر السيء عن ذهنه وقرر أن يواصل برنامجه اليومي الممل..
***
" أقتل الحثالة.."
تتردد الكلمة بين الحين والحين بينما يتقدم إيهاب في الممر شاهراً مسدسه الألي.
الغرفة على اليسار.. لا يجب أن ينسى هذا.. الحثالة هناك.. سيمزقهم بالرصاص.. أمامه طريق طويل لابد أن يقطعه حتى يحصل في النهاية على نجمة الوحدة .. ويصير هو الشرطي الأول..
" أقتل الحثالة.."
الباب يلوح.. عليك أن تكون حذراً يا إيهاب.. ليس مداهمة حشد من المتمردين بالأمر الهين.. كتم أنفاسه ووقف على جانب الباب.. أعد مسدسه للإطلاق ثم دفع الباب بقدمه..
لم يحدث شيء .. إنهم حذرين جداً.. أم تراه أخطأ الغرفة.. هذه أول غرفة على اليسار تقابله.. فكر في أن يعود للخلف ليتأكد.. إنه يسرح كثيراً هذه الأيام.. ذكرياته لا تتركه حتى وهو في خضم معاركه مع المتمردين..
لم يكد يتراجع بظهره خطوتين حتى برز له من الغرفة أول متمرد..
رباه أنها الغرفة الصحيحة إذن.. وبلا تردد ضغط على الزناد.. كان المتمرد ـ لحسن الحظ ـ مجرد مستكشف أعزل.. لذا فقد خر صريعاً قبل أن يفهم..
هنا فتحت أبواب الجحيم.. وابل من الطلقات انهمر عبر فتحة الباب، جعله يتراجع ملتصقاً بالجدار أكثر..
ظهرت له عبارة مساعدة من مركز القيادة " معك ثلاث قنابل يدوية"
هذا خبر سار جداً.. لكنه لا يريد استنفاذها بهذه السرعة.. إنه مازال في بداية الطريق..
لحظة.. لقد هدأت أصوات النيران.. إنهم يلقمون أسلحتهم .. إذن هي فرصتك يا إيهاب، ولتوفر قنابلك اليدوية..
أولج مسدسه عبر فتحة الباب وأفرغ خزينة كاملة.. هناك أصوات صرخات.. لكنه لم يقتلهم كلهم..
لم ترسل له القيادة تأكيدها بعد.. لقم مسدسه بخزينة جديدة ووقف مستنداً على الجدار وهو يتنفس بعمق.. لقد قتل اثنين على أقل تقدير
بالإضافة للمستكشف الأعزل.. إذن مازال هناك اثنين من المتمردين بالغرفة .. إنه يسمع تهامسهم بالداخل..
هنا سمع صوت الارتطام المكتوم.. بعدها تدحرج جسم كروي على الأرض ليستقر في النهاية بين قدميه..
لقد ألقوا عليه قنبلة يدوية !..
فكر بسرعة، هل يحملها ويعيدها إليهم أم يجري مبتعداً عنها؟..
في مرات عديدة لا يفلح في تناول القنبلة من ثم تنفجر في وجهه وترديه قتيلا.. لذا قرر سلك الطريق الأسلم.. جرى بكل قوته وانبطح أرضاً ..
القنبلة لم تنفجر.. لقد أخرجت أدخنة خضراء اللون سرعان ما بدأت تنتشر في الممر.. إنها قنبلة دخان ستخدره أو ستشل حركته.. أو على الأقل لن تجعله يرى مهاجمه الذي سيلوز بالفرار..
" معك قناع الغاز الواقي "
شكراً للقيادة.. إنهم حاضرون معه دائماً.. والفضل للشرائح الذكية التي تملأ جسده..
ارتدى القناع بسرعة ووثب قائماً وهو يشهر مسدسه.. القناع يمكنه من الرؤية كذلك وسط الدخان.. إنه يعطيه إشارات تشبه علامة التصويب على الهدف.. صوب مسدسه على علامتي التصويب التي ظهرتا أمامه وأطلق النار..
سرعان ما اختفت علامتا التصويب .. وبدأت الأدخنة الخضراء تلاشى بالتدريج..
ها هو الممر يعج بجثث المتمردين، بينما وقف هو يعبئ سلاحه وينتظر الجديد..
هنا سمع صوت خطوات معدنية ثقيلة قادمة من جهة الغرفة فصوب سلاحه متأهباً..
ثم أدرك سريعاً أن مسدسه الألي ما هو إلا دمية أطفال بالنسبة للخطر الذي يواجه الآن..
كان العنصر الأخير من المتمردين روبوت متحمس تشتعل أضوائه غضباً.. إنه من النوع المقاتل الذي يحتاج إلى طائرة حربية لإيقافه لا إلى فرد في شرطة المكافحة..
إن فرص نجاته تكاد تكون منعدمة..
***

 

التوقيع

" تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَة ..
تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!"

( أمل دنقل)

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04-30-2019, 06:14 PM   #3
عمرو مصطفى
( كاتب )

الصورة الرمزية عمرو مصطفى

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 2618

عمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


(2)

