!! المقهورة ]] رواية [[ !! - الصفحة 4 - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
فَــوَاق ! (الكاتـب : ماجد العيد - مشاركات : 14 - )           »          وصب ! (الكاتـب : تركي المعيني - مشاركات : 155 - )           »          هــايــكــو (الكاتـب : حسن زكريا اليوسف - آخر مشاركة : تركي المعيني - مشاركات : 299 - )           »          لاَ مِسَاس ... ! (الكاتـب : جليله ماجد - مشاركات : 509 - )           »          ارتداد (الكاتـب : ماجد العيد - مشاركات : 325 - )           »          جُمُوحُ العَاطِفة (الكاتـب : محمّد الوايلي - مشاركات : 1682 - )           »          [ #مَعْرِضٌ وَ تَعْلِيْقٌ ] (الكاتـب : قايـد الحربي - آخر مشاركة : ماجد العيد - مشاركات : 8214 - )           »          تبّت يدين البُعد (الكاتـب : عبدالله العتيبي - مشاركات : 14 - )           »          [ رَسَائِل أُخَوِيّة ] : (الكاتـب : خالد صالح الحربي - مشاركات : 41 - )           »          العيد والغياب!!! (الكاتـب : محمد علي الثوعي - مشاركات : 6 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد النثر الأدبي > أبعاد القصة والرواية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-01-2007, 10:22 AM   #25
الوجه الأليم
( كاتبة )

افتراضي


.0







الحلقة الثامنة " لقب العزيزة "



لقد انقضت العطلة الصيفية ,, وفي الغد سيكون أول يوم مدرسي ,, لقد شعرت بطولها وببطئها المريرين ,, وكم تمنيت أن تنتهي بسرعة لأهرب من كل الأجواء التي أحتوتها !!

وفي الغد أيضا ً سيكون لقائي الأول بمريم ,, لا أعرف كيف ستكون طبيعة هذا اللقاء ,, لكني أحسبه سيكون حاراً فالأحداث الأخيرة والانباء التي وصلت لكلينا ستجعله يكون كذلك ..

قد أقنعت والدي أخيرا ً بفكرة حافلات الوزارة ,, وقد قبل ذلك باستياء لكن لا يهم ذلك بقدر قبوله بحد ذاته ,, فالنصف ساعة التي سأمضيها في الحافلة مع مريم حتما ً تعني الكثير !!
إنني لأسترق الدقائق واللحظات التي تجمعني بها ,, وما يدعوني لفعل ذلك مقتها للزيارات التي أرجعه لوالدتها !! وإن لم أتأكد من ذلك ..

أنا سعيدة وفي ترقب للغد بشكل كبير ,, وكل ما أرجوه أن يمضي هذا الليل سريعا ً,,


تناولنا العشاء باكرا ً هذه الليلة ,, وكان هذا التوقيت لأجلي ,, وكالعادة كنا ثلاثة فقط ينقصنا أخي عادل الذي بات شبيها ً بالأموات !! فهو يرفض أن يجتمع معنا ,, لقد بدا مظهره سيئا ً للغاية ,, كأنه أحد أفراد السجون ,, أتعبنا حاله كثيرا ً وبقائه في الغرفة التي لا يغادرها سوى للمقبرة !
وتركنا التغيير والعودة للحياة في يد الأيام المقبلة .

أما أنا فأبكي كثيرا ً كلما مرت على ذاكرتي اطياف الماضي وأضحك كلما مر على حياتي مايثير في داخلي السعادة من موقف ٍ مسلٍ في التلفاز أو في المجلات أو مثيلهما ..
أدركت بأن الموت حق لابد منه ,, وإن كل ٍ نفس ستذوقه ,, هذا ما تعلمته من والدتي .


قبل أن يغادر والدي المائدة سألني :
" هل أنت ِ متأكدة من قرارك بشأن حافلة الوزارة ؟

أجبته :
" أجل ..


انصرف فيما أمي تستوقفه بسؤالها :
" لماذا انت معترضا ً على ذلك ؟

وهو السؤال الذي لا أجد له انا الاخرى اجابة .

يبدو على والدي الارهاق لذا كان يجيب والدتي وهو يتثاءب :
" لدينا من المال الكثير ونستطيع توفير مواصلات خاصة ..

لم يكن رد والدي مقعنا بنظرها ! فقالت :

" لا يهم اذا ً إذ لا أجد في أمر حافلات الوزارة عيبا ً يذكر ! كن متواضعا ً يا أبا عادل .

" وما دخل التواضع يا إمرأة !!؟

الجملة الأخيرة هذه كانت حادة بعض الشيء ,, أخال الاستمرارية في هذا الحوار سيودي بمشكلة ,, وكمحاولة مني قلت :

" الحافلة لاتخص طالبة دون أخرى فهي للجميع وعن أذنكما سأخلد للنوم .


