" مَانشيت " - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
اقرأ الصورة بمِدادٍ من حبر (الكاتـب : نواف العطا - آخر مشاركة : ضوء خافت - مشاركات : 2779 - )           »          ( كان لا مكان ) (الكاتـب : ضوء خافت - مشاركات : 582 - )           »          (( أبْــيَات لَيْسَ لَهَــا بَيــْت ...!! )) (الكاتـب : زايد الشليمي - مشاركات : 15 - )           »          [ فَضْفَضَة ] (الكاتـب : قايـد الحربي - آخر مشاركة : زايد الشليمي - مشاركات : 75148 - )           »          فلسفة قلم .. بأقلامكم (الكاتـب : سيرين - آخر مشاركة : زايد الشليمي - مشاركات : 3845 - )           »          غياب القناديل (الكاتـب : أحمد عبدالله المعمري - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 3 - )           »          تخيل ( (الكاتـب : يوسف الذيابي - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 428 - )           »          ورّاق الشعر [ تفعيلة ] (الكاتـب : نوف الناصر - مشاركات : 5 - )           »          بُعدٌ جديد ! (الكاتـب : زكيّة سلمان - مشاركات : 1 - )           »          عَـيني دَواةُ الحـرفِ (الكاتـب : حسن زكريا اليوسف - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 4 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد الهدوء

أبعاد الهدوء اجْعَلْ مِنَ الْهُدُوْءِ إبْدَاعَاً

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-14-2020, 03:15 PM   #1
عَلاَمَ
( هُدوء )

الصورة الرمزية عَلاَمَ

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 50467

عَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي " مَانشيت "





" مَانشيت "





نعوم جومسكي في عامه التسعين:
يتحدث عن اورويل وسائقي سيارات الأجرة ورفض التلقين …..




جرى وصف نعوم جومسكي وصفاً مناسباً في مراجعةِ كتابٍ لصحيفة نيويورك تايمز نُشرت قبل أربعة عقود تقريباً بأنه " أهم شخصية فكرية على قيد الحياة اليوم بلا منازع ". كان عمره آنذاك 50 عاماً. وهو الآن يبلغ من العمر 90 عاماً، وبمناسبة عيد ميلاده التي صادفت في السابع من كانون الأول، لاحظتْ هيئة الإذاعة الألمانية العالمية، مرة أخرى، بأن جومسكي " هو ابرز معارض سياسي بلا منازع في النصف الأخير من القرن ".
يذكّرنا جومسكي بأن الفكر والمعارضة صنوان، وأن التحدي الأساسي في عصرنا هو الحفاظ على " عقل مستقل ". وهذا ليس سهلاً في عصر تصنيع الموافقة، لكنه ممكن، كما يذكّرنا جومسكي بهذا خير تذكير – عن طريق الاستمرار في الكلام، بشكل متواصل وبرشاقة اسلوبه المعهودة، [يذكّرنا] بالأكاذيب الدائرة في عصرنا.
عندما زرته قبل يومين، كان كريماً، وبارعاً، وصريحاً كما كان ديدنه دائماً. لم يألُ جهداً، وهو يستنكر مثالب الرأسمالية وعيوب السياسة، ولم يفلت منه حزب سوى عدد قليل من السياسيين. هذا الأكاديمي والناشط، الذي جعلته معارضته الصريحة للإمبريالية الأمريكية يحجز مكاناً له في قائمة أعداء الرئيس السابق ريتشارد نيكسون، أجاب على سؤال مؤخراً ( في برنامج الديمقراطية الآن! لإيمي غودمان ) حول منهج الحزب الجمهوري لدونالد ترامب و بول رايان بالنسبة للتغير المناخي: " هل كانت هناك بالمرة منظمة في تاريخ البشرية مكرسة، بمثل هذا الالتزام، لتدمير حياة البشرية على الأرض؟ " وكانت إجابته: " لست على علم بذلك ".
مع كل الإحترام لجورج أورويل، يواصل نعوم جومسكي تحدي مبدأ تصنيع الموافقة.

