ليس الآن.. (رواية) - الصفحة 3 - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
آهات متمردة (الكاتـب : أحمد آل زاهر - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 12 - )           »          مُتنفس .. شِعري ! (الكاتـب : سعيد الموسى - آخر مشاركة : صالح العرجان - مشاركات : 782 - )           »          تبـــاريــح : (الكاتـب : عبدالعزيز التويجري - مشاركات : 41 - )           »          العيد والغياب!!! (الكاتـب : محمد علي الثوعي - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 3 - )           »          جواب (الكاتـب : إبراهيم بن نزّال - مشاركات : 1 - )           »          [الحُسنُ أضحكها والشوقُ أبكاني] (الكاتـب : محمد بن منصور - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 3 - )           »          Bonsoir (الكاتـب : مي التازي - مشاركات : 47 - )           »          [ سُلافة ] في لزوم ما لا يلزم .. (الكاتـب : خالد صالح الحربي - آخر مشاركة : خالد الداودي - مشاركات : 50 - )           »          بدر المطر (الكاتـب : وليد بن مانع - آخر مشاركة : خالد الداودي - مشاركات : 3 - )           »          لاَ مِسَاس ... ! (الكاتـب : جليله ماجد - مشاركات : 508 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد النثر الأدبي > أبعاد القصة والرواية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-22-2018, 10:47 AM   #17
عمرو مصطفى
( كاتب )

افتراضي


(3)
سيل الجرذان الظلامية يجتاح غرب المدينة
ألا تفهم .. أنت تقترب منهم ..
ليس هذا من شأنك
أيها القائد ..
فتح نادر عينيه.. فرأى جلال قد جاء يوقظه وقد حل الظلام..
ـ هناك سيارة تقترب .. تبدو فاخرة لعلها تابعة لبعض المسئولين غرب المدينة ..
ونهض معه نادر ليرى القادم ..
كانت اللجان متحفزة بعضهم يحمل أسلحة نارية وبعضهم يحمل أسلحة بيضاء وجنازير، وتنعكس على وجوههم المرهقة ظلال النيران التي أوقدوها ...
ـ أخرج من السيارة ببطء وعرف نفسك..
انفتح باب السيارة الفاخرة ونزل منها شيخ عجوز يتعثر .. رفع ذراعيه عالياً وتأمل الجمع بوجه ممتقع ..
ـ أأ ..أنا منكم ...
عقد نادر حاجبيه متمتماً :
ـ الدكتور العوادلي ..
تقدم الدكتور العوادلي وهو يلهث من فرط الجهد المضنى الذى بذله منذ هبط من السيارة المكيفة وحتى وصل إلى حشد اللجان الشعبية المترقب ! ثم خر على ركبتيه ممسكاً بصدره :
ـ لـ .. لقد نجوت بـ .. بأعجوبه ...
اقترب منه نادر قائلاً في اهتمام :
ـ هل هم قريبون ؟..
رفع العوادلي طرفه إليه قائلاً بصوته المتقطع :
ـ إنهم سريعون جداً كادوا يلحقون بي رغم أنهم يعدون على أقدامهم و أنا في سيارتي ...
صرخ جلال :
ـ استعدوا ...
تكهرب الجو وتحول الحشد إلى قنابل تنتظر من ينتزع فتيلها لتنفجر، على حين مد نادر كفه للعوادلي ليعتمد عليها قائماً ... ذلك العوادلي المتهالك نجا من أنياب الظلاميين علي حين هلك مئات وألوف الشباب اليافع والواعد ..
ـ أ .. أنا معك يا .. يا سيد .. نادر ...وأضم صو .. صوتي إلى ..
صو .. صوتك .. في مواجهة الظا .. الظلاميين ...
نظر إليه نادر في ثبات فازدرد ريقه وهربت الدماء من وجهه ..
قال له نادر في برود :
ـ كنت أحد المنادين بخروج الظلاميين للنور ..
ـ كـ .. كل الشعب كـ .. كان كذلك ..
ـ الشعب يتبع من ينظر له.. وكنت أحد المنظرين الكبار المدافعين عن الظلاميين ..
عدل العوادلي من وضع منظاره الطبي وهو يقول مرتبكاً :
ـ أ .. أسف لـ ..لقد .. غر.. غرر بي..
نظرة نارية لمعت في عيني نادر ارتعدت لها فرائص العوادلي قبل أن يصيح نادر منادياً أخيه مدحت .. طبعاً تصور العوادلي أن مدحت هذا يقوم بدور مسرور السياف هنا.. وأنه سيطير رأسه ويضعها في طست بين يدي نادر.. لكنه فوجئ بشاب أخضر العود من أولئك الشباب الذين يلقاهم في الندوات المسمومة.. كان ينظر إليه بانبهار وهو يصيح :
ـ الدكتور العوادلي شخصياً ... أنا من المعجبين بك جداً ..
حاول العوادلي أن يبتسم لكن نادر قطع عليه ابتسامته وهو يقول لمدحت في صرامه :
ـ خذ الدكتور العوادلي إلى مكان النساء .. سيكون هناك بأمان ..
ـ هذا لطف منك ..
قالها العوادلي ثم تأبط ذراع مدحت الذى لم يصدق نفسه .. العوادلي يتأبط ذراعه شخصياً .. وقاده إلى حيث أمره نادر وهو لا يكف عن سكب عبارات المدح والثناء على أذني العجوز... وعاد نادر ليلتحم برجال المقاومة الشعبية المتحفزة وصاح ليسمع المعتلين لأسطح البنايات :
ـ محسن .. هل ترى شيئاً ..؟
برز وجه محسن من فوق سطح البناية وبرزت عروق رقبته وهو يهتف :
ـ يتدفقون عبر الطريق السريع الذى يربط الشرق بالغرب ...
ـ أعدادهم ..؟
بصق محسن في تقزز قبل أن يجيب:
ـ كالنمل..
وجاء جلال ومعه مجموعة من رجال السلطة القدامى يحملون بعض قاذفات اللهب وقد اكتست وجوههم بالجدية .
