جماعة الجمجمة (السندباد الفقري) - الصفحة 2 - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
فَــوَاق ! (الكاتـب : ماجد العيد - مشاركات : 14 - )           »          وصب ! (الكاتـب : تركي المعيني - مشاركات : 155 - )           »          هــايــكــو (الكاتـب : حسن زكريا اليوسف - آخر مشاركة : تركي المعيني - مشاركات : 299 - )           »          لاَ مِسَاس ... ! (الكاتـب : جليله ماجد - مشاركات : 509 - )           »          ارتداد (الكاتـب : ماجد العيد - مشاركات : 325 - )           »          جُمُوحُ العَاطِفة (الكاتـب : محمّد الوايلي - مشاركات : 1682 - )           »          [ #مَعْرِضٌ وَ تَعْلِيْقٌ ] (الكاتـب : قايـد الحربي - آخر مشاركة : ماجد العيد - مشاركات : 8214 - )           »          تبّت يدين البُعد (الكاتـب : عبدالله العتيبي - مشاركات : 14 - )           »          [ رَسَائِل أُخَوِيّة ] : (الكاتـب : خالد صالح الحربي - مشاركات : 41 - )           »          العيد والغياب!!! (الكاتـب : محمد علي الثوعي - مشاركات : 6 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد النثر الأدبي

أبعاد النثر الأدبي بِالْلُغَةِ ، لا يُتَرْجِمُ أرْوَاحُنَا سِوَانَا .

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-24-2018, 09:08 AM   #9
عمرو مصطفى
( كاتب )

الصورة الرمزية عمرو مصطفى

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 2618

عمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


(4)
جمجمة وطبيب وطاهي


لابد من إيجاد الجمجمتين ..
نظرت لحميد والشهاب قائلاً :
- سنقسم أنفسنا .. سأذهب أنا مع سبع البحار لتفقد الكوة التي أصابتها القذيفة
وأنتما تذهبان لتفقد مؤخرة السفينة ومن يجدها يتخلص منها فوراً في الماء ..تذكرا ..
قد تكون مع أحدهم ..وقد تكون مسيطرة عليه، وبشدة ..كونا حذرين ولابد أن يبقى
الأمر سراً حتى لا يأخذ أحداً حذره ..
نظر لي حميد في غيظ قائلاً :
ـ تذهب أنت في حماية سبع البحار وتتركني لأحمي الشهاب !
قلت له في عجلة :
- لا تبتئس يا حميد ..إنها مجرد جمجمة ..
- إذن ما حاجتك لسبع البحار ؟..
- لأن لي سابقة مع تلك الجمجمة ..وأريد شخصاً قوياً يسيطر علي في حالة ما
إذا وقعت تحت تأثيرها مرة أخرى ..

***

أنا وسبع البحار ..
العملاق الأبنوسي الذي يحمل قلب طفل وعضلات فيل، والخواطر السوداء التي تتصارع في
عقلي..
رباه ماذا لو سيطرت تلك الجمجمة على عقل سبع البحار؟
لا أريد الاسترسال في هذا..
لندعو الله أن نعثر عليها سريعاً قبل أن تعثر هي على أحدهم.
هاهي الكوة المهشمة وأثار القذيفة التي لم تنمحي بعد ..
هناك ثقب ضخم في الكوة التي توصل لقاع المركب أحدثته قذيفة القراصنة ..
ثقب يسمح بعبور جمجمة ذهبية لقاع الخاتون ..
أخذنا نجوب القاع ونفرغ الصناديق الخشبية المليئة بالغلال والخضروات.. نبحث بينها
عن شيء كريه ابتليت به الخاتون..
ومرت ساعة كاملة دون نتائج تذكر ..
نظرت لسبع البحار وقلت وأنا ألهث :
- لا فائدة .. لاشك أنها وقعت في يد أحد البحارة وتعمد إخفائها في مكان ما لا يعلمه أحد .
ثم أنني ضربت جبهتي بكفي مستطرداً في غيظ :
- لكن هذه سفينتي .. وأنا أحفظ كل شبر فيها .
كان سبع البحار كعادته قليل الكلام والتعليقات وقد أشعرني هذا بالحنق أكثر ..
أريد شخصا يفكر معي لقد اخترت القوة المفرطة وتنازلت عن العقل حينما تركت حميد مع الشهاب ..
هنا وثبت فكرة إلى رأسي ...

***

حميد والشهاب يتفقدان مؤخرة السفينة ..
الشهاب يداعب لحيته وهو يقول في إرهاق :
- هذا سخف ..هل تتوقع أن تبقى جمجمة ذهبية ملقاة في إهمال على ظهر مركب ..
مؤكد وقعت في يد أحدهم ..
قال حميد وهو يفحص أثار قذيفة الأنفاط :
- من الممكن أن تكون قد ارتدت خارج السفينة وغاصت مع أختيها في قلب المحيط .
- هذا افتراض مريح للدماغ ..لكن علينا توقع الافتراض الأسوأ.. أنها مع أحدهم .
- هل سنفتش كل البحارة.. مؤكد من حصل عليها لن يحتفظ بها في سرواله ..سيخفيها عن الأعين ..
داعب الشهاب لحيته الثلجية عدة مرات كناية عن التفكير العميق قبل أن يقول :
ـ إذن ننتظر حتى تظهر على بعض البحارة علامات الاستحواذ .
لم يكن حميد يدر حقاً هل هذا هو التصرف السليم ؟
ماذا يقدر أن يفعل أحاد البحارة لو سيطرت عليه تلك الجمجمة؟
في حالة السندباد كان الخطر محققاً لأنه الربان أما في حالة
سيطرتها على بعض البحارة فلن يعدو الأمر سوى محاولات تخريب محدودة وسيقبض على المخرب
وينكشف أمره ..
- لكن ماذا لو أوعزت إليه إغراق الخاتون بمن فيها ؟..
تساءل حميد بوجه ممتقع فعقد الشهاب حاجبية الكثين وصمت برهة ثم عادت لحيته ترتعش بالكلمات
التالية :
- لا أظن أن الجمجمة تسعى لذلك.. إنها تسعى للسيطرة على الخاتون لصالح القراصنة
والقراصنة لن يستفيدوا شيئاً من سفينة غارقة .
نعم .. كان الشهاب محقاً في هذا لأبعد الحدود وإن كان بعيداً كل البعد عن الحكمة في القرار
الذي اتخذه مع حميد ..
ولم يكن أحدهم يتصور ما سيترتب عليه ذلك الانتظار لعلامات الاستحواذ أن تظهر على أحد البحارة..
إن أياماً عصيبة تنتظر الخاتون ..

***

صحت في انفعال :
- الطبيب رشيد ..ذلك الوغد كان أقرب الرجال من القذيفة لأنها أطلقت عليه عند القاع ..
هز سبع البحار رأسه مؤيداً ولم يعلق ولم ننتظر ..
سرعان ما انطلقنا ناحية مخدع الطبيب رشيد ..
أخ! من كان يتوقع ؟..
أنت يا رشيد! أنت !..
وقفنا نتأمل مخدعه الذي امتلأ بالأشياء الغريبة ..
أواني زجاجية مليئة بسوائل غريبة حمراء وخضراء هياكل أسماك غريبة الشكل معلقة
على بعض الجدران ..
أنا الذي مكنته من كل ذلك، واليوم.. تدفع الخاتون الثمن ..
ثمن تساهلي ورقة قلبي مع رفاق البحر !
كان رشيد عاكفاً على فحص شيء ما في إناء زجاجي على منضدة ولما دخلنا عليه التفت
إلينا في حدة فرأيناه يضع على عينيه منظارين غريبى الشكل قام بتثبيتهما بعصابة جلدية
حول رأسه ..
- سندباد لقد أفزعتني ..
قلت له وأنا أقترب منه في حذر متأملاً هيئته الغريبة :
- الحقيقة أنك أنت الذي أفزعتنا بتلك المناظير الغريبة التي تضعها على وجهك ..
أشار رشيد بكفه قائلاً كأنما يخاطب أجهل أهل الأرض :
- سندباد أنا لا أتدخل في سياستك لسفينتك فأرجوك لا تتدخل في مهنتي التي لا تفقه
عنها شيئاً ..
هذا هو رشيد الذي أعرفه، مثال الأنفة والكبرياء والذي يعتبرني مجرد ربان همجي لا يقدر
مجهوداته لصالح العلم
وفي سبيل إسعاد البشرية، لكنني كنت استمتع بمضايقته جداً
فبرغم جفاءه لي فهو كغالب من تحملهم الخاتون طيب القلب حقا.. وبالتالي هو سهل
المنال جداً لو سقط أسيراً لتلكم الجمجمة ..
قلت له وأنا أعبث ببعض الهياكل المعلقة غير عابئ باعتراضاته:
- هلا أخبرتنا ماذا تصنع بتلك المناظير الغريبة ؟.. من باب العلم الذي نجهله .
خلع منظاريه بيمناه في تأفف.. ثم قال وهو يضع كفه اليسرى في خاصرته :
- هذه مناظير تكبر الأشياء عشرات المرات لهذا أراكم الأن كابوس حي في حجم الخاتون ذاتها ..
قلت وأنا أحاول أن أشرآب بعنقي لأرى ما يفحصه :
ـ وما الذي تفحصه هنالك ؟..
ـ أحضر بعض المساحيق المستخلصة من أعشاب البحر تساعد على النوم ..
هل أصارحه الأن ؟
لاشك أنه سينكر ..
لكنها لو كانت معه حقاً فلن تغادر حجرته الأثيرة.. نظرت لسبع البحار كي يستعد لأى مفاجأة
من رشيد الذي تسيطر عليه جمجمة الشيطان ثم التفت إلى الأخير وقلت له بلهجة حازمة :
ـ والأن لا داعي للف والدوران يا رشيد ..أين الجمجمة الذهبية ؟..

