كانت هناك , وراءها بشجرتين و حزنين , و ألمٍ واحد !
أكثرُ ما كانَ يلمعُ في كرسيّ أرقها يداها اللتان تمسكانِ شالها الذّهبي , و تمزّقانِ حزنها المزروعَ على أطرافه .
أناقتها شدّت " هيَ " لتنصتَ إلى نبضِ قلبها , الّذي تعالى أكثرَ من رائحةِ عطرها ..
تسريحةُ شعرها الذّهبي , و فستانها المخمليّ الهارب من عصورِ الأميرات و النّبلاء , أضافا إلى حزنها مسحةً من كبرياءٍ جعلت الإنصاتَ في حرمِ ذاكرتها أمراً مقضيّا ..
أدركت " هي " أنّ هناكَ غربةً ما تختبأ تحت جلدها الناعم , و قد أصابت , فتوالت ذاكرتها كمعرضٍ للوحاتٍ قضى رسّامٌ بها كلَّ يديه .
كانت تحلم , يومَ كانت تحلم , برجلٍ يحبّها , و يحبُّ نجاحها , و يضعُ يديهِ حولَ خصرها فتلفَّ ساحاتِ النجاحِ معهُ , كرقصةِ باليه ممتعة , لا مُتعبة .
حينَ عرفته , كانَ أكبرَ من كلّ ما تخيّلتهُ أمنياتها الصّغيرة , و على مقاسِ خيالاتها الواسعة , كانَ رجلاً متفهّماً , صبوراً , ذكيّا , و يحبّها .
كلُّ لقاءٍ لهما , كانَ ينبضُ بالعقلِ و العاطفةِ معاً , كانت تشعرُ أنّهُ يكمّلُ عقلها , و كانَ هوَ يُخبرها كلّما التقيا , بأنّها تختصرُ جميعَ نساءِ أحلامِه .
و حينَ أتتها بعثةُ دراسيّةٌ للخارج , وقفَ معها يَشجّعها , و يبني معها في ذاكرتها صورةً لمستقبلٍ سيولدُ بعدَ عودتها ..
و سافرت حيثُ الحلم , سنواتٍ ثلاث قضتها هُناك , تراسلهُ , و يرسلُ لها , عن طريقِ أختها كلّ مرّةٍ مقطوعةٌ من أمنية عزفتها ذاكرته , إلى أن توقّفَ بعد سنتين , ليبجيبها , كلما طلبته في الهاتف ببرودِ المُذنبِ الهارب .
عادت , لتجدهُ في المطار يستقبلها , و يديهِ تحتضنان أختها , الحاملَ في شهرها السّابع !
/
" هي " كانت تشعرُ بذاتِ الحرقةِ تتعالى في داخلها حتّى تصل حنجرتها فتخنقَ صوتها بعبرة ,
" هي " تشعرُ أنّ البُكاءَ لم يعد ممكناً , لأنّ معاني الصداقة و الأخوّةَ و الوفاء ماتت بالتقادم !
" هو " كان دوماً يقولُ لها : " لن أخذلكِ صديقاً , حتّى لو فعلتُ حبيباً "