أَنـفـَـاسُ بـُـكــَـاءْ

[عادل الحارثي]

أَنــفـَــاسُ بـُـكـَـاءْ

:
:

بـَعــدَ رَحِـيــل الـــ أَوطـَـانْ

وتَـبـَعـثُــر الغُرَبـَـاءْ

بَقِيَ مِنَ النَزفِ بُكـَــاءْ

ومِنَ البَقـَـاءِ شَقـَـاءْ

يُولَدُ عَلى صَفحَةٍ .. لـِـ يَمُوتَ بـِـ أَنيـَـاب الغِيــَابْ

:
:

 

[عادل الحارثي]

ذات جمره


كان يا ما كان في قديم الزمان .. وفي سالف العصر والأوان .. كان هنالك " ذات "جمـره .. ولدت على صـخــرة من جلــيــد بها ثقب مظلم .. يكسوهـ ضباب الأيــام وجــور الأزمــان .. ولدت "ذات " الجمرة بــ عمر مفتــرض وغيمة كثيفة من دخــان .. {يـآآآهـ كيف تبخــر الجليـد حين لامس الــ ذات .. }
وذات يوم .. وحين كان المســاء يقترب .. والظلام يجر خلفه أذيــال خيبة وطن مغتصــب .. كان الــ صباح منتحــر متآكــل على قارعة رصيف متهالك .. وبين الفينة والفينه وبنفس المســاء , يخـر وجه جديد من وطنه المغتصب تائهــاً بلا مؤنه .. وبلا مسامات جلد تتنفس .. أتعلمون !!! بلا مســـامات تنفس يركض لاهثــاً خلف قطرة ( مـُـر ) .. وعين متكســرة على مســافات ( السراب) ..
وأيضــاً بــ وجه آخــر .. يصرخ عطش .. وبطش .. وعـَلـَـم مـُـنـَـكـّـس يجوب الأرض بحثــاً عن ( فُتــات) خـُـبــز أو حصيرة فـَـقــر تقيه ونفسه ويلات ( الغيـــاب) بدأ رحلته ... (عفواً بدأ صرخته من النقـطــة) .. وبهــا بدأ فــ صنع من لحمة ( خـُـف) ومن عينيه ( جرة ) مــاء .. ومن فؤاده دليلاً و(بوصــلــة) اتجــاه .. وخطوة فــ خطوة وخطوه فــ خطوة .. خطواته بمهل .. وضربات قلبه تعلو شيئـاً فـ شيء .. ثم تصمت لـعــل ( الـفـَـرَجَ) قادم .. فينكســر الصمت وتعلو النبضــات .. {يــآآآهـ كم هو مؤلم صوت النبضات} .. نعود لــ وجه الغيــاب .. وبوصلة الإتجاة .. والفقــر والحصيرة .. أكمل المسيــر وجاب الأرض بحثـاً عن ( عـُـمـْر ) أهدره الــ ظلم والظلام .. فوجد بطريقة ( نـَـمــله ) سألهــا مالذي أتـى بكِ إلى هنــا .. قالت :- هـُجـِّرت يـا عزيزي .. وهـُدِمــَــت بيوتنـــا .. فــ أصــابنــي الجوع والعطش فامتطيت جواد روحي ومسكت زمــام الأمور وبدأت الرحلــة من النقطة !! .. فقــال :- وكيف نبدأ من ذات النقطه ؟! .. إذاً إليكِ قصتي .. وإليك نفس الــ نقطة ...