***

- تباً ..ألم يلقها الشهاب أمام عينيك في المحيط ..؟..
كان رشيد أحمر الوجه كالطماطم ..
هو لا يحتمل التشكيك في ذمته ولم يكن مستعداً لتلقي مثل تلك الإهانة، ولم يتوقعها ..
قلت له وأنا أنظر له بثبات :
- هناك واحدة أخرى ..ألقاها القراصنة على الكوة الموصلة للقاع ..
وملت عليه مستطرداً :
- حيث كنت تختبئ ..
بدأت عليه علامات التذكر ..
لابد أنها تسيطر عليه وبشدة..
سأخلصك منها سريعاً فقط كن متعاوناً يا رشيد ...
- لقد مكثت في القاع مع تنتن وتنتون حتى انتهت غارة القراصنة ولما انقشع الغبار
خرجنا فرحين بهزيمة القراصنة ونجاة الخاتون ..لم يكن هناك أي أثر لجمجمة ذهبية أخرى .
قلت له في غيظ :
- نحن فتشنا القاع جيداً ..لم نجد شيئاً ..
قال رشيد في تأفف :
- هذا ما لدي يا سندباد وإن لم تكن تصدق فهاك حجرتي أمامك فتشها كما يحلو
لك فقط إياكم أن تمسوا أشيائي بسوء ..
تباً ..
لو كانت مع رشيد فلن تكون خارج حجرته ولن يعرض علي تفتيشها بكل بساطة ..
الجمجمة سقطت في القاع وهناك من حصل عليها بعد ...
من الذي يتردد دائماً على القاع ؟..
هل يمكن أن تكون قد وقعت في يد تنتن وتنتون ؟..
سألت رشيد عن هذا فأكد لي أن تنتن وتنتون لم يفارقاه حتى غادروا القاع ..
ساعدني يا إلهي هذه الجمجمة جعلتنا نشك حتى في أصابع أقدامنا..
- والأن يا سندباد هل يمكنك أن تبحث عن جمجمتك وتتركني أكمل عملي ..
هممت أن انصرف لولا أن حانت مني التفاتة ناحية ذلك المسحوق في الإناء الزجاجي الموضوع
على المنضدة ..
- رشيد هل تعاني من الأرق هذه الأيام ؟..
- لا ..لكن هذا المسحوق طلبه مني طاهي السفينة إنه مسكين يعاني من النوم المتقطع
والذي يفقده التركيز بالنهار ..
نظرت للكمية الضخمة متشككاً ..
قلت :
- لكن هذه الكمية الضخمة يمكنها أن تنوم عشيرة من الحيتان و...
وقطعت عبارتي فجأة وأنا امسك بتلابيب رشيد صائحاً :
- رباه الطاهي ..هو أكثر المترددين على القاع ..لهذا طلب منك ذلك المسحوق المنوم ..
قال وهو ينظر لقبضتي التي تمسك بتلابيبه نظرة من يتعرض لإهانة لا تغتفر :
- وما علاقة المسحوق المنوم والطاهي المسكين بجمجمتك الذهبية ؟..
- الطاهي وجد الجمجمة يا أحمق.. وهي التي تحركه ..لابد أنها طلبت منه تخدير
البحارة عن طريق وضع المنوم في الطعام .. حتى يتسنى للقراصنة السيطرة عليها..
هنا قرر سبع البحار أن يتكلم أخيراً ..
قال في انبهار :
- أنت عبقري يا سيدي ..
صاح رشيد معترضاً وهو يلوح بكفه في وجه سبع البحار :
- مهلاً يا خرتيت البحر.. هذه مجرد تكهنات.. بناها السندباد على خرافة الجمجمة
التي تسيطر على العقول ..
والتفت إلي مستطرداً :
- وهو الأن يجوب الخاتون ويلقي بالتهم يميناً وشمالاً على الأبرياء..
عقدت ساعدي أمام صدري قائلاً ببرود :
- الأمر أسهل من ذلك .. لنترك الطاهي يحصل على المسحوق المنوم ولننظر ماذا يصنع ..
صمت رشيد وقد ألجمته فكرتي.. ثم إنه عاد ليقول مغمغماً:
- كما يحلو لك أيها الربان ..كما يحلو لك ...
وابتسمت في ثقة ..
طبعاً كما يحلو لي أيها الطبيب.. وسرحت بخواطري بعيداً.. إلى القاع حيث يطبخ لنا طاهي قد
سيطرت عليه جمجمة ذهبية.

***

طاهي السفينة لابد أن يكون بديناً مترهلاً يسبقه كرشه دائماً
بيومين ...
لم أتردد لحظة حينما وقعت عيني عليه أول مرة وقلت وأنا أدون أسمه في سجل الخاتون :
- ستعمل طاهياً ..
قال معترضاً وهو يلهث من أثر الشحم واللحم :
- لكنني لا أفقه شيئاً في الطهي يا ريس سندباد ..
نظرت إليه متشككاً وقلت :
- لا تفهم في الطهي !! كيف اكتسبت كل هذا القدر من الشحم إذن ..
ابتسم في بلاهة قائلاً :
- إنها أمي يا ريس سندباد ..طاهية ممتازة ..
فكرت قليلاً ثم قلت :
- حسناً أذهب أنت وارسل لنا أمك..
- لكنها امرأة يا سيدي ..ماذا ستصنع وسط الرجال ..
هنا ارتفع حاجبي في دهشة :
- أأمك امرأة ؟!..

***

طاهي الخاتون المترهل طفولي الوجه الذي يمكنه أن يصدق أي شيء تقوله له ..
طباخ الخاتون الساذج ألعوبة الخاتون في أوقات الفراغ القاتلة.. ترى ماذا صنعت منه
الجمجمة الشيطانية ؟
أتخيله بعين الخيال يهبط للقاع ويكافح لحشر جسده الضخم بين صناديق الطعام هنا تتعثر
قدمه في شيء ..
يكافح كي ينحني لينظر و...
وتجد الجمجمة الذهبية ضالتها ..
جمجمة ماكرة تحسن استغلال من يقع تحت سيطرتها ..
سيحتفظ بها في مطبخ الخاتون وحينما يجن الليل تبدأ الإيحاءات الشيطانية ..
ها هو ذا يتحرك حاملاً المسحوق المنوم بعد أن أخذه من رشيد..
ها هو ذا يدخل المطبخ ويغلق بابه خلفه ويستدير ناحية القدر الضخم الذي يحوي العشاء
للبحارة ..
يكشف الغطاء الضخم..
ويرفع الكيس المليء بالمسحوق ليفرغه في القدر ..
هنا يتحطم الباب ويثب حميد والشهاب عليه ويكبلان حركته فيسقط الكيس على الأرض
ويتناثر المسحوق..
تأملت الباب المحطم في حسرة ثم عبرته قائلاً :
- سأخصم ثمن هذا الباب من رواتبكم ..
ووقفت أتأمل الطاهي الذي يحاول التملص من كلابات الشهاب وحميد وقد اكتسى وجهه بتعبير
شرس لا يتناسب قط مع طبيعته الطفولية التي نعرفها ..
رباه ..
هل كانت سحنتي شيطانية هكذا حينما كانت الجمجمة مستحوذة علي.. ازدرت لعابي ثم قلت :
- والأن.. ستخبرنا أين الجمجمة أو أجعلك تجرع قدر الحساء كله حتى تنفلق أمعائك ...
هنا جاء رده سريعاً وغير متوقعاً ...
دار بجسده الضخم حول نفسه فوجدت الشهاب وحميد يطيران في الهواء ويرتطما ببعض القدور
الفارغة فوق رف خشبي وتتهاوى القدور فوق جسديهما ..
ثم إنه تناول سكيناً مرعباً من أحد الأرفف ولوح به في وجهي
صارخاً :
- لن يمسها أحد بسوء ..
وبدون تردد قذف السكين ناحيتي ..

***

يتبع

 

التوقيع

" تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَة ..
تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!"

( أمل دنقل)

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 12-25-2018, 09:39 AM   #10
عمرو مصطفى
( كاتب )

الصورة الرمزية عمرو مصطفى

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 2618

عمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


(5)
جمجمة نوبتجية!


لم يكن يصعب على أي سندباد يحترم نفسه تفادي سكين مطبخ..
الصعوبة الحقيقية كانت في إيقاف الطاهي ...
لقد قذف سكينه الذي استقر في الجدار بدلاً من أن يستقر في جسدي لأني طبعاً
لم أكن هناك ..
والتفت يفرغ أحد القدور متوسطة الحجم فتهاوت منه الجمجمة الذهبية ..
التقطها واندفع خارج المطبخ وهو يرغي ويزبد ..
نفس حالتي حينما كدت أفتك بالشهاب ..
ووثبت ناحيته لكنني ارتطمت بكرشه وحدث ما يحدث لك لو ارتطمت بكتلة من الدهن ..
أرتد جسدي في عنف ..
وفكرت ببال رائق وجسدي يطير في الهواء أن هذا الوغد يحسن استعمال كرشه
حقاً في مواجهة الخصوم وووو..
وكان حميد والشهاب يلملمان أطرافهما المبعثرة ويستعدان للقيام من سقطتهما
حينما ارتطمت بهما وتكومت أجسادنا على أرض المطبخ ونحن نئن..
هنا سد سبع البحار عليه الطريق ..
أخر ما لدينا من وسائل لمنع هذا الطوفان من الشحم واللحم المتحرك ..
ـ سبع البحار ـ كذا هتفت ـ لا تقتله أرجوك حتى نجد من يصنع لنا العشاء.
كنت واثقاً في قدرات سبع البحار لكنني كنت جاهلاً بقدرات من تستحوذ عليه الجمجمة الذهبية ..
لقد رفع الطاهي سابقاً الجمجمة بكلتا يديه ثم قذفها في وجه سبع البحار ...
وانثنى سبع البحار كالطود الذي ينهار وهو يمسك وجهه ..
وكان هذا كافياً للطاهي ..
انحنى يلتقط الجمجمة قبل أن تسقط على الأرض ثم انطلق متجاوزا سبع البحار ..
صحت في إحباط وأنا أعتدل من سقطتي :
ـ مرحى ياسبع البحار تعال أجلس هنا بجوار إخوتك ...
وانطلقت خلف الطاهي متجاوزاً سبع البحار وأنا أسب وأسخط.. كان الوغد يتحرك في
خفة لا تتناسب مع حجمه لكنه مهما بلغ فلن يباريني في العدو أبداً ..
أدركت قدمه عند السلم الموصل للسطح فوثبت أتعلق بها بكل قوتي وأنا أضغط على
أسناني صائحاً :
ـ أين تظن نفسك ذاهباً يا أبله ؟
هنا تلقيت ركلة عاتية في وجهي من ساقه الحرة فتركت قدمه مرغماً..
وشعرت بالنجوم تتلألأ من حولي وأنا أتحسس وجهي الذي شوهه الوغد.. وحينما استعادت
عيني قدرتها على تمييز الأشياء كان قد اختفى..