ـ لا تتدخلوا إلا لو فشلنا نحن في صدهم ساعتها يمكنكم فتح النيران على الجميع ...
قال جلال وهو يرمق الأفق :
ـ هل سيغامرون بالهجوم رغم النيران التي أوقدناها ....
ـ لن يهاجموا..
قالها نادر في بساطة فنظروا إليه في دهشة.. فقال لهم موضحاً :
ـ بل نحن من سيهاجم ..
***
جحافل الظلاميين تتدفق عبر الطريق السريع كالسيل الجارف، ولا صوت يعلو على صوت فحيح الحقد الدفين..
الظلاميين ليسوا بحاجة لوسائل مواصلات فهم يستطيعون قطع مسافات هائلة سعياً على الأقدام..
ومن بعيد تتبدى معالم الأحياء السكنية لشرق المدينة وقد أحيطت بسور من النيران ..
وتوقف الزحف، ومعه توقف الفحيح...
لا شيء سوى أصوات اللهاث ولعق الأصابع و الشفاه...
ثم صرخ يسرم :
ـ لااااااه.. كان المفترض أن يستسلموا مثل الأخرين ...
وقفز عشرة فوق بعضهم البعض صانعين برجاً ووثب يسرم ليعتليهم كلهم كي يتمكن من إلقاء نظرة أشمل على الموقف.. فبدا الأمر أشبه بفقرة في سيرك..
ـ سنحاصرهم حتى تخمد النيران أو تسقط عليها الأمطار ..
ثم عاد إلى الأرض فأحاط به جيش الخفافيش الظلامية منصتين :
ـ تدبروا أمركم عن طريق قنص بعض الحيوانات إلى أن يستسلم المحاصرون...
هنا شق الهواء شيء ما يتصاعد منه الدخان .. زجاجة تم حشر خرقه مشتعلة في فوهتها ... وأخذت العيون الواسعة تراقب الزجاجة الطائرة في عدم فهم حتى سقطت بينهم ودوى الانفجار ... عندئذ أدركت الكائنات ماهيه تلك الزجاجة وهي تصرخ وتقفز مبتعدة عن دائرة النيران .. هناك ثلاثة منهم تحولوا إلى زهرة نارية تتلوى من فرط الألم....
وكان أول الغيث قطر مثلما يقولون ..
عشرات الزجاجات تتطاير في الهواء وتهوى على الأجساد الظلامية .
ـ تراجعوا ...
تصاعد فحيح النيران.. وفحيح الآلام ..
عشرات الانفجارات تدوى وجحافل الظلاميين تتراجع بعد أن سيطر عليها الرعب وقاد زمامها الخوف الجبلي من النيران ..
كانت فرقة رماة الزجاجات الحارقة هي إحدى الفرق الخاصة التي أعدها نادر بالاستعانة بالبلطجي التائب سمكة .. تم صنع مئات الزجاجات المتفجرة لتكون طليعة الهجوم على الظلاميين .. وهكذا تحول المحاصرين إلى مهاجمين وصار من يحاصرونهم فارين تحت وطأة نيران الزجاجات الحارقة ..
وصرخ محسن من فوق سطح البناية التي صارت برج مراقبة :
ـ إنهم يتراجعون .. يتراجعون ..
وارتج المكان بالتكبير والتهليل ... وبرقت عينا نادر وهو يهمس لجلال :
ـ أبلغ سمكة ألا يتوقف عن مطاردتهم بالدراجات النارية والزجاجات الحارقة ..
وتلقى سمكة مكالمة جلال وهو يلقي زجاجة أخيرة ناحية حشد من الكائنات الفارة قبل أن يدهس ثلاثة أخرين تحت إطارات الدراجة النارية .
وصاح في مجموعته أن استمروا في مطاردة الشياطين ...
ـ مجموعة تطلق الزجاجات ومجموعة تطلق الخرطوش ...
أخرج بعضهم بالفعل بنادق الخرطوش التي حصلوا عليها من مراكز السلطة إبان الفوضى التي سبقت خروج الظلاميين.. اليوم يحملونها تحت سمع وبصر فلول رجال السلطة.. و بتوجيههم ..
كم تتبدل الأمور..
صوبوا البنادق تجاه الجحافل الفارة على أضواء كشافات الدراجات النارية.. وسرعان ما تصاعدت صرخات الكائنات الظلامية وكرات البلي الحارقة تمزق لحومهم ...
هنا فوجئ أحد راكبي الدراجات بمن يثب عليه من خلف فأطلق سبه وأسنان الظلامي تنشب في عنقه .. هناك من توارى في الظلام وطوق راكبي الدراجات.
ـ تباً ..لقد نالوا مني ..
ـ أصمد يا وزة ..
قالها سمكة وهو يصوب خرطوشه ناحية الكائن الذى تعلق بالسيد وزة، والذى انتابته حالة من الهياج وهو يحاول انتزاع الكائن من وراء ظهره لكن الأخير غرس أنيابه في عنقه كالكلابات..
ودوت طلقة.. وتبعتها طلقات...
وتهاوى الكائن ووزة يصرخ في رفاقه :
ـ ستقتلونني معه يا حمقى ..
ـ هل أنت بخير يا وزة ..؟
تحسس وزة عنقه وهو يسحب زجاجة مولوتوف من جراب خلفه على الدراجة :
ـ لقد سحب مني لتر دم كامل ...
وأشعل زجاجة حارقة وألقاها بغل ناحية فلول الفارين الذين تفرقوا على جانبي الطريق السريع والذى افترش بالجثث التي اشتعلت بها النيران واخترقها الخرطوش ... مشهد مروع لم يخطر حتى على بال هؤلاء الذين كانوا يوماً ما بلطجية ..ورفع سمكة هاتفه وطلب جلال :
ـ ريس جلال ...
ـ الضابط جلال...
بصق سمكة بصوت مسموع قبل أن يقول :
ـ لا مؤاخذة يا جلال باشا... الفئران تبتعد بشكل كافي ...
لحظات من الصمت ثم جاء صوت جلال عبر الهاتف يأمره بأن يتوقف عن مطاردة الظلاميين .. لكن يظل يحوم حول المكان ليتأكد من عدم تجمعهم مرة أخرى ..
هنا صرخ وزة في جزع :
ـ أريد نقل دم بسرعة .. سأموت يا حمقى ..
زجره سمكة قائلاً :
ـ اخرس يا وزة .. ليعطيه أحدكم لفافة حشيش كي يخرس قليلاً ..
تردد صوت جلال منزعجاً عبر الهاتف :
ـ حشيش ..! هذا مخالف للقانون يا سمكة .. الويل لك ...!
ـ أي حشيش يا باشا .. أنا أقول أعطوه (بقشيييش!!)..
***