تلقيت مكالمة هاتفية من زميلتي فاطمة ,, تذكرني بمنزل جارنا أحمد ,, وهو الموقع الذي تقف عنده الحافلة ,, تظنني نسيت !! أ أقوى على نسيان سبيلا ً يوصلني لتلك العزيزة ؟؟

أعددت كامل أموري وطلبت من الخادمة كي " المريول " والعباءة ,, فيما قمت أنا بضبط المنبه ليعينني على الاستيقاظ باكرا ً .


~~~~~~~~~~


تناولت وجبة الافطار سريعا ً خشيةً أن تسير الحافلة دوني ,, وفي أثناء هذه العجالة نسيت مصروفي الخاص بوجبة المدرسة على مائدة الافطار ..

لم تكن فاطمة قد تواجدت بعد ,, ولم يكن هنا غير قليل من الطالبات ,, ولثوان ٍ ما قدمت مريم بابتسامتها الغائبة ,, ياه ,, فوالله لاشتقتها !!

" السلام عليكم .

حيتنا مريم واقتربت مني تحييني بتحية خاصة وتقول :
" غريب حضورك !!
" حضوري ؟؟؟
" ما أقصده هو وجودك في حافلة الوزارة فأنت أعتدت على الموصلات الخاصة ..
" صحيح ! لكني أردت التغيير ..

تخطو للخلف لتحتمي بشجرة منزل جارنا أحمد وتدعوني للاقتراب منها .. !

كانت صامتة كأنها لاترغب بالحديث عن أي شيء , أو حتى السؤال عن العطلة ,, كم كان باردا ً هذا اللقاء وانا التي حسبته سيكون خلافا ً لهذا !

فاطمة قدمت هي الأخرى وألقت التحية بمصاحبة نظرات ٍ سيئة لمريم ,, !
أظن الغيرة اشتعلت الان في داخلها ..

لم تمر غير دقيقة ووصلت الحافلة ,, وكنت أول من تركبها .. ركبت من الباب الأمامي وفضلت الجلوس في المقاعد الخلفية فأنا اعشق الجلوس هناك ,, وأفعلها دوماً في الرحلات المدرسية .. وهناك أيضا ً كانت المفاجأة !!


مريم تستأذن الجلوس بجانبي بقولها :
" أيمكنني أن أجلس بجنبك !!؟

أهذا سؤال ؟؟ وهل يمكن لي رفض هذا ؟ فقلت فورا ً :
" بالطبع يمكنك !!

تحركت الحافلة فجأة ,, فيما طالبة أخرى لم تركبها ,, لوحت بيدها لتلفت انتباه السائق لكنه لم يتوقف .. ! بل سار بسرعة جنونية ولا شعورياً أمتدت يدي ناحية المقبض الموضوع في خلفية الكرسي الذي أمامي .. !

وأخاطب مريم :
" إنه يقودها بسرعة ..

" اعتدنا على ذلك ..

" إنه لمجنون حقا ً يا إلهي أخشى أن يقع حادث ..

مريم تمد يدها ناحيتي وتهدأني : لا تقلقي هو يقودها هكذا دوما ً !

وصلنا للمدرسة ولم أتحدث مع مريم بشيء غير أمر السائق المجنون ,, وختمته بقولها :
" أريد مقابلتك بالفسحة !


تعانقت مع زميلاتي عناقاً حاراً بعد فراق ٍ طال لثلاث شهور ,, وسألني عن أخباري وأموري ,, سعدت جدا ً بما قابلني به ,, إلا أنه سرعان ما تحول لحزن وكل مايخص بقاموس الألم حين دخول نادية ..

حيتني وبسؤالها جعلتني بقايا أشلاء وأعادتني لجحيم أحزاني من جديد ..

" مرحبا ً بابنة أخت المجرم القاتل .. !

تباً لهذه الانسانة وتباً لمعرفتي بها .. !! لم اجب ,, وصمت لكنها تمادت بقولها :

" أخ مريم هو الاخر مجرم سفاح ,, أظن بأن مشروع صداقتكما سيكون ناجحا ً !!

صرخت بكامل مالدي من قوة في وجهها : كفى يا نادية !

ونشب صراع فيما بيننا وتطاولت بأقوايلها على خالي وناصر فيما بقيت أنعتها بالجاسوسة الفضولية ذي الأخلاق السيئة ..


ولولا تدخل بعض الطالبات لوصل أمرنا إلى المشرفة الاجتماعية وقد يصل لمديرة المدرسة .. وثم لوالدتي وهذا ما سيضيف أعباء فوق أعبائها ..


وهربت من الصف متجهة لمريم حيث تكون , راغبة في النزول معها لاحدى زوايا المدرسة ولأطلق العنان لدموعي ولأبكي كيفما أريد .. !

بكيت كثيرا ً وتألمت كثيرا ً ,, فمجرم لقب لا يليق بمن هو خالي ,, خالي العزيز الراحل .. !!

ووسط تلك الدموع ,, ترفع مريم رأسي بيديها وتسألني :
" هل كنت تعرفين من قبل بأنني أخت ناصر صديق خالك ؟

توقفت قليلا ً وأعطيت لعقلي فرصة للاجابة ,, وللقلب فرصة في النسيان قليلا ً ..

" لا لم أعرف الا بعد خبر الاعدام ..

" ولماذا لم تخبريني حينما أوصلتني ؟

أبعدت النظر عنها محاولة البحث عن إجابة ,, فأنا لا أعرف الاسباب التي استدعت اخفاء أمر معرفتي فصمت .

فيما قالت :

" استغربت تواجدك مع والدتك ,, حين الزيارة ,, ولم أفكر حينها بأنك ذاتها ليلى .. وخلت بأن زيارة والدتك قبل سنوات لن تتكرر ..

انتظرت تعليقي حول حديثها لكنها لم ترَ شيئا ً فسألتني :
" ألازالت والدتك تتذكر العنوان ؟

ما أتذكره أن والدتي سألتني عن العنوان حين الزيارة .. فقلت :
" لا تتذكر المنزل جيدا ً لكنها تعرف منطقته ..

" جيد ..

رن الجرس وكالعادة استاذة الرياضة تأمر الطالبات بالتوجه للطابور .. هنا أطلقت مريم تنهديتها :
" لا احبذ الطابور الصباحي في أول يوم مدرسي .. فالطالبات يجهلن موقعهن ..

" أما أنا فأمقت الطابور في كل الأوقات ..

توجهت لدورة المياه لغسل وجهي جيدا ً لأمحي أثر البكاء ,, بينما هي انتظرتني بالخارج ..
وأعادت ذكر طلبها بحضوري لها بالفسحة ..


الأجواء كانت مملة ,, لم يكن موجودا ً على الأرضية رمز الصف ,, والطالبات لا يعرفن موقعهن ,, واقبلت بعض المدرسات للتنظيم ..