***

على سطح الخاتون وقفنا نتأمل المشهد التالي...
كنت قد صعدت للسطح خلف الطاهي ولحق بي حميد والشهاب وجاء سبع البحار بوجه
دامي وقد أزمع تحطيم عظام الطاهي لولا أنني أوقفته ..
هو برغم ما كان لا يتصرف بطبيعته ...
كنا نتأمله واقفاً عند الحافة محتضناً الجمجمة وعيناه تدوران في محجريهما
بجنون وكان اللعاب قد بدأ يسيل من بين شدقيه وسمعته يقول كأنما يهذي :
ـ لو اقتربتم مني سأقفز في الماء .. أقسم أن أفعل...
صاح الشهاب وهو يتحسس عظامه المهشمة :
ـ هل تشك في أننا لن نضحي بك في سبيل الخلاص من تلك الجمجمة ...
نظر حميد للشهاب في دهشة وهو يهمس :
ـ وماذنب الطاهي المسكين إنه ليس مسئولاً عن أفعاله ..
قلت وأنا أضغط على أسناني :
ـ حياة واحد في مقابل حياة الجماعة ..ماذا تتوقع يا حميد .
ثم نظرت جهة الطاهي وصحت في غل :
ـ أفعلها من أجلنا.. وعزاءنا الوحيد أنك ستأخذ معك تلك اللعينة .
هنا شق الهواء شيء ما وسمعنا شهقة ...
كان الطاهي يمسك عنقه وينتزع منه سهم صغير ينتهي بريشة! ثم إنه نظر ناحيتنا
وقال شيئاً ما قبل أن يتكوم مثل الجوال بجوار الحافة ...
وبجواره استقرت الجمجمة وكأنما أسقط في يدها أن رجلها قد خرج عن سيطرتها ...
التفتنا إلى الجهة التي جاء منها السهم فرأينا رشيد قادماً وهو يحمل اسطوانة من
البوص المجوف من ذلك النوع الذي يستخدمه البدائيون في قذف السهام
عن طريق النفخ. لوح بها وهو ينحني على جسد الطاهي قائلاً :
ـ لقد خدرته فحسب ..
ثم أنه التقط الجمجمة وتأملها برهة ثم قذفها ناحية الماء ...
ومضت فترة صمت ونحن لا نصدق أن الموقف مر بسلام دون خسائر ..
قال رشيد وهو يطرق إلى الأرض :
ـ قد لا يكون الأمر مفهوماً بالنسبة إلى .. لكنني بالرغم من ذلك أشعر بسعادة
لأننا تخلصنا من تلك الجمجمة .
ربت على عاتقه في حرارة ثم اشرت لجسد الطاهي المسجى وسألته :
ـ متى سيفيق ؟..
ـ لو لم يفق في خلال يومين يمكننا أن نشعر ساعتها بالقلق !!
بللت شفتي بلساني قائلاً :
ـ لعلك لو قتلته لكان أرحم به وبنا ...
والتفت مواجها حميد والشهاب وسبع البحار قائلاً :
ـ تخلصنا من أثنان وبقت واحدة ...
تبادل حميد والشهاب النظرات ..
وتنحنح حميد :
ـ سنجدها بإذن الله يا سندباد ..تأكد من ذلك ...
لكن شيئاً ما بداخلي كان يشعرني أن الجمجمة الأخيرة لن تكون مثل أخواتها ...
لأنها ببساطة.. أمل القراصنة الأخير..

***

قضيت الساعات التالية في فحص الخاتون شبراً شبراً ...
لن ندع مجالاً للصدف..
وبدأت بمتعلقات أصحابي قبل البحارة فاحتمالات أن تكون مع أحدهم دون أن يدري واردة
بل فتشت قمرتي أمام حميد والشهاب مرة ومرة بعدها جاء دور مخادع البحارة ..
تسألون عن الطاهي البدين ؟..
لقد أفاق أخيراً بعد أن كاد يقتلنا جوعاً ..
وعاد يتضلع بدوره الهام في الخاتون ولم أنس دس تنتن وتنتون عليه بدعوى
مساعدته لكن في الحقيقة هم كانوا هنالك لمراقبته .. الأطفال والمراهقين هم
خير من يقوم بمهمة التجسس والوشاية، بدافع الشهوة الطفولية العبثية لإيذاء الأخرين ..
وقبل أن أدخل قمرتي لأرتاح سألت الشهاب عن نوبتجية المساء فأخرج لفافة ورق فردها
أمامي وأخذ يقرأ في انتشاء :
- أصلان و نعمان وحسان ورشدان وفضلان ..
ابتسمت في رضا وأنا أتأمل رجال النوبتجية عيون الخاتون الساهرة قائلاً :
ـ عظيم ..ستكون نونية ناجحة ...لننعم ببعض الراحة قبيل صلاة الفجر ...
كنت أظن أنني أسد كل الثغرات وأحكم الخناق حول الجمجمة الأخيرة .. وكنت واهماً كالعادة..
واهماً ..

***

على أضواء المشاعل اجتمعوا ..
الخمسة النوبتجية يقفون بجوار الحافة وأضواء المشاعل تنعكس على صفحة الماء ..
قال أولهم ( لعله أصلان ):
- اليوم فرصتنا ..
وقال ثانيهم (يبدو أنه نعمان):
- السندباد وزبانيته سلمونا ذقونهم بمحض إرادتهم ..
همس ثالثهم (لو أخذنا بالترتيب فسيكون حسان ):
- كم رجلاً معنا ؟..
قال رابعهم ( أكيد الأذكياء خمنوا أنه رشدان ) :
- أنا أضمن ولاء نصف البحارة ..تقريباً ..
تساءل خامسهم ( فليقطع ذراعي إن لم يكن فضلان ) :
- والنصف الأخر؟..
ضحكة شرسة من أصلان الذي تبدو عليه سمات القائد ثم :
- سيكونون مع من غلب...
ودوت خمس ضحكات شرسة ..
- لنخرج الأمانة..
قالها أصلان وهو يثنى جذعه خارج السفينة ويجذب إليه أحد الحبال المتصلة بالأشرعة
وطرفه الأخر مدلى خارج السفينة وظل يجذب الطرف الأخر .. ويجذب .. ويجذب ..
ثم ظهر أخيراً جراب من جلد كان مربوطاً بإحكام بطرف الحبل..
واستدار أصلان ليفرغ الجراب بين يدي رفاقه فتعلوا أصوات أنفاسهم المبهورة وازدرد
أحدهم ريقه ( وهو لن يخرج عن كونه أحد أربعة إما نعمان أو حسان أو رشدان أو فضلان والله أعلم )
ثم قال بصوت مبحوح :
- من أين أتتك تلك الفكرة الجهنمية يا أصلان؟..
فيبتسم أصلان مكشراً عن أنيابه ثم ببطء يرفع كفه مشيراً ً بسبابته للشيء الذي استقر بينهم ..
- هي ألهمتني..
وعلى ضوء المشاعل توهجت الجمجمة الذهبية الأخيرة ...

***

وحينما اقترب وقت الصبح خرج الشهاب كعادته ليؤذن فوق سطح الخاتون الأذان الأول للفجر ..
تنسم هواء الفجر النقى ثم تمطى وألقى نظرة ناحية رجال النوبتجية الخمسة ورفع كفيه ليؤذن
للفجر و ...
- تباً ..أين ذهب هؤلاء الأوغاد .؟..
لم يكن هناك أحد على السطح أه لو علم السندباد بذلك..
واستدار مزمعاً التوجه لقمرة السندباد لكن نصلاً حاداً انغرس طرفه في عنقه فلم يستطع
التحرك قيد أنملة وارتفعت عيناه في ذعر فطالعه وجه رشدان وهو يبتسم في جشع :
- إلى أين أيها العجوز؟

***

نثر حميد الماء البارد على وجهه وشعره ليفيق من أثر النوم.. ثم رفع رأسه وهزها
يميناً ويساراً كي يتأكد أنها مازالت تعمل بكفاءة..
جذب نفساً عميقاً ليملأ رئتيه بهواء الصبح النقي وهو يتساءل لماذا تأخر أذان الشهاب؟
هل غلبه النوم ؟ أم فاضت روحه أخيراً .؟..
هنا حجب عنه الهواء جسد ضخم فرفع طرفه ليرى وجهه فتلقى ضربة عاتية دارت لها رأسه ...
وترنح للحظات وهو يرى صورة مشوشة لفضلان يمسح
الدم عن قبضة معدنية في يده ثم ...
انسدل ستار مظلم أمام عينيه ...
أما سبع البحار فكان له ترتيب أخر ونصيب أوفر...
احتاج الأمر أن يقوم نعمان وحسان ورشدان وفضلان
بإلقاء شباك الصيد فوق رأسه وهو يتجه ليعتلي الصاري
ليؤذن للأذان الثاني ..
فتهاوى من فوره تحت ثقلها وبدأ الحفل حول جسده الضخم
المكبل بالشباك .. لعلهم ظلوا ساعة كاملة يضربونه حتى خمدت حركته تماماً ..
لقد تهاوت الأركان الثلاثة التي يعتمد عليها السندباد ...
وجاء أصلان وهو يحمل الجمجمة الذهبية تحت إبطه وتبادل
معهم النظرات المنتصرة ..
وارتفعت خمس قبضات مضمومات في الهواء، و خمس صيحات إلى عنان السماء:
- حرية.....حرية ...

***

يتبع

 

التوقيع

" تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَة ..
تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!"

( أمل دنقل)

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 12-26-2018, 08:44 AM   #11
عمرو مصطفى
( كاتب )

الصورة الرمزية عمرو مصطفى

 







 

 مواضيع العضو
 
0 الفجوة.........
0 لكنه وطن
0 ليس لغزاً
0 قبل أن تزول..

معدل تقييم المستوى: 2618

عمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


(6)
جمجمة ثورية!


حرية .. حرية ...

