مقاربة نقدية - لقصيدة مقتل القمر - للشاعر : أمل دنقل - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
[ فَضْفَضَة ] (الكاتـب : قايـد الحربي - آخر مشاركة : زايد الشليمي - مشاركات : 75148 - )           »          (( أبْــيَات لَيْسَ لَهَــا بَيــْت ...!! )) (الكاتـب : زايد الشليمي - مشاركات : 13 - )           »          فلسفة قلم .. بأقلامكم (الكاتـب : سيرين - آخر مشاركة : زايد الشليمي - مشاركات : 3845 - )           »          غياب القناديل (الكاتـب : أحمد عبدالله المعمري - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 3 - )           »          تخيل ( (الكاتـب : يوسف الذيابي - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 428 - )           »          ورّاق الشعر [ تفعيلة ] (الكاتـب : نوف الناصر - مشاركات : 5 - )           »          بُعدٌ جديد ! (الكاتـب : زكيّة سلمان - مشاركات : 1 - )           »          عَـيني دَواةُ الحـرفِ (الكاتـب : حسن زكريا اليوسف - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 4 - )           »          " قلطة " : اقلطوا .. (الكاتـب : خالد صالح الحربي - مشاركات : 94 - )           »          اوراق مبعثرة!!! (الكاتـب : محمد علي الثوعي - مشاركات : 423 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد النقد

أبعاد النقد لاقْتِفَاءِ لُغَتِهِمْ حَذْوَ الْحَرْفِ بِالْحَرْفْ .

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-23-2016, 03:53 AM   #1
عمرو بن أحمد
( كاتب )

افتراضي مقاربة نقدية - لقصيدة مقتل القمر - للشاعر : أمل دنقل


قصيدة مقتل القمر

.... وتناقلوا النبأ الأليم على بريد الشمس
في كل مدينة،
!((قتل القمـــر))
شهدوه مصلوباً تَتَدَلَّى رأسه فوق الشجر!
نهب اللصوص قلادة الماس الثمينة من صدره!
تركوه في الأعواد،
كالأسطورة السوداء في عيني ضرير
ويقول جاري:
((كان قديساً ، لماذا يقتلونه ؟))-
وتقول جارتنا الصبية:
كان يعجبه غنائي في المساء))-
وكان يهديني قوارير العطور
فبأي ذنب يقتلونه؟
هل شاهدوه عند نافذتي _قبيل الفجر _ يصغي للغناء !؟!؟))
............. .......
و تدلت الدمعات من كل العيون
كأنها الأيتام – أطفال القمر
وترحموا...
وتفرقوا....
فكما يموت الناس .... مات!
وجلست،
أسأله عن الأيدي التي غدرت به
لكنه لم يستمع لي،
.....كان مات!
****
دثرته بعباءته
وسحبت جفنيه على عينيه...
حتى لا يرى من فارقوه!
وخرجت من باب المدينة
للريف:
يا أبناء قريتنا أبوكم مات
قد قتلته أبناء المدينة
ذرفوا عليه دموع أخوة يوسف
وتفرَّقوا
تركوه فوق شوارع الإسفلت والدم والضغينة
يا أخوتي: هذا أبوكم مات!
-ماذا ؟ لا ....... أبونا لا يموت
-بالأمس طول الليل كان هنا
! - يقص لنا حكايته الحزينة
-يا أخوتي بيديّ هاتين احتضنته
أسبلت جفنيه على عينيه حتى تدفنوه!
قالوا: كفاك، اصمت
فإنك لست تدري ما تقول!
قلت: الحقيقة ما أقول
قالوا : انتظر
لم تبق إلا بضع ساعات...
ويأتي!
***
حط المساء
وأطل من فوقي القمر
متألق البسمات ، ماسيّ النظر
- يا إخوتي هذا أبوكم ما يزال هنا
فمن هو ذلك المُلْقىَ على أرض المدينة؟
قالوا: غريب
ظنه الناس القمر
قتلوه، ثم بكوا عليه
ورددوا (( قُتِل القمر ))
لكن أبونا لا يموت
أبداً أبونا لا يموت!
النص نحو منهج قرائي إبداعي

لقد شهدت النظريات النقديةالحديثة تطورات مذهلة، وهذه نتيجة حتمية للطفرات الحادثة في مجال الدراسات اللغوية والأدبية والفلسفية ونحوها، مما أدى إلى تنوع قراءة النص الأدبي من منظورات نقدية متباينة ومتشابكة في آن واحد تعمل على إثراء النص الأدبي واستبطان كنهه وإكسابه دلالات ومعان ربما لم يقصدها المبدع (منتج النص) نفسه.