~~~~~~~~~~~


مريم !! أخيرا ً حدثتني ,, وأخيرا ً طلبت مني مجالستها ,, وأخيرا ً وأخيرا ً !!
لقد أنستني شجى قول نادية هذا الصباح ,, يا لهذه الانسانة ,, إنها بالفعل أكبر من اي شيء ,, وإنها بحق رائعة ,, لقد فعلت القليل لأجل اقتحام نوافذها ,, وسأبذل الكثير لنعيد ذكرى صداقة الراحليْن بصداقتنا ,, ولنمثل ذكراهم بنا .. أظن هذا الأمر هو ما سيدفعنا للتقرب .. وهو ما سيجعلنا أكثر أخوة ..

هو هذا الحديث الذي غاص في داخلي وأنا بقرب صفها بعد دق جرس الفسحة بانتظار خروج استاذتهن .. وهي ذاتها الاستاذة التي تكثر الحديث حول مريم ,, إني لأفكر أن أهديها باقة ورد عرفانا لهذا الصنيع الذي قدمته لي .. !!


" ليلى تعالي !

صوت مريم يناديني من داخل الصف .. فاستجبته ووجدتها وسط زميلاتها ..

فقالت لي إحداهن :

" قلنا لكِ لن ندع لك مريم وحدك !

فقالت مريم :
" لاعليك ِ منها !! تمزح !!! اسمعوني جيدا ً هنالك ما أود إخباركن به ..

صمت الجميع في ترقب ما ستقوله مريم .. اقتربت مني حيث واقفة ومسكت بيدي قائلة :

" لابد أن تعرفن بأن ليلى هي العزيزة ,, !!

ذهل الجميع بقول مريم الذي لم أتوقعه أنا ولم يتوقعه أحد !

قولها أخرسني ,, ولم اقوَ على النطق أو التعليق على حديثها ,, فيما صديقاتها يحسدني على هذا اللقب .. ومريم بجانبي بابتسامتها !

أخبرت كل صحبها بأن صديق ناصر هو خالي ,, وإني هي ذاتها ليلى التي تكثر الحديث عنها .. وأنا من بين التصديق من عدمه ..

ودعتهن وأبقت الساعة المتبقية للانفراد معي ,, فهنالك اجتماع بين المدرسات والمديرة لذا سيطول زمن الفسحة .. أمور كثيرة باتت تحصل في رفض بات لعقلي ..


جلسنا في ذات المكان الذي جلسنا فيه هذا الصباح ,, وسألتني :
" ألاترغبي بشراء وجبتك ؟
" نسيت نقودي اليوم ..

تبدو سعيدة مريم بحضوري ,, ومافعلته قبل قليل قريب للخيال حيث لا تصديق له ..

