" في الفضيلة الواحدة من الفضائل أكثر مما في الفضيلتين "
زرادشت
في الإنسان الكثير من الأسرار، يُوصل إليها بالتعمُّقِ في النظر، و التدقيق في التأمل، و كثيرٌ منها ظاهرٌ و لكن لا عينَ تُبصرُه، تلك الأسرار من الدهشة بمكانٍ يجعل الإنسان حين يقف عليها لا يكاد يصدق وجودها فيه، و يزداد دهشة حين يجدها جارَّةً وساحبة لأسرار أخرى، فليس السر إلا سراً لسرٍّ، و حين ينكشف سرٌّ يتبعه انكشاف التالي.
في كل إنسان فضائلُ، كما أنه فيه رذائل، فهو يمتاز عن غيره من الخلقِ بفضائله، و كل مخلوق يحمل فضيلة، و الإنسان في ذاته، جسدا وروحا، فضيلةُ الإله في الوجود، لذلك كان محلَّ التقويم الحسن في الخِلْقة. فضائل الإنسان صورٌ متعددة لحقيقة واحدة، و ليست هي حقائق متعددة، لأنه لا يجمع الإنسان في ذاته غيرَ ذاتٍ تتكوَّن من صفاتٍ، تلك الصفاتُ تتكوَّن من معارفَ و قيَم و تقاليد الحياة، فلا نجد الإنسان حين يكون كريماً هو غيره حين يكون صابراً، الحقيقة الواحدة هي فضيلة نفسه، و الصور المتعددة هي أعراض تلك الحقيقة.
غيرَ ذا؛ حين تكون لدى الإنسان صفة، هي فضيلةٌ صورية، واحدة، فإنها تجمع في طيَّاتها الكثير من الفضائل، فكل فضيلة تجلب أخرى، و تدعو إلى فضيلةٍ غيرها، لأن الفضيلة معطاءة جوادة كريمة، و الكريم لا حدَّ لكرمه، و الفضائل معانٍ، و لا مُنتهى للمعاني. يبقى على الإنسان أن يبحثَ في جوفِ كل فضيلةٍ لديه ليجد أن في جوفها عدد من الفضائل، و كلما زاد في البحث وجد كثيراً. كذلك الرذائل.
إنَّ هذا ليس غريباً في حال الإنسان، فقد كان معروفاً، و لا زال، فكل إنسان تميَّز بفضيلةٍ أدركَ من حولَه أن لديه فضائل أخرى، خاصة إن امتاز بفضيلةٍ أقلَّ هي فرعٌ و أثرٌ لفضيلة أخرى.
من خلال تعمُّقٍ في النظر في أسرار فضائل الإنسان، نؤمن حينها بأن الإنسان مجموع متكاملٌ من الكمالات، و مستودعٌ للكثير من الصفات الجميلة، فالإنسان كائن جميل في منتهى صور الجمال الروحي، و كذلك الجسدي، لكن من الذي يرى تلك الحقيقة الجمالية فيه؟
هذا يبعثنا على أن نتأملَ أنفسنا أكثر، و أن نتعمَّق في أعماقها، فالدُرُّ في العُمْقِ لا يطفو أبدا، فلا يصل إليه إلا صادق البحث مؤمن بقيمته، ومن عداه فلن يُجاوزَ معرفةَ كونه جسداً تسري فيه روحٌ ينتهي نبضه بوفاةٍ. و مثل هذا من فئة " شرِّ البريَّةِ " لأن من أدرك أسرار " سنريهم آياتنا في الآفاقِ و في أنفسهم " هو سليلُ الوصفِ بأنه من " خير البريَّةِ " لأنه أدركَ الوظيفة الكبرى في كونه خليفة في الوجود ليكون مظهراً لفضائل الإله الكبير التي تركها في حقيقة الإنسان.