الحياة علمتك كثير يا صديقي ، علمتك حقائق الأفكار والأشخاص ، وأبانت معادن الناس ، وعملت على فرز الغث من السمين ، وكل إنسان ابن فكرة ، وسلوكه نتاج ما يؤمن وما يعتقد ، ولن يحيد عن ذلك قيد أنملة ، والواقع لا يشكل الناس ، بقدر ما يسعى الماديون المعادون لأصالة الروح إجبار الآخرين على أن يكونوا على شاكلتهم الفلسفية والأخلاقية ومضمونهم الاجتماعي ، في استغلال لظروف واقعية سرعان ما تثبت اليقينيات الإيمانية الكبرى زيفها وعدم ثباتها ، لأن الروح هي الأساس وهي مصدر الكرامة ومالكة التطلعات الإنسانية الكبرى في الخلود بعد البعث .
ودائما كن مع الله ، ليكن لك زاد يومي من الذكر وقرءاه القرءان ، تجدد ، استغل فراغك في تجديد روحك فالروح تضمحل في مساحة الفراغ ، وما بين الفراغ والفراغ هناك خمس صلوات يجب أن تؤديها ، هي بحد ذاتها ذكر متكامل ، وأساس متين ، يقوي حيوية القلب والضمير ويجعل الروح قوية تستنطق بوح الكامن وتكشف حقيقة الساكن والصامت والمستبطن للسوء ، كن مع الله ، فالحياة مع الله تعني امتداد روابط الخير وتمتين عرى الارتباطات الحية والفاعلة في الحياة ، تلك التي تعيد اليك الطمأنينة وتحس مع ذووها بأنك لازلت تتنفس قيما وحياة سوية كريمة ، وأنك ذو هدف كبير لا يتوقف عند مطالب صغيرة واحتياجات يومية لاتسمن ولا تغني من اليوم الآخر .
المظاهر تؤلمك أحيانا ، لأنك تدرك حقيقة ذووها في تمظهرهم الزائف ، لكنك تيقن دائما أن المعايير القيمية قادرة على كشف مسكون المظاهر وتعرية ذووها ،لأن الله لا تخفى عليه شيء وشرع عبادات هي من الدين بالضرورة كي نستبين حقائق الناس ، وما كان الله ليذر المؤمنون دون ان يميز الخبيث من الطيب ، والأعمى في القلب والروح لا يرى إخوانه ، لأنه ارتكب خيانة الترف ولجأ الى مقاييس مادية جعلته شريكا في الإضرار بهم ، وقليهم ، ومثل هؤلاء لن يدعهم الله ، فالله وحده من لا تخفى عليه خافية ، مهما ظن مخفوها أنهم قد استوثقوا من مكيدهم ونسجوا خيوطها بإبداع .