يذكر إيهاب اليوم الذي ابتاع فيه روبوت رياضي مستعمل للتدريب على بعض الرياضات العنيفة في المنزل، حتى يحافظ على لياقته البدنية، التي يحتاجها في مواجهاته التي لا تنتهي مع المتمردين..
ثم اكتشف أن الروبوت مصاب بتصلب في المفاصل وحركته بطيئة كأنه يتدرب مع عجوز قعيد في التسعين .. لذا اضطر لاستقدام بعض الخبراء لمعالجة برنامجه وتزويد سرعته بمقابل فلكي جعل شريحة النقود لديه تئن جوعاً..
لكنهم على الأقل استطاعوا إحياء ذلك الروبوت التحفة ..
وهكذا وقف أمامه وقفة الاستعداد ثم أعطى الإشارة الصوتية لبدء الهجوم ..
شعر بسعادة غامرة حينما تلقى لكمة عاتية في فكة وركلة ساحقة في خاصرته .. بالأمس كان يصاب بالنعاس أثناء اللعب مع نفس الروبوت ..
ـ مرحى .. أعطني أكثر ..
وبالفعل أعطاه أكثر.. أكثر بكثير مما كان يأمل في الحقيقة..
ضربات الروبوت صارت كالبرق .. لم يعد الأمر مجرد تدريب .. هذا الروبوت المجنون سيقتله حتماً.. يبدو أن الفني الوغد قد أخطأ في شيء ما و......
صرخ وهو يتمرغ في الأرض :
ـ أوقفوووووووه !..
لكن الوغد الألي لا يتوقف ولا يعطب .. سحب إيهاب مسدسه من جرابه الملقى على الفراش واستدار ليفرغه في صدر الروبوت .. لكن الأخير ضرب كفه بخفة، فطار المسدس ليخترق جهاز الميكروويف ..
نظر إيهاب بجزع وغير تصديق للميكروويف المهشم .. طبعاً ليتلقى لطمة عاتية على صفحة عنقه ألقته أرضا..
بعدها وثب الروبوت فوقه وأخذ يشيع لكماته وركلاته إلى كل الأماكن التي تم تخزين مواضعها في ذاكرته ..
بعد نصف ساعة كانت بطارية الروبوت قد فرغت، وتحول إلى قطعة حديد جامدة على وقفة قتالية شامخة.. ومن حوله تناثر أثاث الوحدة أشلاء، فبدا المشهد كلوحة معبرة عن الانتصار الساحق للألة على الإنسان ..
لكن أين إيهاب ؟
***
إيهاب الآن يواجه روبوت مختلف..
إنه مزود بمدفعين سريعي الطلقات بالإضافة لكون جسمه المعدني مضاد للرصاص.. ولديه عين في منتصف جبهته تطلق شعاع ليزر قادر على شطر فيل إلى نصفين..
" مهمتك التالية.. سيطر على الروبوت.. "
انهالت عليه الطلقات كالمطر وهو يعدو في الممر بخط متعرج.. طبعاً هذا الكابوس لا يمكن أن يدمر..
إنه صناعة نخبوية عالية الجودة والكفاءة.. ولسوء الحظ تمكن المتمردون من السيطرة عليه .. المطلوب منه الآن إعادته إلى صوابه..
لكن كيف؟
لاح له باب في نهاية الممر كأنه نشأ من الفراغ فقط ليعطي له حبل نجاة في أخر لحظة من الطلقات وأشعة الليزر..
اقتحم الغرفة وأغلق بابها خلفه بإحكام، ثم وقف يلهث وهو يفحص أسلحته.. لا يوجد من بينها وسيلة للسيطرة على ذلك الكابوس..
" ستجد جهاز التحكم مع أحد المتمردين.."
أطلق سبة بذيئة وضرب كفه بالجدار.. كيف سيعود ثانية ليفتش في جثث القتلى وذلك الكابوس قادم من أجله.. عليه أن يهدأ ويفكر..
صوت الخطوات المعدنية الثقيلة يقترب .. سيقتحم عليه الغرفة بعد ثوان وعليه أن يكون قد أعد خطة..
لا مجال لاستعمال الأسلحة التقليدية.. عليه أن يناور الوغد الألي كي يتمكن من الانسلال إلى غرفة المتمردين.. وهكذا انتظر بجوار الباب حتى سمع صوت الليزر يذيب الإطار من الخارج.. وسرعان ما تهاوى الباب تلقائيا بعد عملية الجراحة الممتازة التي أجراها له الروبوت.. كتم أنفاسه منتظراً اللحظة المناسبة.. واللحظة المناسبة حانت حينما عبر الروبوت الباب، وتقدم داخل الغرفة وهو لا يرى إيهاب الذي وقف منتظراً في الركن.. وهكذا انسل من خلفه وانطلق يعدو خارج الغرفة بكل قوته..
ها هو الممر المفروش بالجثث.. هناك خمس جثث.. ترى هل سيجد الجهاز مع أول جثة.. مع ثاني جثة..
تباً .. خطوات الروبوت المعدنية تقترب من جديد.. هذا يثير أعصابه ويفقده التركيز..
ثالث جثة إذن..
ها هو قادماً من أجله بعد أن اكتشف خدعته البسيطة..
رابع جثة..
أخيراً.. ها هو ذا..
بعدها ظهرت له عبارة " حصلت على جهاز التحكم.. قم بالسيطرة على الروبو..."
لم ينتظر إكمال العبارة.. استدار بسرعة مصوباً جهاز التحكم ناحية الروبوت الذي ظهر في تلك اللحظة وهو يستعد لنسفه نسفاً..
لكنه لم يكد يضغط على أزرار التحكم حتى بدأ الروبوت يرقص.. نظر لجهاز التحكم في يده بدهشة.. هناك شيء ما خطأ..
" قم بالسيطرة على الروبوت "
صاح في غيظ وهو يعيد ضغط الأزرار:
ـ إنني أحاول بالفعل..
هنا توقف الروبوت عن الرقص..
للوهلة الأولى خيل إليه أن الروبوت سيعاود الهجوم عليه .. لكن فجأة صدرت عنه أضواء بنفسجية هادئة وبدأت مدافعه اليدوية ترتخي ببطء.. ثم سمع الصوت المعدني الذي أثلج صدره:
ـ تحت أمرك سيدي.
هنا ظهرت عبارة " تمت المهمة بنجاح "..
بعدها ساد الظلام..
***
ـ وصل فريق التطهير .. على سائر المواطنين إخلاء الوحدات ..
تردد الصوت المعدني في أذن إيهاب، وهو قابع في الظلام أسفل الفراش، مختبئاً من الروبوت الرياضي الذي جن تماماً..
ضغط على أذنه بكفه بطريقة معينة ليتمكن من الرد عبر شريحة التواصل.. قال بصوت مهشم :
ـ جاري إخلاء الوحدة..
لم يصل صوته للأسف، وشعر بتلك الوخزة في أذنه، فعاد يضغط عليها بكفه.. شريحة الاتصالات بحاجة لشحن، أو .. تباً يبدو أن الروبوت الوغد قد أفسدها، أو أفسد أذنه ذاتها ..
لكنه يدرك أنه لو فقد أذن فسيزرعون له شريحة جديدة في أذنه الأخرى.. وطبعاً سيفقد وظيفته الحالية، لأنه سيصير من أصحاب العاهات..
وهكذا زحف خارجاً من تحت الفراش بحذر وقد تحول وجهه إلى لوحة لمأساة إغريقية .. رمى الروبوت الرياضي بنظرة خاوية قبل أن يبصق عليه بصقة دامية أودعها كل حنقه وألمه .. ثم واصل زحفه لوحدة التطهير العضوي في محاولة لإسعاف ما يمكن إسعافه ..
وخرج بعدها وقد امتلأ وجهه بالضمادات .. ارتدى زيه بسرعة وهو يتجاهل حركة روبوت التطهير، الذي اقتحم الغرفة وبدأ يقوم بعمل التنظيف اليومي.. إنه يشبه الخنزير في الهيكل الخارجي ويقوم بنفس دوره.. يأكل القمامة أكلاً .. وكذلك هو لا يكف عن التعليقات الروتينية التي يعتبرها إيهاب فضائح..
ـ بقايا طعام.. مشروبات.. مخدرات من النوع المصرح به للشرطة.. التهوية لا بأس بها هنا.. هناك حالة فوضى عارمة كأن الوحدة ضربها زلزال عنيف ..
ثم إن الروبوت اكتشف وجود إيهاب فالتفت إليه قائلاً :
ـ لم يتم الإخلاء بعد.. هذه مخالفة يا سيد إيهاب سيتم خصم جزء إضافي من شريحتك الائتمانية..
مازالت الروبوتات هي سيدة هذا العصر بلا منازع..
لكنهم ولله الحمد لم يستغنوا عن العنصر البشري تماماً.. وإلا فمن التعس الذي سيذل..
لقد كادت البطالة أن تكون هي التحدي الأكبر للإدارة النظام العالمي الجديد؛ وذلك بسبب الاعتماد شبه الكامل على الآلات..
ولما حدث التمرد الكبير من الآلات وواجهت النخبة الأممية أزمة كادت تعصف بها، لم تتمكن من إعادة الأمور إلى نصابها إلا بالعنصر البشري.. إيهاب كان أحد أبطال تلك الملحمة.. يذكر حصار مبنى الكابيتول بمقاطعة إلوسيوم.. الروبوتات تعتصم بالداخل والشرطة من الخارج.. أوقات عصيبة مضت حتى تم اقتحام الكابيتول والسيطرة على الروبوتات الشقية.. ثم حفل التكريم الذي نال فيه نوط الواجب والشرف، وامتلأت شرائحه الذكية بالنقود الافتراضية..
توقع كغيره من رجال الشرطة، أن تتغير سياسة الاعتماد على الآليين بعد حادثة التمرد تلك .. لكنهم فوجئوا حين عودتهم لوحدة مكافحة التمرد أنهم عينوا روبوت يدعى (س-600) قائداً للوحدة!..
ترك إيهاب الخنازير الألية تأكل قمامة وحدته السكنية وغادر.. بالخارج ظل يذكر نفسه .. هذه ستكون المرة الأخيرة وعليه أن يجدد الترخيص.. يمكن لتلك الروبوتات أن تهشم رأسه لو انتهى ترخيصه..
ابتسم بكأبة للدعابة وهو يتحسس شريحة النقود المزروعة تحت إبطه الإيسر.. إنه يعرف معنى تلك الذبذبات التي تدغدغه كلما تم سحب جزء من رصيده.. إنها بحاجة إلى شحن.. وعليه أن ينتظر حتى موعد الشحن الشهري..
لما خرج إلى الشارع سمع صوت حوامات التطهير تجوب السماء.. إنه الصباح حيث يتم رش سماء إلوسيوم بمواد كيماوية مثل تلك التي كانت تقتل الحشرات والآفات الزراعية بالحقول.. لكنها هنا تعمل على قتل ما بقي فيهم من آدمية..
يقولون أن هذه من ضمن برنامج النخبة للرعاية الصحية لمكافحة السلالي.. بالرغم من ذلك فإن المرض اللعين يحصدهم حصدا.. ربما لو كانوا يرشونهم بالسلالي نفسه لما كانت نسبة الإصابة ستتجاوز الرقم الحالي.. بل ربما تقل..
بعد حمام الكيماوي الذي حول المارة إلى أشباح بيضاء اتجه إيهاب إلى رصيف القطار الكهربي.. جلس بجوار النافذة ليستمتع بوميض الأضواء التي تمضي بسرعة خاطفة على جانبي القطار..
بعد ثوان قليلة سيصل إلى مقر عمله.. لديه لقاء مهم في مركز القيادة
وعليه أن يكون مستعداً..
***