***

أين حميد ؟.. أين الشهاب ؟.. سبع البحااااااار هل تسمعني ..؟..
أين البحارة التعساء ؟!
وقفت ألهث وقد بح صوتي من النداء..
رفعت طرفي للسماء فرأيتها سوداء قاتمة فخفضت بصري إلى صفحة الماء ..
كانت حمراء قانية ..
هنا شعرت بالكف الباردة توضع على كتفي .. التفت ..
وانحبست صرخة مريعة في حلقى لكنها دوت في أعماقى ...
- لم يبق غيرك يا سندباد ....
رباه هذا غير حقيقي كيف تتكلم جمجمة بلا لسان وشفتين ؟
هذا حلم بل هو كابوس كا................
هنا تحررت الصرخة من حلقي .. وانتفض جسدي في الفراش وأنا أشهق..
- رباه ...
واعتدلت في حدة جالساً على طرف الفراش وصدري يعلو ويهبط.. تباً للجمجمة اللعينة
التي اقتحمت عالمي حتى أحلامي..
تساءلت بصدر منقبض: هل كان ما مضى كابوس أم نذير سوء؟..
تعوذت وتفلت عن يساري، ثم نهضت مترنحاً إلى الباب وتحسست يدي المقبض البارد و...
المقبض لا يستجيب، تباً لقد أصلحته منذ شهر تقريباً ..
شعرت بالحنق يعصف بي أين هؤلاء الحمقى بالخارج ليفتح لي أحدكم ...
أين الشهاب، أين حميد، أين سبع الـ...
رباه ..
ألا يذكركم هذا بشيء ..

***

الأن يجتمع البحارة على أمر جلل ..
لقد رحل السندباد ورحلت أيامه أو هكذا يدعي بعضهم ..
صاح أصلان وهو يلوح بقبضته في الهواء كدأب الثوريين:
ـ لقد عملنا لسنوات طويلة على سطح الخاتون ..تحت قيادة ذلك الطاغية الذي
صدع رؤوسنا بالحديث عن أسطورته المزعومة، وكأننا لا شيء إلى جواره ..
ارتفعت الصيحات المؤيدة والمزيد من القبضات المضمومة إلى جانب بعض الهمهمات
المعترضة على استحياء..
وأكمل أصلان :
- نحن من صنعنا السندباد ..وقد جاء الوقت الذي تتحرر الخاتون من نير ذلك
الطاغية المستبد ..
كان رشيد واقفاً بين البحارة يهرش رأسه مفكراً ..
لقد استيقظ على الجلبة التي أحدثها البحارة الثائرون وكان ما يزال يفرك عينيه غير مصدقاً
لما يجري، ثم قرر أخيراً أن يرفع كفه طالباً الكلمة ..صاح أصلان :
- هذا هو الطبيب رشيد أحد ضحايا المستبد يطلب الكلمة ..
وأشار له فتقدم وتنحنح قليلاً ثم رفع رأسه وقال :
- حقاً أنا لا أفهم ..
وقطع عبارته ليصيح في غل وهو يثب على أصلان :
- مستبد من يا حمقى؟!..
كان يطلق صرخة قتالية حادة وهو يهجم على أصلان، لكنها انقلبت إلى صيحة ذعر حينما
تكالب عليه المؤيدون، وانهالت عليه الصفعات من كل حدب وصوب مع سيل من التهم ..
- لا تفلتوه ..إنه من فلول رجال السندباد!..
- ذلك الطبيب إنه أحد المتسببين في تدهور صحة البحارة!
- لقد خلع لي ثلاثة ضروس لأنني خالفت مرة أمر من أوامرالسندباد !..
ووقف أصلان يتبادل النظرات مع رجاله الخلص حسان ونعمان ورشدان وفضلان..
قبل أن يقول من بين أسنانه :
- رشيد ..لقد نسينا أمرك تماماً..
قال حسان وهو يبتسم بانتشاء :
- مازال القاع يسع المزيد من المؤيدين للسندباد ..هي هي ..
وداعب رشدان شاربه وهو يقول :
- هذا لو تبقى منه شيء أصلاً..
هنا رفع أصلان كفه وصاح في البحارة كي يتركوا شيئاً من رشيد يصلح للسجن..
أخيراً انزاحت الجموع المتكالبة على رشيد الذي تحول إلى ما يشبه الخرقة الدامية، وسرعان
ما حمله فضلان ونعمان إلى حيث مثواه الأخير في قاع السفينة ..
وعادت الأعناق تشرأب مرة أخرى إلى محدثها ...
هذه المرة رفع أصلان كفه فإذا بالجمجمة الذهبية تلمع تحت أشعة الشمس ودوت الكلمات
الجشعة القاسية :
- هذه أخر جرائم الظلم والاستبداد ..جمجمة من الذهب الخالص كان يحتفظ بها
السندباد لنفسه واليوم هى ملك لكل البحارة ..
- هوررراااااه ..
- لكن قبل هذا ..لابد أن يلقى الطاغية شر الجزاء ..
- هورررااااه ...ليذهب إلى الجحيم ..
ابتسم أصلان وهو يكشر عن أنيابه قائلاً :
- لقد صارت الكلمة كلمتكم .. والحكم حكمكم..
كانت الفئة التي تعترض على استحياء قد لاذت بالصمت الأبدي بعد أن تبدى لها المصير
المحتوم للمخالف..
والفئة التي أصابتها عدوى الثورة هي صاحبة الصوت العالى ..
والقرار قد صدر من تلك الفئة الأعلى صوتاً ..
قرار الإعدام ..

***

قاع الخاتون ...

فتح حميد عينيه وبدأ يتأوى.. ثم تنامى إلى سمعه صوت مألوف ينادي :
- لقد أفاق حميد يا سبع البحار ..
هنا بدأ حميد يستوعب ما حوله ..
كان هناك قيد من السلاسل الحديدية تكبل ذراعية وقدميه إلى عامود خشبي ضخم، ولم يكن
الشهاب أفضل حالاً أما سبع البحار فكان محاطاً بأغلظ السلاسل وأوفرها حتى لا يكاد يرى
من السلاسل الحديدية ..
- ماذا يحدث بالضبط ؟..
تساءل حميد والصداع يفلق رأسه فصكت أذنيه تنهيدة حسرة من بين شفتي الشهاب
وأتاه صوته الواهن :
- إنها ثورة على السندباد..
استعاد حميد ذكرى ما حدث وتذكر فضلان وهو يمسح الدم عن قبضته الحديدية فانتفض
جسده في عنف وهو يصيح بالشهاب
- رباه .. ماذا فعلوا بالسندباد ؟
هنا دوت صرخة ألم مريرة وسمع حميد والشهاب صوت نشيج سبع البحار..
تمتم الشهاب :
- إن قلب سبع البحار يتقطع على سيده ..
صاح حميد وهو موشك على الجنون :
- رباه .. ماذا فعلوا بالسندباد ..الأوغاد ..سوف اقتلع قلوبهم من صدورهم ..سوف ..
قاطعه الشهاب في إنهاك :
- كفاك ضجيجاً يا حميد .. لا أحد يعرف يقيناً ماذا جرى للسندباد فقط علينا أن نتعاون
لنخرج من هذا المأزق قبل أن ينالوا منه .
عض حميد شفته وهو يجوب ببصره في القاع بحثاً عن بارقة أمل :
- نخرج !! هل لديك أفكار بخصوص هذا أيها الشهاب ... ؟
- ما حدث يحمل بوضوح بصمة الجمجمة اللعينة ...
- ماذا ؟! هل يمكنها السيطرة على أكثر من واحد ..؟..
- يكفي أن تسيطر على أحدهم لكن هذا الواحد من الممكن أن يؤثر في العشرات..
عن طريق ذرع بذرة الشر فيهم ..
وازدرد لعابه مستطرداً :
- تلك اللعينة تجيد عملها جيداً وتحسن التخطيط ..وهي دائماً تسبقنا بخطوة
وتفاجئنا في كل مرة ...
ضرب حميد رأسه بالعمود الخشبي الذي قيدوه إليه وهو يحاول فى يأس التملص
من قيوده :
- هذه المرة هي مسيطرة بالفعل أيها الشهاب.. وقريباً سيصل القراصنة ويستولون
على الخاتون ..
هنا تذكر حميد شيئاً ...
القاع يضم أعوان السندباد المخلصين إذن من في الخارج هم بين موالي للثورة ومستسلم لها أو ..
- لعل هناك أمل أيها الشهاب .. لقد نسوا أمر رشيد فيما يبدو أو أهملوا شأنه لأنه مجرد
طبيب لا يخشى جانبه ..لنأمل أن يكون رشيد هو رجلنا بالخارج ...
هنا انفتحت الكوة التي في السقف وتهاوى جسد رشيد الدامي متكوماً على الأرض ..
وأغمض حميد عينيه على الأمل الذي تم وأده في لحظة..

***

الأن أفهم ...
الآن أبتعد حثيثاً عن الباب ..
الأن تتنامى إلى مسامعي الصيحات الحيوانية من الحناجر التي كانت يوماً ما تلهج بالثناء علي ..
ـ يسقط الطاغية ...
- الموت للمستبد ...
- حرية ..حرية ..
أصوات أقدام قاسية تقترب من القمرة ..
ـ حرية ..حرية ..
ووثبت على قراب السيف المعلق إلى جوار فراشي ..
- مزقوووووووه ......
وشهرت سيفى في مواجهة باب القمرة و ...
من هؤلاء ؟..
هل هؤلاء هم رجالي الأنجاد ؟..
هل هؤلاء بحارتي الذين خاضوا معي عباب البحر لسنوات وسنوات ؟..
وتيقنت وهم يلتفون من حولي أن ثمة شيء ما ليس طبيعياً في تلك الوجوه الشرسة وتلك
الأيادي التي تتناولني من غير اكتراث..
لهذا تراخت قبضتى حول مقبض سيفي ولم أشعر به وهو يسقط تحت الأقدام ..
فقط لمحت من بين الرؤوس التي تكالب علي أصحابها رأس يبتسم في تشف وهو
يغمز بعينه و يرفع قبضته عالياً حاملاً شيئاً مألوفاً ..
شيئاً ذهبياً يبتسم في جشع ومكر ..
الرأس هو رأس أصلان أحد أفراد النونية التي عينها لحراسة السفينة ليلاً.. والشيء الذي
يحمله كانت هي الجمجمة الذهبية العتيدة لكنها هذه المرة صاحبة اليد الطولى ..
كانت هي وراء كل ذلك من البداية ..
هي التي ألبت علي البحارة ..
وهي التي تحركهم الأن ..
وهم يحملوني الأن للخارج حيث صعدوا بي وأنا مستسلم تماماً بفعل الصدمة أو بفعل
اليأس لم أكن أدرى حقيقة ..
فقط كان الصراخ والضجيج والصيحات الوحشية المنتصرة تصم أذني، وتمنيت لو
صارحتهم أن أصواتهم مزعجة جداً، لكنني لم أجد الوقت الكافي لأنهم حملوني إلى
حافة الخاتون وهم يقهقهون كالسكارى و..
هل سيفعلون ما أظن أنهم سيفعلون أم ...
كان السقوط رائعاً من أعلى لأسفل وشعرت بنشوة عارمة وجسدي يرتطم بالماء ..
أخيراً لم أعد أسمع أصواتهم المزعجة..

