صرخة :

[روح تائهة]

الليلة التاسعة والعشرون من أبريل .. الساعة العاشرة والنصف مساء .. إلى صديقي الذي يعرف كل ما أريد قوله مسبقا .. أكتب إليك على سبيل الضجر .. الجو هنا بارد جدا .. الهواء يدغدغ جلدي كأنه ضحكة طفل .. السماء شاسعة ومريعة .. دائما أصاب بالذعر حين أنظر إليها .. لكنني أحبها قليلا فقط .. أنت تعرف .. لا أمهات للغرباء .. السماء ربما تحاول تعويض ذلك .. لكنني عوضا عن ذلك اشعر بالمزيد من اليتم .. أشعر بالضجر من هذا المكان .. لقد فقدت مقدرتي على الحزن .. لم أكن أعرف أحدا يملك قدرة هائلة على الحزن كما كنت أملك .. لقد كان ثروتي .. الحزن .. الصراخ .. والبكاء .. تخيل أنني ما عدت استطيع أي شيء من ذلك الآن رغم حاجتي له .. لقد سحبوا صوتي من حنجرتي .. يداي مكبلتان يا صديقي .. لا .. هما ليستا مكبلتين .. هما ميتتان .. بإمكانك ان تتأكد من ذلك إن شئت .. تعال وارفع يدي إلى السماء كأنها يدك .. ثم انزع يدك .. ستهوي يدي مثل حجارة تنتحر .. لا أشعر بشيء .. هناك العديد من الاشياء التي من المفترض أن يشعر أي شخص بالحزن تجاهها .. لكنني لا أشعر بشيء .. كسروني يا صديقي .. نشروني بالمناشير .. أصدقائي .. أصدقائي جعلوا مني جذعا .. وصنعوا مني أبوابا وعتبات وشبابيك .. جعلوا مني حتى فؤوسا تضرب خصري .. يداي .. انظر إليهما .. إنهما منشاران .. أصدقائي جعلوا من يديّ منشارين .. جعلوا مني حتى أحذية .. وأوراقا يكتبون فيها الرسائل لبعضهم ويشتمونني فيها .. إنني لا أبكي .. بإمكانك سماع صوتي .. إنني لا أئن حتى .. لا أقدر على ذلك .. أذكر أنني ظللت لليال وليال أنتحب كغيمة حزينة .. لكنني استيقظت ذات صباح وقد تلاشيت تماما .. هذا محزن .. لا أريد أن أتلاشى .. أفضل أن أبقى حتى لو لم أفعل شيئا غير أنني أبكي .. إنني حساس جدا تجاهك .. لا أعرف .. لكن هذا يحصل دائما .. تشعر بالحزن فأحس بجمر في قلبي .. تصرخ من هول اليأس فيتشكل في حنجرتي نحيبا .. ذات ليلة حين صرخت ( يا رب ) .. شعرت بعيني تشخصان نحو السماء .. ربما تتساءل كيف أملك كل هذا الإندفاع .. ؟! .. قد توقفت عن الندم منذ توقفت عن الخوف .. هكذا فقط .. لا أعرف كيف حدث ذلك لكنه قد حدث .. لقد توقفت عن الشعور .. أحس بأطرافي تتفتت كأغصان ميتة .. إنني قطغة قماش بالية .. منذ عدة أشهر قررت أن أموت .. كنت أصرخ وأصرخ في داخلي .. كان صوت البكاء يثير جنوني .. أتذكر كل ذلك الآن .. وكأنني ميت يتذكر ويقول : لقد كانت أياما مريعة .. من الجيد أنها مضت .. ربما كنت سأقول ذلك لو كنت قتلت نفسي فعلا .. لكنني للأسف ليس بوسعي سوى أن أقول : إنها أيام مريعة لا أعرف كيف ستمضي .. حينها كنت أريد حينها أن أحدث ضجة حين أموت .. كانت طريقتي الوحيدة المتبقية للإحتجاج .. لم يكن للإنتحار هدف سوى أنني كنت أريد أن أعاقب من حولي .. كنت أريد ايذاءهم بأي طريقة كانت .. كنت أريدهم أن يشعروا بي وحسب .. أما الآن .. تعرف .. ! .. لا يهمني أن يشعر بي أحد .. لا يهمني أن يحبني أحد في هذا العالم .. لا يهمني شيء .. لا أنقم على أحد .. لا أريد أن انتقم من أحد .. و لا أشعر بالكراهية تجاه أحد .. لقد توقفت عن الشعور بأي شيء تجاه أي أحد .. إنني أستيقظ كل صباح .. - ولا يهمني إن استيقظت او لم أفعل - .. وأنظر للعالم بعينين شبه مغمضتين .. لا يوجد ما يدهشني على الإطلاق .. أشعر كأنني خرجت لتوي إلى عالم أعرفه جيدا .. كأنني عدت إلى حياة عشتها مرارا .. أنا مكرر يا صديقي .. أنا شخص ميت في مكان آخر .. لا أريد شيئا من هذا العالم .. لا أريد أن يتعذب أحد بموتي .. وإن كنت أريد أن أموت .. فأنا سأنصرف إلى موتي بهدوء .. كأن أبتلع كمية عظيمة من حبوب منومة ليلا ثم أغيب للأبد .. أتمنى أن يظن الجميع حولي أنها موتة طبيعية .. لا أريد أن يشعر أحد بالذنب تجاهي .. فيما مضى كنت أتمنى لو كنت كوكبا .. وبدلا من أن أموت بسلام .. كنت سأنفجر وسأخرج من هذا العالم معلنا غضبي كما يخرج اي إنسان معلنا غضبه كأن يصفق الباب خلفه ويمضي .. أما الآن فأنا أشكر الله لأنني لست كوكبا .. لا أريد أن أخرج معلنا غضبي .. لا أحب أن يخرج أحد معلنا غضبه .. أتمنى ان أموت ذات شتاء في ليلة هادئة ودافئة .. لا أريد جنازة .. لا أريد أن يبكيني أحد .. آخ ! .. أتمنى لو أنني لم أعرف أي أحد في هذا العالم .. لا أريد أن يتذكرني أحد .. لا أريد أن يزور أحد قبري .. لا أريد أن يستيقظ أحد من النوم ليلا مثلي لأجل أن يكتب إلى ميت ويبكي .. ميت غارق في موته .. هناك أموات أحياء بعض الشيء .. يعرجون على أحبتهم في أحلامهم كل حين مثلا .. أما أنا فسأكون ميتا تماما .. تأكد من ذلك .. لقد أحببت هذا العالم .. لقد أحببته حقا من كل قلبي .. إنه عالم جميل .. لكن ليس فيه مكان لي .. لم يكن لنا أي مكان فيه أبدا .. إنه جميل .. وهذا ما يجعلني أشعر بالحزن حيث إننا لا نمتلك مكانا في عالم جميل كهذا .. إننا نشعر بالحزن .. لا أحد يشعر بالحزن تجاه شيء سيء .. أحب الناس .. وأشعر بالشفقة عليهم .. دائما دائما أحس بشيء من العطف الخفي والحزن الطفيف تجاههم .. الحزن الذي يتملك شخصا يعرف الحقيقة وحده .. محزن أن تشعر أنك تعلم الحقيقة وحدك .. أحب الناس .. لكنني لا أشعر بأنني أنتمي لهم أبدا .. لا أشعر أن هذه فصيلتي .. لا أشعر بما يشعر به نمر تجاه النمور مثلا .. أحس أنني شيء اخر كان فيما مضى بشرا .. لا أعرف هل أنا بشر يشعر أنه أصبح شيئا آخر .. أم أنني شيء آخر يشعر أنه كان بشرا .. لا أعرف .. إن لي رجاء يا صديقي .. لا أريدك أن تشعر بشيء تجاهي .. لا أريد أن تحبني .. لا أريد ان يحبني أحد ما .. أشعر بالذعر حين يحبني أحد ما .. حين قلت سابقا أنك تحبني اجتاحني شعور مخيف .. لقد كنت مثل غراب يختبيء خلف نافذة وينظر من خلالها .. ثم حلق فجأة وصرخ - مثل ميت يحفر أحد قبره ويخترق عزلته - حين اكتشف فجأة أن بإمكان الجميع أن يروه .. لقد كنت دائما شخصا غير مرئي .. الأمر مروع حين تكون شخصا غير مرئي .. لكن الأمر المخيف أكثر أن أكون شخصا مرئيا بينما أنا أظن غير ذلك .. تخيل ماذا يمكن أن يحدث لي حين أدرك أن لي جسدا بشريا مرئيا وعاديا .. ؟! .. تخيل ان ألمس شيئا ثم أقول : أوه هذا جسدي ..! .. يا إلهي .. الأمر مرعب .. أريد أن أقتل نفسي .. تخيل أن أشعر بنفسي .. ماذا يحصل عندما يشعر إنسان بنفسه .. ؟ يا إلهي ! .. لو شعرت بنفسي يوما فسأتخلص مني .. أريد أن أعثر على أي جزء مني كي أوسعني ضربا .. أنا لا أحبني .. لم أحبني يوما .. ولم أتمكن يوما من العثور علي .. إنني متناثر في كل مكان .. أنا نشارة خشبة.. أريد أن أتلاشى .. أريد أن اذوب كغاز في الفضاء .. أريد أن تتشربني التربة كغيمة ضالة .. أريد أن أتخلص من جسدي .. بإمكاني أن أتخلص من روحي .. لكن ماذا أفعل بجسدي حين أموت .. ! .. لا أريد أن يعثر علي أحد .. أريد ان أنطفيء كنجمة .. أريد أن أختفي .. تعرف أيها الصديق .. لا اعرف ماذا تعني لي .. ولا أعرف ماذا أعني لك .. ولا يهمني ذلك أبدا .. لكنك مختلف .. وداعا يا صديقي المقرب .. أيها الإنسان الوحيد المتبقي في هذا العالم الممتليء بالمرايا .. ربما أرحل الآن .. وربما بعد عشر سنوات .. لا أعرف .. لكنني سأفعلها يوما ما .. تأكد من ذلك .. أريد أن أرحل عندما أريد لا عندما يريد أي شيء آخر .. وداعا يا صديقي .

