، فيها حاجة حلوة ،
،،،
دوما لست من هواة التليفزيون و لا السينما إلا فيما ندر ، و أختار جيدا ما أشاهد من أعمال حتى لا أشعر بعد مشاهدةٍ ما أني أضعت جزءاً من عمري هباءاً ، أو أني تعرضت لعملية تنويم لمدةٍ من الزمن .
و أمس لسبب ما بقيت أمام إحدى قنوات التليفزيون الخاصة و كانت تعرض فيلما لممثلٍ أحترمه هو " أحمد حلمي " بعنوان " عسل أسود "
و غالباً أؤمن أن أحمد حلمي من القلائل في الساحة الفنية الذين يبحثون خلف أعمالهم و يهتمون بتقديم شيئٍ ما ، يبقى بعد الضحك
و أخذتني أحداث الفيلم ، لا لشيء إلا لأنها تحمل بين تفاصيلها صفاتٍ لنا نحن المصريين ، صفات قد تكون في طريقها للتقلص قليلاً لكنها يوما لن تنقرض أبداً
لا أكتب هنا نقداً لعملٍ فنيّ بالطبع فلست ممن يهتمون بالسينما كما أني لست مؤهلة لهذا على الإطلاق و لست أهلاً له
إنما أتكلم عني أنا بعد مشاهدة الفيلم ،،، الفيلم الذي يحكي قصة مواطن أمريكي من أصل مصري ، يعود للوطن بعد عشرين عاما و قد أصبح في الثلاثين
يعود إلى مصر بتكوينه الثقافي الغربي الأمريكي الذي طغت عليه المادة التفكيرية و الجمود الشعوري ، و إن كان يتمتع في نفس الوقت بالنقاء و استقامة التفكير
يتعرض لكثير من عمليات نصب ،، و كذلك يتعامل بمنتهى البساطة حتى يكتشف أنه يتعرض للاستغلال
يقول أنا مواطن مصري فيهان و يساء إليه ، و حين يشير إلى جواز سفره الأمريكي يختلف الأمر ،،،
بعد مغامرات عدة يتوصل إلى الحي القديم الذي فيه بيتهم و يتعرف إلى جاره و رفيق طفولته ، و يستضيفونه في شقتهم التي يعيشون فيها أم و ابنها الذي تخرج و لم يجد عملاً حتى تجاوز الثلاثين و أمه تتولى الصرف عليه ، لكنه سعيد ، و هذا اسمه و له دلالة ،،، رغم كل شيء هو سعيد لأنه يتمتع بحب أهل الحي جميعا الذين لا يتأخر أبدا عن مساعدة أحدهم في كل وقت ،،و ابنتها التي تزوجت و عاشت لفترة في بيت حماتها فكانت المشاكل حتى استضافتها هي و زوجها معها في بيت الأسرة و تعطل الزواج حتى إشعار آخر ،،، مأساة أخرى ضمن المأساة الكبيرة ،
و ابنة ثانية طالبة بمرحلة دراسية
و الابن الرابع طفلٌ صغير في المرحلة الابتدائية
و زاد عليهم مصري السيد العربي
الأمريكي القادم إليهم
عاش معهم تفاصيل حياتهم ، رأى البساطة و البؤس اللذيْن يسطران كتاب الحياة العام للمصريين ، اعترض على أسلوبهم " الراضي " القانع بحياتهم ، لام كل ما يعتنقونه من مباديء القناعة و الرضا ، و اتهمهم بأنهم يحبون أن يكونوا كما هم فقط لأنهم عاجزون عن سواه ، اعترض على ما يقال من معتقدات عن المصريين أنهم الشعب الطيب ، أن الطفل المصري أذكى أطفال العالم في مرحلةٍ سنية معينة
رفض الحياة بكل عمومياتها و تفاصيلها ، سعى جاهداً للعودة إلى جنة الله في أرضه .
وجد جوازه الأمريكي الضائع ، فازدهرت الحياة في عينيه
و قرر الرحيل ،،أو العودة إلى حيث يؤمن أن الحياة أجمل و أفضل ...
سأله الطفل الصغير سؤالاً :
مش بيقولوا أمريكا طلعت القمر و رفعت علمها عليه ...؟
فرد : أيوة
فقال الولد مستفهماً :
ازاي بقى كان العلم بيرفرف مع اننا اخدنا في المدرسة ان القمر مافيش عليه هوا ....؟؟
لعله اقتنع بذكاء الطفل المصري الآن ، و بكذب البراجماتية الأمريكية فيما يخص الشرق تحديداً .
يركب طائرته عائداً إلى بلاده المثلى و المدينة الفاضلة ...
و بعد إقلاع الطائرة , يأتي المصري بداخله
و يدعي تعرضه لأزمة قلبية ، يستدعي المضيفة فتتصل بالكابتن و الذي سألها أولاً عن جنسيته فقالت : شكله مصري
فرد قائلا : شوفيله اي دوا ياخده ، احنا في الجو
فهم مصري ما يدور فأخرج جواز سفره الأمريكي ليستخدمه في التهوية على نفسه و هي رسالة ذكية للمضيفة التي هرعت تحدث الكابتن : الحق يا كابتن
دا طلع أمريكي
و في الحال ، أعلن الكابتن عودة الطائرة إلى مطار القاهرة لظرف طارئ..؟؟
و عاد مصري السيد العربي
اسمٌ يحمل دلالات ليست تخفى
عاد لمصر ، و قد لا يبقى كثيرا و يعود لأمريكا ، لكن كانت عودته في هذا التوقيت و ذاك الظرف تحديداً هامة جداً
عاد لمصر ،،، لأن مهما كانت المساوئ فيها
تبقى " فيها حاجة حلوة "
كما كانت كلمات الأغنية المصاحبة لتتر الختام في الفيلم تقول
فيها حاجة حلوة
و أنا أقول ،،،بل كل ما فيها حلو
شكرا لصناع هذا الفيلم
لا زالت في السينما المصرية
حاجة حلوة