" كان أخي يكثر الحديث عنك لي !

سألتها : لم َ ؟

" خالك يعتز بك كثيرا ً وكان دوما ً يرجو أن نكون صديقتين ,, فيوصي أخي بالحديث لي عنك .. لكن رجاؤه كان صعبا ً وسط الظروف ..

" أتقصدين المظاهرات السياسية التي حصلت ؟

" لا لا .

" إذا أي ظروف .. ؟؟

" أقصد أ ...

ولم تكمل قولها .. وصمتت .. مكتفية بذكر حرف " أ " وحده .. !!

عاودت سؤالي من جديد ,, :
" أي ظروف ؟؟

" لا شيء ليلى ,, !

يبدو وجود ظرفا ً لم يسمح لصداقتنا بالتكوين من قبل ,, ولن يسمح لها بالتواصل .. !! فقلت بخوف :

" هل هنالك ماتخشينه ؟

" لا ..

وعاد الغموض ليكسو شخصيتها بعد اللقاء الأول ,, سألتها :

" ماذا كان يحدثك أخوك بشأني ؟

تبتسم بتذكرها للماضي ,, ابتسامة ملامحها أسى .. !!

" إنك رائعة ,, تعيشين بسلام وهدوء دون أن تقحمك الاحزان في عالمها ,, تبتسمين دوما ً وتعشقين رؤية العالم كله في سعادة .. هادئة .. ووو !!!

أمور ذكرتها مريم في حديثها المطول عن شخصي لم أنتبه لوجودها في طباعي .. !! فأدركت بأن الراحل كان يحيا في داخلي ويعرف مايجول فيه ..

أنا سعيدة لأني مع شخص كمثل شخص مريم الرائع ,, ولست أدري بأسباب سعادتها ! أهي ذكرى أخيها الراحل ,, أم وفاء ً لوصية خالي ؟؟ .. وكعادتي أترك التساؤلات للأيام تجيبني .. !!

ووسط زحام الأحاديث تذكرت أمر الزيارات المنزلية التي صرحت بمقتها لها :
" مريم أود سؤالك بشيء .. أرجو الاجابة !! إن لم تمانعي ..
" سلي ..
" لماذا ترفضين الزيارات ؟؟

لاذت بالصمت واغمضت عينيها ,, وبهدوء بعد دقائق قالت :
" اعفيني من الاجابة .

