فرح في قمعستان - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
لاَ مِسَاس ... ! (الكاتـب : جليله ماجد - مشاركات : 513 - )           »          ربَّةَ القدِّ الرشيق (الكاتـب : إبراهيم عثمان - آخر مشاركة : حمد الدوسري - مشاركات : 7 - )           »          ....&& ندبات وجراح&&... (الكاتـب : زكريا عليو - آخر مشاركة : إبراهيم عثمان - مشاركات : 7 - )           »          [ بكائية ] في فقد البدر .. (الكاتـب : خالد صالح الحربي - مشاركات : 20 - )           »          ياروح الروح ^_^ (الكاتـب : رحيل - مشاركات : 262 - )           »          في المقهى .. ؟ (الكاتـب : سيرين - آخر مشاركة : رحيل - مشاركات : 4460 - )           »          >الحــالــة الآن ! (الكاتـب : رحيل - مشاركات : 437 - )           »          ؛؛ رسائِل للغائِبين ؛؛ (الكاتـب : رشا عرابي - آخر مشاركة : رحيل - مشاركات : 390 - )           »          فلسفة قلم .. بأقلامكم (الكاتـب : سيرين - آخر مشاركة : زايد الشليمي - مشاركات : 3849 - )           »          مُتنفس .. شِعري ! (الكاتـب : سعيد الموسى - آخر مشاركة : زايد الشليمي - مشاركات : 788 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد النثر الأدبي > أبعاد القصة والرواية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-10-2012, 12:10 AM   #1
سُلاف
( كاتبة )

الصورة الرمزية سُلاف

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 0

سُلاف غير متواجد حاليا

افتراضي فرح في قمعستان


بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اسمي فرح،
و ليس لي من اسمي نصيب، وُلدت في بلد يدعى بقمعستان و كلُ بلادنا قمعستان، ككل القصص التعيسة بدأت حياتي بيتم و فقر و زوجة أب، فقط ليتها استمرت هكذا،

الفصل الأول: فرح

” و ها نحن كما كُنا يا عزيزتي، قلوبٌ لا تتوقف عن النزف، و أرواحٌ أُستبيحت..”

وُلدت لأسرة ريفية ، أبٌ قاسيٍ و جاهل يعتبر المرأةَ أمةً و تابعةً للرجل و لا يمل تذكيري و أمي بأفضاله علينا أن وضع الخبز بأفواهنا الجاحدة الناكرة للجميل، و لأم أمية لا تختلف كثيرًا عن بقية النساء القرويات من حيث انقيادها و ضعف شخصيتها و إيمانها اليقيني أن المرأة نصف دابة و نصف إنسان و أن المرأة ليس لها إلا رجلها ليستر عليها، كما لو أننا معاشر النساء لا نُستر إلا برجل أو بظل رجل، و لي أخ يصغرني بنحو 4 سنوات يدعى سعيد، كان أبي يأخذ اللقمة من فمي و يضعها بفمه، كونه الوريث الوحيد لإرث عائلتنا التعيس الذي لا يهتم به و لا يذكره أحد، حتى نحن.

لا أذكر أني سمعت أمي يومًا تقول لأبي لا أو تناقشه بأي شيء، حتى عندما كانت تُصفع أو تُهان و حتى عندما كان يعاقبها على أخطائه كانت تبُدي له السمع و الطاعة و تخفض رأسها كما العبد أمام السيد، رأسها لم يكن مرفوعًا يومًا، لم تكن تملك من أمرها شيئًا، كانت دومًا مُهانة مِطواعة منقادة، منزوعة الإرادة و الرأي خاضعةً أبدًا للرجل و لظل الرجل و لبصاق الرجل على وجهها المليئ بالتجاعيد، عندما يعود و قد بدد كل أموالنا، عفوًا أمواله، في لعبة قمار قد خسرها، فيكون الذنب ذنبها و لا تسألني كيف، لكنها عنده و عندها قد استحقت تلك اللطمات و الشتائم التي تبعتها بصقة على أكرم ما وهبها الله، وجهها.