 

التوقيع

" تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَة ..
تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!"

( أمل دنقل)

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 05-01-2019, 03:47 PM   #4
عمرو مصطفى
( كاتب )

الصورة الرمزية عمرو مصطفى

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 2618

عمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


(3)

" مقر القيادة "..
وقف على الباب المعدني بانتظار الإذن بالدخول ..
القائد (س ـ 600) ينتظره شخصياً.. لابد أن المهمة هذه المرة غير تقليدية..
غاص الباب في الجدار كاشفاً عن حجرة ضخمة تعج بالروبوتات المتحمسة، التي تنبعث منها أضواء عديدة بحسب الحالة المزاجية لكل منها.. وفي وسط الحجرة يجلس القائد (س ـ 600) على مقعد يشبه العرش .. ذكره مشهده بملكة نحل في وسط الخلية وحولها تحوم اليعاسيب.
ـ مرحباً.. إيهاب..
ابتلع ريقه بصعوبة وتقلصت أحشائه كلما كان مقدماً على مهمة جديدة..
ـ مرحباً سيدي.
كانت أذرع (س-600) الأربعة مشغولة في عدة اتجاهات ..
إحداهما تفحص صورة خارطة ثلاثية الأبعاد، بينما الثانية تحاول ضبط التكييف .. وذراعه الثالثة والرابعة كانتا خاضعتان للصيانة من قبيل فريق من الآليين من القسم الفني لشرطة المكافحة.. طبعاً فالقائد لا يثق في الفنيين البشريين..
لقد ولى زمن الروبوتات التي تقترب لحد مريع من البشر في شكلها الخارجي.. فمن حق الروبوت التميز عن باقي البشر.. حتى وإن كان في الأصل من صنعهم.. اليوم خلقت أجيال من الآليين تم صنعهم بمعرفة آليين أمثالهم.. هؤلاء آليون أبناء آليين.. وكان السيد (س-600) من هذه النوعية المعتزة بعرقها الآلي!..
كان جسده يصدر أضواء بنفسجية هادئة مما يعني أن حالته المزاجية مستقرة..
ـ كيف أنت إيهاب؟
رد بتلقائية :
ـ أحيا بشرف في ذروة المجد البشري..
رآه يلتفت لينهر أحد الفنيين ـ الذي يبدو أنه قد آلمه بشدة ـ ثم عاد لإيهاب قائلاً:
ـ أنت أحد الضباط المميزين بالوحدة وتعرف أنني كروبوت، مولع بالتميز.. لذا فقد اكتشفت أن قرار إحالتك للأعمال المكتبية كانت خطأ محض..
قال إيهاب بدهشة:
ـ لكنه كان قرارك أيها القائد..
ـ لا يمكن إيهاب .. تعرف أننا لا نخطئ أبداً..
يتذكر إيهاب تلك الأيام.. حينما أحاله (س ـ 600) بعد أحداث التمرد الكبير للأعمال المكتبية.. كان يقوم بوظيفة مراقبة شرائح المواطنين في إلوسيوم ..
هناك شاشات مراقبة الشرائح الذكية لآلاف البشر في المقاطعة..
هناك شريحة الهوية المزروعة عند الصدر فوق موضع القلب تماماً طالما هذه الشريحة تضيء بلون أخضر فهذا يعني أن صاحبها مواطن شريف لا يفكر في شر.. وإذا ما بدأ الأخضر يتحول للأصفر فهذا مؤشر غير صحي.. نحن على وشك التفكير في الشر.. هنا يبدأ إيهاب في تسليط الضوء أكثر على صاحب الشريحة.. أما تحول الإضاءة للون الأحمر فهذا يعني وقوع المحظور.. يتم رفع تقرير بالحالة ويتم البت في أمره خلال ثوان.. إما أن يخرج القرار بإعادة تأهيل المواطن من جديد، أو بتحرك فرق المكافحة لشطب اسم المتمرد من الوجود .. وفرق المكافحة هنا ليست إلا الشريحة الذكية ذاتها. تتحول إلى شرائح للقتل الذكي والنظيف .. فلان المواطن أصيب بالسكتة الدماغية فجأة .. فليرحمه الله ..
وهكذا صار من الصعب اليوم التفرقة بين حالات السكتة الطبيعية والذكية!
وهكذا ظل إيهاب يمضي أيامه في إحصاء أنفاس البشر ورفع التقارير التي تساهم في تحديد مصائرهم..
إلى أن جاء اليوم الذي عاد فيه مرة أخرى إلى العمل الميداني الذي يعشقه..
قال :
ـ للأسف النسيان أفة بشرية لا فكاك منها يا سيدي..
قال القائد بانتشاء ألي :
ـ هذه فائدة أن تكون روبوت.. أنت لا تخطئ ولا تنسى أبداً.. الروبوتات هي آلهة العصر بلا منازع.
قال إيهاب وهو يكتم أفكاره السوداء:
ـ إننا نتشرف كوننا نعمل بناء على توجيهاتكم سيدي..
قال (س ـ 600) :
ـ حسناً إيهاب.. مهمتك القادمة ستكون في النطاق النظيف!
يتذكر إيهاب متى ظهر هذا المصطلح لأول مرة.. لقد ظهر بعد حادثة التمرد الكبير مباشرة..
منذ هذا اليوم بدأ الاعتماد على الروبوتات يقل وإن لم يتوقف.. بل بدأ البعض يفكر في أن التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي يمثلان تهديداً للأمن والسلم العالمي..
من هنا بدأ الأثرياء من الشريحة ب يفكرون في إنشاء نطاق خالي من التكنولوجيا الحديثة..
وهكذا ظهر في العالم مصطلح النطاق النظيف.. هناك قطاعات صممت على الطراز الروماني واليوناني والفرعوني.. وبعض القطاعات يعتمد على الحياة البرية في الغابات..
لابد أن تكون مواطن من الشريحة ب كي تتمكن من الذهاب إلى هناك كسائح أو مقيم.. أما أبناء الشريحة جـ فهم بحاجة إلى وساطة كي يذهب الواحد منهم إلى هناك ضمن العمالة التي لا يستغني عنها الأثرياء في أي نطاق كانوا..
في البداية لم يهتم إيهاب بشأن النطاق النظيف.. إنه لا يعرف كيف يعيش المرء بلا شرائح ذكية تحصي عليه أنفاسه.. أنت بدون تلك الشرائح في العراء وبلا غطاء.. كيف يستغني المرء عن العين التي تحرسه ليل نهار..