 

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 07-22-2018, 10:48 AM   #18
عمرو مصطفى
( كاتب )

الصورة الرمزية عمرو مصطفى

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 2618

عمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


(4)
المكان هنا لا يطاق ...
هاته النسوة لا يعرفن أي تقاليد راقية ولا يتعاملن كنساء أصلاً.. بالنسبة إلى العوادلي الذى تربي ونشأ في مجتمع بني الأصفر، هؤلاء النسوة أقرب للرجال منهم للنساء..
لذا فقد قرر أن يجلس بينهم ولا ينطق بحرف مع بعض هز الرأس بين الحين والحين حتى لا يتهم بقلة الذوق .. لقد تصور في البداية أن نادر قد أحسن ضيافته ورفق به بإلحاقه بالنساء، ثم تأكد لديه أن هذه أشنع عقوبة يمكن تخيلها..
ـ لماذا لا تدخل معنا في الحديث يا دكتور .؟
قالتها والدة نادر على طريقة النساء (العشريات) كما يقال عندنا فأجفل العوادلي واصفر وجهه... ماذا يقول لهاته النسوة الرجال.. أبعد الجلوس مع صفوة المجتمع وأكابر الرؤساء والزعماء يجلسه نادر مع هؤلاء الساحرات الشريرات ..
ـ ما .. ماذا أقول بالـ .. بالضبط ..
(مصمصت) إحدى النساء بشفتيها قبل أن تقول مشفقة :
ـ لماذا يتعتع؟ يبدو كأنه ممسوس يا أم نادر ... تعال يا (ضنايا) لأرقيك..
وقامت إليه فذهل العوادلي وهو يتأمل حجمها الهائل عاجزاً عن النطق .. من الأحمق الذي أيقظ ذلك الديناصور الأنثوي.. وتصور للحظة أنها ستجلس على أنفاسه وينتهى أمره للأبد .. لقد فعلها فيه نادر ..
ـ لـ .. لحظة يا (مسز)....
ـ (مسز) !!!
قالتها وهي تضرب بيدها على صدرها كأنها تلقت إهانة جارحة.. وبدا للعوادلي لحظة أنها تزداد انتفاخاً كأنها موشكة على الانفجار في وجهه.. العوادلي لم يفهم طبعاً أنها ظنت به الظنون لأن وقع كلمة (مسز) على أذنها قريبة من كلمة يستعملها الرعاع للتعبير عن الجمال الأنثوي الطاغي.. وطبعاً انهالت على رأسه باللعنات والاتهامات بأنه (عجوز وناقص) الخ ...
هنا دوى صوت هاتفه المحمول لينقذه من الكارثة التي تورط فيها.. انتحى جانباً ورفع الهاتف إلى أذنيه متجاهلاً سيل السباب المنتقى..
ـ ألو... سيد نوسام ..
جائه صوت نوسام بنبرة لا تخلو من القلق :
ـ تأخرت جداً يا دكتور .. ولم تتصل حسب الموعد ..
ـ سامحني يا سيد نوسام .. أنا هنا في سيرك حقيقي ..
ـ المهم يا دكتور ... ما هو الوضع لديك ؟...
ـ الوضع فريد من نوعه .. الشعب هنا في شرق المدينة متحمس جداً للمواجهة ... ملتف حول قيادته .. و ...
جائه صوت نوسام محنقاً :
ـ كفى شعراً... أريد أن أعرف مصير يسرم الأحمق ورجاله الظلاميين ...
ـ الحقيقة أنا هنا جالس مع بعض النسوة لطيفي المعشر وبعيد عن ميدان الحدث..
كان يتكلم في خفوت .. لكن نوسام كان ثائراً ..
ـ جالس مع بعض النسوة ... هل أرسلتك لشرق المدينة كي تجلس مع بعض النسوة يا دكتور ... ألم تشبع من مجالسة النساء في محافلنا بالخارج ..
رمق العوادلي رفقة النساء وأزدرد لعابه قائلاً :
ـ لا تذهب .. بـ .. بعيداً يا سيد نوسام أنا شبه محتجز هنا ..
ـ هل كشف أمرك .؟
ـ إنه لا يطيق رؤية ظلي .. لأنه لم ينس دعاياتي السابقة المؤيدة للظلاميين.
ـ هذا لا شيء .. تحرك يا دكتور وكن مفيداً ....
هنا دوى صوت التهليل والتكبير من الخارج وانتفضت بعض النسوة وفزعن إلى النوافذ وعدن بالتهليل والتكبير والزغاريد..
واضح أن الكفة تميل لرجال شرق المدينة..
عاد العوادلي إلى نوسام الذى سأله بانزعاج عن سر الأصوات لديه...
ـ إنهم يتقدمون على الظلاميين .. ألم أقل لك أنهم متحمسون ...
ـ أريد منك وصفاً دقيقاً لدفاعاتهم يا دكتور.. تحرك فشعبنا لا يطعم الكسالى .
ـ سـ .. سأفعل ...
هنا سمع الصوت الحازم من خلفه يتساءل :
ـ ستفعل ماذا يا دكتور ؟
استدار وقلبه يخفق ليرى نادر و بجواره جلال ومعه عدد من رجال شعبنا يتأملونه في شك.. متى دخلوا؟
خر على ركبتيه عند قدمي نادر ورفع كفه مستجدياً :
ـ سأفعل كل ما.. ما تريده مني .. فـ.. فقط لا تتركني مع هؤلاء النسوة..
نظر إليه نادر ملياً ثم التفت للنساء متسائلاً :
ـ ماذا فعلتم بالرجل؟
***
أخيراً توقفت الكتل الظلامية الفارة ... صوت اللهاث الغاضب ورائحة اللحم المشوي تفعم الأنوف الحساسة وتثير في نفوسهم الرعب والفزع من عدوتهم اللدود .. النار ..
وهتف يسرم وهو يرفع عقيرته إلى السماء :
ـ من جديد تعود التنانين النارية ....
وتحسس ظهره في ألم مستطرداً :
ـ بعد أن ظننا أنها توارت إلى الأبد ...
صرح أحدهم وهو يطفئ النار التي اشتعلت بكاحله بضربها بالأرض عدة مرات :
ـ لقد صار الشعب كله تنانين نارية.. أي جحيم ألقيتنا فيه يا رجل.
التفت يسرم في ثورة إلى المتكلم فانكمش في مكانه والدخان الأسود كريه الرائحة يتصاعد من كاحله..
ـ لماذا لم يصل الدعم من السيد نوسام .؟
هكذا تساءل ظلامي أخر احترق نصف وجهه وذابت معالمه وبقى نصفه الأخر متحمساً للكلام... لكن قبضة يسرم أطبقت على عنقه وجعلته يبتلع لسانه..
ـ يسرم ليس بحاجة إلى أحد... لقد صرنا ملوكاً على هذا الشعب ... ولن يعود الزمن للوراء .. لقد ولى عهد السلطة وتنانين النار .. وجاء عهد الظلاميين ..
قال أخر قد احترق شعر رأسه بالكامل وبدا رأسه مثل ثمرة القلقاس :
ـ وما هي الخطة التي سنقتحم بها النيران يا يسرم ؟..
لعق يسرم شفتيه ولمعت عيناه في جشع ..
ـ لن نحاصرهم .. سنقلد أعدائنا ونباغتهم بالهجوم ..
ـ والنيران التي تحيط بهم .؟.
تشمم يسرم الهواء كأنما هو ذئب يبحث عن فريسته .. ودارت عينيه في المكان بحثاً عن شيء ما ... كان الطريق السريع ممتد إلى ما لا نهاية لكن يوجد مبنى على مسافة قريبة من تلك المباني التي يضعها شعب السطح على امتداد الطريق السريع لتمد سياراتهم بذلك السائل النفاذ .. محطة وقود هناك قابعة في الظلام وقد فر عامليها أو ماتوا .. لكن ليس هذا هو المهم .. المهم هو تلك الحافلة الواقفة بجوار المحطة .. حافلة ضخمة خالية من الركاب .. ولعق يسرم كفيه متمتماً :
ـ حلمت يوماً وأنا طفل بركوب حافلة مثل تلك....
ثم التفت إلى الكائنات المترقبة صارخاً :
ـ الملوك لا يهاجمون على الأقدام يا سادة الظلام ...
لم يكن يسرم ولا أحد من الظلاميين يجيد قيادة مثل تلك الحافلات .. لكن القرد قد يكتب يوماً شعراً لو مكنته من ألة كاتبة كما يدعي بعضهم... وهكذا اندفعت الحافلة للوراء أولاً فاصطدمت بجدار المحطة .. وتصايحت كائنات الظلام المتكدسة بالداخل وما زال بعضهم بالخارج يحاول الولوج فبرز وجه يسرم من النافذة المجاورة لمقعد القيادة وهتف :
ـ لن نركب جميعاً يا حمقى .. كفوا عن العبث واتبعوا يسرم على الأقدام ..
واندفعت الحافلة وورائها جحافل الكائنات الظلامية التي لم تجد لها مكاناً.. وكان مشهداً فريداً من نوعه ....
ومن بعيد لمح سمكة وشركاه وهم على الدراجات النارية المشهد من بعيد..
ـ ما هذا بالضبط ؟..
قالها وزة وهو يحاول إشعال سيجارة وزجاجة مولوتوف في نفس
الوقت :
ـ أحد عاثري الحظ .. قرر أن يمر الأن من الطريق السريع ... ليجد تلك الغيلان تطارده .
حشى سمكة سلاحه بالخرطوش قائلاً :
ـ لقد عملت أعمالاً طيبة أكثر مما تحتمل أعصابي .. لكن لابأس لنضيف إليها عملاً أخر ..
قالها ثم انطلق على دراجته وخلفه بقية الفريق ... كان أملهم إنقاذ سائق الحافلة ومن معه ... كان أملهم أن يمنعوا كائنات الظلام من الوصول إليه .. فانقسموا إلى فريقين ميمنة وميسرة كي يتفرقوا على جانبي الحافلة كي يسهل التعامل مع الكائنات المطاردة للحافلة بحسب ما يظنون.. ومع ظلمة الليل لم يلحظ أحدهم ماهية قائد الحافلة الذى اقترب منهم وهو يضغط على أسنانه الحادة وعلى دواسة الوقود أكثر لتندفع الحافلة بسرعة أكبر ..
وتمتم في نشوة :
ـ حلم الطفولة يتحقق ...
وعلى مسافة قريبة من الدراجات البخارية القادمة من الاتجاه المعاكس أدار يسرم المقود ..
وكان الصدام مروعاً... وصوت تهشم الدراجات والعظام بشعاً من تحت إطارات الحافلة الضخمة ... سمكة كان من المحظوظين فقد زحف بدراجته بعيداً عن إطارات الحافلة عدة أمتار وهو يسب قائد الحافلة الأحمق ويترحم على رفاقه الذين تحولوا لعجين .. وحينما اعتدل من سقطته وكل عظمه في جسده تئن والرضوض والخدوش و السحجات رسمت لوحة سرياليه على جسده .. ساعتها أدرك أنه لم يكن محظوظاً .. كان هناك عشرات العيون المتسعة تتطلع إليه في جشع ... وكان الموت تحت عجلات الحافلة بالنسبة له أرحم من الموت بأسنان الظلاميين ....
***

