؛
هدُوء . . وسأعتَلَّي مسَرح الوَجعْ ، سأدُوس أطرافَ الحِكاية الممزَّقة لِتحكيّ . .
لِتَشيّ بكلّ ذاكِرتيّ الباكِيَّة . . لتتشَّكل نصَّا ، وشُخوصَاً وإضِاءَة ! وسأبْقيِ عَلى عَينيّ سِتارَة . .
لتهطُلَ دمعاً في آخِر المَطافْ . . ! سألوِّث أصابِعيِ بحبْرٍ أسوَد ، وسأبصُق من قَلبيّ كلّ آه و عَتبْ . .
سأتنفَّسُ بعُمق . . وسأغرقُ حدّ مُلامسَة قاعِ الحَنينْ ،
وجَعٌ أوَّل :
جَاءتْ بِكلِّ عَفويّة إلَيه . . تَرتديّ فسْتاناً قصبيَّ اللّونْ ، وربطَةُ شعْرها بيّضاءْ . .
عَينيها جَميلةٌ و واثِقةَ ، ابْتسامَتها أسطُورَة أخرَى ، أمَّا صَوتُها فأقرَب ما يَكُون إلَى قَصيدَة !
جَلستْ إلَى جِواره وأختارَت الجانِب الأيسَر . . ربَّما لِتكُون أقَرب إلىَ قلبِه ،
تأملَّت المَكانْ ، كان شِبه فارِغ . . إلّا مِنْ بعضِ الطّيور ، وحَفيف الأشْجَار . . . ونبْضِهما !
- لمَ أنت هادئْ ، علَى غيرِ العَادة ؟!
- لا أحبّ أن أعكِّر هُدوء لونِك القَصبيّ . .
وابتَسمْ !
- أينَ هِيّ . . ؟!
- مَن ؟
- القَصيدةُ التيّ كانَت ليّ مسَاء البَارحة !!
أحسّ بوجَعٍ يقبِضُ علَى قلبِه . . وتسَائَل : " كيفَ لمْ تنسَ . . ؟! "
- لا تستحقِّينَها !
وأدارَ وجْهَه مدارياً حُزنَه عَنها . . هُو يعلَم كمْ تحبِّه ، وهيّ تُدركُ تماماً أنّه صادقٌ مَعها . .!
- . . . . . . !
- آسِفْ ،
- . . . . . . !
- أنَا كُنت أقصِدُ أنّها . . . . . !!
ورَحلتْ ، تخبئُ حُزنَها خلفَ رِسالةٍ ما ساعَدها اللّقاءُ في منْحِها فُرصَةً لتقْرأها لَه . . توَارت تركُض مبتَعدة عَنه ،
وهُو يتبَعُها عاجِزا ببصَره ونبضِ قلبِه المتْعَب . . . وهَكذا اختَفتْ . . !
هُو كان يُدركُ أنّ ردّه مُؤلِم ، ويدْركُ الآن كمْ أنثَّى تكسّرت داخِل قلبِها ، ويدْركُ أنّها لم تتوقًّف عَن البُكاء منذُ رحلَت ، هَكذا هي . .
صادِقة في كلّ شيءْ حتّى حُزنها ؛ فقِيرةٌ من كلّ شيءْ إلا حُبَّها . .
كانْ يعلّم أنّها الآن تختَبئُ خَلف بابِ غرفَتها ، تنحَتُ له ما استَطاعتْ مِن عَتبْ . . !
هلّ يا تُرىَ ستعتَبُ علَى الزّمانْ إنْ هيِ عَلمتَ بالحَقيقة ؟! ويالهَا مِن حَقيقة مرهِقة ومميتَة . .
يا عَزيزتيّ كلّ الحَقائق في الحُب موتْ . . وها أنا ذا أموتُ يا صَغيرتيّ في الحُب منذُ حفظتُ الطّريقَ إلى وجْهَكِ . . !