لكن رأيه هذا تغير حينما قررت هالة الذهاب إلى هناك..
***
هالة كانت تملك أجمل عينين وتقيم روحها في وحدة قلبه..
إنه الحب في ذروة المجد البشري..
في ذلك اليوم الموعود، حلقت روحيهما ساعة بين المروج الخضراء وفوق قمم الجبال الشاهقة.. ساعتها فكر إيهاب في أن الشريحة واحدة والمقاطعة واحدة.. فلماذا لا يتحد قلبانا إذن في وحدة سكنية واحدة.. حتى يتم حرق ذراتنا بفرق التطهير العضوي بعد عمر طويل؟..
السبب وجيه جداً وقد صرحت به هالة في ذلك اليوم..
ـ أنا أطمح في الذهاب إلى النطاق النظيف..
فتقول لها بدهشة :
ـ هل هبطت عليك ثروة؟..
ـ لا.. تعرف أنهم هناك يحتاجون بشدة للأيد العاملة من الشريحة جـ..
ـ ولماذا لا نقنع بحياتنا هنا؟
ـ القناعة بالموجود سبة في جبين المجد البشري..
ـ أنا لا أستطيع ترك عملي هنا لألحق بك هناك .. معنى هذا أننا سنفترق..
تبتسم لك هالة في ود مفزع وتقول :
ـ ستكون هذه فرصة جيدة ليبدأ كل منا من جديد..
تلاشت صورة الجبال والهضاب والمروج الخضراء حينما ضغط إيهاب على ذر وقف بث صور الخلفيات الطبيعية.. كانا منذ البداية في وحدة التنزهات الخلوية الافتراضية.. ووقف هو مصدوماً يتأمل هالة كأنه يراها للمرة الأولى..
قالت لك وهي تمسك بساعدك فيرتجف في يدها:
ـ إيهاب لقد سئمت شريحة ألعاب الفيديو هذه..
تبعد يدها عنك في رفق وتقول هامساً :
ـ أنت لا تعرفين ما الذي قد تجدينه هناك ..
ـ بل أعرف.. والكل هنا يعرف.. هناك النقيض لكل ما نحياه هنا.. هناك لفظوا التقنيات الحديثة بكل أنواعها وعادوا للماضي.. لا ملوثات ولا أمراض سلالية.. حياة مديدة بلا ملل ولا أوجاع العصر الحديث..
كانت تتكلم بحماس ملتهب كأنها رأت ما تحكي عنه رأي العين .. يبدو أنها قد تلقت عرضاً ما من أحدهم.. تمنى لو عرف هذا الوغد ليأكله بأسنانه.. للأسف قد لا يستطيع المساس به أصلاً لو عرفه..
لم يجد شيء يرد به عليها فسألها :
ـ و ماذا ستعملين هناك؟
تتسع ابتسامتها وهي تداعب خصلات شعرها فتفهم..
ـ لا يهم .. المهم أن أصير هناك وكفى.
شعر بقبضة من حديد ساخن تعتصر قلبه.. مشكلة إيهاب أنه مازال يحمل بداخله مشاعر كادت أن تنقرض.. ربما وجوده هو الذي يمنعها من الانقراض..
تمنى لها إقامة سعيدة في نطاقها النظيف، وتمنت له حياة سعيدة في نطاقه المسموم.. ووقف وحيداً يراقبها وهي تبتعد .. وتبتعد ..
حتى ابتلعها الزحام.
رباه.. ماذا لو تحليت بالصبر يا هالة..
***
ـ هل أنت معي يا إيهاب؟
انتفض قائلاً :
ـ معك سيدي.
أدار (س ـ 600) صورة الخريطة ثلاثية الأبعاد ليريه الموضع الذي سيذهب إليها.. بدا له المشهد كحفل تنكري أسطوري لا يمت لذروة المجد البشري بصلة.. إنه أقرب لجو ألف ليلة..
ـ هذا حفل سنوي يعقده أثرياء الشريحة ب في قطاع الأساطير.. قطاع الأساطير !.. الحفل هذه المرة على شرف ثري يدعى جعفر..
قال لنفسه : أكيد ستكون هالة هناك.. إنها أقرب لحسناوات ألف ليلة فعلاً.. مؤكد سيلقاها هناك..
وضع كفه على قلبه كي لا يصل صوت دقاته العنيفة إلى أذن القائد فائقة الحساسية.. لكنها حتماً ستصل للوغد الذي يراقبه في قسم الضمير الشرطي.
قال له القائد وهو يصفع أحد الفنيين الآليين على قفاه كي لا يسرح أثناء عملية الصيانة :
ـ إن مهمتك ستكون الاندساس وسط الحفل ولتكن مستعداً للتدخل في أي لحظة لإنقاذ السادة الأثرياء ..
انتهى عمال الصيانة من عملهم فقام بفرد ذراعيه وثنيهما عدة مرات قبل أن يقول بلهجة آلية راضية :
ـ تعرف أنا أشفق على البشر لأن لهم ذراعين فقط.. أنت لم تجرب أن يكون لك أربعة أذرع مثلي..
قال إيهاب منافقا:
ـ هذا قصور بشري لا شك فيه..
حرك القائد رأسه المستدير وأضاءت عينيه كناية عن مشاركته نفس الرأي..
ـ إن عملي هنا يتلخص في معالجة قصوركم البشري هذا.. مهمتك تلك ما هي إلا معالجة للقصور البشري الناتج عن رغبة بعض الأثرياء في التخلص من التكنولوجيا والعودة للماضي.. كنت أتمنى أن يقوم بهذه المهمة روبوت من لحمي ودمي.. لكن هذا محال في النطاق النظيف كما هو معلوم.. لذا سنعالج هذا القصور البشري بعنصر بشري..
ثم أردف:
ـ لا تنس أن عقوبة من يدخل للنطاق النظيف بوسائل تقنية حديثة، قد تصل لحد الإعدام على الخازوق النيوتروني ..
قال في توتر وقد قرأ ما بين السطور :
ـ هذا يعني أنني سأعمل بمعزل عن أي دعم خارجي..
قال القائد برنة ألية ساخرة :
ـ طبعاً هذا محال.. ستظل محتفظاً بشرائحك وأسلحتك سراً.. وفي الوقت المناسب لن يلومك أحد لو استعنت بالشيطان نفسه من أجل حمايته من خطر محدق..
ـ والخازوق النيوتروني؟
ـ كل قانون وله استثناءات كما تعرف.. لكن لو انكشف أمرك قبل الأوان، فربما كانت نهايتك على يد رجال جعفر الأشداء أسوأ من الإعدام على الخازوق النيوتروني.. إنهم قوم يبغضون التكنولوجيا كالعمى.
ـ إذا كان لديهم أمنهم الخاص فلم لا يتعاملون هم مع متمردي الحفل؟
قال (س ـ 600) بسخرية ألية:
ـ هؤلاء المجانين يمنعون حتى أمنهم الخاص من استعمال التقنيات الحديثة في عمليات التأمين..
ثم أردف بشراسة مفاجئة:
ـ إنها فرصتنا لنثبت لأثرياء الشريحة ب أن النطاق النظيف ليس نظيفاً كما يدعون.
***