و نحن حين نتخذ من المنهج الإبداعي أداة تفتح مغاليق النص، فإننا إنما نحاول السير على خطى أستاذنا الجليل:الدكتور عزت جاد في رؤيته منح النص حرية التشكل في ذهن القارئ، ومنح القارئ حرية الرؤية والتأويل وفق ما يتناهى إليه في شعوره.


فالقراءة الإبداعية تمنح القارئ سلطة الإبداع حينما يعبر عن النص المكتوب وفق ما تناهى إليه في شعوره به"[1]


ليصبح النص بهذا إرثًا مشروعًا للقارئ يقرأ ويكتب ما استطاع أن يستشف من نتائج هذه القراءة في معيته وماشعر به إزاءها في حرية مطلقة دون محاولة الشرح، إننا سوف نقرأ النص المكتوب ولن نكتبه بل سنكتب ما خلفه ذلك النص في مشاعرنا وأحاسيسنا...، ليتولد عنها نص إبداعي أيضًأ.[2]ينتجه القارئ عبر قراءته.














تعد دلالة العنوان السيمائية مفتاحًا نصّيا يلج من خلاله القارئ إلى النص؛ بل يُشكل في نص الشاعر أمل دنقل من خلال قصيدته " مقتل القمر"بؤرة تتداعى حولها التفاصيل، ورؤية تنطلق من خلالها الدوال، فمنذ اللحظة الأولى تتقد شرارة المولد بنبأ مقتل القمر، عبر ميلاد الشمس.
الوثبة الأولى المفتاح المولد:
مقتل القمر: عتبة تدور حولها الأحداث، تتولد من خلالها المواقف تدور بشأنها الحوارات، لنجدها تسيطر على تفاصيل النص. فمن هو القتيل، الذي قتله أبناء المدينة؟هل هو القمر رمز الخصب والحب؟ أم هو حلم كان يضيء سماءهم ثم انطفأ؟ ثم لم قتله أبناء المدينة؟ وهل يقتل الأبناءآباءهم؟ ولم سمّى أبناء القرية بأبنائه، في حين استحال ذلك على أبناء المدينة؟
نحن هنا بإزاء دال يتسرب لتفاصيل النص، يعتمد المفارقة، فهو مصلوب بعد قتله، وقاتله مجهول في المدينة معلوم في القرية، وهو قتيل ويرى من حوله، وهم بكوا عليه ولم يدفنوه، وترحّموا عليه وتركوه فوق شوارع المدينة. كل هذه المفارقات تتظافر وتنصهر لتخرج لنا بنية فاتنة تفتح لنا باب التأويل رغم بساطتها.
الوثبة الثانية اتساق البنية والدلالة:
ولأن بادرة النص الأولى التي تشكل منها النص كانت حادثة تخلّقت عنها بقية الأحداث، بل وفرضت لغة سردية تعتمد القصَّ والوصف اكتملت بوجود الشخوص والمكان والزمان والأحداث، اتسقت بنائيا منذ لحظة التفجير "وتناقلوا النبأالأليم "، لتتسق معها الأحداث "قتل القمر"، "شهدوه مصلوبًا"،" نهب اللصوص قلادة ..."،" دثرته بعباءته"،" سحبت جفنيه على عينيه" في تتابع للأحداث اتخذ من السرد الشعري خيطًا للبناء.
هذا البناء الدرامي الجمالي الذي قام على الراوي، والمروي له،والزمان، والمكان يوشك أن يقع في فخ السردية حين يقول: " وخرجت من باب المدينة للريف"،" يا أبناء قريتنا أبوكم مات"،" قد قتلته أبناء المدينة" لولا الصورة الشعرية البسيطة التي تأتي تلقائية تصف انفعالات الشاعر بعفوية "كالأسطورة السوداء في عيني ضرير". " ذرفوا عليه دموع اخوة يوسف "،"تركوه فوق شوارع الاسفلت والدم والضغينة"، مع المحافظةعلى انفعالات النص الداخلية حين تأتي متسقة يولّد بعضها بعضا. هذه البساطة شكلت جمالية النص اذ استطاعت أن ترسم ملامح الحدث بأقل عدد من الكلمات دون تهويم يربك البناء النصي.