سوف يقال الكثير عن إسهامات جومسكي في حياتنا الفكرية والسياسية في الأيام والأسابيع القادمة. وسيتم إضافة مساهمات جديدة على يد هذا الرجل الذي تستمر تصريحاته في إثارة النقاشات والضمائر. أريد أن أقدّم ملاحظة موجزة اليوم، من وحي لقاء سابق قد اجريناه قبل عدة سنوات حول التحديات التي تواجه المفكرين المستقلين في أوقات محفوفة بالمخاطر.
ذكّر جومسكي بالمقدمة التي كتبها جورج أورويل لرواية " مزرعة الحيوان "، والتي لم تكن مدرجة في الطبعات الأصلية للكتاب قائلاً: " تم اكتشافها بعد حوالي 30 سنة في أوراقه غير المنشورة. اليوم، عندما تحصل على طبعة جديدة من " مزرعة الحيوان "، فقد تجد تلك المقدمة هناك. المقدمة مثيرة جداً – فهو يقول بشكل أساسي ما تعرفونه انتم جميعاً: بأن الكتاب هو تحليل نقدي يسخر من العدو الشمولي. لكنه بعد ذلك يتحول إلى شعب إنكلترا؛ فيقول: لا ينبغي أن تشعروا بكل هذه الثقة بالذات . لقد قال في إنكلترا، وهو البلد الحر، ما معناه: يمكن قمع الأفكار المكروهة بدون استخدام القوة. ويواصل حديثه ليعطي بعض الأمثلة، وهي في الحقيقة، مجرد تفسيرات شائعة، تصبّ في صلب الموضوع. أحدها، كما يقول جومسكي، هو: ان الصحافة يملكها الأثرياء الذين لديهم كل الأسباب في عدم الرغبة في التعبير عن أفكار معينة. بينما التفسير الآخر، فهو في الأساس، يتعلق بالتعليم الجيد ".

وأوضح جومسكي: عندما يكون لديك تعليم جيد، فهذا يعني إنك ذهبتَ إلى أفضل المدارس، وأدركتَ بأن هناك أشياء بعينها لن تعمل على التصريح بها – وأعتقد بأننا نستطيع أن نضيف إلى ذلك، هناك اشياء لن تعمل على التفكير فيها. وهذه هي اداة قوية. لذلك، ثمة أشياء مجرد انك لا تفكر فيها، واشياء اخرى لا تقولها. وتلك هي نتيجة التعليم الفعال، التلقين الفعال.
فإذا كان الناس – كثير من الناس – لا يستسلمون لذلك، فماذا يحدث لهم؟ حسناً، سأقصّ عليكم هذه القصة: كنت في السويد قبل عامين، ولاحظت بأن سائقي سيارات الأجرة ودودون للغاية، أكثر مما توقعت. وفي النهاية سألتُ أحدهم: " لماذا الجميع بهذه اللطافة؟ " فسحب هذا السائق قميصاً كان يرتديه كل سائق سيارة أجرة، وكان القميص يحمل صورة لي ومقولة باللغة السويدية لشيء ما كنتُ قلتُه ذات مرة عندما سُئلتُ، " ماذا يحدث للناس ذوي الذهن المستقل؟ " وقلتُ، " يصبحون سائقي سيارات أجرة "!.





* بقلم: جون نيكولز (مجلة نيشن)
* ترجمة: رمضان مهلهل سدخان






ـ المُتصفح للمُشاركة لمن رَغب.. لا للردود
شكرًا مُقدمًا

 

عَلاَمَ غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 02-28-2020, 12:37 PM   #2
عَلاَمَ
( هُدوء )

الصورة الرمزية عَلاَمَ

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 50467

عَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي





" موت المخيلة "










يتوقف الكاتب عن الكتابة عندما يشعر أن مخزونه الإبداعي نضب، أو أنه استهلك موضوعاته ووصل إلى نهاية الدرب في النوع الكتابي الذي مارس الإنتاج فيه طوال فترة زمنية، طالت أو قصرت. وفي العادة يغيّر الكتاب الأنواع التعبيرية التي يمارسونها بحثا عن آفاق أوسع للإبداع وعن مسارب غير مطروقة في تجاربهم لكي يجددوا شباب لغتهم وأشكال تعبيرهم عن الأفكار والتجارب التي ينوون نقلها إلى القراء. روائيون ينتقلون إلى كتابة الشعر، وشعراء ينتقلون إلى كتابة الرواية، وشعراء أو روائيون يبدؤون في تقليب سيرهم الذاتية أو عوالمهم الداخلية على نار أشكال مبتكرة من الكتابة.

