على أهبةِ رَحيل ... - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
لاَ مِسَاس ... ! (الكاتـب : جليله ماجد - مشاركات : 509 - )           »          ارتداد (الكاتـب : ماجد العيد - مشاركات : 325 - )           »          جُمُوحُ العَاطِفة (الكاتـب : محمّد الوايلي - مشاركات : 1682 - )           »          [ #مَعْرِضٌ وَ تَعْلِيْقٌ ] (الكاتـب : قايـد الحربي - آخر مشاركة : ماجد العيد - مشاركات : 8214 - )           »          تبّت يدين البُعد (الكاتـب : عبدالله العتيبي - مشاركات : 14 - )           »          [ رَسَائِل أُخَوِيّة ] : (الكاتـب : خالد صالح الحربي - مشاركات : 41 - )           »          العيد والغياب!!! (الكاتـب : محمد علي الثوعي - مشاركات : 6 - )           »          غُربة .. (الكاتـب : نوف مطير - مشاركات : 13 - )           »          الهبوب الصلف (الكاتـب : عادل الدوسري - مشاركات : 0 - )           »          فلسفة قلم .. بأقلامكم (الكاتـب : سيرين - مشاركات : 3847 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد النثر الأدبي

أبعاد النثر الأدبي بِالْلُغَةِ ، لا يُتَرْجِمُ أرْوَاحُنَا سِوَانَا .

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-20-2008, 02:17 PM   #1
د. منال عبدالرحمن
( كاتبة )

افتراضي على أهبةِ رَحيل ...


ربّما كانت أغنية أو طفلةً تائهة أو رسالة , كتبتها على أجنحةِ غيمةٍ , حملت في فمها غصنَ زيتونٍ و ورقةً صغيرةَ , و أمنية :


إليك ..

أيّها الواقفُ هناك , بعيداً حيثُ كنتُ يوماً أركضُ باتّجاهِ الأملِ الضّائعِ المجهول ,

أيّها المارُّ بأنثى عابرةٍِ في صمتِ الجليد, في احتضاراتِ اللقاءاتِ الأولى و في سَكناتِ الجسدِ الواقفِ على شفا موتٍ محتّم .

أيّها الواقفُ بين حنجرتي و رئتي , ترقبُ صوتيَ المشدودَ بك , و تلامسُ شُعبي الهوائيةِ , كطفلةٍ حزينةٍ ضلّت طريقَها في يومٍ ماطرٍ , و استكانت إليك .

أيّها المتشكّل على هيئةِ أحلامي جميعاً , المُشرقُ على وجهي كصراخِ الفجر , كقطراتِ الخجلِ على جبينِ الأزمنةِ العذراء , كشراعِ النّورِ في رحيلِ الأصيل ..

هاكَ أنا , كشبحِ ورقةِ قصيدةٍ هاربة , كتبتَها للرّحيل و منحتَها أغصانَ الزّيتون و أفواهَ العشب .


التقطني هناكَ من فوقِ رمالِ ذاكَ السّجنِ الممتلئِ بأنفاسِ الخطيئةِ الأولى , يومَ كانَ الرّحيلُ آخر بوّاباتِ العبورِ إلى الوطن , ثمّ امنحني لخلايا الوقت , لارتعاشاتِ اللغة , لأرقِ الليالي الوحيدة , هبَني ضلعاً من صدرِ دميةٍ مكسورة , أو خيطاً من ستارة نافذةٍ قديمة , و اترك عنكَ ندمَ الطّفولةِ و تعبَ الحرفِ الأوّل و استغفارَ الأمطارِ الرّاحلة , و حزنكَ على رعشةِ القلمِ إذ يمارسُ عثراتهِ بينَ يدي .

دعني أمسكُ بأكمامِ معطفكَ و أتشبّثُ بأزرارِ صوتكَ , و ألثمُ ثغرَكَ ببراءةِ القُبلةِ الأولى و أجرّبُ أن ألامسَ جبهتكَ بأطرافِ وجهي , ثمّ ضعني هناكَ في جيبك , كقصاصةِ نصٍّ مقهورٍ ارتكبهُ قلمكَ ذاتَ وجع , أو اتركني على مكتبكَ كصورةٍ قديمةٍ أو كدفترٍ لا زالَ يلهجُ بأنفاسِ رغبتكَ الأولى , خبأني تحتَ قميصك , أو بالقربِ من وسادتك , لتمرّ الأزمنةُ على قلبي و نبضكَ يرقيني من تداعياتِ الألم .


لا تنسَ ان تقصّ على مقعدنا في الحديقةِ البعيدة , حكايةَ فرحنا القديم , و رغباتنا المبتورة , و غيابكَ عنّي مُذ تركتُ طفولتي على أرجوحتي , و تقمّصَّني بكاءُ الرّمالِ المتحرّكةِ تحتَ أقدامِ حلمي الأول .