***

- هوووورررااااه ..
- هوووورررااااه ..
المزيد من القبضات المضمومة إلى السماء والصيحات المتهللة و الوجوه السادية المتوحشة ..
وجاء الطاهي البدين وهو يلهث حاملاً قنينة ضخمة وراح يسكب للبحارة نخب رحيل السندباد
وأيامه، يعاونه ثنائي المتاعب تنتن وتنتون ..
ورفع أصلان عقيرته للسماء وهو يلوح بقدحه وصوته يهدر في انتشاء :
- المزيد من شراب بربور البحر للبحارة الشجعان ..
الكل يرشف شرابه في انتشاء..
لكن بعض الوجوه كانت متجمدة خالية من أي تعبير أو هو تعبير عن الصدمة مما حدث ..
رباه لقد رمينا السندباد في الماء..
حقاً فعلنا !..
وألقى أحدهم قدحه ورفع رأسه ليشق صوته عنان السماء:
- لقد قتلنا السندباد يا حمقى ..
وكانت تلك هي بداية المأساة الحقيقية ..
وبداية الفوضى ..
صاح أصلان :
- مازال بيننا عملاء أنجاس للسندباد وعهده البائد ..
ثم جاب ببصره في وجوه البحارة المؤيدين مستطرداً :
- وحان وقت تطهير الخاتون من نجسهم ..
اشتعلت وجوه المؤيدين بالمقت واستداروا ناحية البحار الذي أنكر قلبه ما حدث ليفتكوا
به لكنه لم يكن وحده ..
لقد انقسمت الخاتون إلى فريقين وبات من الواضح للعيان أن ثمة مذبحة مريعة ستجري
الأن و ستجري معها دماء البحارة أنهارا..
مذبحة تشرف عليها جمجمة ذهبية ماكرة...
وجذب الطاهي البدين تنتن وتنتون وهو يصرخ :
- حان وقت الفرار ..
وطارت بلطة من اليمين لليسار، وقذف أحد المعارضين بقدحه في وجه أحد المؤيدين فانحنى
الأخير ليرتطم القدح بصاري المركب.. فضلان ونعمان يصولان ويجولان وسيوفهما تلمع
تحت أشعة الشمس ..رشدان يعتلي ظهر أحد المؤيدين ويضم قبضتيه ليهوي بهما على عنقه ..
نعمان يعترض طريق أصلان وهو يلوح له بمدية حادة قائلاً في جشع :
- أين نصيبنا من الجمجمة ..
- خذ ..
وارتطمت الجمجمة الذهبية بوجه نعمان فصرخ وتمرغ في الأرض ..وحينما حاول أن يعتدل
دهسته قدم الطاهي الغليظة وهو يفر حاملاً تنتن وتنتون من ذلك الجحيم ..
حسان يلوح بسيفه مؤمناً ظهر أصلان الذي انحنى متناولا الجمجمة من جديد واعتدل ليرمق
البحارة المتعاركين بنظرة قاسية .. صراخ ..عويل ..دماء ..
وفي تؤدة استدار متجهاً ناحية مقدمة الخاتون غير عابئ بما تخلف وراءه من خراب ..
وعند مقدمة المركب رفع الجمجمة الذهبية بكلتا كفيه إلى السماء وتألقت عينيه ببريق عجيب
وهو يصيح :
- لقد مهدت لكم يا إخوة الجمجمة.. واليوم تهراق روح الخاتون بأيدي بحارتها، وهاهم
يصطرخون فيها كالنساء.
وأغمض عينيه مستطرداً في نشوة :
- لقد آن أوانكم يا أبناء الشيطان البطل ..

***
يتبع

 

التوقيع

" تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَة ..
تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!"

( أمل دنقل)

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 12-30-2018, 02:53 PM   #12
عمرو مصطفى
( كاتب )

الصورة الرمزية عمرو مصطفى

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 2618

عمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


(7)
جمجمة لا أجد لها عبارة مناسبة!


هناك من يعبث بالكوة .. يحاول فتحها بصعوبة ..إذن هو على الأرجح ليس منهم ..
وتعلقت أعين حميد والشهاب بالقادم الجديد و..
- تنتن وتنتون ..!!
هتف حميد والشهاب في نفس واحد وهما يتطلعان لوجهي تنتن وتنتون اللذان أقبلا عليهما
بعد أن هبطا من الكوة وأنفاسهما تتلاحق ونظراتهم تبض ذعراً .. سبع البحار رفع طرفه
إليهما في إنهاك دون تعيلق ..
على حين تأمل تنتن القيود الحديدية التي تقيد حميد والشهاب وسبع البحار ثم رفع طرفه
للكوة وصاح :
- نحن بحاجة إليك ههنا أيها البدين ..
وسرعان ما انبثق جذع الطاهي البدين من الكوة وعلى وجهه أعتى علامات الألم كأن هناك
من يعصره عصرا.. كان يحاول تمرير كتل الشحم واللحم عبر الكوة ..أخيراً تكوم على أرض
القاع وهو يلهث وقد تدلى لسانه خارج فمه.. وإلى جواره سقط قدوم ضخم كان يحمله معه ..
- أسرع أيها البدين ..هل هكذا تهبط كل يوم للقاع ؟!
وتعاون تنتن وتنتون على جذب الطاهي ليعتدل وهو يتأمل الموجودات من حوله كأنما استفاق
من حلم غريب ..ثم اعتدل ممسكاً القدوم وتحاملً لينهض قائلاً :
- لما العجلة يا شباب ؟..
واتجه ناحية الشهاب الذي نظر للقدوم الذي يحمله في رعب وهو يتسائل :
- كيف فررتم من قبضة الثوار ؟..
رفع الطاهي القدوم عالياً واتسعت عيناه بلا داعي وهو يجيب :
ـ لقد دب الخلاف بينهم وانتهزنا نحن هذه الفرصة و.. هوب ..
وأهوى بالقدوم على القيود ..على موضع بعينه فتناثر الشرر .. وصرخ الشهاب في جزع :
ـ احترس يا أبله .. ستهشم عظامي الواهنة ..
- صبراً يا سيد .. هوب ..
ضربة أخرى تهوي فيتحطم قيد الشهاب أخيراً.. تكوم على الأرض وهو يئن ممسكاً ساقيه :
- لقد تيبست قدماي من تلك الوقفة الإجبارية ..
ضربتين سريعتين حررتا حميد الذي صاح في انفعال وهو يحرك ذراعيه في سعادة :
- كنت أعلم أن لنا أعوان بالخارج ..لقد نسينا أمركم تماماً..
ثم التفت إليهم وعقد حاجبيه متسائلاً :
- ماذا فعلوا بالسندباد ؟..
كان الطاهي يهوى على قيود سبع البحار لكنها كانت أغلظ من سابقيها على حين هتف تنتون :
ـ الأغبياء ألقوا السندباد في البحر..
أرسل حميد ضحكة مجلجلة قبل أن يتنهد قائلاً :
- الاغبياء أرادوا قتل السمكة فألقوها في الماء ..لعله مازال يدور السبع دورات حول الخاتون
ينتظر أن يلتقطه أحدهم..
هنا تراجع الطاهي ليضرب ضربته الأخيرة على قيود سبع البحار
حينما انتفض سبع البحار وهو يهتف في لهفة :
- إذن سيدي بخير .. مرحى ..
وأمام العيون المتسعة لان القيد الحديدي وانساب من حول عضلات سبع البحار الذي بدا
كعملاق ينهض من سبات عميق
نظر له الشهاب في ذهول قائلاً :
- كنت تستطيع أن تفعل هذا منذ البداية يا أبله؟!
أطرق سبع إلى الأرض في حياء فأجاب حميد نيابة عنه :
- كان يائساً ..يظن أن السندباد قد انتهى ولم يعد هناك فائدة من الحياة ..
ثم نظر لسبع نظرة صارمة وتقدم إليه مستطردا :
ـ لكن الحياة لا تتوقف على أحد وهناك سفينة كاملة تحتاج إلى تضافر جهودنا لإنقاذها
من الفتن التي حاقت بها و..
هنا تعثرت قدمه في شيء ما وتعالى الأنين المحتج ..
ـ تباً ..انصرفوا عني يا أبناء الأبالسة ..
كان هذا هو رشيد الذي دهسته قدم حميد دون أن يدري.. مازال المسكين يحلم بركلات
الثوار، ويحاول أن يتقيها بكفيه.. حتى انتبه في النهاية لحقيقة وضعه، فجال بعينين
متورمتين في وجوه الموجودين قبل أن يغمغم :
ـ إذن فقد فر الجبناء !!
انحنى حميد ليفحصه قائلاً في أسى :
ـ لأول مرة الطبيب رشيد يحتاج لطبيب ..
- أي ي ي ي ي ....
تأوي رشيد وهو يبعد كف حميد ثم حاول أن يعتدل قائلاً في إنهاك :
- إنها مجرد كدمات ولا توجد كسور والحمد لله ..
- مرحى يا رشيد ..كلنا بخير إذن ..
تحامل الشهاب على كفيه كي ينهض على قدميه المتيبسة قائلاً :
- المهم كيف سنواجه الفوضى أعلى السفينة ..
لوح الطاهي بالقدوم في انتشاء طفولي قائلاً :
- لقد تدبرنا أمرهم ولو صعدنا للسطح فلن نواجه سوى شخيرهم المزعج.. فقد بدأ مفعول
المنوم الذي وضعته في شرابهم يعمل.. إنه نفس المنوم الذي صنعه لي الطبيب رشيد يوماً
ما لخدمة الجمجمة الشريرة ..
تهلل وجه الشهاب وهو لا يكاد يصدق أن تنتهى المحنة على يد أخر مخلوق يمكن توقعه
على سطح الخاتون ..صاح حميد في حبور :
- فلنصعد إذن للسطح ولنتخلص من الجمجمة اللعينة ونلتقط السندباد قبل أن يفيق البحارة ..
قال رشيد في إنهاك وهو يتحسس وجهه المتورم :
ـ لا تقلق بهذا الصدد .. لو لم يفيقوا في خلال يومين يمكننا أن نشعر ساعتها بالقلق !!
وهكذا انطلقت البقية الباقية من بحارة الخاتون عائدين للسطح..
صحيح أن بعضهم متيبس المفاصل، وبعضهم شوهته الكدمات، لكنهم كانوا يمثلون الأمل الأخير
بعد الله سبحانه وتعالى في نجاة الخاتون .. صحيح أن بعضهم مترهل ولا يكف عن اللهاث ..
لكن من يملك ترف الاختيار ؟..
وعلى السطح كان المشهد المتوقع ... عشرات الأجساد المتكومة
هنا وهناك والكل يغط في نوم عميق .. ومن حولهم تناثرت الأقداح الفارغة إلى جوار المدى
والسيوف والبلاطي والمطارق التي كانوا يستعملونها في قتال بعضهم البعض ..بعض البحارة
كان ينام وهو يمسك بتلابيب البعض الأخر .. والبعض فاجئه النوم وهو يخنق زميله الذي نام
وأصابعه تحاول فقء عين خانقه ...
كان مشهداً مؤلماً ومزريا .. وتجمد البحارة الناجون أمامه برهة
ثم شق صوت حميد حجاب الصمت :
- ترى مع من كانت الجمجمة ؟..
صاح الطاهي وعينيه تزداد اتساعاً من شدة الأنفعال :
- مع أصلان ..كان يتجه بها وسط الفوضى ناحية المقدمة ..
زمجر سبع البحار وهو يتجه ناحية الحافة قائلاً :
ـ تباً للجمجمة سأنتشل سيدي أولاً ..
تحرك حميد في خفة وتخطى بعض الأجساد المتكومة في طريقه لمقدمة الخاتون ثم توقف
وانحنى يفحص جسد أصلان
الذي انكفئ على وجهه وهو يشخر بصوت مكتوم ..
ثم اعتدل بوجه ممتقع ليعلن للرفاق الخبر السعيد :
- تباً ..لا أثر للجمجمة مع أصلان ..
- لأني تخلصت منها قبلكم ..
واستدار الجميع ناحية مصدر الصوت الذي تردد من ورائهم
وانطلقت الصيحات المرحبة :
- سندباد ..هووورررااااااه ...