الوثبة الثالثة الصورة الفنية:
هي الوسيلة الفاعلة التي توصلنا لإدراك تجربة الشاعر، والوعاء الذي يستوعب تلك التجربة عن طريق السمو باللغة، وتفتيق طاقات الكلمة فالصورة تنمو داخل الشاعر مع النص الشعري ذاته[3].هذاالنمو نجده من خلال تجزئة المشاهد الواردة في النص والتي تبدأ بمشهد عام يمثل قضية يتولد عنها انحراف في المشهد ندركه من خلال: "شهدوه مصلوبا تتدلى رأسه فوق الشجر" مشهد عام يمثل قضية كبرى يتلوه مشهد جزئي "نهب اللصوص قلادةالماس الثمينة من صدره"، ثم مشهد آخر "تركوه في الأعواد ... كالأسطورة السوداء في عيني ضرير" مشهد عام يمثل قضية كبرى. ينحرف المشهد مرة أخرى" ويقول جاري:" كان قديسا، لماذا يقتلونه؟!" ويتتابع" وتقول جارتنا الصبية:" كان يعجبه غنائي في المساء وكان ...."، أيضا:"دثرته بعباءته وسحبت جفنيه على عينيه" لينحرف المشهد أخرى لجزئية تبدو أدنى تمثل قضية فرعية " حتى لا يرى من فارقوه". من هنا تتبدى ملامح أولى نتكئ عليها في تأويل النص ممثلة في تحول القضايا الكبرى العامة إلى صغرى ثم تتلاشى.
ومن زاوية فنية أكثر عمقًا تتجلى صورة القمر حين أخرجه من شيئيته الراسخة ليجعله ممتلئاً بالحياةوالمشاعر،" كان قديسًا"، و" كان يعجبه غنائي "، و" كما يموت الناس مات"،ثم" أسأله عن الأيدي التي غدرت به"، تبلغ الصورة ذروتها محملة بشحنةهائلة من المشاعر حين يقول: "وسحبت جفنيه على عينيه... حتى لا يرى من فارقوه" لينهي المشهد من توه "وخرجت". تاركًا للمتلقي باب تأويل صورة كسرت نمط المألوف حين يحمل القتيل هم الأحياء.
لتتواصل فاعلية الصورة في مشهد القرية حين تأتي محملة بشحنة من الانفعال واستنهاض الهمم، حيث تتظافر الصورالجزئية معًا "يا أبناء قريتنا أبوكم مات " صورة أولى. تجيب عليها"قد قتلته أبناء المدينة" فالصورة الأولى اشبه ما تكون بفتيل متفجر تشعله الصورة الأخرى. يُتبعها بتقنية الاسترجاع أو ما يسمى -السرد الاستذكاري-على شكل استباقي حين تخيل استجابتهم وثورتهم " ذرفوا عليه دموع اخوة يوسف...وتفرقوا...تركوه فوق شوارع الأسفلت ...". امعانًا في رسم الصورة وإشعال الفتيل. بغية خلق الأثر المقصود وهو الثأر لأبيهم. يدعم ذلك أيضًا بتوظيف الأقواس والنقاط كعالم يوازي عالم النص الظاهر، يتحدث بصمت ويرسم مواقفه بصريا في مساحةالبياض حين نعلم أنها جزء أساس من مكونات النص.
ولكن ما يلبث اللهب أنيتجمد، والتفاصيل أن تتوقف، فتتعثر الكلمات، وتختلط الرؤى
"ماذا؟ لا.... أبونا لا يموت ... بالأمس طول الليل كان هنا"
وتتمة الصورة تتجلى في مقطع النص الأخير حيث يأتلق القمر الحزين بالأمس، حين يرحل الضوء ويحل الظلام. لتتبدى هدأت انفعالات النص بعد أن بلغ ذروته متماهيا مع تصاعد الحدث حين بدت تتشكل ملامح القتيل الذي شُبّه لهم قتله من خلال صور جزئيةاتسقت لتشكل صورة كلية للنص.