تلك بعض الطرق التي يحتال بها الكاتب على الرتابة والتكرار والدوران في حلقة مفرغة من الإعادة المملة للكلمات والأفكار نفسها. البديل هو التوقف عن الكتابة، أو الانتحار كما فعل عدد من الكتاب الذين اصطدموا بحائط اللغة، بتعبير يوسف الخال عندما توقف عن إصدار مجلة “شعر”. وهذا يعني أن الكتابة هي نوع من العيش الذي يتوقف بتوقّفها، مما يفرض على المشتغلين بهذه المهنة المتعبة أن يفكروا على الدوام بتجديد ذواتهم وحقنها لا بالأفكار الجديدة فقط بل بأشكال مبتكرة وطرائق مبدعة لامعة للتعبير عن هذه الأفكار.

يعرف الكاتب أن خياله نضب، وقدرته على تحريك مشاعر القراء قد ضعفت، عبر تناقص مبيعات كتبه، أو عندما تكف تلك الكتب عن إثارة النقاش، والنقد الإيجابي، حولها في الصحف ووسائل الإعلام المختلفة. ورغم الدور الترويجي الذي تقوم به دور النشر أحيانا فإن الكاتب الأصيل يعرف أنه قد توقف عن الإبداع وانحبست مخيلته، وصار لزاما عليه أن يجدد عالمه الإبداعي أو يتوقف. كما أن المؤسسة الأدبية-الإعلامية في البلدان، التي تعد الثقافة فيها جزءا أساسيا من الحياة اليومية للبشر، تلعب دورا حقيقيا في قياس عملية تطور المبدعين وارتفاع مستوى إنتاجهم أو انخفاضه.

هذه هي الحكاية عندهم، فهل هي كذلك عندنا؟ الكاتب في بلاد العرب يصدر عملا أول مميزا يعيش عليه طوال عمره. لكنه، رغم فشله في إنجاز عمل بحجم العمل الأول، يواصل الكتابة ودفع ما يكتبه إلى دور النشر دون أن يخطر في باله التوقف لحظة واحدة وسؤال نفسه عن مستوى ما يكتبه بالقياس لعمله الأول على الأقل. إن الكاتب العربي يواصل الكتابة لا بغرض تطوير النوع، أو تطوير إبداعه، بل بقصد الحفاظ على حضوره الشخصي، وربما حضوره الفيزيائي عندما يصرّ على الإكثار من نشر صوره في الصحف والمجلات أو يحرص على إسماع صوته للقارئ من خلال أثير الإذاعة أو الإطلال على الجمهور عبر الشاشة. يساعده على ذلك تواطؤ الإعلام والمؤسسة الأدبية، ممثلة بالجامعة والنقاد ودور النشر التي تسعى في أحيان كثيرة إلى تلميع المواهب الصغيرة أو إدامة حضور بعض الكتاب الذين نضبت مواهبهم وقلّ محصولهم الإبداعي. كما يعزز حضور هذا الكاتب، الذي توقف عن الإبداع في إطار النوع الأدبي الذي ينتج فيه، ضعف الحس النقدي في المجتمعات العربية والاندفاع إلى قبول ما تقوله الصحافة والإعلام وأخذه على محمل الحقيقة. في ظل هذا الواقع الأدبي المصطنع المزيّف الذي يستند فيه الكاتب إلى ماضيه الغابر وتُسوّق أعماله الهابطة فقيرة الفكر والخيال بالعودة المتكررة إلى هذا الماضي، هل يمكن بناء تاريخ فعليّ للإنجاز الأدبي العربي المعاصر لا يكون فيه للإشاعة والمحاباة والتعاطف مع الكبير، سنا ومنزلة أدبية، الدور الأساس في التقييم وتعظيم الأدوار أو التقليل من شأنها؟

عل الجواب يكون: لا، إلى أن تتغير طرائق حكمنا على الإنجاز بغض النظر عن سن صاحبه أو مكانته الاجتماعية أو انتمائه السياسي أو تمكنه من الوصول إلى آلة الإعلام المهيمنة في هذا العصر. ولعل ذلك يتطلب، من بين أشياء أخرى، تنامي حس النقد والانتقاد وخفوت ظاهرة المجاملة التي تأكل أيامنا الحاضرة وتهدد مستقبلنا كذلك.