***

كي نفهم هذا علينا أن نعود قليلاً للوراء ..

***

- سندباد هل ستترك لهم الخاتون ؟..
ضربت الماء بكفي وأنا أتأمل ذلك السمج الذي قطع علي لحظة الاحتضار في الأعماق ..
كان يرتدي ثياب تشبه ثيابي و له لحية كلحيتي ..وينظر إلى بنفس الطريقة التي أنظر
بها لنفسي في المرآة و .. أي دعابة سمجة هذه ؟.. قلت له من بين أسناني :
- مرحى إنك تشبهني بشدة يا صاح ..
ثم حاولت أن أمنع نفسي من البكاء مستطرداً :
- رباه ..لقد بدأت أهذي هذيان الموت ..
- هل ستترك الخاتون يا سندباد ؟..
نظرت له في غل صائحاً :
- تباً لك .. إنني أحتضر يا أبله .. ألا تفهم ؟..
- تباً لك أنت .. خذلت الخاتون وخذلت بحارتك ..
- بحارتي !! بحارتي من يا أبله ؟..من ألقاني ههنا إذن لألقى سحنتك الكئيبة ؟..
- أنت تعرف أنهم يتصرفون بوحي شيطاني.. ولا يتصرفون بطبيعتهم .. هناك من بث فيهم
بذرة الشر ..كما أنك لن تموت لمجرد أنهم ألقوك في الماء ..لو أرادوا قتلك لربطوا على
صدرك حجراً ..ولو تركت نفسك لتموت فأنت قاتلها..
- حتى لو عدت للسطح ماذا عساي أن أقدم لهم ؟..
- الأمل ..
- الأمل في أن يعيدوا إلقائي في الماء من جديد ..
هنا تبدلت ملامح شبيهي بغتة ..صار أكبر سناً وملامحه أكثر صرامة وصوته أكثر غلظة :
- سندباد لا تجعلني ألهب ظهرك بالسياط ..
ارتعدت فرائصي وخرج صوتي مضطرباً :
- أبي خير الدين ..!!
- نعم أنا أبوك الذي حلم باليوم الذي تصير فيه أسطورة يتحاكى بها الناس لكنك اليوم
ستتحول إلى أضحوكة جماعة الجمجمة الشقية ..
فكرت قليلاً في كلامه ثم قلت :
- هل تظن ذلك ؟..
هنا هدر صوته المرعب في الأعماق ( لا تسألوني كيف ):
- تحرك يا ولد وانقذ سفينتك ..وإلا ...
ضربت الماء بذراعي وحركت قدمي وأنا أغمغم من بين أسناني:
- سأ.. سأفعل.. فقط صوتك سيوقظ السمك ..
بالفعل عدت للسطح وسبحت حتى اقتربت مرة أخرى من الخاتون الغريب أنني لم ألمح
أي تحركات على ظهر الخاتون ..
أين ذهب الثوار الأحرار.. طبعاً فهمت فيما بعد .. أخرجت من كم قميصي المدية الحادة
التي أخفيها هنالك لمثل تلك المواقف وانتزعت الخنجر المزركش من رقبة حذائي
الجلدي وبدأت رحلة التسلق لجسم الخاتون.. كنت أتألم كلما غرست مديتي أو خنجري
في جسم الخاتون وأتمتم لنفسي مصبراً أن كل هذا من أجل الخاتون وقليل من الطلاء
سيعيد لها رونقها القديم فقط فلتنتهي تلك المغامرة المرهقة ..
أخيراً السطح.. جلست استرد أنفاسي إلى جوار الأجساد المكومة هنا وهناك..
لقد نام الحمقى لسبب ما لكنها نومة في وقتها...
كنت الأن أنظر بثبات إلى ذلك الجسد المكوم جوار الحافة وإلى الشيء الذي
أفلتته يداه وهو يغط في نوم عميق فتدحرج واستقر عند قدمي ..
إلى الجمجمة الشقية ...ولم استمتع بشيء في تلك المغامرة يا رفاق بقدر
استمتاعي بإلقاء تلك اللعينة في الماء ..
قال حميد باسماً :
- عود أحمد يا سندباد ..
وصاح الشهاب وهو يسعل :
- لقد كتب لنا ..كح كح ..النجاة مرة أخرى يا .. خخخ .. تفو..
يا.. سندباد.
وتعلق بي تنتن وتنتون هاتفين في سعادة غامرة :
ـ لقد سحقنا القراصنة وعملائهم الأوغاد ..
وابتسم الطاهي البدين ابتسامته البلهاء قائلاً :
- لقد سعدت بالمشاركة في مغامرة من مغامراتك يا ريس سندباد بعيداً عن المطبخ ..هي هي ..
وضمد رشيد وجهه بخرقة مبللة وهو يقول :
- وأنا وجهي تورم من السعادة كما ترى يا سندباد ..
ابتسمت مجاملاً لهم قبل أن التفت إلى سبع البحار قائلاً :
- وأنت يا سبع البحار ..ألن تقول شيئاً ؟..
كان سبع البحار جامداً في مكانه كصخرة وعيناه ثابتتان على نقطة ما خارج السفينة ..
ثم قرر أخيراً أن يتكلم بعينان لا تطرفان :
- هناك سفينة تقترب يا ريس سندباد ..
واستدرنا كالملسوعين إلى حيث يشير سبع البحار الذي يصمم في كل مرة على إتحافنا بالمصائب ..
وأسقط في أيدينا ..
لقد عاد القراصنة المزعجون ..وفي أحلك الأوقات ..
وبدأ السؤال الملح يدوي في رؤوسنا ..
كيف سنواجه القراصنة بسفينة نام عنها بحارتها ؟..

***

كنا نجدف كالمجانين ..
ثماني أشخاص يحاولون تحريك السفينة الخاتون قبل أن تدركها سفينة القراصنة والنتيجة
أن الخاتون كانت تتحرك كأنها سلحفاة ميته ..!!وهذا يعني أن سفينة القراصنة
ستدركنا لا محالة وقد صارت متفوقة علينا من حيث السرعة ..وعضضت شفتي
حسرة على حالنا متذكراً الأيام الخوالي .. يوم كانت الخاتون تمخر عباب البحر
ولا تستطيع أعتى السفن أن تباريها في الخفة والسرعة ..
اليوم ستلحق بها سفينة القراصنة التي كانت مثار لسخريتنا فيما مضى .. وياللعار ..
- لافائدة يا شباب ..
قلتها وأنا أتخلى عن المجداف محنقاً ..فتعلقت بي سبع أزواج من العيون اليائسة المتحيرة ..
جذبت نفس عميق ..ثم بدأت أملي عليهم أوامري بلهجة لا تحتمل النقاش :
ـ أنا وحميد وسبع البحار سنشاغل القراصنة ورشيد سيحاول إيقاظ البحارة بأي وسيلة
ومعه الشهاب والطاهي ..تنتن وتنتون أحضرا جرابي من القمرة ..
قلتها ولم أنتظر أي تعليقات ..
طبعاً لا شك أن مواجهة القراصنة بثلاثة بحارة أمر يتجاوز حتى حدود الجنون ..
حتى لو كان أحدهم هو السندباد ..قال لي حميد ونحن نتجه للسطح :
- هل لديك خطة يا سندباد تجعلنا نموت بسرعة ؟..
قلت له وهواء البحر يلفح وجوهنا :
- لنلقي نظرة أولاً على عدونا وبعدها نحدد ..
وبالفعل كانت هي نظرة واحدة ..لكنها كانت كفيلة ببث الرهبة والذعر في قلوبنا ..
وتبادلت وحميد النظرات الممتقعة وردد الموج هتافنا المبحوح :
- ياللهول ..
فما وجدناه يطاردنا يا سادة لم يكن مجرد سفينة قراصنة .. ما وجدناه كان شيئاً مذهلاً ومبهراً و..
ومرعباً ..