 

التوقيع

" تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَة ..
تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!"

( أمل دنقل)

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 05-02-2019, 05:20 PM   #5
عمرو مصطفى
( كاتب )

الصورة الرمزية عمرو مصطفى

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 2618

عمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


(4)

" مرحباً بكم في الحفل السنوي بقطاع الأساطير.."
الحفل كان مزيجاً فريداً من رائحة البخور الممتزجة بالشواء والتوابل، الممتزجة بالموسيقى التي تخدر الأعصاب.. وسط حشد من كبير من أثرياء الشريحة ب.. رجال ونساء يرفلون في ثياب حريرية على وسائد من ريش النعام وحولهم الخدم والحشم..
كادت أن تفلت منه شهقة حينما لمح الجواري يطفن على رؤوس الحضور بالكؤوس.. هؤلاء لسن مجرد جواري .. هؤلاء حوريات.. اكتشف في لحظة أنه كان واقعاً في غرام قردة اسمها هالة..
هناك كميات مريعة من الطعام والشراب سيفتك بها حشد من الكروش المنتفخة.. أحد تلك الكروش يخص جعفر حتماً.. لابد أنه أكبرهم كرشاً هنا..
هؤلاء لا يشعرون بالعالم الخارجي.. هم غارقون حتى الآذان في العسل.. مالهم وللعالم الغارق في التلوث والمحاصر بالروبوتات المعصومة..
تحرك بحذر وسط هؤلاء السادة المنعمين وهو يشعر بالدوار.. عليه أن يحترس كي لا يدوس على ذيل أحدهم فتحدث الكارثة.. أخيراً وجد له مكان بجوار أحد الأعمدة الرخامية.. فوقف هناك يرتقب..
للحظات كاد أن ينسى مهمته وسط كل هذا الجو الساحر..
ثم تذكر أن هؤلاء في نطاقهم النظيف قد يتعرضون في أي لحظة لاختراق من المتمردين.. ولن ينقذهم سواه.. هو المواطن من الشريحة جـ الحقيرة سينقذ أثرياء الشريحة ب المرفهين..
ـ أنت!
تسمر في مكانه وقد هرب الدم من عروقه.. التفت ليرى ذلك الرجل النحيل ذو اللحية القصيرة والغديرة التي تنسدل على كتفيه من تحت العمامة.. وثيابه تشبه ثياب البحارة العرب القدامى.. هيئته تشير إلى أنه غير مرفه ولديه قوة شكيمة واضحة كأنه قائد عسكري.. كان ينظر إلي إيهاب في شك..
ـ يخيل إلي أنني أعرفك.
اندفع إيهاب يقول بحماسة :
ـ كيف لا تعرفني.. أنا علاء الدين ..
كان هذا هو التنكر الخاص بإيهاب في هذا الحفل لكن يبدو انه كان غير مقنعاً.. قال الرجل في ملل :
ـ تباً.. لقد قابلت عشرة أشخاص كلهم يتنكرون في شخصية علاء الدين.. وكأنه لا يوجد في عالم ألف ليلة سوى علاء الدين هذا..
سأله إيهاب بفضول:
ـ وأنت ..
هز رأسه في خيلاء قائلاً :
ـ أنا مختلف طبعاً.. إنني وبلا فخر السندباد البحري!
قال إيهاب وهو يمد إليه كفه مصافحاً :
ـ مرحباً يا سيد سندباد .. أعتقد انك ستكون الفائز في هذا الحفل.. صافحه السندباد بتعالي قائلاً:
ـ أنا لم آت هنا للفوز في مسابقة أفضل تنكر يا هذا.
قال إيهاب باسماً :
ـ ولا أنا..
ـ غريبة!
قالها السندباد وهو يعقد ساعديه أمام صدره وعينه تجوب الحفل.. قبل أن يتوقف على مجموعة من الرجال الأشداء يرتدون مثله ثياب بحارة وإن كانوا أكثر شراسة وفوضوية ..
ـ ها هم رجالي..
ثم ترك إيهاب واتجه إليهم صائحاً:
ـ أين كنتم يا حثالة؟
تجاهلهم إيهاب وقرر أن يمارس عمله الذي جاء من أجله.. سيجلس ويراقب..
كان هذا حينما تعالى الهتاف :
ـ وصل السيد جعفر..
خفتت أصوات الصخب المنبعثة دفعة واحدة.. وكأن أحدهم قد ضغط على زر كاتم للصوت.. ورأى إيهاب أعناق المدعوين تشرئب إلى السماء ..
***
كان هناك صوت خفقان أجنحة قوي يأتي من أعلى..
وحينما رفع الجميع أبصراهم ، سرعان علت شهقاتهم..
تمتم إيهاب بذهول :
ـ يا أبناء المجانين!
كان السيد جعفر قد قرر أن يظهر بصورة لا تقل أسطورية عن كل ما حوله.. بل تفوقها بمراحل.. الجواد المجنح أيقونة مهمة في عالم الأساطير، خصوصاً ألف ليلة؛ لذا كان من العار أن يمر حفل كهذا من دون حصان مجنح أو بساط سحري..
أما جعفر نفسه فكان بعكس غالب المدعوين، شديد النحول شديد جحوظ العينين.. كأنه يريد أن يقول لكل من تقع عينه عليه : أنا شرير يا حمقى .. إنه من هؤلاء المفتونين بأدوار الشر لا الخير .. فالخير بالنسبة إليه خلاعة وابتذال.. لذا بدا منظره وهو يركب الجواد المجنح متناقضاً.. الشر المطلق يمتطي الجمال والرقة المطلقة..
ـ ووو..
ـ رائع..
ـ مذهل..
وهتفت إحدى الحسناوات :
ـ هذا هو فتى الأحلام!..
حط الجواد المجنح بين الحضور المنبهر، وترجل من فوقه جعفر وهو يجول ببصره في الجموع بنهم عجيب، كأنه يتغذى على نظرات الافتتان التي تطل من أعينهم..
صاح أحد أصحاب الكروش المنتفخة :
ـ إذن هذه هي مفاجأة الحفل يا سيد جعفر..
لوح الأخير بكفه بخيلاء مشيراً للجواد الذي بدا أشد خيلاء من سيده..
ـ لقد وعدتكم وأوفيت بوعدي..
اقتربت إحدى الفاتنات من الجواد وهي تقول بلهجة حالمة:
ـ هل ستسمح لنا بتجربة هذه التحفة؟