الوثبة الرابعة الخطاب/ الوظيفة:
اعتمد أمل دنقل اللغة الحادة التي تصف الحدث وتشخصه، "نهب اللصوص"،" بأي ذنب يقتلونه؟" ،"سحبت جفنيه على عينيه"،" قد قتله أبناء المدينة"، "تركوه فوق شوارع الإسفلت والدم والضغينة" متكئا في ذلك على السرد الحكائي الذي أطّر قصيدته ورسم معالمها، فجاءت منسجمة مع السياق تنسل لأعماق القارئ لتحكم قبضتها على مدارك الشعور النفسي فمنذ اللحظة الأولى يُحدث وقع النبأ هزة تقفز بالقارئ لنهاية النص بُغية الكشف عن القتيل، ما يلبث القارئ أن يعود لسبر أغوار التفاصيل خطوة خطوة حيث تدفع الأحداث بعضها بعضا. كما وظف الخطابية المباشرة لإحداث الأثر المنشود ولفت الانتباه "يا أبناء قريتنا أبوكم مات"، " يا إخوتي هذا أبوكم مات".

فالقضية تحتاج أن ينهض المجتمع بمسؤوليته، "ويتكاتف من أجل مقاومة ذلك الخطر عندها يصبح الفن أكثر واقعية وأشد وثاقًا بالناس، ولا وقت للرفاهية المطلقة أو الألاعيب الفنية التجريدية والتجريبية؛ لأن الفن هنا لا يخاطب شريحة بعينها هي طبقة الصفوة المثقفة إنما يوجه خطابه للشعب ككل على اختلاف مستوياته".[4]


لذلك نهضت اللغة بمسؤوليتها حاملة رؤية الشاعر وهمه رغم بساطتها، منذ اتخذ -مقتل القمر-والذي يمثل أهمية للجميع وقضية كبرى،مدخلًا لا يأبه لأهميته أحد، ففي المدينة يتشظى الحدث، فلا يشعر بأهميته إلا الشاعر ليهب إلى القرية كأصل نقي يمثل نواة المدينة الأولى، وهاجس ذلك القتيل يسيطر على وجدانه.
وما بين حاضر المدينة الذي يعيشه الشاعر كواقع فقد شعوره وإنسانيته، وواقع القرية الذي يمثل العودة للماضي بحثًا عن قيمة الذات وصحوة الضمير يجد القتيل استبقه وقص حكايته لأبنائه الذين أولوه اهتمامًا حين أصغوا لحكايته الحزينة. ليبقى بين الشك واليقين شك الشاعرانطلاقًا من واقعه، ويقين الرؤية التي تشكلت انطلاقًا من الماضي المجيد.

الوثبة الخامسة ذروة النص:
"إن القصيدة الشعرية ماهي إلا دفقة شعورية على اختلاف تجلياتها،قد تأخذ شكل الوثبة الواحدة أو تأخذ شكل الوثبات التي تسلم بعضها بعضًا، غير أنها كلما كانت أكثر اكتنازًا في وثبتها الأخيرة كانت أكثر تأثيرًا في وجدان المتلقي لغايتين أساسيتين: الأولى هي عامل الجذب والتشويق حتى تتمة القراءة، والثانية هي البصمة الأخيرة على اعتبار أن الانطباع الأخير يكون أكثر دوامًا وأشد تأثيرًا"[5].