 

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 07-24-2018, 11:42 AM   #19
عمرو مصطفى
( كاتب )

الصورة الرمزية عمرو مصطفى

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 2618

عمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


(5)
ـ لماذا ؟..
ببطء يرفع نادر طرفه متأملاً وجه جلال الحانق..
كان جالساً باسترخاء مستنداً إلى جدار أحد المنازل بالقرب من اللجان الشعبية..
ـ لماذا ماذا ..؟
اشاح جلال بوجهه جهة الدكتور العوادلي الذى يسرح ويمرح بين رجال اللجان الشعبية في رسالة واضحة.. فهز نادر رأسه متفهماً و قال في هدوء:
ـ لم يحن وقته بعد .. كما أنه مفيد لنا في الفترة الحالية ... نحن بحاجة إلى بوق دعاية أمام شعوب العالم لتأييد موقفنا ...
ـ فقط .. نتركه يتجسس علينا من أجل الدعاية ؟..
مدد نادر قدميه أكثر وتثائب في كسل، ثم قال بعينين حمراوين :
ـ ليس هذا فقط .. هناك أشياء أخرى ..
ـ مثل ماذا ؟..
رفع نادر حاجبيه ولاح على شفتيه شبح ابتسامه وهو يقول :
ـ ليس الآن ..
هنا دوى صوت محسن كجهاز الإنذار المبكر :
ـ حافلة تقترب .. يبدو أنه سائق فار من الظلاميين ...
نهض نادر وكالعادة نهض كل رجال اللجان نهضة رجل واحد منتظرين الأسوأ .. على حين وثب العوادلي متعلقاً بعنق المعلم فوزي وهو ينظر من وراء كتفه في ترقب وذعر ...
ـ دعني ألقى نظرة ..
قالها نادر ثم صعد المبنى الذى يجلس فوق سطحه محسن للمراقبة ولتدخين النرجيلة على انفراد بعيداً عن الفضوليين .. أشار محسن بكفه إلى الأفق وقال مؤكداً :
ـ هناك ... الطريق السريع ...
دقق نادر النظر ثم التفت إلى محسن قائلاً في قرف :
ـ هلا أرحتني من رائحة النرجيلة هذه ..
ـ لولاها لما رأيت ما رأيت .. إنها أفضل منبه..
هنا جاء جلال وهو يلهث من أثر السلم متسائلاً فالتفت إليه نادر
صائحاً :
ـ هل سمعت عن حصان طروادة ؟.
ضيق جلال عينيه كأنما بوغت بالسؤال، ثم رنا ببصره ناحية الحافلة القادمة من قلب الظلام على الطريق السريع وبرقت عيناه في فهم ..
ـ حصان طروادة المشوي ؟..
ولم يستطع نادر منع نفسه من الابتسام وهو يلتفت إلى محسن قائلاً :
ـ محسن دورك لم يعد مجرد (ناضورجي).. لقد حان وقت اختبار قدراتك على القنص ..
رفع محسن بندقيته قائلاً في حماس :
ـ سيسعدني هذا .. أنا أمقت دور الناضورجي أصلاً فهو يذكرني بأيام تدخيني للحشيش مع ...
وقطع عبارته وهو يرمق جلال ممتقعاً لكن نادر جذب الأخير من ذراعه وانطلقا لاتخاذ مواقعهم ..
وارتفعت الصيحات التحذيرية مدوية متسلسلة عبر اللجان الشعبية المتناثرة على نواحي الشوارع الفرعية بشرق المدينة .. وخصوصاً عند تلك التي تواجه الطريق السريع عند أطراف المنازل ...
ـ أصحى .. أصحى ...
كان هذا هو هتاف اللجان الشعبية في حالة التنبيه على خطر قادم .. وكان الخطر القادم حافلة يقودها كائن ظلامي شبه مجنون..مجنون بحب الدماء.. مجنون بحب الزعامة ... ومن حوله صراخ وطاويط الظلام وفحيحهم أحال الحافلة إلى سيرك متحرك .. ولما تبدت النيران التي أشعلها شعبنا كسياج محيط بشرق المدينة بدأ صوتهم يخفت مع بعض الهمهمات المضطربة ولعق الشفاه والأصابع ...
ـ استعدوا .. سنقهر عدوتنا النار ..
صاح بها يسرم وهو يزيد السرعة بأقصى ما يملك..
ومرقت الحافلة من أتون النار الملتهب وعبرته إلى الجهة الأخرى..
ولمح يسرم العشرات من المرابطين خلف النار يتراجعون متحاشين الحافلة التي تنقض عليهم من بين النيران كالعنقاء..
ـ مزقوهم ..
ولم يكن الظلاميين بحاجة لهذا الأمر بالفعل لكنهم قبل أن يتحركوا قيد أنملة رأوهم قادمين .. كل ظلامي يعرف حقيقة هؤلاء القادمين وحقيقة تلك الأزياء التي تشبه أزياء رواد الفضاء، وتلك الأشياء التي يحملونها والمتصلة بأنابيب يحملونها على ظهورهم ..
ولم يسمعوا صوت جلال قائد فرقة قاذفي اللهب وهو يعطي إشارة البدء ...
البدء في شوي حصان طروادة..
وبينما يتصارع الظلاميون للخروج من الحافلة ويصارع يسرم كي يتراجع بها بدأ حفل الشواء .. تحولت الحافلة إلى كتلة ملتهبة .. كتلة ملتهبة تنفصل عنها كتل صغيرة كانت منذ قليل كائنات ظلامية تحلم بوجبة طازجة من الدماء .. البعض نجح في الخروج من النوافذ والقفز عبر كتلة النيران .. لكن محسن ومعه العديد من قناصة الأسطح أثبتوا كفاءة غير عادية في اصطيادهم ..
يسرم قفز من النافذة المجاورة لمقعد القيادة وكور جسده وهو يتدحرج بعيداً عن النيران وسمع دوى الطلقات التي ارتطمت بالأرض بالقرب منه ... وحينما اعتدل لمح جلال يصوب ناحيته قاذفة اللهب فقفز في الهواء وتعلق بإحدى أنابيب الصرف وبدأ يتسلقها كالقرد وفي سرعة شيطانية ... وخارج جدار النار وقف من تبقى من الظلاميين وقد احجموا عن خوض النار بأجسادهم .. وقفوا ينصتون إلى صراخ إخوانهم ويتراجعون لاإرادياً..
لقد انتهى أمرهم.
بالفعل انتهى أمر الحافلة التي اقتحموا بها النيران .. ولم يبق سوى بعض الفارين عاثري الحظ الذين نجحوا في التسلل إلى بعض البيوت لكن تبين لهم أن نار رجال السلطة والشعب أرحم بكثير من الوقوع في قبضة نساء شرق المدينة .. وهكذا رأينا الظلاميين الذين روعوا غرب المدينة يفرون ولهم صراخ من أمام نساء شرق المدينة المدججين بعصي المكانس وأواني الألومنيوم..
إحدى هؤلاء النسوة وثبت بواحد من الفارين وأقسمت أن تعصره عصراً حتى ينز كل قطرة دم امتصها من عروق أبناء شعبنا في غرب المدينة.. طبعاً تحول الظلامي إلى ما يشبه العصيدة..
وجاء المعلم فوزي حاملاً عكازه الذي ورثه عن أبيه وخلفه عدد لا بأس به من رجال المقاومة .. وصاح في غضب هادر :
ـ لا تجعلوهم يتسللون إلى الحريم.. لو مس أحدهم طرف واحدة من نسائنا فسوف...
وابتلع بقية عبارته وهو يتأمل الظلامي الذي تحول إلى عصير طماطم طازج بين يدي ما أطلق عليهم (حريم).. ثم إنه التفت إلى الرجال خلفه قائلاً:
ـ كفى الله المؤمنين شر القتال.
نادر كان يتابع تسلل يسرم عبر مواسير صرف إحدى البنايات وكان يعرف أنه يقصد القناصة المرابطين لحماية ظهر الرجال على الأرض.. وحينما هم بالنهوض خلفه فوجئ بحشد من الرجال يحيطون به من كل جانب في رسالة واضحة .. لن نتركك تغامر بنفسك ونحن متوفرون ..وسمع صوت جلال يهتف :
ـ إنه مجرد واحد أيها القائد..
لكن نادر صاح به وبمن حوله :
ـ نعم هو شيطان واحد يمكنه شرب دماء نصف سكان شرق المدينة.. نبهوا القناصة فوق السطح وليصعد بعضكم لدعمهم .
ارتفع الصياح التحذيري بالرجال فوق الأسطح على حين تحرك البعض لدعمهم كما أمر نادر..
أما يسرم فقد نجح في الوصول إلى نهاية أنابيب الصرف بتلك البناية وقفز فوق سطحها ولم يكد يستقر حتى وثب برجلنا هناك
وتكور الاثنان أرضاً.. رجلنا فقد سلاحه مع السقطة لكنه قاوم يسرم بشراسة.. والأخير كان يعرف طريقه جيداً إلى عنقه..
بعد ثوان خارقت قوى الرجل فتركه ورفع طرفه ليبصر السطح المجاور.. كان يتعمد الزحف محتمياً بسور السطح من طلقات القناصة المجاورين.. وفي اللحظة المناسبة يثب وثبة هائلة يعبر بها الفراغ الفاصل بين الأسطح ويهوي على سطح جديد بحثاً عن المزيد
من الرجال.. ولم تكد قدميه تستقر هذه المرة حتى تلقت رأسه ضربة هزت كيانه .. ولمح بعينين زائغتين الشاب محسن وهو يتحسس النرجيلة التي هوى بها لتوه على رأسه والتي تهشمت قاعدتها الزجاجية..
ثم هوى يسرم كالحجر بين يدي محسن الذي سارع إلى حافة السطح وصاح في حنق :
ـ لقد أسرت أحدهم ... وتحطمت النرجيلة !

