رائحــــة مـدينـة - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
مِن ميّ إلى جُبران ... (الكاتـب : نازك - مشاركات : 877 - )           »          في خاطري شيء ..!؟ (الكاتـب : صالح الحريري - مشاركات : 3151 - )           »          جُمُوحُ العَاطِفة (الكاتـب : محمّد الوايلي - مشاركات : 1685 - )           »          لاَ مِسَاس ... ! (الكاتـب : جليله ماجد - مشاركات : 513 - )           »          ربَّةَ القدِّ الرشيق (الكاتـب : إبراهيم عثمان - آخر مشاركة : حمد الدوسري - مشاركات : 7 - )           »          ....&& ندبات وجراح&&... (الكاتـب : زكريا عليو - آخر مشاركة : إبراهيم عثمان - مشاركات : 7 - )           »          [ بكائية ] في فقد البدر .. (الكاتـب : خالد صالح الحربي - مشاركات : 20 - )           »          ياروح الروح ^_^ (الكاتـب : رحيل - مشاركات : 262 - )           »          في المقهى .. ؟ (الكاتـب : سيرين - آخر مشاركة : رحيل - مشاركات : 4460 - )           »          >الحــالــة الآن ! (الكاتـب : رحيل - مشاركات : 437 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد النثر الأدبي > أبعاد القصة والرواية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-06-2009, 02:14 PM   #1
منى العبدلي
( كاتبة )

افتراضي رائحــــة مـدينـة


ينساب ضوء شفيف خلسة من خلال فتُحة صغيرة في النافذة , يتبعه هواء مشحون بروائح من العالم القابع خلف الشرفة, رائحة الأرصفة الحارة وقد اطفئت بالماء , ورائحة البحر المشبع بالرطوبة , وتلك السحب المسافرة التي تقترب على استحياء من الأرض ، تحمل رائحة مطر تناثرت قطراته على أراض بعيدة .

للبحر معنى آخر في الصيف , بوسعك أن تشعر بتلك الإيقاعات الرتيبة لمياهه الهادرة على طول الصخور المتآكلة حين يلقي بأسراره فوقها ثم يرحل .

أنا والشرفة وحيدان تماما والبحر هائج ليومين متتاليين , لم آلف المكان بعد , ولا أشعر بسعادة أو حزن , لا شي .. لا شئ على الأطلاق .
ألمح في عيني من خلال المرآة ذلك التمزق الهائل في روحي وكأنما ريحٌ عصفت بذاكرتي وألقت بها ثم تولت . ظننت أنني بمقدوري استعادتها من جديد , وأن أعيد بناء ما تهدم , وحتى يستعيد كل شئ طعمه , أنفاسي , جلدي , أنسجتي , ذاكرتي سأبعثها من جديد , كل شئ سيعود كما كان . هكذا قررت وأنا أتأمل تلك المرآة الوحيدة متسائلا: كم من روح هائمة وقفت أمامك ؟
كم من عابر رمى بثقل غربته هنا ومضى ؟
ما أتعسهم أولئك الذين لا يخفون أسرارا .
أقترب بخفة من المرآة كمن يخشى هروب شئ والتقطها من جدارها , أقلبها يمينا وشمالا أنظر في كل جهاتها لعلي اختطف سرا من أسرار اولئك العابرين.
آه ماذا عساي أفعل ؟
يا لجنوني ... مددت يدي خجلا وأنا أعيدها إلى مكانها , معتذرا لها ولهم ولتلك الأيام التي غدت مجرد أحلام , ولتلك الأسرار التي تشربت ملوحة البحر. وكإثبات لحسن النية تناولت كأسا وشربت نخبهم .

إنها التاسعة صباحا , بدت الشمس متوهجة والظلال تتوارى جهة المغيب . روائح عطرة تنبعث من حزم النعناع التي حصدت توا وصوت البائع يجلجل في الأرجاء : نعناع .. نعناع طااازج
أخذت المدينة المجهدة تفتح مصارع أبوابها ووقع أقدام المارة يتزايد , تمتلئ بهم الشوارع كما الجراد المنتشر على الأرض , تمتزج أصواتهم فلم تعد أذناي تدرك شيئا منها .
أطلقت تنهيدة صغيرة وأنا اتابع المشهد الطويل, أيقاع واهن رتيب كأنما كتبته هذه المدينة على نفسها وأهلها . تفور صباحا تلعن ما اقترفته في ليلتها الفائتة تلفظ سكانها في ضيق كأنهم نبت أعياه العطش , يمضون بقية يومهم يتقلبون في شوارعها، تقيم فوق رؤوسهم بقية من أحلام البارحة. وفي الليل تتمدد خالية من الحياة لتتلقفهم قابضة على ذكرياتهم وعواطفهم , مطبقة بسوادها على كل شئ يدب . ليلها يحملني على البكاء كالطفل الذي فقد أبويه .غدوت فيه كشراع وحيد مبتل , مرتجف في لجة بحر لا قرار له.
ما الذي تفعله هذه المدينة بأهلها ؟
لم يعودوا بشرا احياء . صنعتهم دمى ملونة , يبدأون بها وتنتهي بهم
هل منحوها رقابهم لتسلط سيف بطشها عليهم ؟ ظنوا بأنها تمنحهم شيئا من المغفرة والبراءة . فما أعطتهم بالمقابل؟
إنها لا تحبهم على الأطلاق , إنها تنبذهم

حبست أفكاري في رأسي خشية أن تتسلل هاربة كما يفعل أهل هذه المدينة كل صباح , رتبت المكان وخرجت لا ألوي على شئ وكل ما أفكر فيه هو أن أصمد لعوامل التعرية..

 

منى العبدلي غير متصل   رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:30 AM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.