وفي نص مقتل القمر تتزاحم التفاصيل في بناء درامي هرمي يتجه نحو لحظة التنوير-ذروة النص-، وكل حدث يُسلم القارئ للذي يليه في تسلسل لا يرهق القارئ، إذ في كل وثبة يعيشها القارئ بدءًا بالمشاهدة الأولى للقتيل مصلوبًا، ثم انتقالًا لحوار الجار والصبية، ثم البكاءالزائف واغماض عيني القتيل، لتبدأ رحلة أخرى تتمثل في مغادرة المدينة للقرية وصدمةالشك التي حلت مقام اليقين، بزيف مقتل القمر والتي تمثل ذروة النص .نجده يستشرف في كل مشهد ما يليه بل ويخترع إجـــابة الأسئلة الخرساء التي تلوح منذ الوهلة الأولى لمصافحة النص ما تلبث أن تتبدل، ليعود القارئ في كل مرة يتملى التفاصيل السابقة ويعيد قراءتها وتقييمها. هذه الحالة الجدلية التي تنشأ بين النص والقارئ المبدع تخلق جوًّا حميميا يدفع للتوتر والقلق حينًا، وأخرى نوعًا من التحدي يكمن في رغبة الكشف عما يرومه الشاعر وما يحمله النص من دلالات. حين يصدر حكمًا مطلقًا مؤكدًا" لكن أبونا لا يموت... أبدًا أبونا لا يمــوت".
ويبقى سؤال يُلح من هوالقتيل؟ وكيف نجليه من نص يحتمل كل التأويلات؛ أين يمكن أن تتضح معالمه؟ وأي المتاهات الدلالية يمكنها أن تقودنا لتأويل ينسجم مع معطيات النص؟
لتبرق ومضة أولى من خلال الصورة الكلية للنص تقودنا لتأويل نصطفيه فالصلب والقديس والعلو يرتبط بحادثة دينية تُمثل قصة سيدنا عيسى عليه السلام، ثم صورة أخرى ترفد ما ذهبنا إليه"تتدلى رأسه فوق الشجر" فمن شُبه لهم أنه سيدنا عيسى عليه السلام وضعوا على رأسه الشوك بعد الصلب.
فبرغم أنه كان مصدر إلهام لقومه،واشعاع نوراني، ويد تمتد لتطبب آلامهم وترتقي بذواتهم إلا أنهم تنكروا له وحاولواصلبه.
وهذا يجسد وضع الأمة الإسلامية، فبعد أن كان المجد والعزة واجتماع الكلمة ووحدة المصير يُشكل جسدا إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى،أصبح كل جزء من هذا الجسد ينشغل بذاته.
ووشائج هذا التأويل نتمثلها: صلب شبيه المسيح رغم وجود أتباعه، وكذا اغتيال الضمير العربي رغم كثرة أهله. كذلك في العدو الواحد فمن صلب شبيه عيسى عليه السلام، واغتال الضمير العربي هم اليهود. ومن نهب قلادة الماس الثمينة التي تمثل فلسطين في الضمير العربي، والحكمة والنور في صدر المسيح هم ذات اللصوص. وأيضا وحدة موعودة ترتبط بنزول المسيح آخر الزمن، لذلك كانت النهاية مفتوحة تمتد عبر الزمن "أبونا لا يموت ...أبدًا أبونا لايموت".

محصلة القراءة:
بناء على ذلك فإن النص جاء وحدة متكاملة، منذ الوثبة الأولى التي شكلت مفتاحًا يلج عبره القارئ لساحات النص وصخرة يقوم عليها البناء، اتضح ذلك عبر اتساق البناء والدلالة في الوثبة الثانية حين اتخذ السرد الحكائي إطارًا يقوم عليه نص الحدث، وتجلت في فاعلية الصورة الفنية في الوثبة الثالثة، أما الوثبة الرابعة فقدقامت اللغة الحادة التي تميل للخطابية المباشرة أحيانا بوظيفة نقل الحدث وانفعالاته وصولًا إلى ذروة النص التي مثلت نهاية الحدث غير المتوقعة ليترك بابًايحتمل كل التأويلات.
جاءت الصور الفنية في النص كتشظ للصورة الأم التي تجمع النص "مقتل القمر" مثل " مشهد الصلب"، " تتدلى رأسه فوق الشجر"،"تدلت الدمعات"...، ثم نجد استدعاءه لحادثة الصلب وتوظيفها داخل السياق دونشعور القارئ بحادثة يعنيها بحالها لولا بعض الوميض " شهدوه مصلوبًا"،"كان قديسًا"...، ليرمز لواقع الأمة وما آلت إليه يدعم ذلك بفراغات واستفهامات كلغة بصرية صامتة تصف مواقف الشاعر.


أخيرًا: يمكننا القول بأن العلاقة بين النص والمرجع،تحيلنا إلى الكشف عن طابع (الميثاق) الذي يربط بين الكاتب والقارئ، ونوعية هذا الميثاق.فإذا كان الكاتب، ينتج الخطاب [المتخيل]، فإن القارئ / المتلقي، يرى في هذا الخطاب،ما يتصل بواقعه الذي يعيش فيه.
إن هذا التصور، يرتبط بنوع من العلاقة بين القارئ والنص، من خلال دور الكاتب في هذا السياق في إنتاجه للنص. فمن خلال إيهامه بالواقع،يتركز عند القارئ إمكان الإحالة على الواقع. ومن ثمة، يصبح يرى في العمل / الإنتاجالأدبي، انعكاسا للواقع، وتركيزا عليه.[6]
هذه الإحالة تشكلت منذ لحظة التفجير بين مشهد القتل والصلب بتداعياته،وما يختزنه وعي القارئ من واقع الأمة الإسلامية.