لم تعش أمي طويلاً، ليس بسبب كمية القهر و الظلم التي تشربتها و كمتتها بصدرها، مذ كانت طفلة ببيت سيدها الأول جدي، إلى أن استحالت عبدةً في بيت سيدها الثاني أبي، فأمثال أمي من النساء، يعشن و يتعايشن مع القهر و الذُل، كأنما هما و المغزل و جدر الطهي رفقة دربها و خلانها، يرثنه من أمهاتهن و يورثنه لبنتاهن، و لأن أمي ماتت و أنا صغيرة فلم أرث منها تركة الذُل و القهر، و لتعاسة أبي فقد وُلدت ببيته فتاة مرفوعة الرأس، عصية!

لكن أمي لم تمت ميتةً هادئة على سريرها، و لم تمرض بمرض عضال أنهكها و أزهق روحها، لم يأتِ لها الموت مُختارًا بل قيد إليها، سحبه أبي من قرنيه و رماه أمامها، قصة موت أمي، تحكي و تنبئ برخص حياة المرأة عند أمثال أبي، أن كيسًا من الطحين أو رغيفين من الخبز يعدلانها قيمةً و يزيدان، أن المرأه ماهي إلا سريرٌ و متاع إن عطب أُستبدل بغيره، كأنما دماؤنا دماء الأرانب و أرواحنا أرواح البغال!

في عاميّ الثامن، أصيب أخي سعيد بداء الكوليرا الذي انتشر بتلك السنة في قريتنا و القُرى المجاورة و قتل الكثيرين، و لأن أهل ناحيتنا كانوا فلاحين فقراء لم تهتم الحكومة ببناء مستشفى أو مستوصف واحد لنا، و أقرب منشأة طبية كانت مستوصفًا بيطريًا يبعد عنا 180 كيلو مترًا، فالبغال و الأبقار و الخراف كانت صحتها أهم من حياتنا عند حكومة مصاصي الدماء التي كانت تحكمنا، و نحن أحياءً او أمواتًا ستؤخذ من ظهورنا الضرائب و من أفواهنا فتات الخبز، لتجمع و ترمى تحت أقدام راقصةِ في عرس ابن مسؤول حكومي لم يعرف الجوع مثلنا.

أخذ أبي سعيدًا إلى كوخ بعيدِ في أقصى مزرعتنا ريثما تصل المساعدات الطبية، التي لم تصل يومًا، و طلبَ من أمي أن تبقى معه لتطببه و تقوم على شؤونه، بينما ظللت أنا مع أبي في المنزل كي أقوم على خدمته و تنظيف ملابسه و ايصال الزاد لأمي و سعيد، تلك الأيام لن أنساها ما حييت! رغم أني لم أكن أفهم سبب عزل أمي و سعيد بعيدًا عنا، و سبب حرق جثث أهل قريتنا، و سبب لعن أبي لحكومة الكلاب و اللصوص الذين تركونا نموت و انشغلوا بمهرجانات رياضية، يزورها وفود من خارج بلادنا ليروا بأعينهم مدى التطور عندنا، رغم كل هذا إلا أنني كنت أشتم رائحة الموت قرب الكوخ القَصيّ، أكاد ألمح طيف الموت يدور حوله و يحتار مع نفسه، أيدخل الآن أم غدًا؟ هل الأم أولاً أم الصبي؟ أموت مرير؟ أم موت سريع؟ و يبدو أن الموت لم يحتر طويلاً، فقد أخذ روح سعيدٍ الذي لم يحتمل جسده النحيل الصغير هذا الوباء القاسي، لكن سعيدًا لم يمت إلا و قد ترك لأمي ما سيلحقها به قريبًا، فظلت أمي بذاك الكوخ إلى أن ماتت.

يتبع، إن أذن المولى

 

التوقيع

مدونتي،
الحمد لله

سُلاف غير متصل   رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:02 AM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.