* الناقد : فخري صالح

 

عَلاَمَ غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 08-05-2021, 03:36 PM   #3
عَلاَمَ
( هُدوء )

الصورة الرمزية عَلاَمَ

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 50467

عَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي





النَكْسة والأَدَب




أعتقد أن تأثير نكسة 1967 في الأدب المصري لم يظهر ـ بكل أبعاده ـ إلا متأخرا. في حينه اقتصرت النكسة ـ تقريبا ـ على وقائع الهزيمة العسكرية والسياسية ومحاولة التصدي لها بحرب الاستنزاف وحشد القوى لتصحيح أخطاء النظام. أما اختمار نتائج النكسة، خاصة في المجالين الروحي والنفسي، وهما مادة الإبداع الأدبي، فقد استلزم وقتا طويلا، لتصبح الهواجس، والشكوك، والأسئلة شيئا من صميم الروح المصرية.

لكن ظهور آثار النكسة كان أسرع في المجال الأيديولوجي والسياسي والثقافي بمعناه العام. ولهذا برزت مبكرا عام 1974 دعوة توفيق الحكيم في “عودة الوعي”(1) لمراجعة حصاد مواجهة الاستعمار بفكرة رئيسية هي أن المواجهة بلا جدوى، ولا فائدة، وأن هذا هو الدرس المستفاد من نكسة يونيو 67. والنتيجة المنطقية المترتبة على تلك الفكرة هي أنه لا مفر من القبول بشروط العدو، ولا مفر من الصلح معه.

هذه النتيجة التي لم يعلنها الحكيم صراحة، وإن وضع كل الأسس لاستنتاجها، سرعان ما وجدت من يلتقطها ويصوغها صراحة مثل د. إبراهيم عبده في كتابه “تاريخ بلا وثائق”(2) الذي تحدث بوضوح عن أن: “مواجهة الاستعمار جنون مطبق”. ومن هنا أخذ الكثيرون في مجال الثقافة يضعون الأساس الأيديولوجي لعملية تراجع فكري شامل عن قضايا التصنيع والتنمية والعداء للاستعمار والتزام مصر بقضايا التحرر العربي وغير ذلك.

وسرعان ما ظهرت رواية “فجر الزمن القادم”(3) لعبد الله الطوخي التي تدعو إلي النظر للصراع مع إسرائيل من منظور المحبة والتسامح، وتجاوز “العقدة النفسية”. وأخذ يرسخ تيار للتطبيع مع إسرائيل تولى زعامته الأدبية علي سالم(4) وأشباهه، وظهرت على أرضيته روايات كثيرة تستدعي قصص الحب الموهومة بين مصري ويهودية وتنسج عليها كل نقوش الخلط بين مختلف المسائل الدينية والسياسية بهدف أخير هو النظر لإسرائيل باعتبارها ليست عدوا. ولست بصدد حصر تلك الروايات، أكتفي فقط بالإشارة إلي عمل لنعيم تكلا(5) باسم “نهلة” يروج فيه لفكرة أن الكثيرين في إسرائيل يتعاطفون مع الحق الفلسطيني، بل وأن: “النضال الفلسطيني يعتمد عليهم كثيرا”!

هناك رواية أخرى باسم “حد الغواية” لعمرو عافية(6) وفيها تلتقي سميحة ليفي اليهودية المصرية بمحمود حنفي المصري في المغرب عام 1950، أي بعد إقامة الكيان الصهيوني، وتنشأ بينهما قصة حب، ويقومان معا برحلة إلي قرطبة، وهناك تلتقي بهما سائحة أمريكية وتندهش من اجتماع مصري ويهودية فتقول لهما: “كنت أظن أنكما في حالة حرب؟”، فيرد عليها محمود: “نحن في حالة حب”! وخلال حالة الحب تلك ينهمك محمود في إعداد رسالة دكتوراه حول “نزوح العرب مسلمين ويهودا من إسبانيا” في إشارة إلي اضطهاد مشترك يفترض أنه يجمع العرب واليهود ويفترض أن يكون ركيزة للمحبة، وهي الفكرة ذاتها التي أشار إليها علاء الأسواني في روايته الأخيرة شيكاجو(7) خلال قصة حب بين مصري ويهودية في أمريكا.

تيار التطبيع في الأدب إحدى أوضح نتائج النكسة، وإن كانت ثماره هي الأشد رخصا وابتذالا من الناحية الأدبية والفكرية والفنية، لأن أعين أصحاب تلك الأعمال معلقة بجوائز ومؤتمرات في عواصم أخرى.

