مع أنها غنيه عن التعريف لكن سأذكر نبذه مبسطه عنها :ارست فيروز زمانها المتفلت من الزمن في الذاكرة الفنية، ليس من المحيط الى الخليج فحسب، وانما في العواصم العالمية التي تملك ادوات التصنيف. فهي تعرف بالتأكيد ان رصيدها يكفيها ويفيض، وانها ادت قسطها للعلى في فضاءات الابداع . لكنها على ما يبدو مسكونة بهاجس الاستمرار على قيد العطاء حتى آخر قطرة من عناقيد الغناء.
وفيروز، المسجلة في بطاقة هويتها باسم نهاد حداد، سبعينية، لا تحمل ملامحها اثقال العمر، تركته على مفرق من مفارق قريتها «الدبية».
بداياتها كانت على مقاعد المدرسة، سمعها استاذ الموسيقى محمد فليفل، فالتقط موهبتها وأشار عليها ان تلتحق بالمعهد الموسيقي اللبناني. هناك تعلمت الغناء والنوتة، وتميزت بسرعة التقاطها الالحان وجودة أدائها.
محطتها المهنية الاولى كانت مع اعجاب الفنان حليم الرومي (والد الفنانة ماجدة) بصوتها. عرض عليها ان تشتغل في الاذاعة اللبنانية، واختار لها اسم فيروز، لبست اسمها الجديد، لتخطو خطواتها الاولى على درب المجد في عام 1950.
في اروقة الاذاعة تعرفت الصبية على عازف الكمان عاصي الرحباني، معه بدأت محطتها الثانية، التي تحولت مشوار عمر في اروقة الفن والحياة، تزوجت فيروز العازف، الذي كان مشروع شاعر وملحن وموسيقي صاخب المواهب، وكأنه مع شقيقه منصور كانا بانتظارها لغزو عالم الفن الواقع تحت هيمنة مصرية، لينقلا الاهتمام الى مدرسة رائدة لبنانية، كسرت الاسلوب الكلاسيكي للطرب الاصيل، ونسجت حداثتها الصادمة في تلك الحقبة .
فيروز اقتحمت بإدارة الاخوين رحباني عالم الحداثة الفنية، غنت لهما كلمات طالعة من البيئة الجبلية اللبنانية، بألحان تحمل نغماتها ألوانا موسيقية متعددة المصادر. كسرت هذه الاغنيات زمن «يا ليل يا عين» المفتوح على الارتجال والتطويل من دون ان تلغيه. مهدت لنفسها مكانة لا تقل عنه مستوى، لتبرهن المدرسة الرحبانية ان دقائق قليلة تكفي للتطريب والسلطنة، لا سيما مع وجود الصوت الفيروزي الانثوي المراوغ في رقي والخاص بخامته وطبقاته الخافتة والطالعة من الحنين والحلم، وكأنها تنساب من جدول او تنهمر من غيمة او تهمس لكل واحد بمفرده، مع انها تحاكي المجموعة، فالصوت الفيروزي تميز بأنه ناطق رسمي لحياة الناس وطقوسهم ومواسم حزنهم وفرحهم، كما تميز ببساطة غنية غير مألوفة على اذن المستمع العربي التقليدي.
شراكة الفن والحياة التي عبرت فيها فيروز «طريق النحل» بعسله ولسعاته اثمرت آلاف الاغاني وأكثر من 20 عملا مسرحيا وثلاثة افلام سينمائية. واغلقت صفحتها مع مرض عاصي ووفاته عام 1987. خلال حقبة الأخوين رحباني لونت فيروز رصيدها بألحان سيد درويش ومحمد عبد الوهاب وفيلمون وهبي. وسكبت على هذه الالحان شخصيتها. لتصبح نغمات هؤلاء الكبار فيروزية بامتياز.
بعد رحيل عاصي، عرفت فيروز عزلة كانت قد فرضتها عليها الحرب الاهلية، التي حالت دون انتاج اي عمل فني كبير في لبنان.
ومع عودة الاستقرار الأمني فتحت فيروز صفحة جديدة وكأنها خلعت عنها سن الرشد الفني، لتعود الى مزاجية فنية مراهقة اخاذة متمردة جريئة وغنية، سواء لجهة اللحن او لجهة كلمات الاغنية التي تكسر حدود الصورة الرومانسية الى مشهدية واقعية للحب والعلاقة بين العاشقين.
بدأت هذه المرحلة الثورية في مسيرة فيروز مع شريط «اسامينا» من كلمات جوزيف حرب والحان الراحل فيلمون وهبي مع وعد مسبق باللقاء كما تقول في اغنيتها «بكرا برجع بوقف معكن»، واستكملتها بأعمال زياد التي قلبت طاولة الرصيد الرحباني رأسا على عقب. قوضت تربيتها الفنية الصارمة التي حولتها الى حلم في اذهان جمهورها. خرجت من الوصاية، قوضت المتاريس المرفوعة بين الاجيال ، جذبت اليها الشباب ، فتحت لهم مدرسة حديثة بعيدا عن اغنيات السوق .
وليس غريبا ان تحقق فيروز صيغة التجديد والابتكار بمعية زياد وتبلور رؤاه المتطرفة في ابعادها بصوتها، رغم التغييرات الطفيفة التي شابته. ليس غريبا ان تحمل بين سطور صوتها رسالته الفنية التي يجيد تمريرها بكلمات بسيطة يستلها من الشارع لتصير مبادئ اجتماعية. وحدها فيروز تقدر على مد الجسور وتسهيل مرور الاغنية الى حداثتها وعصرنتها المطلوبة مع الرحباني الابن، فهي مثقفة حتى الثمالة ، محدثة لبقة ، تبهر محاورها، لا تكسر هالتها ، ومع هذا تبقى اكثر النجوم التصاقا بكينونتها البشرية.
ربما في هذه المعادلة يكمن توازنها . وهو توازن قلما عهدناه في مشاهير ، معظمهم اتسمت سيرته بالجنون والجموح، لا سيما اذا وصل الى حد الخروج من دائرة الضوء.
وفي 26/6/2005
منحت فيروز الدكتوراة الفخريةلتكون أول مطربة في العالم تمنح هذا اللقب
من الجامعة الامريكية في بيروت.
هكذا يتساوى الصوت مع العلوم وينتزع لقبا طالما احتكره العلم الاكاديمي..انه لقب الدكتوراه الفخرية الذي تساوت فيه فيروز مع كل من البروفسور المصري أحمد زويل الفائز بجائزة نوبل في الكيمياء والدكتور ريتشارد دبس الرئيس المستقيل لمجلس أمناء الجامعة في نيويورك وغسان تويني الوزير السابق والصحفي عميد صحيفة النهار اللبنانية والاغا خان الزعيم الروحي لطائفة الشيعة الاسماعيلية.
منقول مع جزيل شكري لصاحبة الموضوع الأصلي ...
كونوا بخير ...