عمرو بن أحمد



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ







المصادر والمراجع:
·جاد،عزت، منطق الطير في نقد الشعر العربي المعاصر، القاهرة، دار الكتاب الحديث، ط1،2014م.


·دنقل، أمل، الأعمالالكاملة، القاهرة، دار الشروق، ط2،2012م.


المجلات:
·رائدوليد جرادات، بنية الصورة الفنية في الشعر الحديث(الحر) نازك الملائكة أنموذجًا، مجلةجامعة دمشق، المجلد 29، العدد(1+2)2013م.
·عليإبراهيم، حدود الخطاب في الشعري، إنسانيات المجلة الجزائرية في الأنثروبولوجيا والعلومالاجتماعية، ع9، سبتمبر-ديسمبر 1999م.


[1] : جاد، عزت، منطق الطير فينقد الشعر العربي المعاصر، القاهرة، دار الكتاب الحديث، ط1، 2014م، ص18


[2] : نفسه، ص19


[3] : رائد وليد جرادات، بنيةالصورة الفنية في الشعر الحديث(الحر) نازك الملائكة أنموذجًا، مجلة جامعة دمشق،المجلد 29، العدد(1+2)2013، ص552-553.


[4] : جاد، عزت، منطق الطير فينقد الشعر العربي المعاصر، ص30




[5] : جاد، عزت، منطق الطير فينقد الشعر العربي المعاصر، ص31.


[6] : علي إبراهيم، حدود الخطاب في الشعري، إنسانيات المجلة الجزائرية فيالأنثروبولوجيا والعلوم الاجتماعية، ع9، سبتمبر-ديسمبر 1999م.

 

عمرو بن أحمد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 01-24-2016, 08:16 AM   #2
عائِشة محمد
( كاتبة )

افتراضي


بالرغم من أن لا علاقة جيدة لدي مع الشعر و القصيد، إلا أني هنا كنت مختلفة و أنا أقرأ هذا التحليل للنص. إذ أنه أبهجني بأن أنار لي طرقاً في رأسي كانت مظلمة لحد ما، إذ أن إنارة الطريق إليها كانت مكسورة منذ زمن. و منحني فرصة الوصول إليها و الإبحار عبرها لطرق أعمق و أكثر تفرعاً. فكل خطوة كانت من الأفكار علي غزوة، في حين كنت أقرأ و أغرق بهذا القراءة.
أشيد إلى هذا الجزء الذي من الندرة أن يلتقطه الكتاب حين يكتبون: "منح النص حرية التشكل في ذهن القارئ، ومنح القارئ حرية الرؤية والتأويل وفق ما يتناهى إليه في شعوره" كما قاله الدكتور و الذي أرفعه راية أمام كل من يكتب و يحاول الكتابة.
ثم إني ممتنة لك بمنحنا قراءة كهذه يا عمرو بن أحمد نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

 

التوقيع



أنا تلك السيدة الطفلة،
تلك البلهاء التي تنطق بما لا تريد؛ تلك البلهاء الخرساء عما تريد.






تحاور معي: 7D50F6D8

عائِشة محمد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 01-25-2016, 11:48 PM   #3
نادرة عبدالحي
مشرفة أبعاد النثر الأدبي

الصورة الرمزية نادرة عبدالحي

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 72240

نادرة عبدالحي لديها سمعة وراء السمعةنادرة عبدالحي لديها سمعة وراء السمعةنادرة عبدالحي لديها سمعة وراء السمعةنادرة عبدالحي لديها سمعة وراء السمعةنادرة عبدالحي لديها سمعة وراء السمعةنادرة عبدالحي لديها سمعة وراء السمعةنادرة عبدالحي لديها سمعة وراء السمعةنادرة عبدالحي لديها سمعة وراء السمعةنادرة عبدالحي لديها سمعة وراء السمعةنادرة عبدالحي لديها سمعة وراء السمعةنادرة عبدالحي لديها سمعة وراء السمعة


مـجـمـوع الأوسـمـة: 1

فعالية النثر الوسام الفضي



افتراضي


قراءة ممتعة تفتح أفاق واسعة وتمد الفكر بالطاقة لا نستطيع منع فكرنا عندما يُذكر اسم أمل دنقل
الكاتب عمرو بن أحمد يعطيك ربي الف عافية