وإذا تركنا تأليف الحكايات السخيفة عن الحب المصري الإسرائيلي، خاصة بعد افتضاح أنباء المجزرة(8) التي قتلت فيها إٍسرائيل مائتي وخمسين أسيرا مصريا أعزل في سيناء عام 67، لننظر إلي أثر النكسة في الأدب المصري الحقيقي ـ المكتوب للمصريين وليس للترجمة ـ فسنرى كيف احتاجت النكسة السياسية والاقتصادية والعسكرية إلي زمن طويل تختمر فيه لتغدو هزيمة داخل الروح تتجلى في الشعور العام باليأس وغياب المخرج وافتقاد أي أمل.

تشير إلي ذلك بحدة واحدة من أحدث الروايات للكاتب الكبير بهاء طاهر وهي “واحة الغروب”(9). يرصد بهاء طاهر كل ذلك التناقض في شخصية “المثقف” على النحو التالي، فهو في حالة محمود عبد الظاهر ـ الشخصية الرئيسية في العمل ـ يعتبر أن عرابي باشا زعيم الثورة العرابية “أشرف من عشرة خديويين”، لكنه يشيح بوجهه عن الثورة في صفقة مع المحققين، لينقذ نفسه ووظيفته، وهو يعشق نعمة السمراء، لكن الزواج من جارية أو خادمة يظل عنده عارا طبقيا، إنه يكره الحكومة، لكنها إذا أوفدته مأمورا حاكما لواحة سيوه فإنه مستعد لجلد أهالي الواحة وسجنهم كما فعل أسلافه لكي يستوفي للحكومة الضرائب المقررة، إنه يشفق على سكان الواحة، لكنه مستعد للعمل معهم بمبدأ مستر هارفي الإنجليزي “فرق تسد”، وذلك بإلقاء بذور الفتنة بين القبيلتين اللتين تقطنان في الواحة بحيث تسهل عليه السيطرة. إن محمود عبد الظاهر على حد قوله لنفسه وقف دائما: “في منتصف شيء ما”، ولم يكن أبدا: “شخصا واحدا كاملا في داخله”، ومن ثم فإنه يلخص أزمته بعبارة واحدة: “لا ينفع في هذه الدنيا أن تكون نصف وطني ونصف خائن، نصف شجاع ونصف جبان”. وخلال ذلك كله لا يدري محمود عبد الظاهر هل هو أحد صناع الطغيان والخوف والخيانة بمواقفه المتناقضة أم أنه ضحية لكل ذلك؟

في روايته الجميلة يضع بهاء طاهر ثقله كله خلف شخصية “مليكة” رمز الفن والذكاء والنهم للعلم والجرأة على تحطيم التقاليد البالية، لكن “مليكة” الطائر الحر الوحيد تموت بطعنة سكين. وبذلك يغلق الكاتب أمامنا باب الأمل في المستقبل والعلم والفن والتحرر، ليس فقط بقتل مليكة، بل وبموت محمود عبد الظاهر هو الآخر.

في وقت ما، مختلف، قبل النكسة، كتب يوسف إدريس قصته الشهيرة “خمس ساعات” يصف فيها رحيل أحد أبطال الحركة الوطنية داخل مستشفى. ويقول د. شكري عياد عن تلك القصة: “أما البطولة الكاملة، البطولة التي لا يمكن أن تحطمها الطبيعة لأنها هي الطبيعة، فتلك هي بطولة شعب مصر الضاربة في أعماق الماضي والحاضر والمستقبل. في خمس ساعات يموت عبد القادر، ولكن بعد أن تمتلئ حجرة المستشفى ببطولة لا تموت.”(10)

إن مرحلة تاريخية واجتماعية مختلفة قد طرحت في الأدب حينذاك ليس فقط بطولة فرد، بل وبطولة شعب. وحتى حينما يكتب روائي معاصر، الآن، رواية، يحتاج أن تكون شخصيتها الرئيسية ذات ملامح نفسية مختلفة، فإنه يعود إلي الزمن الماضي، ليعثر هناك ـ وليس في واقعنا الراهن ـ على نماذج مرتبطة بالمقاومة، كما فعل صنع الله إبراهيم حين عاد إلى السبعينات وإلى جبهة تحرير ظفار ليستعيد من هناك “وردة”(11)، وكما فعل إدوار الخراط الذي رجع ـ في روايته “طريق النسر”(12) ـ إلى خضم الغضب الوطني على الاحتلال والإقطاع في الخمسينات، ليعثر على حلقة حزبية من طلبة وعمال يجرفها الشوق إلي الثورة والعدل. هناك يمكن للروائي أن يجد بطلا روائيا يبلور المقاومة بشكل أو بآخر، أي أن يعثر على تلك الشخصية التي تجسد النموذج الجمالي والفكري الذي يؤمن به. ذلك أن الواقع الذي نعيشه حاليا لا يمكن أن يوحي إلا بشخصيات يائسة، لا ترى بصيص ضوء في نهاية النفق.

