[ شُعْوب مُخْتَرَقَة ] - 9 -

[نواف التركي]

توطئة :
لم أكن يوماً كاتب مقال , بطبيعتي إنسان يكره الجدل , أعلم مسبقاً أن الحوار
في عقلياتنا العربية , يكون بمبدأ من سيربح وليس بكيف نستفيد .

تمهيد :
- إسقاطات مرفوضة :
في الآونة الأخيرة الإعلام يركّز على السعودية في كل شئ يطرحه , وليس هذا بالغريب أبداً
فالسعودية المعقل الأخير لكل ما لم يدنّس , السعودية والتي لم تخضع للاستعمار الأجنبي ,
ظلّت بعيدة عن كل مستحدثات الفكر الغربي فـ هي انتقائية فلم يُفرض على السعوديين مبادئ
وأفكار الاستعمار كما فرض على غيرها من دول العالم العربي ..

ولأن الأقوى هو من يفرض ثقافته , وهذا الأمر تاريخياً موجود , فـ عندما كانت القوّة لـ الدولة الإسلامية
فُرضت ثقافة المسلمين على أكثر بقاع الأرض , ولا تزال بعض اللهجات في أوروبا تحمل مفردات عربية
بحكم أن اللغة الأم لـ الدولة الإسلامية هي العربية , كما نرى الأن من تسرّب مفردات أنجليزية لـ لهجتنا العامية
فـ الأقوى هو من يشكّل العالم .

- الحلقة الأضعف :
عندما تريد قلب المفاهيم فـ أنت تتجه مباشرة للحلقة الأضعف وتحاول تعميمها .
بحكم الهجرة ووجود الحرمين في المملكة , أصبحت جدّة بوّابة لكل مهاجر يحط رحاله , وبمرور الزمن
أصبح الغرباء أبناء للوطن , ولأن الغرباء لا يشتركون مع السكان الأصليين في التقاليد والمفاهيم المتراكمة
وبطبيعة الحال هم فُرادى فلا يحكمهم تنظيم سواء قبلي أو مناطقي , فهم أكثر عرضة للتأثر بكل مستحدث ,
في العرف يندمج الغرباء مع المؤسسين لا العكس , ما يحدث الآن هو محاولة دمج المؤسسين وإلغاء موروثهم العقائدي
والقبلي والعُرفي لـ تكون الثوابت قابلة للتغيير .

- الكيفية :
التركيز على الشريحة الأقل وتعميمها ثقافةً ورؤى وتهميش الواقع , وهذا ما يحدث , فأي حديث عن المملكة أو برنامج
عن هوايات الشباب مثلاً أو تقرير إخباري أو استطلاع للرأي , يكون من خلال أخذ شريحة الغرباء على أنها الغالبية العُظمى
ومحاولة تعميم ثقافتهم على ثقافة الأغلبية المهمشة .

- الإعلام :
ولأن الأعلام هو من يشكّل النظرة العامة , فقد سخّرت كل أدواته ووضعت بأيدي الغرباء لـ يكونوا واجهة ثقافية للمجتمع .

- الأمثلة :
في تقرير إخباري للعربية , وعلى أطراف مدينة الرياض , تظهر احدى النساء المنقبات وهي تقود سيارة , تتوقف لـ يحاورها المذيع
وتبدي رأيها في قيادة المرأة السعودية للسيارة وما إلى ذلك , وبالطبع هي مؤيدة , أخذت رقم السيارة وأعطيته لأحد أصدقائي في المرور , أردته
أن يستفسر عن صاحب السيارة , بعد أن قرأت معلوماتها اتضح أن السيارة لـ مقيم أردني يعمل في احدى الجامعات وأن الفتاة التي ادعت
أنها سعودية ليست إلا مقيمة تتحدث اللهجة المحلية بحكم المخالطة واحتواء هذا الوطن لها .

مثال أخر :

في تقرير للعربية 90% من بنات جدّة يخضعن لعمليات تجميل , وفي نص التقرير :
أوضحت دراسة في مدينة جدّة أن أكثر من 90% من السيدات يقمن بعمليات تجميل ويستمر التقرير في مقابلات للسيدات وما إلى ذلك ,
وفي آخر التقرير تنويه صغير أن الدراسة أجريت على 40 سيدة في مراكز وعيادات التجميل , لا أعلم أي سخف يكون , هل تذهب لمركز تسويق
وتجري تقرير عن روّاد المراكز التجارية ثم تخبرنا أن 100% من الشعب السعودي يتسوّق ! .

في إعلان تجاري عن منتج ( شامبو ) :
تتوقف السيارة , يدور الحديث بين الرجل وامرأته بشكل غاضب عن رغبتها في إكمال دراستها , ثم تنزل المرأة لـ تقذف بـ حجابها في مهب الريح
قائلةً أنها ستحقق أحلامها , وفي أخر ثانيتين يظهر الشامبو , إعلان مستوحى من قصّة ميدان التحرير المصري والذي خرجت النساء فيه للمظاهرات ضد
الاستعمار البريطاني , وقامت امرأة سعد زغلول لا بارك الله بها بحرق حجابها هي وثلّة من صاحباتها , ليطلق عليه حتى هذا اليوم اسم ميدان التحرير ,
طبعاً ليس التحرير من الاستعمار البريطاني , ولكن من الحجاب الإسلامي .


أخيراً :
في تقرير أمريكي عن نتائج الحرب على أفغانستان , يقول صاحب التقرير :
رغم كل ما فعلناه في أفغانستان وكل الإعلام الذي حشدناه لإظهار أن المرأة الأفغانية تحررت من سلطة طالبان , رغم كل النساء القادمات من بلاد الحرية
كـ أفغانيات , لازالت المرأة الأفغانية متمسكة بحجابها , لم نستطع أن نغيّر الثوابت الأفغانية .
ويستمر التقرير ليوضح صاحبه :
ربما لأن الأفغان لا يتابعون الإعلام ولا توجد في أغلب بيوتهم وسائل الإعلام المرئية , وهي نقطة أغفلناها , لابد لنا من استحداث طرق إعلامية جديدة
نستطيع من خلالها الوصول لفئة أكبر من المجتمع .

بكل بساطة
عمّم الشاذ على المجتمع لـ تستطيع اختراقه .

انتهى

ملاحظة أخيرة :
لا أجيد كتابة المقال هي فقط محاولة لإرضاء السيّد ( رابح )
حاولت الإنسحاب بكل حب , فقط لأني لست بكاتب مقال ولا أجيده , ولكن ( رابح ) مصر على إحراجي هنا .





دمتم