 

نادرة عبدالحي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 02-05-2016, 09:12 PM   #4
عبدالإله المالك
إشراف عام

افتراضي


عمرو أحمد

لا أفضض الله فاك
هنا إبداع في كل شيء
إبداع في إبداع
من بداية النص حتى نهايته
وقراءة قد تفوق النص بحد ذاته

وافر الشكر والتقدير والتحية

 

التوقيع

دعوةٌ لزيارةِ بُحُورِ الشِّعرِ الفصيحِ وتبيانِ عروضِهَا في أبعادِ عَرُوْضِيَّة.. للدخول عبر هذا الرابط:

http://www.ab33ad.com/vb/forumdispla...aysprune=&f=29


غَـنَّـيْـتُ بِالسِّـفْـرِ المُـخَـبَّأ مَرَّةً

فكَأنَّنِيْ تَحْتَ القرَارِ مَـحَـارَةٌ..

وَأنَا المُـضَـمَّـخُ بِالْوُعُوْدِ وَعِطرِهَا ..

مُــتَـنَاثِـرٌ مِـثلَ الحُــطَامِ ببَحْرِهَا..

وَمُــسَافِرٌ فِيْ فُـلْـكِـهَا المَـشْـحُـوْنِ
@abdulilahmalik

عبدالإله المالك غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 07-27-2017, 10:19 PM   #5
عمرو بن أحمد
( كاتب )

افتراضي


عائشة ، نادرة ،
أضأتم الصفحة ، وكعادتي الإتيان متأخرًا ..
وفي كل مرة أكتشف أنني أرتكب تسويفًا ..
أكرر الشكر لكم
رغم تطاول العهد في الصفحة ومساحة الوحشة ...

 

عمرو بن أحمد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 12-21-2018, 10:33 PM   #6
عمرو بن أحمد
( كاتب )

الصورة الرمزية عمرو بن أحمد

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 30301

عمرو بن أحمد لديها سمعة وراء السمعةعمرو بن أحمد لديها سمعة وراء السمعةعمرو بن أحمد لديها سمعة وراء السمعةعمرو بن أحمد لديها سمعة وراء السمعةعمرو بن أحمد لديها سمعة وراء السمعةعمرو بن أحمد لديها سمعة وراء السمعةعمرو بن أحمد لديها سمعة وراء السمعةعمرو بن أحمد لديها سمعة وراء السمعةعمرو بن أحمد لديها سمعة وراء السمعةعمرو بن أحمد لديها سمعة وراء السمعةعمرو بن أحمد لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


عبد الاله المالك:
مرحبا بك وبجميل حرفك ...

أكرر الشكر والاعتذار.

 

عمرو بن أحمد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 12-24-2018, 07:45 PM   #7
عبدالله عليان
( كاتب )

افتراضي


طاب لي الكلم ونموذج الطرح في النقد
أ أحمد بن عمرو
شكرا لك هذا الجهد
شكرا لكل هذا الفكر السخي جدا

الله عليك

https://youtu.be/zhyGAXcAu8E

 

عبدالله عليان غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 12-25-2018, 02:16 AM   #8
رحيل
( كاتبة )

الصورة الرمزية رحيل

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 124607

رحيل لديها سمعة وراء السمعةرحيل لديها سمعة وراء السمعةرحيل لديها سمعة وراء السمعةرحيل لديها سمعة وراء السمعةرحيل لديها سمعة وراء السمعةرحيل لديها سمعة وراء السمعةرحيل لديها سمعة وراء السمعةرحيل لديها سمعة وراء السمعةرحيل لديها سمعة وراء السمعةرحيل لديها سمعة وراء السمعةرحيل لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


مع أنه ماليش في الصداع ده أبدا
لكن ماشاء الله تبارك الله
كحالة غوص في بحر ..دهشة وجمال

تقديري واحترامي لك أستاذ عمرو ..مجهود قيم .

 

رحيل غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
قراءة تحليلة لقصيدة " يا جارة الوادي " للشاعر محمد السالم " مشعل الغامدي أبعاد النقد 10 06-07-2018 03:39 AM
ركوة حرف (5) ثلاثي الفراق للشاعر قاسم البربار/قراءة نقدية طلعت قديح طلعت قديح أبعاد النقد 6 01-03-2016 10:49 PM


الساعة الآن 08:58 PM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.