أوراد الظمأ

[أحمد بهجت سالم]

في طريقي قد تنـــــــــاجيني ظنونْ
في طريقي قد تـُغنِّيني شـــجـــــونْ
عندها أطفى شعاليل الــــــــــسُنونْ
ثم أسْرى في دهاليز الــســــــكونْ
*

قد كـَررْتُ القول همَّاً وانـــــــــدحارْ
واستبقتُ العُمر لكــــــــــن لا فِرارْ
والتهمتُ الجُرحَ حتــــــــــى لا يُثارْ
فاستباح الجُرحُ غـُصـــنـي والذِمارْ
*

يا رفيقي هل رأيت اليــــــــوم قلبْ؟!
ضاع قلبي .. ليس لي في ذاك ذنبْ
كان يحبو نحو سر الكـــون .. يَثـْبْ
كالفراشات التي تسعى لنــــــــحْبْ
*
لم يَعد يحنو لِـــــــــــحالي غير نورْ
سارباً مثلى بأعماق الصــــــــخورْ
ساحراً كالموت صلباً كالمـــــــصيرْ
شاعراً كاللحن في كــــــف الدهورْ
*

قيل كيف الزهـْرُ يقضى والربــــــيعْ
والنجوم الخـُضـْرُ تذوى كالشموعْ
ذا وجودٌ ليس للرغـْبِ يُـــــــــــطيعْ
ذاكَ حق الدهر فينا لا يــــــــــضيعْ
*

غنني يا حُزنُ لحناً لا يــــــــــموتْ
غـــــــــــنني انِّى سـواكَ قد نسيتْ
واكتحلتُ الدم قل لي: هل رضـيتْ؟!
كن رحيـماً واخترقـني في خـُفوتْ
*

لست أرجو غير رَوْح بــــي تـُحيقْ
غير أنــــــــفاسٍ نشاوى كالشروقْ
غير ترجيعٍ كأحــــــــــزان البُروقْ
ذاكَ حُلـْمٌ غـــــــــــير أنِّى لن أفيقْ
*
هل رأيتم قبلُ شمْساً لا تغيـــــــــــبْ
ليس يقفو إثر عيــــــــنيها غروبْ
كلما زالت عن القلبِ تــئـــــــــــوبْ
وَتـُضيء الروحَ من غــــــير نشوبْ
*
إنني في نشوتي جُرحٌ سغيــــــــــبْ
ينزفُ الأشعارَ ثمْلاً بالسُهــــــــوبْ
ذائباً في بسْمةِ النور الـــــــــصبيبْ
تائهاً في لذة المرْج الخصـــــــــيبْ
*
هل أناجي؟ إذ أناجي؟ محْضُ حـُـلمْ
أم يُناديني بشوقٍ محْضُ رســــــــمْ
صورةٌ في دفتر العُمرِ ونـــــــــــغـْمْ
واحةٌ في مِفـْرَقِ الصَهْيودِ.. وهـــمْ
*

حائرٌ في قبــــــــــضة القفـْر اليبابْ
مستهامُ الرُوح راضٍ بالضــــــبابْ
ليس يسهو عن رسومي من عذابْ
والزهورُ البيضُ لا تبغــــــى ذهابْ
*

عند قبر الشمس لا تـنـــسى البُكاءْ
واتلُ وِرْداً أو صــــــــــلاةً أو دُعاءْ
أنت منها .. لســـــت تأبى أو تشاءْ
أنت نبتٌ فـــــــــــــــي عذاباتِ ذُكاءْ
*

منذ هامت في قلــــــــوب الراحلينْ
واستقالت مــــــــــــنذ أعوامٍ مئينْ
كفَّ صدحُ النـــــور وارتاب اليقينْ
ثم أهوى في مـــــــــــتاهات الرنينْ

صرخة النوَّارِ في قلـــــبي فؤوسْ
نفثة الأوتار في روعــــــي كؤوسْ
حُرقة الأحزان للعِشقِ مكــــــوسْ
وانتفاءُ الذاتِ احياءُ الـنـُـفـــــــوسْ
*
ذات يومٍ سوف أصبــــــــو للنداءْ
سوف أخطو نحو غــــابات الخـُواءْ
كي أرى في أعين الزهــــــرِ ثناءْ
وانشــــــــراحٌ فوق وجناتِ المساءْ
*

كان ثملاً قاصداً نبع الخـُلــــــــودْ
ذابَ فيهِ نــــــــــــازعاً وشم الحُدودْ
يحتسى من زهرة الحقلِ صمــودْ
سائرا حتى بلا جـــِـــــــــــــرْمٍ يقودْ
*

أيُّـها الظمأى وصمتُ النفسِ راحْ
مِنْهلٌ عذبٌ حزينٌ مُســـــــــــــتباحْ
أيُّـها الغادونَ حتـــــــــى لا رَواحْ
تسئلون الليل من خمْر الــــــصباحْ
*

مات حقاً وارتدى ثـــــوب التُرابْ
وامتطى في سطـْعة الضـوء غيابْ
صار نظـْماً في وُريقـاتِ الــسرابْ
خالداً في دمعةٍ أو في رِضـــــــــابْ
*
لم أعُدْ أدرى أحقٌ أم مُحـــــــــــالْ
لم أعُدْ أدرى أوجـــــــــــهٌ أم قِــذالْ
ذاكَ انِّى قد تخطـَّاني المــــــــــقالْ
ندَّ عنـِّى نــــــــــحو سـاحاتِ النِزالْ
*

تِلكمُ الأيامُ مــــــــقـــياسُ الزمانْ
والســـحابُ المُـــــزنُ إكليل القِنانْ
هذه الأنغامُ تـــــــــــــغريدُ الجُمانْ
تِلكمُ الأوزانُ مـــــــــزمورُ الجنانْ
*

إنها جاءت وفى الـــــــوجه لـُجَيْنْ
في الفؤادِ النــــورُ والعودُ غـُصـَيْنْ
انَّهنَّ الحورُ أصـــــــداءُ اللـُحـَــيْنْ
كلُ شيء غيرَ أشــــــــــــواقي يَرَيْنْ
*

أيُّها الهيْمانُ في صـرحِ الجــــمالْ
كان ورداً .. كان لحـْــظاً أو خيالْ
تسقهِ يسقيكَ اذلالَ الــــــــــــسؤالْ
حين ترجو مـــــــــــن عذارتهِ منالْ

أحمد بهجت سالم