لتجعله لغزا ً غامضا ً غير راغبة في حله ..


~~~~~~~~~



عدت من المدرسة بعد وداعا ً حاراً من مريم اثناء نزولنا من الحافلة ,, وشعرت بأن السعادة لا مثيل لها في داخلي اليوم ..

وضعت كتبي فوق الطاولة وارتميت على سريري بقوة حتى كدت أكسره !!

وأنا في سعادة كبيرة لكل ماحصل ..
فأخيرا ً سأدرك مفهوم الصداقة الذي أجهله وسأعيش حياة الاخوة ,, وسأشعر بأن لدي أخت لم تلدها أمي !! فمريم وعدتني حين انتهاء الفسحة بذلك ..

وصرحت أمام صديقاتها بأني العزيزة !! أجل العزيزة .. !!

أمي دخلت غرفتي وقالت :

" ألم تغيري ملابسك بعد ؟
" سأنهض الآن .. الآن ..

امي تنظر سعادتي بتعجب ,, يبدو بأنها تعلم حقيقة ما أنا عليه .. تركتها تمضي لحين نزولي للمطبخ لتناول الغذاء ..


كنت جائعة بعض الشيء ,, إذ أني لم أتناول وجبتي بالمدرسة وكنت قد تناولت العشاء الليلة الماضية مبكرا ً ,, تناولت بشراهة ,, والدي لحظ ذلك فقال :

" كنت أرغب في ارسال النقود لك لكن السائق كان مشغولا ً اليوم ..

" ليس هنالك من مشكلة ..

تبدو لوالدي بوادر الحوار ,, فعاد ليسأل :
" هل أخبر زميلي رئيس المواصلات بأنك ستداومين على حافلات الوزارة ؟

ومن أعماق أعماقي قلتها : نـــــــعم !!

شعرت بالغصة فجأة لسرعة تناولي فشربت الماء القريب مني ,, واحسست بالاكتفاء قائلة : الحمد لله .

والدي يرغب في الحديث حول المدرسة وأجوائها هذا اليوم ,, لكني أجلت ذلك لما بعد الصلاة .. والتي اشعر بتثاقل في تأديتها إذا ما أديتها بعد تناول وجبة الغذاء .. !!!!
أحتاج لاعادة برنامجي ,, وتغيير امور كثيرة ..


في المساء خرج والدي لشراء بعض حاجيات المنزل ,, بينما بقيت والدتي في غرفة المعيشة تقرأ بعض المجلات ,, وقد جالستها لأحدثها عما حصل هذا اليوم ..
فأنا ومنذ صغري اعتدت على إخبار والدتي بكل ما يمر على عمري من مواقف وأحداث .. وإن لم تستحق النقل .. ! ولأنها فهمت رغبتي في الحديث تركت المجلات جانبا ً وتقول :

" كيف كانت المدرسة يا حبيبتي .. ؟

" جيدة جدا ً .

" هل حصل شيئا سعيدا هناك ؟

" اجل !

اقتربت من والدتي أكثر ليتسنى لي إخبارها بشكل أفضل ,, هكذا كنت أظن .

" أمي لقد جالست مريم اليوم وكانت سعيدة بي ..

" مريم انسانه رائعة وتستحق ماتبديه لها من اهتمام .

مدت والدتي يدها وأبقت رأسي على صدرها ومضت تداعب خصلات شعري وتتذكر الماضي ,, حين كان يرغب كل من خالي وناصر في أن نكون صديقتين .. وهو الحديث ذاته الذي أخبرتني به مريم اليوم .. فكانت تقول :

" الدنيا غريبة ,, وتدور وتدور .. !! أخبرتني في نهاية العام الدارسي الماضي باعجابك بشخص فتاة ,, وهذه الفتاة هي ذاتها من كنا نرغب في أن تعرفيها .. وقد رفضت مقابلتها .. !!
وتضيف :
اخي كان يحترمها كثيرا ً رغم إنها لم تبلغ أنذاك اثنتى عشر ربيعا ً !


رفعت رأسي قليلا ً وسألتها :
" هل كان خالي هو الاخر يتحدث عنها ؟؟

" حدثني عنها كثيرا ً منذ الشهور الأولى التي عرف فيها ناصر .. مريم متميزة عن قريناتها ,, وفكرها يفوق عمرها بكثير ,, !

" أراها كذلك أنا الأخرى ..

ونهضت فجأة وقلت لوالدتي بفرح كبير :
" أتصدقين أمي ؟؟ لقد أخبرتْ الجميع هذا اليوم بأني الصديقة العزيزة لها ..

" حقا ً ؟

مسكت ُ يدي والدتي بقوة وأنا أجيبها : أجل أجــــل !!

كما إنها وعدتني بأن تكون أختا ً لي .. !!

أعادتني أمي لصدرها وهي تقول بحنانها :
" كتب لك القدر أن تكون لك اختاً !

صمتنا قليلا ً ,, فأنا أشعر بالبهجة لما قامت به مريم ,, وأمي هي الاخرى في شعور مختلط بين أسى ذكرى الراحل ,, وفرح سعادتي بوجود صديقة تحتويني حينما أشعر بحاجتها ..

أمي قالت مبددة صمتنا :
" الصداقة شيء جميل بنيتي , يشعرك بكيانك وبمدى حب الناس لك ومدى حبك للناس ,, الصداقة علاقة سامية تجعلك تحيين في كنف السعادة كلما تذكرت بوجود من يعينك على مصائب الدنيا ومن يشاركك أفراحها .. ويحق لك أن تسعدي بأن مريم صديقة لك ِ وأنت صديقة لها ..