 

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 07-24-2018, 11:45 AM   #20
عمرو مصطفى
( كاتب )

الصورة الرمزية عمرو مصطفى

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 2618

عمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي



(6)
أحبطنا محاولة الظلاميين الولوج إلى شرق المدينة وفر من بقي منهم بعد أن سقط زعيمهم يسرم ....
من سوء حظ محسن أن ذخيرته نفدت.. فاضطر إلى ضربه بزجاجة النرجيلة الثقيلة .. لقد تهشمت الأخيرة وفقد محسن أعز ما يملك وهو مستعد جدياً لتلقي العزاء في تحطم النرجيلة..
أمر نادر بإحصاء الخسائر، لقد فقد أبناء شعبنا مجموعة من الأبطال كانوا بالأمس بلطجية يثيرون الفزع في قلوب الشعب ... فختم لهم بخاتمة خير.. وصاروا أبطالاً يحتسبون في مصاف الشهداء... مجموعة سمكة راكبي الدراجات الذين حصدهم يسرم بالحافلة حصداً لم يعد منهم أحداً .. أمر نادر الضابط جلال بعمل جولة استكشافية ومعه عدد من السيارات فعاد بعد ساعة محملاً بالجثث .. جثث تم دهسها وامتصاص ما بقي فيها من دماء .. وأمر نادر بدفن الجثث سريعاً حتى لا تفت رؤيتهم في عضد بقية المقاتلين.
ـ هل هناك مفقودين؟..
قالها نادر فأجابه جلال واجماً :
ـ لم نجد سمكة ولا وزة ..
ـ هذا يعني أنهم أحياء ؟..
هز جلال رأسه في بطء نافياً وهو يقول :
ـ هذا ليس مؤكداً.. ربما حملوهم معهم في رحلة العودة كخزين للطعام ...
تقلصت أمعاء نادر وهو يتخيل .. رباه .. منذ ساعات كان يحدث سمكة والأن لم يعد هناك سمكة ... ولم يتخيل يوماً لا هو ولا جلال ولا أحد من سكان شرق المدينة أن رحيل سمكة سيسبب لهم كل هذا القدر من الحزن والأسى ..
***
لكن من قال أن سمكة رحل أصلاً ؟..
صحيح أن الكائنات الظلامية التي تخلفت عن الركب أحاطت به وقد أثارتها رائحة الدماء التي بدأت تنزف من جروحه لكن .. وزة أيضاً كان ما يزال حياً .. وما يزال قادراً على إلقاء زجاجات المولوتوف ..
ـ وزة .. مرحى يا رجل ...
وتناثر الشرر وتفرقت الكائنات في كل مكان .. والمحصلة هي احتراق ثلاثة منها .. وكان لابد من الفرار قبل أن تعاود البقية الهجوم.. جرى سمكة ناحية الدراجة وقام برفعها وخلفه وزة يطلق بعض الخرطوش فيتناثر البلي الحارق على الأجساد الظلامية .... هنا وثب أحدهم وأنشب أنيابه في ساعد سمكة الذى يمسك بمقود الدراجة فأطلق صرخة عاتية ثم أهوى بقبضته الأخرى على رأس الكائن حتى تخلى عن ساعده.. ووثب فوق الدراجة ووثب خلفه وزة وهو يحشو سلاحه بالخرطوش ..
ـ لم يعد معي مولوتوف .. والخرطوش قرب على النفاد ...
ضغط سمكة على أسنانه وهو ينطلق بالدراجة صارخاً :
ـ تشبث جيداً .. سنعود لرفاقنا ...
ـ رفاقنا ماتوا يا سمكة .. ولم يعد لنا رفاق ...
هز سمكة رأسه في عنف قائلاً :
ـ ما زال لنا رفاق في شرق المدينة يا وزة وهم بحاجة إلينا..
هنا انقض أحدهم عليه من الأمام .. ولم يعد يرى شيئاً ..
وصرخ وزة .. وصرخ هو والألم يعصف به.. الوغد ينشب أسنانه في رقبته وصوت لهاثه المسعور يفعم أذنيه.. و.. انقلبت الدراجة البخارية على جانبها وقفز وزة للوراء متخلياً عنها .. على حين ظل الكائن متشبثاً بعنق سمكة والدراجة تزحف بهما مسافة لا بأس بها على الأرض الإسفلتية قبل أن تسكن أخيراً .. لم تفلح الضربات المحمومة مع الوغد المتشبث لذا فقد مد سمكة كفه في جيب سرواله وأخرج مطواته الأثيرة (قرن الغزال)ودون تردد أولجها في جسد الكائن .. لم يعد يفرق هل هذه دمائه أم دماء الكائن الذى مزقه بمطواته لتوه.. كان الدوار يكتنف رأسه وشعر بضعف عام نتيجة ما فقده من دماء لكنه حاول أن يعتدل ليطمئن على وزة ..
لقد قفز الأحمق من فوق الدراجة قبل أن تنقلب وهى طريقة أسرع للموت في أحيان كثيرة لمن يريد تفادي انقلاب الدراجات .. سرعان ما يسقط على شيء ما فتدق عنقه أو تتهشم جمجمته.. ترى إلى أي المصيرين صرت يا وزة يا صاحب العمر .. هنا صكت أذنيه أصوات المص والبلع وهاله المصير الأسوأ لصديق عمره..
ـ لاااااااه ...