قبل النكسة قدم لنا إحسان عبد القدوس روايته “في بيتنا رجل”، حيث نرى بطله الذي يجسد البطولة بالمعنى المتعارف عليه حينذاك: الكفاح ضد الاحتلال من أجل تحرير الوطن. نجيب محفوظ قدم لنا شخصية أحمد عاكف الذي جسد بطولة أبناء الطبقة الوسطى المتمثلة في التضحية بالأحلام الذاتية من أجل استمرار الأسرة. كما عثرت لطيفة الزيات ـ قبل النكسة ـ على بطلتها في “الباب المفتوح” (1961)، المرأة التي تبحث عن نفسها وحريتها فلا تجدها إلا في ارتباط بحرية الوطن والمجتمع.

تعتبر “وردة” بطلة صنع الله إبراهيم المستعادة من الستينات أن يوم ميلادها الحقيقي هو اليوم الذي شنّت فيه أول هجوم مسلح على القواعد البريطانية في سلطنة عمان. تقول: “سيكون هذا اليوم هو عيد ميلادي الحقيقي”. بينما تقول بطلة سيد البحراوي في روايته الأولى “ليل مدريد”(13) : “أكاد أؤكد أنني أعرف بالضبط ما هي المشكلة. أعرف أنني أعيش حالة ضياع كامل. لا أعرف من أنا، ولا ماذا أريد، ولا ماذا أفعل بحياتي”. هذا الضياع عند بطلة الأعوام الأخيرة ــ مقارنة بوضوح رؤية وردة في الستينات ــ هو الفارق الذي خلقته النكسة بين شخصيتين وروايتين وواقعين.

لقد أخذت الرواية المصرية الحديثة تقدم لنا في أغلب نماذجها أبطالا يعيشون بلا رؤية ولا موقف ولا فاعلية. وانظر من الروايات المصرية رواية “أيام الثلاثاء” لتوفيق عبد الرحمن، وغيرها. هناك حيث شُلت إرادة البشر، وتم بتر التفاعل بينهم وبين المجتمع، وفقد الفرد شعوره بأهمية دوره في تغيير ما حوله، بل وفقد حتى مجرد الأمل في إمكانية التغيير.

وإذا توقفنا عند روائي آخر كبير هو محمد ناجي وروايته “رجل أبله.. امرأة تافهة”(14) سنجد أن بطل الرواية صحفي يناهز الستين، اعتقل سنوات شبابه لانغماسه في العمل السياسي، ذكرياته كلها مستمدة من الستينات، لكن حياة هذا البطل الخاملة التي لم تعد تشتبك مع الواقع اشتباكا حيا تسوقه إلى الخواء الروحي، وتتحالف عليه عوامل العجز الذاتي مع عوامل أخرى موضوعية، فيجد نفسه في النهاية أسيرا لامرأة تافهة، لا تتذكر من مشهد العالم الذي يحترق بالصراع سوى أسعار الخضروات والملابس.

ويقدم محمد ناجي في روايته شخصية أخرى، وقعها أشد قسوة، هي شخصية زغلول الدسوقي ـ صديق البطل ـ وكان في فترة سابقة المسئول عنه سياسيا في حزب سري. يقودنا ناجي لنرى الدسوقي، المحارب القديم وهو يموت وحيدا في بيت للمسنين من دون قطرة عطف أو لمحة تقدير من المجتمع. البطل الصحفي في رواية ناجي شخصية مهزومة مثله مثل شخصية “شرف” عند صنع الله إبراهيم، ومثل شخصيات محمود الورداني في رواية “أوان القطاف”(15) الذين بترت رؤوسهم وأحلامهم وأمانيهم في لحظات تاريخية مختلفة بدءا من سيدنا الحسين وانتهاء بشهدي عطية الشافعي. هكذا طارت رؤوس الجميع دون أن يتقدم العالم خطوة بفضل التضحية والبطولة.