فيما أضيف أنا : العزيزة .. قوليها أمي لاتنسيها ..

ضحكت والدتي :
" لك الفخر بأن تكوني عزيزة مريم ..!!

الساعة أشارت الى الحادية عشر مساءً أمي دعتني للخلود للنوم فالوقت تأخر .. فنهضت مقبلة جبينها داعية لها بنوم هني ,, فيما ودعتني بجملتها :

" تصبحين على خير !

أثناء توجهي لغرفتي استوقفت قليلاً عند غرفة أخي عادل ,, متأملة ً في حاله المؤلم الذي لا يبتغي تغييره ,, قد ألومه مرات ,, وأعذره مرات أخرى ,, فخالي كان نعم الصديق له .. لعل عادل لم يستوعب رحيله إلى الآن ..

وأتذكر حب مريم والصداقة التي لا تزال في المهد رضيعة ,, و أعقد مقارنة بينها وبين ماعليه عادل الان ,, ولا استطيع الخروج بنتيجة ..

طرقت الباب فلم يجبني ,, الباب لم يكن مغلقا ً لذا استطعت الدخول له ,, كان نائما بسلام ,, وبقايا طعام فوق المنضدة القريبة من سريره ..

اقتربت منه أكثر ,, الحزن يبدو متربعا على ملامحه ,, الألم باد ٍ عليها .. شعره اصبح طويلا ً لحيته كثيفة .. مضت مدة طويلة دون أن يذهب الى الصالون .. !!

همست في أذنه قبل أن أغادر :

" تصبح على خير أخي العزيز .. !!


****************



لم أنم تلك الليلة ,, كنت بحاجة للنوم لاستيقظ باكرا ً لكني سأمت محاولتي في النوم .. !!انرت المصباح .. وبقيت أفكر في مريم وعادل .. !! فهما بحق أمرا ً مهما يدعوني للتفكير العميق ..

مريم إلى الان لم تقتحم داخلي لتحيا فيه ,, ! إنما اخترقت فكري واستوطنته .. ! وكدت أموت فزعاً حين رأيتها مغشى عليها في ذلك اليوم المشؤوم ..
فكيف لحال أخي الذي لم يدرك حقيقة الاخوة والصداقة الا مع خالي الراحل ؟؟


لقد عشت أيام جميلة معه لكنه لم يكن يكثر الجلوس معي بقدر مايكثره مع عادل .. وكنت أغضب حيال هذا الامر كثيرا ً راغبة في الوقت الاكبر لي ..

غياب خالي الذي طال لثلاث سنوات يجعلني أكثر تماسكا ً .. فالاعتياد على غيابه طيلة المدة التي مضت يهون المصيبة .. أما عادل فذلك لم يزده إلا حزنا ً وأسى وانهياراً .. !


وللحظة ما أرتعشت أطرافي وخبأت وجهي بكلتا يدي حينما مرّ على خيالي ما يُؤلم .. لقد وجدت طيف مريم في المقبرة .. !! وقد حان وداعي لها ,, ودونما شعور تفجرت عيناي ألما ً وأسى !!

لا !! ماهذا الذي يمر على فكري من خيال ؟؟ وما هذا الشجن المؤلم ؟؟ إني لا أرجوه حقا ً ,, إني لا أرجوه ,, ورحت أصرخ في أعماقي : تبا ً لك يا خيال !!

إلا أن تلك الصور بقيت متمثلة أمامي غير راغبة بالانصراف .. فنهضت هاربة منها متجهة إلى مكتبي الخاص ,, الموجود بزاوية غرفتي .. وهناك جلست حيث الابتعاد عن اجواء كابوس مخيف ..

إلا أنه بقي يطارني إلى حيث مضيت .. !!

أكاد أشعر بأن ما أراه واقعا ً ليس خيالاً يتراءى .. ! فها أنذا أنا أبكي أمام قبر مريم واشكو لها آلامي وشجوني ,, تماما ً كما رأيت أخي عادل يبكي خالي عند قبره في زيارتي معه الوحيدة ..!

حاولت احتضان ذاتي بكلتا يدي والانخراط في بكاء عميق ,, كما لو كنت اشاهد فيلما ً سينمائيا ً مرعبا ً في شاشة عملاقة تظهر فيها المشاهد بوضوح !

والصراخات التي احتوت أعماقي نطق بها لساني أخيرا ً ,, فقلبي قد ذاق ذرعا ً بكتمها ,, ولم أشعر بأي شيء حولي ,, كنت فقط أراقب المشاهد المؤلمة ..

وأجد فجأة باب الغرفة يفتح بقوة ,, فتتوجه عيناي ناحيته لأرى والدتي مقبلة ناحيتي بفزع وتقول :
" بنيتي مابك غاليتي ؟؟

لم أتحرك من مكاني فما رأيته قد شلني ,, اقتربت مني والدتي واحتضنتني في حالة استغراب لما أنا عليه الآن وتعيد سؤالها : مابك ليلى اخبريني فلقد افزعتني !
كنت مغمضة العينين وحين فتحتها وجدت من جديد طيف مريم ولكنها هذه المرة ملطخة بالدم ,, فمددت ذراعي لامي متشبتة بها بقوة ,, واصرخ : امي لا . . أبعديه أبعديه !!

أمي تضمني بقوة وتردد : بسم الله الرحمن الرحيم بس الله الرحمن الرحيم !!


لا أدري كم بقيت على صدر أمي أصارع الخيال المؤلم ,, لكني اقسمت أن أبقي عيناي مغلقة في ذلك الوقت ,, إلى أن ارتحلت نحو عالم النوم !