كان إيهاب يحاول التوغل بين الجموع ليرى أقرب.. هل هذا حصان حقيقي أم خداع بصري؟.. أم..
أم خداع تقني؟..
وهل لهذا السبب لا يسمح لأحد هنا باستصحاب أي تقنيات حديثة؟.. كي لا يسهل انكشاف أمر واحد مثل جعفر ..
إذن فجعفر هذا نصاب كبير.. أخ لو كان معه جهاز كشف الروبوتات الأن، لكشف للحضور أنهم يقفون أمام جواد ألي ليس إلا..
ـ هذا الجواد السحري سيختار من بينكم سعيد الحظ الذي سيركبه..
قالها جعفر كأنه مقدم لأحد برامج المسابقات.. علت همهمات الجموع المستغربة فرفع كفه صائحاً :
ـ هدوء يا سادة.. إن الصخب يزعجه.. ربما رفض أن يلمسه أحد غيري..
عض إيهاب شفته السفلى وهمس :
ـ طبعاً يا ابن النصابة!
كان قد اقترب من الجواد جداً لدرجة أنه بدأ يشعر بأنفاسه.. لا يمكن.. إنه يبدو حقيقي أكثر من اللازم.. الروبوتات مهما بلغت دقتها فهي لا تكون لهذه الدرجة من الإتقان.. داعب إيهاب أنفه مفكراً.. ثم لاحت له الفكرة فبرقت عيناه.. نعم ربما كان الجواد حقيقي لكنه تم تزويده بأجنحة ألية مثلاً.. إذن لنقترب من الأجنحة لنفحصها عن قرب و..
هنا رفرف الجواد بجناحيه..
هاج الحضور وتراجعوا إلا إيهاب الذي كان يتجه لفحص الجناح الأيمن حينما فوجئ بلطمة الجناح العاتية ترفعه من أسفل لأعلى بحركة خاطفة أفقدته توازنه.. ووجد نفسه يدور في الهواء دورة رأسية وهو يصرخ صرخة مدوية .. وحينما اكتملت دورته وعاد للهبوط، وجد نفسه مستقراً على ظهر الجواد..
وكان مشهداً مهيباً.. إيهاب فوق صهوة الجواد المجنح يرمق بذهول الجموع المتحلقة من حوله وهي تهلل ..
ـ مرحى .. لقد اختار الجواد فارسه..
الوحيد الذي لم يهلل مع المهللين كان جعفر.. وقف يداعب ذقنه المدبب وهو ينظر لإيهاب نظرة شك واضحة ..
ـ من أنت يا هذا؟..
هز إيهاب كتفيه قائلاً بتلقائية :
ـ أنا علاء الدين..
هتفت الجموع :
ـ هذا هو المختار يا سيد جعفر..
أشار الأخير إلى الجواد وصاح في حنق :
ـ الجواد لم يتحرك بعد لنجزم أنه قد اختاره..
ثم أشار إليه فوق صهوة الجواد صارخاً بحراس الحفل :
ـ انزلوا علاء الدين هذا من فوق جوادي..
هنا وقبل أن يتحرك الحراس لتنفيذ الأمر، فرد الجواد جناحيه وأطلق صهيلاً قوياً، ثم انطلق محلقاً كنسر عملاق في سماء الحفل ..
ـ وووه..
ـ إنه المختار بلا شك..
ونتف جعفر حاجبيه صارخاً في الحرس :
ـ أريد جوادي أيها الحمقى.
ثم التفت إليهم وقد تصلبوا جميعاً :
ـ ما ذا دهاكم؟
هنا أدرك لماذا وقفوا متخشبين.. كان في قفا كل واحد منهم مدفع ألي أما حاملي السلاح انفسهم فلم يكونوا سوى بحارة السندباد ..
وقبل أن يفوه جعفر بكلمة وجد مسدس السندباد نفسه في قفاه هو ، وسمع صوته البارد القاسي يفح في أذنيه :
ـ لقد قدمت عرضك الخاص.. وحان الوقت لتقديم عرض أفضل.
هنا علت صرخات النساء وشهقات الرجال لكن قطعها سيل من الطلقات التحذيرية في الهواء..
وصاح السندباد وهو يدفع جعفر أمامه بمسدسه :
ـ مازال الحفل في أوله.. لا ينبغي أن تستهلكوا طاقتكم في الصراخ هكذا..
هنا حاول بعض رجال الأمن التحرك، فكانت النتيجة أسرع من الخيال وامضى من السيف.. لقد حصدته طلقات البحارة وحصدت معه كل الحراس دفعة واحدة..
و صاح بحار عجوز في السندباد وهو يعيد تلقيم سلاحه:
ـ كان ينبغي أن نتخفف من عبء الحراس منذ البداية..
صاح به السندباد وهو يخطوا فوق جثث الحرس :
ـ معك حق يا جدي.. لكن تذكروا .. لا أريد أن ينتهي الحفل وقد تخففنا من كل هؤلاء السادة الظرفاء.. ما زال لدينا وقت طويل لنساوم النخبة الأممية..
قال جعفر وهو يرمق السندباد بحقد طبقي رهيب :
ـ هل تعرفون عقوبة دخول النطاق النظيف بأسلحة نارية؟
كانت العبارة كافية لينفجر المتمردون كلهم في الضحك..
ثم أن السندباد اقترب بوجهه من جعفر، وهو يمسح الدموع التي سالت من عينه من شدة الضحك..
ـ تقصد الخازوق النيوتروني؟
ابتلع جعفر ريقه ولم يرد.. فالتفت السندباد للجموع الممتقعة وهتف:
ـ الحقيقة أن هذا تناقض لا شك فيه يا سادة الشريحة ب.. من يدخل النطاق النظيف بتقنيات عصرية يعاقب بعقوبة عصرية.. أليس هذا تناقضاً؟
ثم رفع قبضته عالياً وصاح برجاله :
ـ أليس من حقنا أن نطالبكم بخازوق حقيقي من خوازيق الزمن الجميل..
هنا هوى فوقه إيهاب بالجواد المجنح وهو يصيح :
ـ ما رأيك بهذه الوسيلة الأسطورية؟
ولم ينتظر إيهاب ـ الذي نسى الجميع أمره تماماً ـ ليرى مصير قائد المتمردين الذي سحق غالباً تحت أقدام الفرس.. كان يمسك بمسدسين آليين في كل يد ويطلق منهما الرصاص ببزخ من فوق صهوة الجواد المجنح..
صراخ.. عويل.. هرج.. دماء.. وحينما أفرغ أول خزنتين كانت الأرض قد افترشت بجثث المتمردين المتنكرين في ثياب البحارة..
وزحف جعفر من بين الجثث والشظايا مقترباً من إيهاب.. رفع كف مرتجفة إليه وقال بصوت مبحوح:
ـ لقد.. لقد أنقذت حياتنا.. لقد كان الجواد محقاً حينما اختارك.
و ظهرت عبارة تقول " تمت المهمة بنجاح".. ثم ساد الظلام..