كان هناك حشد من الكائنات عاكفون على مص دماء وزة الذى بدا ساكن الحركة تماماً ولا يكاد يرى منه إلا قدميه من كثرة تكالب الكائنات الظمآى على جسده .. وصرخ سمكة صرخة أخيرة أودعها كل ما تبقى فيه من قوى ثم مادت به الأرض ونما إلى مسامعه وهو يهوى في دوامة الضعف والوهن صوت طلقات تدوى من ورائه ..وحينما حاول أن يلتفت سقط على ظهره .. ورأى مشهداً مشوشاً لسيارة ضخمة فوقها طبق إرسال ومن سطح الكابينة برز شخص يصوب مدفعاً رشاشاً ويطلق منه الرصاص .... ثم أحاط بناظريه الضباب الكثيف وتلاشى كل شيء خلف جدار من السواد الحالك..
ـ سيكونون بخير ... رغم ما فقدوه من دماء ...
هذا أول ما نمى إلى مسامعه وهو يفتح عينيه في بطء .. كان لابد له أن يسأل السؤال الأبدي الذى يسأله كل من يفيق من غيبوبة ..
ـ أين أنا يا أولاد الـ...
رفع ب ـ 1 أحد حاجبيه قائلاً :
ـ أهدأ .. لقد قمنا بإنقاذك ..
بدأ سمكة يستوعب المكان حوله .. هو داخل مكان يشبه عربة الإسعاف من الداخل ... هناك فراشان متجاوران كان هو نائماً على أحدهما ووزة نائماً على الأخر .. هناك محاليل تم توصيلها إلى عروقهما .... كان وزة يتنفس في عمق .. إنه حي ... واكتسى وجه سمكة بالامتنان وهو يقول :
ـ ما ظننت أنني سأفتح عيناي مرة أخرى .. الشكر وحده لا يكفي يا .. يا..؟
ـ ب ـ1 ..
ـ بماذا ؟!..
ابتسم ب ـ 1 وهو يراقب شيء ما على شاشة حاسوب وضعه على منضدة صغيرة أمامه ثم قال :
ـ هو جاهز الأن يا سيد نوسام ..
أعتدل سمكة في حركة حادة كادت تقلب عمود المحاليل وهو يتذكر ذلك الاسم .. رباه .. إنه لم ينجوا بعد إذن .. لقد عاد إلى قبضة سيده القديم ..
هنا دوى الصوت المميز للسيد نوسام :
ـ حمداً لله على سلامتك يا سمكة ..
قال سمكة في تردد وهو يرمق شاشة الحاسوب التي نقلت صورة للسيد نوسام وهو داخل مكان يشبه القبو :
ـ سمكة لن ينسى هذا الجميل لك يا خواجه ...
حك نوسام وجنته بظفره وهو يقول في بطء :
ـ هل أنت بحالة جيدة يا سمكة فعلاً ...؟
ابتلع سمكة ريقه وهو ينظر لـ ب ـ 1 ثم قال :
ـ الفضل يعود لرجالك يا خواجه ....
ـ أنت رجلي أيضاً يا سمكة ... لكن .. هل تذكر اتفاقنا ؟...
صاح سمكة بسرعة :
ـ هؤلاء الحمقى أفسدوا كل شيء ... كنت قريباً جداً من الهدف وعلى وشك النيل منه .. حتى بادر الظلاميون بالهجوم الأحمق ووجدت نفسي أقاتل إلى جانب الشعب مضطراً .. وكاد الظلاميون الحمقى أن يقتلوني .. بدلاً من أن يساعدوني ...
أنهى سمكة دفاعه وكتم أنفاسه منتظراً النتائج .. وتمنى في سره أن يكون نوسام أحمقاً بما يكفى ليصدق ... كان الأخير ينصت وهو مرتكز بذقنه على كفه وظل صامتاً لبرهة.. حتى بدأ العرق يتفصد من جبين سمكة..
ـ أنت محق ...
حاول سمكة أن يكتم زفرة حارة كادت تفضحه على حين استطرد نوسام قائلاً :
ـ الظلاميون همجيون غير منظمين .. وشهوانيين .. وأخطر ما فيهم .. لا يقدرون قيمة التواصل عبر الوسائل الحديثة .. والحمد لله أن الفريق ب وصل إليك في الوقت المناسب .. الأن ستعود يا بطل إلى معسكر شعبكم الباسل وأعدك هذه المرة .. أنه لن يحول بينك وبين الهدف شيء ..
ثم تحول بالكلام إلى ب ـ 1 قائلاً :
ـ ب ـ 1 .. ستنزلون سمكة ورفيقه عند أقرب نقطة يمكنهم بعدها السير حتى يصلوا إلى اللجان الشعبية ....
هنا تذكر سمكة شيئاً :
ـ وزة لم يستعد وعيه بعد .. كما أن الدماء التي فقدناها...
قاطعه ب ـ 1 قائلاً :
ـ تم عمل نقل دم لكليكما وسيفيق صاحبك قبل شروق الشمس ..
ـ والطعام .. أنا جائع بشدة .. ولا شك أن وزة سيكون كذلك ...
أطلق نوسام ضحكة عارمة قبل أن يسعل هاتفاً :
ـ كح .. كح .. طلباتك أوامر يا (سي) سمكة ..
ثم انقلبت سحنته فجأة وهدر صوته في توحش :
ـ ولا مجال للفشل هذه المرة .. أريد رأس ذلك الوغد نادر لأزين بها حجرة مكتبي .. أنا مستعد أن أتحول لظلامي أخر كي أتمكن من شرب دمه ....
أما سمكة فقد حمد الله في سره .. نوسام فاقت حماقته كل توقعاته..
وبينما اختفت صورة الأخير توجه ب ـ 1 إلى ثلاجة صغيرة بجوار المنضدة التي يضع عليها الحاسوب وتناول بعض المعلبات ثم قذفها في حجر سمكة الذى تأملها في شك، ثم رفع طرفه إليه وصاح متنمراً :
ـ هل تمزح معي؟.. قلت لكم أنا جائع يا حمقى.
ثم استرخى واضعاً ساقاً على ساق وأردف :
ـ أريد طاجن عكاوي.
***




 

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 07-24-2018, 11:46 AM   #21
عمرو مصطفى
( كاتب )