***

يتبع

 

التوقيع

" تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَة ..
تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!"

( أمل دنقل)

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 12-30-2018, 08:12 PM   #13
سيرين

(كاتبة)
مراقبة

الصورة الرمزية سيرين

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 180143

سيرين لديها سمعة وراء السمعةسيرين لديها سمعة وراء السمعةسيرين لديها سمعة وراء السمعةسيرين لديها سمعة وراء السمعةسيرين لديها سمعة وراء السمعةسيرين لديها سمعة وراء السمعةسيرين لديها سمعة وراء السمعةسيرين لديها سمعة وراء السمعةسيرين لديها سمعة وراء السمعةسيرين لديها سمعة وراء السمعةسيرين لديها سمعة وراء السمعة


مـجـمـوع الأوسـمـة: 1

وسام التميز ابعاد



افتراضي


ممتع جددا سردك القصصي واسلوبه الشيق وحبكتها بأدق التفصيلات
مما يجعلنا نرحل برفقة اساطيرك وما تحتويها من ملامسة الواقع بطريقة غير مباشرة
الفكرة ~ الحكمة ~ الحوار .. كل شيء هنا جاد بالكثير والمفيد
تسلم كاتبنا المبدع \ عمرو مصطفى
مودتي والياسمين

\..نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

 

التوقيع

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

سيرين غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 01-01-2019, 09:44 AM   #14
عمرو مصطفى
( كاتب )

الصورة الرمزية عمرو مصطفى

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 2618

عمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سيرين مشاهدة المشاركة
ممتع جددا سردك القصصي واسلوبه الشيق وحبكتها بأدق التفصيلات
مما يجعلنا نرحل برفقة اساطيرك وما تحتويها من ملامسة الواقع بطريقة غير مباشرة
الفكرة ~ الحكمة ~ الحوار .. كل شيء هنا جاد بالكثير والمفيد
تسلم كاتبنا المبدع \ عمرو مصطفى
مودتي والياسمين

\..نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
مرحباً بأستاذة سيرين وجودكم أضاء أبعادي كالعادة..
وهذه القصة كتبتها في فترة حالكة السواد (2012 .م)، في وقتها كنت أنتظر بصيص من ضوء.. كنت أطمح عالياً .. ولم أدر أن الفجر قريب..

 

التوقيع

" تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَة ..
تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!"

( أمل دنقل)

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 01-01-2019, 09:51 AM   #15
عمرو مصطفى
( كاتب )

الصورة الرمزية عمرو مصطفى

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 2618

عمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


(8)
هرم الجماجم

كنت بحاجة إلى رؤية أقرب ..
تناولت المنظار المقرب من جرابي الذي أحضره لي تنتن وتنتون ورفعته
إلى عيني وصوبته ناحية سفينة الجمجمة، لأرى عن قرب ما أثار الرعب والرهبة في نفوسنا..
فوق سطح السفينة كان هناك هرم ضخم.. كنت الأن ألقى عليه نظرة فاحصة ..
إنه هرماً من الجماجم البشرية التعسة.. وليست الذهبية!
لهذا تتحرك السفينة ببطء وحرص..
وحول الهرم كان حشد من الرجال يرتدون برانس سوداء تخفي ملامحهم، ويحنون رؤوسهم
في خشوع غريب..
ولم أنس ملاحظة مهمة ..أن الهرم غير مكتمل القمة..
لكن يبدو أنهم مقبلين على إتمامه.. وإلا فما دورنا نحن في هذه القصة.. وهكذا ناولت حميد المنظار
لأريه ما رأيت .. والتفت لبقية البحارة ممتقعاً ..حسناً ..لقد اتضح كل شيء يا رجال ..
لا ترتعد أيها الشهاب
ولا تضطرب يا رشيد ..ولا تولول أيها الطاهي البدين ..لا تندفع يا سبع البحار وكفا
عن الصراخ يا تنتن ويا تنتون ..
خفض حميد المنظار عن عينه وبأنفاس مبهورة همس :
- سندباد هل فكرت فيما أفكر فيه ؟..
أومأت له برأسي قائلاً :
ـ لن يتوقفوا إلا عند اكتمال الهرم.. إننا نواجه ـ فيما يبدو ـ طقس من أبشع الطقوس
الوثنية ..
ـ وهل سننتظر دورنا ؟..
قالها وهو يناولني المنظار لأرى ذلك الحشد من الرجال أسفل الهيكل يرتدون الفراء
وعلى رؤوسهم خوذات تخرج من جانبيها قرون .. كانوا يحركون شفاهم بكلمات
رتيبة كأنهم يؤدون صلاة ما.. إنهم ينتظرون لحظة التقارب القصوى بيننا وبينهم..
ورأيت أضخمهم يصعد إلى حيث الهيكل الهرمي ويخلع خوذته منحنياً على أحدى
ركبتيه كأنما يطلب البركة من كهان الهيكل.. فيقترب منه أحدهم وبتلقائية يصفعه على قفاه !!
الغريب أنه اعتدل متهللاً ولوح بسيفه صارخاً في سعادة بعبارة ما،
فهاج الرجال في الأسفل وسمعنا هتافهم مرددين :
- أووووووديييييييييين...
ثم عاد يهبط بين رجاله بعد أن باركته كهنة الهيكل وباركت هجومه علينا ..
خفضت المنظار ونظرت للبقية الباقية من رجالي معلناً لهم في صرامة أننا سنواجه
هجوم القراصنة برجولة..
قال حميد ممتقعاً :
- ألا توجد وسيلة للتفاوض معهم ؟..
وقال رشيد :
- أنا طبيب ولست محارباً ..
وارتجفت لحية الشهاب وهو يردد :
ـ لم تعد عظام جمجمتي تتحمل عبث القراصنة هذا ..
تجاهلت عباراتهم المتحمسة قائلاً :
- سيلقون بخطافهم ليثبتونا إليهم من ثم يبدأون في جذبنا حتى يتسنى لهم وضع
الألواح الخشبية بين المركبين كجسر يعبرون به إلينا ..
قال الشهاب وهو يداعب لحيته في وجل :
- هذا هو ديدن القراصنة أي بني ..
شبكت مابين أصابعي قائلاً :
ـ حينما يبدأون بجذبنا .. سنعمل على مساعدتهم بالتجديف وبكل قوتنا باتجاههم ..
ارتفع حاجبي رشيد قائلاً :
- نتجه إليهم بدلاً من الفرار منهم ..إنها خطة عبقرية ولا شك!!..
قلت له في حدة :
ـ لا تنس أنك طبيب ولست بحاراً..
هنا قال حميد في بطء وهو ينظر إلى مضيقاً عينيه :
- تريد أن تصطدم بهم إذن ..
غمزت له بعيني قائلاً :
ـ لا تنسوا أن تتشبثوا جيداً ..
وانطلق الرجال ليبدأو بالتجديف وانطلقت أنا ناحية الدفة لتوجيهها ناحية سفينة القراصنة ..
مشهد اقتراب القراصنة وأنا بمفردي على السطح وسط البحارة النائمون كان كفيل بتحطيم
أعصاب أعتى الرجال لكنني كنت مشغول بأمر واحد..
ترى هل ستنجح خطتي أم ؟
هنا لمحت الخطاف يهوى متشبثاً بحافة الخاتون.. كنا في مواقف أخرى نقطع الحبل
المتصل بالخطاف ..كم تتبدل الأمور..
وبدأ القراصنة يجذبون الحبل المتصل بالخطاف ..
ورجالي يجدفون بكل ما أوتو من قوة ..
ومع جذب القراصنة لنا من جانب و تجديفنا نحن من الجانب الأخر كانت الخاتون تتجه
لسفينة القراصنة بسرعة كافية ليكون الصدام مروعاً ..
وصحت في غل من بين اسناني وقد ماتت يدي على الدفة :
ـ هيا أيها الشياطين قربونا منكم أكثر..
وأخذت سفينة القراصنة تقترب منا بهرمها المهيب ..
وتقترب ..
وتقترب ...
والحمقى لم يفهموا إلا متأخراً ..
الرهبان تركوا تبتلهم حول الهيكل الهرمي ويمموا وجههم ناحية الكارثة المقبلة ..
زعيم القراصنة الضخم توقف عن الصخب ومناجاة إلهه أودين ثم حرك شفتيه بكلمات
غير مسموعة لعلها سباب أو لعان..
وقفزت أنا متعلقاً بالصاري المجاور للدفة صارخاً :
- تحياتي لهرمكم المقدس..
ثم كان الصدام ........
وارتجت الخاتون رجة عنيفة جعلت رأسي يرتطم بالصاري وشعرت بالسائل الساخن
يتسرب من تحت عمامتي ويسيل على وجهي ..
ثم سمعت صوت الهدير المروع فرفعت طرفي لأرى خطتي قد أثمرت...
لقد بدأ هرم الجماجم يتهاوى من أثر الصدمة..
وفوق رؤوس الجميع ..
صراخ ..عويل ..ضجيج ..ذعر ..أطنان من الجماجم البشرية
تنهار وتدفن تحتها العشرات والعشرات.. لقد انتقمت الجماجم لأصحابها، من القراصنة السفاكين ..
وردد الموج صدى ضحكاتي المنتصرة ..ولوحت بقبضتي صائحاً في انتصار:
- الجماجم تسحق جماعة الجماجم ..
لقد نجحت خطتي ..حمداً لله .. وبعداً لأودين ..
هنا ارتطم جسدي بجسد ثور طائر وشعرت بعظامي تنسحق والثور الطائر يجثم فوق صدري ..
نظرت بعينين زائغتين إلى الكابوس الجاثم فوق صدري ..
أين رأيت هذه الخلقة من قبل ؟..حينما كان يتلقى البركة على قفاه من أحد الكهنة الهالكين ..
مرحى.. لقد نجا زعيم القراصنة من طوفان الجماجم وجاء ليحيلني إلى عجين ..