هِيّ كانتَ تبكيّ بألَم ، لمْ تُدرك أنَّها تركتُه - ولأوّل مرّة - دُون أن تحتَضن ما بِه مِن وَجع ،
لمْ تُدرك أن ابتِعادَها عنَه رسمَ الحقيقَة التِي كانت بوجِه آخر أشدُ قبحَا ، وأشدُ إيلاماً ،
ولم تُدرك أنَّها خلَّفت ورائَها قلباً منهَكاً . . . من كلّ شيءْ إلا هيّ . . !
تُرىَ هل كَانتْ مخدُوعَة معه ، موهُومَة بالحُب . . ؟! هَل كانَ رجلاً علَى هيئَة كذْبة ملّونة فأغرَت هَذا القلبَ اللّعينْ . . ؟!
وكِلاهُما مَوجُوع ، وكِلاهُما أصبَح ضحيَّة أقتاتَ منهَا العُمر ومضَى . . !
وكِلاهُما الآن فارغْ إلا من أحدِهما الآخر . .
قُبيلَ الوَجعْ الأخَيرْ كَانَت هَذه الرِّسالَة :
" هَا أنا قدْ غزلتُ لكَ من أصابعيّ العَشرة شالاً ، فالشِّتاء كادَ أن يقبِلَ يا عَزيزيّ . . واختَرتُ له لوَن عينيّ ، كمَا تُحبّ . .
أ نسيتَ بأنَّك قلتَ لي يوماً أن أحبّ الألوانِ إليكَ لونْ عَيني ؟! . . هُما لكَ يا عَزيزيّ . . أقْبلِ إليّ أكثَر ،
فالحَنينْ هُنا في صَدريّ كثيييرٌ كثيييرْ . . وخَوفيّ من فقدِكَ أكثَر . . ! "
كانتْ قَصيدَته :
" رحيلُنا عَن هذه العَينينِ موتْ . .
وبُكاؤُنا صمتٌ يضمُ صمَت . . !
هَذانِ نحنُ . .
بعضُ أوجاعٍ وبَعضُ قَهر . .
هاكِ الفُؤاد . .
فوُجوده في يُسر صَدري لم يَعُد . . !
وتخيَّري أنتِ الأمَاكنْ وادفُنيه . .
عَيناكِ أم كفَّاكْ . . هذا لا يهُمْ . . .
لا تحْزَني . .
فستكْبُرينَ . .
وتُحرِقينَ الحُب صدْقاً . .
أيّ نَعمْ . .
وستكْبُرينَ . .
وتحمِلينَ عَلى يديكِ طفلاً . .
يشبّه الطُهر المعتّق في الجَبينْ . . "
* أنتِ تستحقّين أكثَر ، وهَذا الحَديث ميّت يا عَزيزتيّ . . !
وجَعٌ لمْ يَكُن يوماً أخَيرْ :
وجاءَت إلىَ مَكانْ آخر لِقاء . . تجرُّ خلفَها حلمُها المثْقَل به ، وذاكرِة مختَنقة بكلّ التّفاصيلِ القَديمَة ،
ورَسائلُ لَن تأتيَّ بالرّاحلينْ . . ولَهيبُ أنفاسهِا يحرُق المَشاعر في داخِلها لتشتَعل وجعاً . . تتصبَّبُ ألماً ، وتُموتُ كلّ حِينْ . . !
جاءَ بَعد أن رحلتَ ، يتنّفس آخِر عِطرها الحَزينْ . . يوثُّق سيِرَة الحُب ، يرُسم في السّماء شكلَ خُطاها ، يشكِّل مِن الغَيمْ ثوباً ،
ويجْعَل من الشّمس عِقدا . . ويُرسل لَها عَبثاً نحيبَ روُحه المَفجُوعة !
وهُناكَ . . كانْ آخر اللّقاء ، و أوّل الوَجعْ . . !
؛
_ عُذراً ، جاءَ هَذا النّص - علَى غيرِ العادَة - دُون مُراجَعة !
أحلامْ الحمّادي / المُوج