رواية منتصر القفاش “أن ترى الآن”(16) تبدأ بشخصية إبراهيم الذي يعن له ذات مرة أن يصور زوجته عارية. وما تلبث حياته في التعقد حين تقع صور زوجته العارية في يد أحدهم فيرسل بنسخة منها إليه. ثم تصل نسخة من الصور إلى الزوجة ذاتها! إلا أن الكاتب يستخدم هذه الحادثة التي تتطور وتتصاعد لمجرد الكشف عن أزمة البطل الحقيقية وتكثيفها أمامنا. إنه شخصية تحيا من دون أحلام، ولا صدام، ولا أيديولوجية، بطل تكفي مجرد مصادفة أو نزوة عابرة لتدمير حياته وقلبها رأسا على عقب. إنه البطل الذي لا يقود الأحداث، ولا يتحكم في مصيره، بل وتكفي مصادفة عابرة لإنهاء وجوده من دون مقاومة.

في رواية محمد البساطي “فردوس”(17) سنجد لوحة لشقاء الجموع في قرية نائية، وهو شقاء أليم، وكدح بلا أمل في حياة أقصى ما يمكن انتزاعه منها هو كوب الشاي وأنفاس الدخان. لكن المشكلة أن ذلك الشقاء لا يواجه بأية رغبة في مقاومته أو التصدي له. ولا يلوح بين طبقات ذلك الشقاء الكثيفة وعي فردي أو جماعي بما يجري، إنه مجرد شقاء جاثم بلا حل ولا مخرج. وللمقارنة يمكن أن نستعيد صور الفلاحين في رواية الأرض عند عبد الرحمن الشرقاوي، والحلم الجماعي الذي كان يربطهم بالتحرر من سطوة الإقطاع وعلاقات الاستغلال.

وإذا كان البطل في الرواية هو الشخصية التي تجسد النموذج الجمالي والمعرفي الذي يؤمن به الكاتب، فإن أغلب الروايات الحديثة لا تقدم سوى بطل معزول، مهمش، تكفي مصادفة عابرة لتحطيمه، يجتر حياته مع امرأة تافهة، أو يسوقه الواقع إلى الاستغراق في الذات، بينما تغيب تماما الشخصيات التي تحمل مشروعا للتغيير الاجتماعي. ولن تجد في الروايات الحديثة أيضا شخصيات تكثف لنا عمليات الصراع الاجتماعي، أو تمثل رؤية فلسفية خاصة. معظمهم أبطال يكتفون بمجرد التواجد، وفي ذلك تحديدا مأساتهم التي تدعوك للتعاطف معهم. لكن ذلك التعاطف لا يعني أنك تثق في قدراتهم، فهم أبطال بلا فاعلية، ولا طموح، حتى ولو كان ذلك الطموح القديم لصعود السلم الطبقي كما كان حال محجوب عبد الدايم في القاهرة الجديدة لنجيب محفوظ. وفي معظم الروايات لا تنمو الشخصية لتصبح بحجم مصر وأحلامها، وعلى العكس من ذلك فإن مصر تتقلص وتنكمش لتغدو مقاس تلك الشخصيات المتأملة، الغارقة في ضباب ذاتي. هكذا اختفت بعد النكسة نماذج مثل إسماعيل في “قنديل أم هاشم” ليحيي حقي، الذي صارع الظلمة بالعلم، واختفت النماذج التي تكافح ضد الطغيان الاجتماعي والسياسي كما في ثلاثية نجيب محفوظ، ولم يعد لدينا سوى رصد فني للواقع والأفراد الذين لم يعد بوسعهم أن يقوموا بشيء محدد في مواجهة العالم.

من الصعب على الأدب أن يقفز على شروط الواقع. ومن الصعب على الأدب أن يخترع واقعا ملهما. لقد صاح ابن خلدون في مسرحية “منمنمات تاريخية” للمبدع الكبير سعد الله ونوس: “في هذا الغروب الشامل قد تكون قبسة الضوء الوحيدة هي وصف هذا الغروب”! وأضيف من عندي: الغروب الذي نشرته الهزيمة، واستقبله الجميع باعتباره أمرا حتميا.



أحمد الخميسي
أبريل/2007



 

عَلاَمَ غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:59 AM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.