الصورة الرمزية عمرو مصطفى

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 2618

عمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


(7)
ظل رجال اللجان الشعبية يضحكون ويتندرون على نوسام وفريقه بعد أن استمعوا إلى ما جرى لسمكة و وزة.. كان سمكه يراهنهم على كل ما في جيبه أنه قادر على خداع نوسام للمرة الثالثة..
ولأول مرة رتب جلال على عاتق سمكة وهو يقول مبتسماً :
ـ لقد تحولت إلى بطل شعبي يا سمكة ..
ـ مثل أبطال (الحواديت)؟
تعالت الضحكات من حوله على حين ظل نادر صامتاً لبرهة وهو ينظر لسمكة ووزة .. بلطجية الأمس أبطال اليوم ...
ثم اكتشف أن الجميع سكت بانتظار تعليقه فابتلع ريقه وقال :
ـ ربما غداً تكتشف أنك كنت أعظم من كل أبطال (الحواديت).. على الأقل أنت حقيقة يراها الجميع ..
ثم إنه استدار في مواجهة الجموع المحيطة.. وأخذ يتفرس في وجوههم.. جلال.. محسن.. المعلم فوزي ..الشيخ حسن الفقي..
شاع على وجهه البشر مردفاً :
ـ الحقيقة أنكم كنتم جميعاً أبطال تلك الملحمة.. سيتوقف التاريخ طويلاً أمام ما فعلتموه هنا في شرق المدينة..
وفي زاوية المشهد وقف العوادلي يداعب ذقنه بأنامله .. يبحث له عن دور من أدوار البطولة التي توزع .... ولما تأكد أنه خارج إطار البطولة قرر أن يجد لنفسه موضع حجر .. رفع كفه ونعق مثل الغربان ..
ـ ربما نكون قد دحرناهم في الشرق .. لكن مازال الغرب بأيديهم ..
التفتت إليه الوجوه .. وشاعت ابتسامة رائقة على وجه نادر وهو يصيح :
ـ ومن قال أن التاريخ سيتوقف هنا في الشرق للأبد.. ألا تشاهدون ...
وتحرك المعلم فوزي ناحية شاشة المرئي الضخمة التي أحضرها من المقهى لتسلية المقاومين وقام بتشغيل البث المباشر لأخر الأخبار .... الأخبار تأتى من الغرب يومياً تحت سطوة الظلاميين ... فالمذيع من هؤلاء يذيع الموجز وهو يتلفت حوله .. لو أخطأ في حرف فستكون نهايته السريعة وإلا فالكل ينتهى أمره إلى طعام .. اليوم خرج المذيع على الشاشات هادئاً ثابتاً مستقراً ......
وانعقد حاجبي العوادلي و احولت عيناه تقريباً وهو يستمع للمذيع الواثق يقول :
ـ انتهى الكابوس .. سقط قائد الظلاميين في الشرق أسيراً وجاري السيطرة على فلول الظلاميين في الغرب ....
واختفت صورته لتظهر صورة حية من الشارع في الغرب .. جحافل من الشعب الذى قرر ألا يكون طعاماً للظلاميين .. يطوفون بالشوارع.. والويل كل الويل لأى ظلامي عاثر الحظ يقع في طريقهم .. وفي السماء حلقت طائرات تابعة لقوات السلطة ..
معظم السلاح الخفيف والثقيل والآلات العسكرية مخبئة في مخازن سرية غرب المدينة ولابد أن نصل إليه..
وتصايحت الجموع ملوحة لسرب الطائرات ..
والتفت جلال بحدة إلى نادر الذي بادله النظرات التي تداري الكثير
وعادت صورة المذيع مع صوته :
ـ لقد عادت السلطة المتوارية .. عادت إلى ميدان المعركة ..عادت إلى الشعب ..
كاد العوادلي أن يفقد وعيه على حين تعانق محسن مع المعلم فوزي .. ورفع جلال قبضته وهزها في قوة... وهرش سمكة مؤخرة رأسه في عدم فهم... وعقد نادر ساعديه أمام صدره وهو يبتسم في رضا .
وبعين الخيال رأى وجه ما.. وجه أسود مكفهر.. يتابع الأخبار بعينين لا تريان.. لو كان نوسام آدمي المشاعر لمات بالفالج الأن..
ـ ألم يحن الوقت بعد؟
التفت نادر فإذا بجلال ينظر إليه نظرة إجلال.. فابتسم في غموض واطرق للأرض متسائلاً :
ـ لأي شيء؟
حك جلال أنفه وهو يضيق عينيه قائلاً :
ـ لنعرف حقيقة من كان يقودنا..
اتسعت ابتسامة نادر غموضاً وهو يرنو للأفق..
ـ أتدري يا جلال.. هذه المدينة التي تضمنا جميعاً.. بشرقها وغربها.. مدينة مغرقة في العراقة والقدم.. وليست بالسهولة التي قد تبدو عليها أمام الأخرين.. إنها أصعب وأمنع مما تتخيل.. وستظل كذلك إلى ما شاء الله..
ـ كنا على علم منذ البداية بما سيحدث أليس كذلك؟.. لم يكن في تحركاتنا أي ارتجال.. فلماذا تركناه يحدث؟
شرد نادر كأنما يستعيد ذكرى ما.. وبدأ يهمس كأنما يحدث نفسه:
ـ الخطة كانت كما يلي.. سنمتص الصدمة.. مهما كانت الصدمة مؤلمة .. سنمتصها.. وفي الوقت المناسب سنرد الرد المناسب.. هذه كانت الخطة وعلى هذا كان العهد..
ـ عهد من؟
ـ عهد الرجال..
غمز جلال بعينه قائلاً :
ـ كلنا رجال..
أومأ نادر برأسه واكتسى وجهه بالأسى :
ـ أتحدث عن الرجال الذين لا يعرفهم أحد.. ولا يتذكرهم أحد إلا كالحلم العابر الذي تنسى تفاصيله بمجرد الاستيقاظ.. لكن يظل مذاقه في حلقك ما حييت..
ـ تتكلم مثل الشعراء..
ابتسم نادر بركن فمه وشردت عيناه مرة أخرى بعيداً وهو يهمس:
ـ كذلك هم.. فرسان شعراء..
***





 

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 07-25-2018, 09:57 AM   #22
عمرو مصطفى
( كاتب )

الصورة الرمزية عمرو مصطفى

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 2618

عمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي




الجزء الثالث

" هذا ليس عنواناً لفيلم رعب من تلك التي يدمنها الشعب الأصفر ويصدرها لشعوب العالم.. بل هذا هو الواقع المرير الذي استيقظ عليه بعد نوم عميق.."

 

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 07-25-2018, 09:58 AM   #23
عمرو مصطفى
( كاتب )