~~~~~~~~~~~~


صحوت مبكرا ً رغم نومي المتأخر ,, ووجدت والدتي بجانبي نائمة ,, مسكينة والدتي أفزعتها بصراخي الليلة الماضية .. ! قبلتها وتركتها ترقد بسلام .. إذ يبدو إنها لم تنم إلا من وقت ٍ قصير .. ..

فيما أتجهت أنا للصلاة وترتيب كتبي وإعداد نفسي للمدرسة ..

ولم تكن لدي نية تناول وجبة الافطار .. فقلبي لا يزال يشعر ببعض الالام التي راودته منذ ساعات ..

توجهت لموقع الحافلة ,, ووجدت فاطمة هناك بجانب مرآة باب منزل الجار ترتب حجابها ,, ومنذ رأتني شعرتْ بالدهشة ,, وقالت :
" أوه ليلى مابك ِ ؟؟

أقتربت أنا الأخرى من المرآة لأناظرني ووجدت عينيّ متورمتين من فرط البكاء .. ! حتما ً يبدو عليّ بأن أكثرت البكاء وليس هنالك من مفر لقول غير هذا ..

وسألتني :

أكنت تبكين ؟؟

فأجبتها بتوتر : لا لم أكن أبكي ..

" ليلى دعك من الكذب فأنت لا تجيدينه واخبريني مالذي أبكاك ِ ..
لم استطع الكذب فعيناي تفضحاني .. فقلت بعد أن نفذت كل الحجج .. في فكري ..
" كنت أبكي خالي فقد تذكرته بالامس ..

أظنه قول يُصدق دون شك ..!

وجدت التعاطف مرسوما ً على ملامح فاطمة وقالت لي مانسيت حصوله بالامس ..

" لا تكترثي لقول نادية فأنت تعرفينها جيدا ً ..

أجل .. للتو فقط تذكرت ماقالته نادية البغيضة .. !! لقد تجاهلت الامر مطلقا ,, وانستني إياه مريم ..

مريم .. لم تحضر إلى الآن .. أخال بأنها تأخرت ,, فالحافلة أراها قادمة .. !!

ناظرت المنعطفات والممرات راجية خروج مريم من إحداهن .. لكن دون جدوى ..

ركبت الحافلة وأنا على قلق لعدم حضورها ,, فاطمة فضلت البقاء في المقاعد الامامية فيما مضيت أنا لذات المقعد الذي جلست عليه بالامس . .

وأرقب من النافذة ظهور مريم .. .. الحافلة تحركت .. دونها !


السرعة جنونية كما بالامس ,, وبأجوائها تذكرت ماحدث بعد منتصف الليل ,, مريم ,, قد تراءت أمامي مشاهد رحيلها وتوديعها ..

أرجو أن تكون بخير حقا ً ..

السائق يضاعف في سرعته وتتضاعف دقات قلبي أضعافا ً ,, ويخفق حزنا ً وخوفا ً على العزيزة .. !!
يد ٌ مددتها ناحية المقبض ,, والأخرى أبقيتها على قلبي الخائف ..
إني لأتمنى أن لا يصيبها مكروه .. أتمنى ..

يارب ارحمني فلم أعد أقوَ على تقبل صدمة كمثل هذه الصدمة .. إلهي لا تفجعني بمريم ..
ومضيت أهذي وأثرثر ..
وأدعو ربي أن تكون مريم على مايرام ..

لكن السرعة الجنونية التي يقود بها هذا السائق .. تجعل كل الامال تتلاشى ,, وتشعرني بالحزن المقيت ,, بالالام التي تقتحمني .. بالأوجاع التي تكاد تخنقني ..

فأطلقت لعيناي الحرية بالبكاء بصمت .. حتى لاأثير انتباه الطالبات هنا ..

وأكرر من قول ..

" مريم أرجوك كوني بخير أرجوك أرجوك !!


الحافلة توقفت فجأة ,, ناظرت المكان ,, هو ليس مكان المدرسة ,, ماذا هناك ,, ؟؟

استفقدت الخبر ,, من النافذة ,,

ثمة أناس مجتمعون ,, وسيارة مرور تقف عند حافة الطريق ,, فيما سيارة الاسعاف في الامام بصوتها المدو .. إنه .. إنه بلاشك حادث .. !!!


وتذكرت قول فاطمة ذات يوم ..

"" مريم أوصلها والدها للمدرسة في ذلك اليوم المشؤوم .. !!

وتذكرت أيضاً ما تراءى أمامي من مشاهد قاتلة ..



وبقهر اقولها : أيتها العزيزة لا ترحلي لا ترحلي !!

ووجدت نفسي في فزع ٍ قاتل ,, في ألم رهيب ,, في .. في .. كل ما يجعلك تفقد كامل شعورك .. !!




][ يتبعـ ][



..

 

التوقيع

.0.
.0.


وحيدةٌ أنا دُونما ذاكرة ,,
أو ربما بذاكرة ..
ذُبل فيها كُل شيء .. ,

الاهل ..
الاصدقاء ..
والوطن !


.0.
.0.

الوجه الأليم غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 12-02-2007, 04:50 PM   #26
عبدالعزيز رشيد
( شاعر وكاتب )

افتراضي


أعجبتني قدرتك على التقاط الشوارد أثناء الحوار بالـ ذات نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
جميلٌ سرد الواقع المرئيّ الموشّح بقليلٍ من التخيّلات
تحيّاتي لك

 

عبدالعزيز رشيد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 12-09-2007, 08:31 AM   #27
الوجه الأليم
( كاتبة )

افتراضي




.0


الحلقة التاسعة " خوف الرحيل "






جلست بقرب المقاعد القريبة من بوابة المدرسة ,, وانا اشعر بالانهيار للخوف الذي يخنقني ويقتلني ويبقيني في منفى الحجيم ..
وأرجو بين كل دقة لعقارب الساعة في ظهور مريم بين الطالبات اللاتي يدخلن للتو ..
أترك حقيبتي جانبا ً وبتثاقل الخطوات أمضي لأستفقدها عساها حضرت ..