***

 

التوقيع

" تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَة ..
تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!"

( أمل دنقل)

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 05-03-2019, 06:29 PM   #6
عمرو مصطفى
( كاتب )

الصورة الرمزية عمرو مصطفى

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 2618

عمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


(5)

كان (س ـ600 ) منهمكاً في شحن بطارياته التسع باستمتاع حينما تحطم زجاج نافذة مكتبه، وعبرها إيهاب فوق صهوة الجواد المجنح..
ـ إيهاب هل جننت؟
هبط إيهاب من فوق صهوة الجواد، وربت على منخره ثم التفت في برود إلى قائده قائلاً :
ـ لقد أنهيت مهمتي.. وحصلت على ذلك الجواد الأسطوري كمكافأة.
قال (س ـ 600) :
ـ يمكنك أن تحتفظ به للتنزه فيما بعد..
أطلق إيهاب صفيراً مميزاً ففرد الجواد جناحيه وانطلق مغادراً حجرة القيادة من حيث أتى..
ـ هل هناك مهام أخرى؟
ـ هل أوحشتك الإقامة في وحدتك بالشريحة جـ ..
أجاب كاذباً :
ـ جداً.. من الجنون أن يسعى المرء للحياة بعيداً عن تكنولوجيا عصره..
ـ رائع .. لقد صرت فيلسوفاً كذلك.. لكنك لن تعود لوحدتك بهذه السرعة.. مازال لديك مهام أخرى في النطاق النظيف..
ابتهج إيهاب وتجدد الأمل في أن يلقى هالة هذه المرة.. قال له الروبوت القائد بأن مهمته هذه المرة ستكون في القطاع الديني! ..
قال مستغرباً :
ـ هل لدى مواطني الشريحة ب دين؟
ـ إنها أديان يا عزيزي.. كل منهم يمارس دينه كما يحلوا له.. ومهمتك أنت ستكون في كاتدرائية كاثوليكية.. هناك تنظيم سري للمتمردين يجتمع هناك للكيد للنخبة.. عليك أن تصل إليهم وتدمرهم.. لا تنس أن القطاع الديني بالنطاق النظيف أكثر تشدداً من غيره بخصوص التقنيات الحديثة.. خصوصاً الكاثوليك إنهم يعتبرون التكنولوجيا الحديثة ضرب من السحر الأسود ..
وسكت هنيهه قبل أن يردف :
ـ وطبعاً أنت تعرف ما الذي قد يفعلونه بك لو اكتشفوا أمرك..
***
وقف إيهاب يتأمل الصرح الكاثوليكي ذو الطراز القوطي، والذي كان ينقصه لسان من البرق يضرب بين أبراجه ليكتمل فيلم الرعب..
كان يرتدي ثياب تشبه ثياب الرهبان ففهم أنه سيدخل الكاتدرائية بصفة دينية..
" اتبع الرهبان "
لم تكد العبارة تتلاشى حت لمح طابور من الرهبان، يتحرك بالفعل
باتجاه بوابة الكاتدرائية.. انضم إليهم وسار في ركابهم حتى نجح في عبور البوابة..
داخل الكاتدرائية تخلف عن الطابور وتوارى بين الأعمدة.. الآن هو بحاجة لإرشاد أخر..
" فتش عن القبو "
مرة أخرى يتذكر إيهاب حبيبته هالة.. إنه لم يجدها في قطاع الأساطير فهل يجدها هنا في قلب القرون الوسطى..
من يدري ربما وجدها قد صارت راهبة.. هذا أفضل بكل تأكيد من جواري ألف ليلة المائعين..
هبط درجات السلم المؤدية لقبو الكاتدرائية ولم يكد ينتهي عند الباب الخشبي العتيق حتى بدأ يسمع الأصوات الغريبة..
***
وضع أذنه على الباب ليسمع أوضح..
شعر برجفة في أوصاله لا يدري سببها.. هل بسبب تلك الأصوات الرتيبة أم اللغة الغريبة التي يتكلمون بها أم..
وارب الباب قليلاً حتى يبصر ما بالداخل..
هناك مشاعل بالداخل تضفي على المكان جو مثير وخانق.. ماذا يفعلون بالداخل؟
إنهم حتى لم يحكموا غلق الأبواب.. الرجفة تزداد كلما اقترب من المجتمعون بالداخل.. لا تبدو هذه تراتيل صلاة.. هؤلاء المدثرون بالعباءات السوداء والمتحلقين حول ذلك الصنم الغريب ليسوا كاثوليك أصلاً..
وقف إيهاب يراقب المنظر من خلف أحد الأعمدة.. هؤلاء جماعة تمارس طقوس وثنية ما.. نظر بتركيز للصنم وبدأ يحاول التذكر..
كاثوليك ليسوا كذلك.. صنم له رأس جدي.. تراتيل غامضة.. الآن فهم إيهاب من يكونون.. ترى هل يعيد المتمردين إحياء ذلك التنظيم القديم أم.. أم أنهم امتداد له..
إنهم يمارسون هنا نفس الطقوس بحذافيرها.. يسبحون في النهار باسم الصليب وفي الليل يقلبونه ويبصقون عليه ويتقربون إلى رأس صنم يدعى بافوميت..
ما سر تلك الرائحة القذرة التي هلت فجأة؟..
هنا شعر بالملس البارد على صفحة عنقه وسمع من يهمس كأنه لا يريد أن يشوش على المجتمعين:
ـ تحرك معي ولا تصدر أي صوت..
كالعادة يأتي هذا الكشف المهم في اللحظة السوداء التي ينكشف فيها أمره..
قال بصوت مبحوح وهو يندفع تحت حد السيف :
ـ أنا راهب مثلكم..
ـ لقد اكتشفت بنفسك أننا لسنا رهبان ..
ـ دعوني أعتذر.. فقد دفعني الفضول لا أكثر..
ـ وماذا فعل الفضول بالهر..
هنا وجد نفسه وسط حلقة الرهبان المزيفين وفوقه رأس التيس مباشرة والمشاعل تلقى عليها ظلال مريعة.. بسبب هذا المشهد لن يفكر في أكل رأس التيس حتى يموت..
قاموا بتفتيشه واستخراج كل ما معه من أسلحة أمام عينيه..
الآن صاروا متعادلين.. هم ليسوا كاثوليك وهو ليس راهباً كما يدعي..
وتقلصت أحشاء إيهاب وهو يتخيل مصيره.. الكاثوليك كانوا سيحرقونه لو اكتشفوا حقيقته.. ماذا إذن سيفعل به هؤلاء المارقين من الكاثوليكية؟.. بل من النظام العالمي كله؟..
ـ ما هو اسمك الحقيقي يا فتى؟
ـ إيهاب.. الضابط إيهاب لا تنسى هذا جيداً..
ـ إيهاب اسم عربي .. ربما مسلم كذلك..
قال إيهاب بتلقائية حمقاء :
ـ وموحد بالله ..
قال الصوت الذي يصعب تحديد مصدره وسط تلك الحلقة المحدقة به كالسوار بالمعصم..
ـ عربي مسلم بيننا يا رفاق .. إنه يوم تاريخي ..
تعالت الصيحات المنذرة من حوله ففطن إلى مدى حماقته لكن بعد فوات الأوان طبعاً .. عربي مسلم بين جماعة من المتمردين يحيون طقوس فرسان الهيكل القدامى.. لو كان محظوظاً فلسوف يأكلونه حياً كالضباع ..
ـ سيحدد الرأس المقدس مصيرك..
وتعالت الضحكات.. هؤلاء ليسوا مخابيل.. طريقتهم ولهجتهم توحي بالثقة وكذلك توحي بشيء ما شيطاني ..
لماذا يدورون من حوله؟.. سيصيبونه بالدوار حتماً.. لماذا عادو لتلك التراتيل الغريبة والمخيفة؟..
ـ لا.. توقفوا..
هكذا صرخ إيهاب فتوقف الجمع فعلاً لكن ليس من أجله..
صاح أحدهم :
ـ انصتوا للرأس المقدس!.. من الفم للأذن.
وأمام عيني إيهاب الذاهلة بدأ رأس التيس يهتز.. الفم المدبب يتحرك.. وهناك صوت قادم من حفرة من حفر جهنم يتردد بلغة شيطانية ما.. أكيد هي اللاتينية.
هلل الجمع في حبور فيبدو أن ما قاله الرأس أعجبهم.. يبدو أنه أمرهم بذبحه وأكله..
ـ ستنال تحية البركة..
ـ تا.. تحية ماذا؟
مال عليه أحدهم وهمس في أذنه بنبرة ساخرة:
ـ إننا نمارس هنا كل طقوس الفرسان الأوائل، والتي اعترف بها بعضهم فعلاً.. نبصق على الصليب ونحتقر المسيح ونعبد رأس بافوميت.. ونمارس الشذوذ.. وهو ما نطلق عليه مجازاً تحية البركة..
وتعالت الضحكات الشيطانية المجلجلة من حول إيهاب، الذي صرخ بكل ما يعتمل في نفسه من رعب وغيظ وتقزز :
ـ اللعنة عليك يا (س-600) ..