لا تسأل نفسكَ أين كانت بدايتنا , نحنُ بدأنا على حافّةِ جبلٍ شاهقٍ و بدأنا نتسابقُ باكتشافِ مغاراتهِ السّرية و أنفاقه المجهولة , و كنتَ انت , ذاكَ الممسكُ بحبلِ الغياب , تشدّهُ إليكَ كلّما حانت فرصةُ لقائنا , و تقصُّ من أطرافهِ كلّ مرّةٍ فراقاً حتميّاً .

و إذا أتيتَ تسألني عن النّهاية , فسأردُّ عليكَ بصمتيَ الّذي تكرهه , بإشارةٍ مبلّلةٍ تشي لكَ بأنّ الغيمَ نالَ ذاتَ العقابِ الّذي نالتهُ الدّهشة , حينَ ارتطمّت بعمودِ الوفاءِ المكسور .

ربّما تدركُ أنّك منحتني الاغتراب و الوطن , ثمّ عالجتني ببعضِ أحلامٍِ لاجئة , و ملاجئَ حالمة بقطعةِ خبز !

أو ربّما تعلمُ أنّني حينَ انتهي من كتابةِ هذهِ الرّسالة , قد أكونُ اكتملتُ كحبلٍ وثيقٍ من الأرقِ و الجروحِ و الطعناتِ الباردة , و أنّني سأمضي إلى أمّي أدفنُ رأسي في صدرها و أقولُ بجهلِ الطّفولةِ الأوّل , سامحيني لأنّي قتلتُني .

ثمّ ألتفتُ إلى النّوارس الّتي تغطّي سماءَ قلبكَ و أتساءل :

ماذا يحدثُ لو اقتحمتُ الأميالَ الصّامتةَ بيننا و ارتكبتُ عن قصدٍ اثمَ استبدالِ الوطنِ برجلٍ , و اللجوءَ إلى صدرهِ كمنفى , ثمّ الرّحيلَ إلى عينيهِ , حتّى لو كانت ستودعُ آخرَ أمنياتي مثواها الأخير ؟

ماذا سيحدثُ لو أنّي تركتُ أنفاسي معلّقةً على أغصانِ صدفة , و استبدلتُ مسكّناتِ الألمِ الهشّة , برقصةٍ أخيرةٍ ستفهمها وحدك , و ستبتسمُ و أنتَ تراني سعيدةً و تبتلعَ غصّة فراقيَ الأخير ؟

لماذا أردّدُ الأخيرَ كلّما تذّكرتُ لقاءَنا الأوّل ؟

لماذا أقنعُ نفسي بأنّ شجاعةَ الرّحيلِ يجبُ أن تعادل شجاعةَ الحضورِ الأوّل ؟

و لماذا أقفُ على بوّابةِ المنفى و أمنحني عذاباً لا يُحتمل , لمجرّدّ أن أتابعَ كتابةَ أبجدّيّتي البدائيّة المكلومةَ بالفقد ؟

لا عليك ... الشّمسُ تقارعُ هضبةً ما , لتخرجَ من أعماقِ البحر .
و في منتصفِ النّهار تنتصبُ بشعاعٍ قاتلٍ لتُحرقَ كلّ قطراتِ الماء , الّتي قرّرت اعتزال سجون الغيم و الموتَ بسلام .
و في المساء تعودُ بذاتِ الحنينِ الأوّل لتعانقَ الأرضَ و تبكي و تمنحني وجعَ الليالي المقفرة .


كنتُ دائماً ذاكَ الشيء الّذي يبقى و ترحل عنهُ الأشياءُ الأخرى , وحدي كنتُ هناك , أداوي جرحَ الطّرقِ المتآكلة و أقيمُ شعائرَ ولادةِ أوردةٍ جديدة , تقتفي أثرَ العابرين .

سأحبّكَ رغم ذلك .. رغمَ أنّ الحبّ لم يعد ممكنا

رغمَ أن الأمنياتِ اختفت من أحلامِ الفقراء , و أنّ الأصدقاءَ تداولوا آخرَ عملاتِ الخيانة , و باركوا أنفسهم بها ..

سأحبّكَ , رغمَ أنّ اللغةَ كفرت بأيديهم و بأقلامهم , و بكلّ أبجديّةٍ استمرأت المغفرة .

سأحبكَ , رغمَ رئتي الصّدئة , و صوتيَ المخنوق , و أرقيَ المتنامي في عيني ..

سأحبّكَ و أنا معك , و لستُ معك , و أنتَ معي , و لستَ معك ..


و ....

/


آخرُ شيءٍ كنتُ أردّدهُ قبلَ الهذيانِ بصوتٍ و شهقتين ...

كنتُ يوماً , جريدتَك و معطفكَ و فنجان قهوتك .. و ذاكرتك !

 

التوقيع

و للحريّةِ الحمراءِ بابٌ
بكلِّ يدٍ مضرّجةٍ يُدَقُّ

د. منال عبدالرحمن غير متصل   رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:38 AM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.