طــه الأعــمــى - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
[ فَضْفَضَة ] (الكاتـب : قايـد الحربي - آخر مشاركة : زايد الشليمي - مشاركات : 75155 - )           »          ستقول لي: _ تعالي بما تبقى منك إليْ.. (الكاتـب : جنوبية - آخر مشاركة : زايد الشليمي - مشاركات : 10 - )           »          مُتنفس .. شِعري ! (الكاتـب : سعيد الموسى - آخر مشاركة : زايد الشليمي - مشاركات : 785 - )           »          نفثات مقدسة من أنحاء اخرى .. (الكاتـب : محمد الجهني - مشاركات : 0 - )           »          فَــوَاق ! (الكاتـب : ماجد العيد - مشاركات : 14 - )           »          وصب ! (الكاتـب : تركي المعيني - مشاركات : 155 - )           »          هــايــكــو (الكاتـب : حسن زكريا اليوسف - آخر مشاركة : تركي المعيني - مشاركات : 299 - )           »          لاَ مِسَاس ... ! (الكاتـب : جليله ماجد - مشاركات : 509 - )           »          ارتداد (الكاتـب : ماجد العيد - مشاركات : 325 - )           »          جُمُوحُ العَاطِفة (الكاتـب : محمّد الوايلي - مشاركات : 1682 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد النثر الأدبي

أبعاد النثر الأدبي بِالْلُغَةِ ، لا يُتَرْجِمُ أرْوَاحُنَا سِوَانَا .

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-08-2011, 07:45 PM   #1
رُوح
( كاتبة )

افتراضي طــه الأعــمــى


كنت صغيرة .. و كان شابا ..
كنت حمقاء .. و كان ذكيا ..
كنت كثيرة الكلام و الضحك .. و كان ملازما للصمت و الحزن
كنت عينيه التي ترى كلّ شيء بألوانها الخاصة .. و كان هو صوت العقل الدافئ لي ..
كنتُ أنا كلّ شيء ينقصه .. و كان هو كلّ شيء يكمّلني ...

طه الأعمى .. لا يمكن لأيّ ممن كان قد عرفه أن ينساه ..
المولود الذي أسمته أمّه " طه " تيمنا بـ " طه حسين " .. بعد أن عرفَتْ بأنّه وُلد في الظلام .. و سيقبع في الظلام حياته كاملة ..
كانت تُفرحُ نفسها و تُصبّر قلبها حين تقول : طه حسين أبصر الدنيا في صغره .. و أنا على يقين بأنّك ستراها في كِبرك ..
كان طه الأعمى يبتسم بشفتيه .. و يبكي بقلبه حين يسمع أمّه تقول ذلك ..

سألته يوما : هل أنت مثل طه حسين ؟
قال لي : لم أره قطّ لأعرف !
ضحك و ضحكتُ .. ثمّ مضينا نكمل الطريق ..
في اليوم التالي .. أعطاني سلسلة " حديث الأربعاء " لأقرأها له !

ابتدأت قصتنا حين كنتُ عائدة من المدرسة .. رأيته يحاول قطع الشارع .. لم أكن قد حادثته من قبل .. ركضت مسرعة لأمسك يده ـ متأثّرة بمساعدة الضعفاء من درس التربية الإسلامية ـ أوقفني صوته من بعيد ، صوتٌ حازم ، مملوء بالعنفوان : توقّفي يا فتاة .. لديّ صديقة أفضل منكم جميعا ..
و مدّ عصاته البيضاء أمامي .. و تحسَّستْ له الطريق وسط ذهولي و صمتي .. و تسمّري في مكاني !
بقيت أفكّر به عدة أيام لاحقة .. و حين رأيته ثانية ... دفعتني جرأتي و حداثة سنّي إلى الوقوف بجانبه ..
طه : من أنتِ ؟
أنا : كيف عرفت أني فتاة ؟
طه : لديّ عيونٌ سحرية
أنا : إذن ماذا أرتدي ؟!
طه : مريولا أزرق اللون .. و حقيبة المدرسة
اتسعت عيناي جدا .. و بدأت بالدوران حوله بحثا عن عينيه السحريتين ..
أمسكني و أشار إلى صدره : إنها هنا ..