ولدت على جليد .. وبــ الصوت أفراح وتغريــد .. أخذهم الفرح بـــ صرختي ونسوا أننــي " أصــرخ" .. وبدأ يغردون يصرخون ..!! لا أدري فــ بدا لي كل شيء كــ حلم أو كــابوس لا أدري فــلم أكن أُدرك ما يدور حولــي إلا بـضــع " دمعات" يخالطهــا " بــكــاء" صــارخ ... أراحونــي على صدورهم وغنـوا لــي الأغــانــي .. وأقــاموا الولائم ( وإن كــانت بنظـري حين كبرت بــ أنهــا مآتم ) .. وصفقوا وطبلوا .. وانتهوا إلى مخادعهم ليخلدوا لــ نوم .. وضعونــي بــ " مكــان " أشبـة بــســجن مؤبد وأحــاطونــي بــلفائف لا تنتهي تعتصرني بلا رحمة .. ونــامووووا .. أغمضت عيناي لعل الــ نوم يـ أتي .. لكن هيهات أن يـأتي وانــا بسجنٍ مؤبد .. اقتسمت مع السجن لوحـتــي ورسمت ما أراه أمــام عيني .. أرى لوحه قد رُسم بها قلب محروم وروح من نــار .. ورئة تتنـفــس بــ لون قانـي أحمــر ... ليس بها سوى ( ذات ) جمرة وجليد مذاب على صحراء , وبين القلب والرئة .. قـُطف الــ ورد .. وأُزهق البنفسج .. وجثة اليــاسمين مبتورة العنـق .. وزنبق أشلائة منثوره بكل مكــان .. قد جندوا قواطعهم لتنهش بــ جسد الوفــاء .. وسيوفهم مسلطة على رقــاب الــ صدق .. يحكمون بعنف الــ موت .. وجلادة الصبر .. وآلهة( كفر) ... يمزقون كل ما يحلو بعيني .. ويتركوا الألـــــم .. وفجأة أفاقت عيني عــلــى نفسي .. {يــآآآآآهـ كيف أغمضت عيني وافقت وأنــا أحمل أشلائي واراك هنـــا } !!! !!!
وقـَفـَـتْ تتأمــل ذلك الــ وجه .. وكيف نــال من التعب مـا نال .. وجه يكسوه الشحوب .. وعلى جبينه نـُـقــش عنوان الشقــاء .. وبين جفنه وعينه ولد الحزن بكامل {نموه } .. وقــالت :- طريقنــا من هنــا .. وأشارت لــ قلبٍ كبيـــــــــر يحمل بين جنباته النبض الحنون .. وقالت :- وطن الغربــاء وأنفــاس البكــاء سيدي همــا الوطــن .. لا تبرح منه حتى وإن قالوا أن زمــاننــا قد تغيــّـر لونه .. وفاح منه عطر ومســاء مختلف ... لا تترك هذا المكــان وإن قالوا لك بــ أن الــ روح هنـاك قد كساهــا طعم الوفــاء .. فثق سيدي بأن زمــانــا لــيــس لنــا .. هو لهم , ولهم فقط .. يعثون فيه فساداً .. ويفتكون بــ كل لوحات الـ سنين .. ابق هنــا وســ أبقى معك .. ورمقته بـ إبتســامة لعل بــهــا يولد ألــف وجع ويموت ألــف وجع آخــر .. ثم تركته حائراً يلهث وراء كل ( قطرة) وجع , أمــل , ألــم , لا يهم .. المهم ( قطرة ) وكفى .. وبينمــا هو يركض وجد صخرة كـُتـِب عليهــا ( هنــا أنت ) .. أخذ يلتقط أنفـاسه ويهدأ .. وعلى مهل ترك ما وارئه .. وخطى خطوات نحو الصخرة .. وإذا بــ ورده قد زرعت على بابا الصخرة .. تحرك نحوهــا وسألهــا من أنتِ ؟ ؟ ردت عليه وقالت .. أنــا !! !! أنــا أنت وابتسمت فأيقن حينهـا بأن وطنه هنــا وهــو هنــا بعيداً عن من لا يعرفون معنــى أن تكون ( وردة) .. تـُـزرع على باب الصخرة .. أخذ يركض ببابها ودخل .. وإذا بــ حصيرة وفتات خـُبــز .. و وردة .. ( انتهى ).



عادِل