الصورة الرمزية عمرو مصطفى

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 2618

عمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


(1)
في مكان ما بشرق المدينة فتح يسرم عينيه ليجد نفسه في قفص حديدي داخل غرفة لها باب واحد ونافذة واحدة يتسرب منها ضوء القمر.. الغرفة تبدو كمخزن قديم تم إعداده لينزل فيه سجيناً..
قفز ناحية باب القفص وضرب رأسه به عدة مرات وهو يعوي كالذئاب..
بعد قليل انفتح الباب ودخل منه جلال ومعه نفر من رجال السلطة
لم يكد يسرم يلمحهم حتى أطلق فحيحاً غاضباً:
ـ أنا جائع..
نظر إليه جلال بلا مبالاة قائلاً :
ـ القائد جاء بنفسه ليقابلك..
تقلص وجه يسرم وهو يتذكر وجه نادر ذلك الشباب الذي ظهر فجأة
وقلب الأمور رأساً على عقب..
ـ أنا جائع يا حمقى.. ألا تفهمون..
هنا برز نادر وخلفه العوادلي فتراجع يسرم وانكمش في ركن القفص.. تساءل نادر :
ـ ألم تطعموه..؟
قال جلال :
ـ طعامنا لا يعجبه.. إنه يريد دماء..
التفت نادر إلى يسرم.. ثم اقترب من القفص..
ـ أيها القائد..
شعر بكف جلال المضطربة تحول بينه وبين التقدم لكنه ردها برفق
مطمئنا إياه.. ثم واصل الاقتراب حتى لامس وجهه القفص الحديدي وهو ينظر ليسرم في ثبات..
ـ هذه معاملة غيـ..غير أدمية بالمرة..
هذه كانت من العوادلي طبعاً.. التفت إليه جلال محنقاً فتراجع قائلاً :
ـ لابد أن نحرص على سمعتنا أمام الشعوب الأخرى.
قال نادر دون أن يرفع عينيه عن يسرم :
ـ هذا السجن أفضل بكثير من باطن الأرض حيث جاء يا دكتور..
هنا وثب يسرم واقفاً في منتصف القفص وصاح :
ـ أريد طعام يا حمقى.. ألا تفهمون..
رفع العوادلي سبابته قائلاً :
ـ هذا حـ.. حق من حقوق الإنسان..
كور جلال قبضته وبدا وكأنه موشك على الفتك بالعوادلي.. ثم أكبح جماح نفسه و قال في غيظ :
ـ إن كان شرب الدماء الإنسانية حق من حقوق الإنسان.. فيمكنك أن تتبرع له بدمك يا دكتور.
هرب الدم طبعاً من وجه العوادلي وتحسس عنقه مرة أخرى قائلاً :
ـ أنا لا أقـ.. أقصد هذا.. لكن هناك دائماً بديل للدماء البشرية..
هنا قال نادر وهو يرمق العوادلي بنظرة جانبية:
ـ البديل هو أن يعود لبشريته يا.. دكتور...
ثم عاد ينظر ليسرم والأخير يتضور جوعاً.. هذا المسخ لا يشغل باله الأن إلا الطعام.. وفكر نادر.. ماذا لو لم تكن هناك قضبان حديدية
تحول بينهما الآن.. هذا الكائن يستحق القتل مئات المرات..
لكن.. ليس الأن..
ـ لا يوجد هنا فئران؟..
قالها يسرم زاحفاً على ركبتيه وهو يتشمم الأرض..
غمغم جلال متقززاً :
ـ مع أي مسوخ قذرة نتعامل بالضبط؟
رفع يسرم وجهه إليه وأطلق فحيحاً غاضباً :
ـ ستدفعون ثمن هذا غالياً.. بنو الأصفر حلفائنا سيغزونكم لو تعرضتم لي بسوء.. لو كنت مكانكم لبحثت عن طعام لسيد الظلاميين
من يدري ساعتها .. ربما فكرت في الصفح عنكم..
عقد جلال ساعديه أمام صدره وتبادل النظرات مع نادر قبل أن يلتفت الأخير ليسرم قائلاً :
ـ لو كان الشعب الأصفر قادراً على غزونا منذ البداية.. لما كان لمؤامرتهم الكبرى معكم أي معنى..
لعق يسرم أصابعه وهو ينظر لنادر في غل :
ـ أكيد.. أكيد.. نحن مهمون لهم.. كما أنهم مهمون لنا.. لكنهم قادرون على حرق الأرض من تحت أقدامكم.. لا أحد يتحدى سياسة الشعب الأصفر.. ألم تتعلم شيئاً ممن سلفك..
ابتسم نادر قائلاً :
ـ نعم تعلمت.. تعلمت الكثير..
مال جلال للإمام كأنه يستنطق نادر المزيد.. لكن الأخير استدرك:
ـ لكنكم لا تتعلمون شيئاً ممن سلفكم يا سادة الظلام..
كاد العوادلي يموت غيظاً وكمداً.. ذلك الظلامي الأبله يتكلم بلا حساب.. لذا كان عليه أن يوجه دفة الحديث بعيداً :
ـ أنه يهـ.. يهذي من شدة الجوع.. أي علاقة تلك التي تجمع الشعب الأصفر رمز الحضارة والرقي بهؤلاء الوحوش..
قال نادر :
ـ من الذي سعى للحوار مع الظلاميين.. كلنا شاهدنا التمثيلية السخيفة التي أداها مبعوث الشعب الأصفر مع هذا اليسرم..
ـ أنا متأكد أنـ.. أنهم خدعوا فيهم مثلما خدعنا كلنا فيهم.
ـ إذن سنراهم قريباً معنا ضد الظلاميين؟
ابتلع العوادلي ريقه.. وبدا كأنه قد أسقط في يده..
ـ ر.. ر.. ربما..
نظر نادر في ساعته قائلاً :
ـ اعتقد أنك سهرت معنا أكثر من اللازم يا دكتور..
كانت إشارة واضحة فعدل العوادلي من ربطة عنقه وأستأذن في الانصراف وهو يتمنى للجميع ليلة سعيدة..
وبعد انصرافه تردد من جديد عواء يسرم الجائع.. طرق نادر على قضبان القفص الحديدي وقال:
ـ تريد دماءً حارة؟..
فغر يسرم فاه.. وسال الزبد من بين شدقيه وعينيه متعلقتان بشفتي نادر وهو يكمل :
ـ يمكنك أن تحصل على ما هو أفضل لو تعاونت مع أخونا جلال.
وحينما غادر نادر محبس يسرم همس لجلال :
ـ هذا الظلامي الجائع كنز معلومات.. أريدكم أن تعصروه حتى أخر قطرة..
ـ والعوادلي؟
ـ ليس الأن..
قالها باقتضاب، وتركه قبل أن يسمع منه أي تعليق..
***
في اليوم التالي انقلب العالم رأساً على عقب ..
العالم أشبه بحافلة يرى فيها لص يسرق عياناً بياناً ولا يتحرك أحد.. حتى يقرر أن يخرج أحدهم ويهلل : هذا لص .. فتنهال على الأخير الصفعات والركلات .. كان العالم بانتظار ذلك الـ ( جدع ) الذى سيطل برأسه ويدلي بدلوه لتتبعه الجموع .. وهذا الجدع بالمناسبة كان ..
سيد الشعب الأصفر ..
خرج وأعلن للجموع أنه قلق لما يحدث للشعب الأسمر .... ودعا للهدوء وضبط النفس والحوار ... ثم أنهى بيانه وطلب رجله هناك .. كان بحاجه إلى إفراغ شحنة الغضب في أحدهم ... وكان نوسام يستحق ..
ـ مازال الوقت مبكراً لنعلن فشلنا يا سيدي ..
ـ متى إذن ؟. عندما يعلن عدونا فشلنا على الملأ ..
ـ لدي خطة ـ قالها نوسام وهو يضغط على أسنانه ـ أقسم لك بتاريخي كله.. أنا لن أسمح بفشل خطة القرون ... خطة الأجداد ..
جائه صوت زعيم الشعب الأصفر متأففاً :
ـ أشرح لي خطتك .. وبناء عليها نبحث أمر بقائك هناك من عدمه
وبدأ نوسام على عجالة من أمره يشرح الخطة البديلة .. كان يشرحها على صوت صراخ الظلاميين وهتافات الشعب الأسمر الذي أفاق من ثباته العميق ... وما أشد هذا على نوسام.. إنه لا يتخيل شعبنا إلا نائماً وغارقاً في المتاهات التي يصنعها له هو وأسلافه ...
وأنهى نوسام المكالمة مع زعيم شعبه والتفت إلى دشرم .. أين أنت أيها القذر؟.. ها هو ذا متعلقاً ببعض الأستار يرتجف في رعب وهو يرمق عبر النافذة الطريق الرئيس والشعب الحاشد ...
ـ دشرم ..
صرخ نوسام فطار دشرم كأنما أصيب بصاعقة وتدحرج عند قدمي سيده وهو يلهث ثم رفع طرفه إليه مناشداً :
ـ أرجوك يا سيد .. لقد تلقى شعبنا الظلامي لطمة عاتية لم يتلق مثلها من قبل ...
جذبه نوسام من عنقه وقربه إليه :
ـ السبب هو .. الحماقة .. الاندفاع .. الهمجية ..
كان يتحدث وهو يضرب برأس دشرم الجدار والأخير تدور عينيه في محجريهما ... أخيراً تركه يسقط على الأرض واعتدل مكملاً :
ـ الأن على أحدهم أن يسمع ويطيع دون أن يتدخل من عند نفسه .. نوسام لديه خطة .. كل شيء يمكن أن يعاد بنائه ...
ورفع عقيرته مستطرداً في جنون :
ـ إننا نصنع قدرنا ...
***


 

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 07-25-2018, 02:31 PM   #24
وليد الفالح
( شاعر )

الصورة الرمزية وليد الفالح

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 339

وليد الفالح لديها سمعة وراء السمعةوليد الفالح لديها سمعة وراء السمعةوليد الفالح لديها سمعة وراء السمعةوليد الفالح لديها سمعة وراء السمعةوليد الفالح لديها سمعة وراء السمعةوليد الفالح لديها سمعة وراء السمعةوليد الفالح لديها سمعة وراء السمعةوليد الفالح لديها سمعة وراء السمعةوليد الفالح لديها سمعة وراء السمعةوليد الفالح لديها سمعة وراء السمعةوليد الفالح لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


جميل جدا ما قرأت
أسلوب روائي مدهش
وفقك الله
وأهلا بك

 

وليد الفالح غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الكُنَّاشَة شمّاء أبعاد العام 243 01-23-2024 11:26 PM
الآن ... الهادي التليلي أبعاد الشعر الفصيح 6 01-12-2016 07:23 PM
ملخص رواية \ مسلسل ( الجذور ) لـِ أليكس هالي عماد تريسي أبعاد العام 10 07-08-2014 02:20 AM
الموتُ في وهران رواية للحبيب السايح سارة النمس أبعاد النقد 7 04-17-2014 04:25 PM


الساعة الآن 01:22 PM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.