 

[خالد صالح الحربي]

:
الخط صغير ؛ لدرجة أني لا أدري هل أقرأ أم أنقّي حب رز. 😔

 

[سيرين]

صرخة حرى بها أن تنفجر والعالم من حولها مصاب بالصمم
ليتنا مؤمنين بما يكفي لحمل كل تلك الالام
رسالة ضجت بها مشاعر مختلفة موقنة بعطبها ويتمها إلا من شعاع امل " الصديق "
عودا احمدا المطر \ روح تائهة انرتِ ابعادكِ
سلام وطمأنينة لروحك غاليتي

\..

 

[نادرة عبدالحي]

صرخة هي رسالة حياة وواقعية ، ومن الجميل حقا أن يواجه الإنسان ذاته بحقائق مؤلمة ويحولها لقطع أدبية

يستخلص المتلقي منها العبر ، هنا الكير الكثير من المواجع التي لا ترياق لها ،

لم تنسي التوقيت ولا التاريخ ولا وصف المكان في رسالتكِ هذه ،

استخدام التشبيه الهواء كأنه ضحكة طفل ، فضحكة الطفل

تمنح الفرح والسعادة في قلب كل من يراها ويسمعها ،

الهواء يدغدغ جلدي كأنه ضحكة طفل .

كُنتُ هُنا يا روح وأحسيتُ بالمشهد ومن ثم رأيتهُ ،

يداي مكبلتان يا صديقي .. لا .. هما ليستا مكبلتين .. هما ميتتان .. بإمكانك ان تتأكد من ذلك إن شئت ..

تعال وارفع يدي إلى السماء كأنها يدك .. ثم انزع يدك .. ستهوي يدي مثل حجارة تنتحر ..

رؤية تنبيهية العالم الممتلئ بالمرايا ،

في هذا العالم الممتليء بالمرايا

الفاضلة روح تائهة تضاريس الحزن الوعرة هاجمت الطريق إلى السماء

ومن بين الرباب إخترق النور مُبتسما،

 

[ليان]

أبدعت روح نورتي