***

كان يلهث وهو لا يكف عن الهمس بكلام غير مفهوم لكن رائحة أنفاسه الكريهة أدارت رأسي ..
- أوووووودييييييين ...
ولمحت بريق خنجر في يده يستعد ليهوى على عنقي ..
- ألم تفهم بعد ؟..
قلتها من بين أسناني قبل أن أدفع ركبتي بين ساقيه مستطرداً :
ـ لقد تخلى عنك إلهك الوثني ..
أطلق العملاق شهقة عارمة وسرعان ما تهاوى وهو يطلق خوار عجيب ..
وتحررت من ثقله الكابوسي ووثبت قائماً وانا أهتف :
- أسمح لي بأن أباركك بطريقتي الخاصة ..
ووثبت لأركله في مؤخرته ركلة عاتية ..لكن من قال أن الركلات تفلح مع الثيران ..
وسرعان ما كنت أتواثب على ساق واحدة ممسكاً بساقي التي ركلته بها ..
هنا لمحت ثلة من القراصنة يثبون إلى الخاتون وهم يلوحون بسيوفهم ومديهم والشرر يتطاير
من عيونهم ..كانوا حوالي عشرة.. لم يكن زعيمهم هو الناجي الوحيد إذن ..
في نفس الوقت اعتدل زعيم القراصنة قائماً وهو يبتسم في مقت .. لسان حاله يقول ..
لقد صرت محاصراً بين رجالي ..
هنا لمحت حميد وسبع البحار يثبون على الرجال العشرة من الخلف..
- أخيراً يا حمقى ..
وبدأ الاشتباك ..
كورت جسدي النحيل ودحرجته من بين ساقي الزعيم الذي هوى بخنجره على الفراغ ..
وهوى سيف أحد رجاله على يده بالخطأ .. ووثبت من خلفه قائماً وأنا أسمع صوت
صرخته المروعة ..
ودرت على عقبي لأراه يرفع كفه المتدلية عالياً ..
هنا رأيت عجيبة ..الرجل الذي ضربه يمد إليه سيفه وهو يحني رأسه في خضوع فتناول
الزعيم السيف بيسراه السليمة وهوى بها على عنق الرجل ..
محاكمة سريعة جرت وانتهت بحكم الإعدام ..لقد أراحنا بغبائه من واحد ..
لكنه استدار إلى ممسكاً بالسيف الذي يقطر دماً وقد تجاهل يده الأخرى المتدلية
وقال شيئاً وهو يتقدم وعينه تقدح الشرر ..
كان حميد يهوى بسيفه على عاتق أحد القراصنة على حين حمل سبع البحار
أحدهم والقاه فوق ثلاثة فأطاح بهم .. ووثب الأربعة الباقون على سبع البحار لكن حميد
عرقب أحدهم بسيفه فسقط وهو يتلوى .. وعاد الأربعة الذين أطاح بهم سبع البحار للهجوم مرة أخرى ..
هنا برز رشيد والطاهي البدين وانضما للمعركة ..
وليتهم لم يفعلوا ..
كان رشيد يحمل مطرقة ويلبس منظاره غريب الشكل ظناً منه أنه سيثير الرعب في قلوب
القراصنة ..والطاهي كان يرتدي خوذة ذات قرنين سقطت من أحد القراصنة، وهو يمسك
بتلابيب رشيد محتمياً به ..لكن رشيد حينما رفع المطرقة وهوى بها
أصاب الطاهي المسكين الواقف إلى جواره ..وتكوم الطاهي وهو يعوى.. على حين تلفت
رشيد يميناً وشمالاً باحثاً عن الطاهي فلم يره بسبب منظاره العجيب من ثم هز كتفيه
ونفشً صدره قائلاً :
- هرب الجبان ..
وكنت أنا أشاغل الزعيم مبتور اليد بخنجري الذي سللته من رقبة حذائي ..كان الوغد قوياً
وضرباته لو قدر لها وهوت على هامتي لفلقتها ..لكنني كنت أعتمد على خفة وزني وسرعة
حركتي وعيني تبحث عن ثغرة ..فقط ثغرة ..و ...
كان سبع البحار يقاتل بسيفين بعد أن جندل صاحبيهما وحميد
يثب ليركل أحدهم ويغمد سيفه في قلب ثان ..وجاء الشهاب ملوحاً ببلطة في يده فبرز له
أحد القراصنة فرفع البلطة عالياً
مزمعاً تمزيق مهاجمه .. و ..
هنا انتابته نوبة سعال مفاجئة ..وكاد القرصان يطير عنقه لكنه فقد رأسه إثر ضربة
عاجلة من سيف سبع البحار فهز سيفه مرتين في الهواء وهو بدون رأس ثم تكوم جوار
الشهاب الذي نظر إلى جثته في دهشة صائحاً :
ـ سعلة واحدة أطارت عنقه .. ماذا لو عطست إذن ؟..
وأخيراً لاحت لي ثغرة .. كان الزعيم يستعد ليهوي بضربة جديدة من سيفه فانكشف لي إبطه ..
وسرعان ما انغرس خنجري حتى مقبضه تحت إبط زعيم القراصنة الأوغاد ..
ويدي الأخرى كانت تقبض على ساعده كي لا يهوى بالسيف ..
ورغم إصابتي له كنت أشعر بمدى قوة ساعده وأنا احاول تثبيته ..
متى تخور قوى ذلك الثور؟.. أخيراً حركت خنجري تحت إبطه لأسفل فشق ضلوعه ..
أطلق صرخة عاتية ثم هوى بيده المبتورة على وجهي فشعرت بالأرض تميد بي..
وتركت خنجري ناشباً بين أضلعه وترنحت لحظة جهة الحافة ثم بركت على
قدمي وانا ألعنه .
ولمحته يقترب منى بخطوات متثاقلة وحاول أن يرفع سيفه ليضرب ضربة
أخيرة لكن السيف أفلت من يده ..
ألقى نظرة شاملة على أرض المعركة فرأى رجاله العشرة مجندلين تحت قدمي
حميد وسبع البحار فرفع رأسه للسماء جزعاً وصرخ صرخة أخيرة:
- أوووووديييييييين ...
ثم برك على قدميه ..وقال شيئاً ما ـ لعله يلعن سوء طالعه أو يلعن أودين نفسه ـ
قبل ان ينكفئ على وجهه ميتا..
وشعرت بساعد سبع البحار القوى يعينني على النهوض وسمعت هتاف حميد يعلوه البشر :
- سندباد لقد فعلناها حقاً ..
كان الدوار قد بدأ يتلاشى رويداً رويداً ..
ولمحت السعادة تعلو الوجوه ..لقد هزمنا الجمجمة.. حمداً لله!
كنا بحاجة إلى أن نبتعد كثيراً قبل أن يتسلل إلينا المزيد من القراصنة الناجين ..
هنا سمعنا أصوات تثاؤب جماعية ..
لقد أفاق البحارة من أثر المنوم الذي شربوه .. وبدأ بعضهم يتسائل في براءة عما حدث ..
لا وقت الأن للتساؤلات يا حمقى ..
فلنبتعد أولاً عن ذلك الجحيم..

***

 

التوقيع

" تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَة ..
تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!"

( أمل دنقل)

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 01-01-2019, 09:53 AM   #16
عمرو مصطفى
( كاتب )

الصورة الرمزية عمرو مصطفى

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 2618

عمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


خاتمة

انتهت قصة جماعة الجمجمة ..
نعم هم جماعة ولا شك.. هذا الطقس المشؤوم الذي كانوا يؤدون والهرم المصنوع من
الجماجم والكهنة.. كله يؤكد على أنهم كانوا يمارسون شيئاً غامضاً للغاية.. شريراً للغاية..
أبعد ما يكون عن كونهم مجرد قراصنة...
الشكل الهرمي من الأشكال السحرية المعروفة عند الوثنيين وهو يرمز لضوء الشمس
الذي يهبط من السماء للأرض ..
ترى ماذا كان سيحدث لو اكتمل الهرم ؟
وهل هلكوا جميعهم أم بقى منهم من سيكمل الطقس في يوم من الأيام؟ ويكمل بناء الهرم ..
أسئلة عديدة خلفتها لي تلك المغامرة التى انتهيت لتوى من تسجيلها في سجلاتي البحرية ..
ربما حصلنا على أجوبة يوماً ما وربما لن نعرف أبداً ..
أما الأن.. فأنا بحاجة إلى مغامرة جديدة.. كم اشتقت للمسوخ وطائر الرخ السمج والجزر
التي ليست كذلك..
وبينما كنت جالساً في قمرتي، أدون سجلاتي على ضوء شمعة جوار كوة مستديرة تطل
على البحر.. لاحظت عيني شيئا..
هل اضطربت المياه الساكنة ؟
خيل لي أنها اضطربت.. على العموم كنت رائق المزاج حقاً ومستعد لأى مفاجأة
من مفاجآت البحر الغير عادية ..
دعك من كوني رأيت كل شيء ولم يعد هناك ما يثير ذعري..
أغلقت السجلات ونحيتها جانباً ونهضت حاملاً الشمعة معي إلى
الكوة التي تطل على البحر..
هنا قف شعر رأسي وتجمدت الدماء في عروقي ..
من الأحمق الذي قال أنني رأيت كل شيء ولم يعد هناك ما يثير ذعري؟..
إذن خبروني بربكم ما كنه هذا الشيء الذي يخرج لي رأسه الأن من الماء ..
ربما أعرف عما قريب أما أنتم فقد حان الوقت كي تستريحوا قليلاً من ثرثرة السندباد ..

***

تمت بحمد الله

مساء 13 ذي الحجة
1433ـ هـ
موافق 29 أكتوبر 2012 – م

 

التوقيع

" تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَة ..
تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!"

( أمل دنقل)

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
جزيرة نمنم (السندباد الفقري) عمرو مصطفى أبعاد النثر الأدبي 6 11-11-2018 09:19 AM
سر الخاتون ـ السندباد (الفقري) عمرو مصطفى أبعاد القصة والرواية 11 09-30-2018 12:08 PM
الجزيرة التي ليست كذلك! (السندباد الفقري) عمرو مصطفى أبعاد القصة والرواية 10 09-25-2018 11:09 AM
كنت السندباد محمد الخضري أبعاد النثر الأدبي 6 10-13-2014 10:25 AM
انطلاقة جماعة فرقد الإبداعية بأدبي الطائف علي آل علي أبعاد الإعلام 2 02-18-2014 08:53 AM


الساعة الآن 02:58 PM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.