***

 

التوقيع

" تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَة ..
تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!"

( أمل دنقل)

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 05-03-2019, 08:56 PM   #7
سيرين

(كاتبة)
مراقبة

افتراضي


تمهيد يقبض على خيوط الاحداث بإتقان لم نعهده إلا من أكبر كتاب الروايات
تبارك الله .. كما لو أقرأ سيناريو بدقة تفاصيل الحوار والحركة المسموعة والمرئية
حد لم يغفل ادقها تحت مظلة السلاسة والتشويق لفكرة نعايشها لتلك الجماعات التدميرية
المكان والشخوص وملابسهم دلالات تزيد من صدق واقعية الرواية
لي عودة سريعة لقراءة باقي الاجزاء .........
سلمت يمناك كاتبنا المبدع \ عمرو مصطفى
مودتي والياسمين

\..

 

التوقيع

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

سيرين غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 05-04-2019, 10:44 AM   #8
عمرو مصطفى
( كاتب )

افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سيرين مشاهدة المشاركة
تمهيد يقبض على خيوط الاحداث بإتقان لم نعهده إلا من أكبر كتاب الروايات
تبارك الله .. كما لو أقرأ سيناريو بدقة تفاصيل الحوار والحركة المسموعة والمرئية
حد لم يغفل ادقها تحت مظلة السلاسة والتشويق لفكرة نعايشها لتلك الجماعات التدميرية
المكان والشخوص وملابسهم دلالات تزيد من صدق واقعية الرواية
لي عودة سريعة لقراءة باقي الاجزاء .........
سلمت يمناك كاتبنا المبدع \ عمرو مصطفى
مودتي والياسمين

\..
أكرمكم الله أستاذة سيرين، وجزاكم خيراً على تشجيعكم للعبد الفقير..
التمهيد هزلي بعض الشيء.. مجموعة من الشباب العابث لا أكثر.. لكن ماذا لو انقلب الهزل جداً.. والفكرة صارت واقعاً ملموساً..
كيف سيكون شكل العالم.. وأين سنكون نحن.. هل سنصير جزء منه ندور في فلكه.. أم نتمرد عليه.. أم نتغرب في الصحاري والقفار..
يبدو أنني قد حرقت أحداث الرواية..

 

التوقيع

" تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَة ..
تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!"

( أمل دنقل)

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
رواية كاملة بقلمي بعنوان ......رجل بدون ملامح..... حسن التازي أبعاد القصة والرواية 6 09-29-2018 03:29 PM
قراءة في رواية اليهودي الحالي عبدالله باسودان أبعاد العام 1 03-27-2015 01:17 AM
ملخص رواية \ مسلسل ( الجذور ) لـِ أليكس هالي عماد تريسي أبعاد العام 10 07-08-2014 02:20 AM
ملخص رواية دون كيشوت عماد تريسي أبعاد العام 4 06-19-2014 09:22 AM
الموتُ في وهران رواية للحبيب السايح سارة النمس أبعاد النقد 7 04-17-2014 04:25 PM


الساعة الآن 08:47 PM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.