و هكذا توالت لقاءاتنا .. و كثرت أحاديثنا ..
إنّه مثلنا .. يجوع و يأكل ! إنّه مثلنا يشعر بالحزن ! إنّه أفضلُ منا !
إنّ له قلبا .. إنّ له قلبا !!

بتُّ أخبّىء له الحلوى .. و بات ينتظري بشغف ..
صار طه الأعمى محور اهتمامي .. و عليه أصبّ كلّ تركيزي ..
و صار هو يميّزني من بين عشرات الفتيات .. و يقلّد صوتي ببراعة ..
حفظت تقاسيم وجهه .. و انحناءات فمه حين يبتسم ..
و هو عدّ لي كلّ ضحكاتي .. و قال إنّها تسع !

صرت أغضب إن شاكسه أحدٌ ما .. و صار هو يضحك على لساني اللاذع حين يفعل أحدهم ذلك ..
قال لي : عليكِ امتهان المحاماة ..
قلت له : عليك أن تُبصر يوما !

و كعادة الدهر المُفرّق .. دُقّ ناقوس الرحيل .. حزمتُ حقائبي و مضيت غير مودّعة ولا باكية .. لم ألتفت لحافة الطريق التي سمعت كلّ أحاديثنا .. و حفظت كلّ ذكرياتنا .. لم أبحث عن طه ... لأنّني أعلم يقينا كم أنّه يكره الرحيل ..

أخبرني ذات سرّ : أكره الرحيل
أنا : ماذا ؟
طه : لأنّني لا أعرف شكل الدموع في المآقي
ترقرقت الدموع في عينيه كالزجاج .. و كان ساحرا لحدّ الحزن .. و كنت حزينة لأجله حدّ الكذب !
قلت له : الدموع قبيحة .. و مالحة .. لم يَفُتكَ الكثير حين غدوت " عصيّ الدمع "
و لم أخبره يوما كم أنّ الدموع تغسل القلب .. و تعيد شباب الروح !

و شاء الله أن أعود من جديد .. بعد سنوات عدّة ..
كنت حريصة في كلّ عودة لي بأن أمشي على ذات الطريق .. و كنت أتفقّد المداخل و المخارج بحرص شديد ..

و رأيته ..
إنّه طه الأعمى بلا شك ..
لا يمكن أن أخطئ ذلك الوجه .. أو أن أضل تلك الابتسامة !
اقتربت .. و تزاحمت في رأسي مئات الأفكار و الهواجس .. مئات الذكريات .. و ألوف لحظات التأمل الصامتة .. قشور الحلوى الكثيرة .. و بالتأكيد :صوت الضحكات التسع !
سألته : طه الأعمى ؟
قال : أكون أعمى لأجل صبية مثلك !
صمتُّ هنيهة .. ثمّ سألته : حقا أنت طه الأعمى !
قال لي : و حقا أنتِ بغيضة حين تذكرين الناس بما لا يحبون !

هذا الأعمى كان ينظر في عينيّ تماما .. و يراقب كلّ حركة لي .. كانت هناك حياةٌ في عينيه ..
قلت له : ألم تعرفني ؟
قال : ساعديني ..
قلت له : عيونك السحرية .. و قارعة الطريق المهترئة ..
فلم يُجبني سوى بالصمت ..

همّ بالرحيل و سألني : أتريدين شيئا ؟
قلت له : حياة هانئة لك ..

أدار ظهره و مضى ..
أدار ظهره لأحاديث الأربعاء .. و للدموع الزجاجية ..
أدار ظهره للضحكات التسع ..
أدار ظهره لي و مضى ..
مضى و كأنّه لم يكن ذلك الحلُم الذي عشته ..
مضى و أنا أتمتم : ليتك بقيت أعمى يا طه !
ليت الحياة بقيت في قلبك و لم تغادرها إلى عينيك قطّ !





على الهامش : لم أكن لأبدأ النشر بهذه السرعة ، لولا الترحيب الذي لقيته ، و التشجيع الذي دعمني

 

التوقيع

لأنني أنا ..
أرفض تماما أن أتلاشى في ظِلّ غيري ..

رُوح غير متصل   رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:11 PM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.