أحاول طرد المشاهد المؤلمة ,, والبقاء على أمل أنها لاتزال على قيد الحياة .. إلا ان قلبي يتضاعف حزنا ً وأسى ً وشجن ..

أشعر بالظمأ ,, والنيران التي تحتوي الفؤاد في هذا الوقت الرهيب لا تطفئها بحار الدنيا جميعا ً ! حاولت تجاهل ذلك إلا اني لم استطع مجاراة شعوري .. فتوجهت ناحية " الكافتريا " لاقتناء قارورة ماء ..

فتحتها وعدت إلى حيث ما كنت ,, فأرى الحلم مقبل من هناك بنور واقعه الذي بدد قلقي وشجني ,, إنها مريم .. هي بأم عينها ! فجريت بجنون مامثله جنون تاركة القارورة تهوي أرضا ً وينسكب ماؤها دون أن أشرب قطرة أروي بها الظمأ الذي اجتاحني قبل قليل !


" مريم أ أنت بخير ؟؟

قلتها وأنا في بكاء عميق غير مصدقة بأن مريم أمامي بخير وبسلامة ,, وإن ما حصل من مشاهد ماهي الا كابوس زارني في منامي وأرعبني .. مريم لم تفهم مايحصل ومايجري فكانت تهدأ من روعي وهي تسأل :

" ماذا هناك ما الذي يبكيك ِ ؟؟

لم استطع الاجابة على السؤال فبقيت على حالي المؤلم أبكي متجاهلة جمع البنات اللاتي اقتربن منا لمعرفة تفاصيل الحدث !!

أجلستني مريم على ذات المقعد الذي أبقيت حقيبتي عليه ,, وهي تحدثني في استغراب تام :
" ليلى هدأي من روعك الطالبات هنا يحدقن بك ِ !

مسحت دموعي وصرخت في وجوههن :
" ماذا تبتغين ؟؟ انصرفن انصرفن !

فتحاول مريم أن تجعلني اكثر هدوء :
" ليلى كفى سينصرفن وحدهن .

تناولني أحد مناديلها لأمسح دموعي المنهمرة بقوة وهي تسأل :
" ليلى لم تجيبيني لماذا تبكين ؟

سألتها :
" لماذا تأخرت ولم تتواجدي بالحافلة ؟

" صحوت متأخرة هذا الصباح فطلبت من والدي ايصالي ,, أهذا ماكان يقلقك ِ ؟

" لا !

" ماذا إذا ً ؟

واتذكر ما مضى بالامس من مشاهد مؤلمة ,, وأنظر لمريم فأراها بجانبي .. واقتحمني شعور غريب بأن مريم طيفا ً .. طيفا ً كما بالامس زارني .. !

فنهضت في شعور بالجنون ,, وأنا أبكي في أعماقي
" إلهي ما الذي أصابني .. ؟؟ سأجن حتما ً سأجن !!

نهضت مريم هي الأخرى وأمسكت بيدي قائلة :
" ليلى أخبريني ماذا بك ؟؟ أنت لست على مايرام .

تأملت يدها ,, وأمسكتها بقوة ,, راغبة في معرفة واقعها أم طيفها ..

إذا ً ,, ما أراه أمامي واقع مريم لا خيال طيفها ,, هي أمامي أجل ..

أجلستني بقربها وتنظر للقارورة وتقول مداعبة :
" يبدو إنك لم تشربي منها شيئا ً !!


الماء ؟؟ كنت أشعر بالظمأ قبل ظهور مريم لكني الان لا اشعر به ,, يبدو إني أرتويت حين رؤيتي بهذه الرائعة التي تجلس أمامي ,, بهذه الانسانة الذي يكاد خوفي عليها أن يقتلني يقتلني ,, !


دق الجرس ,, ولم تكترث مريم لذلك ,, فهي لا تزال تجهل ما الذي أصابني و أخافني لهذا الحد ,, وإني فضلت الصمت القاتل غير قادرة على تصديق مايجري لي من أمور ..

اقتربت منا احدى المشرفات تأمرنا بالتوجه للصفوف .

مريم قبل أن تودعني طلبت رؤيتي بالفسحة ,, لنكمل الحديث الذي لم يبتدأ .


الاستاذة لم تحضر بعد ,, فاقتربت مني فاطمة وهي تسألني :
" مابك اليوم ؟ كنت ِ تبكين .

" لا شيء .. تذكرت مايؤلم ..

فاطمة تخال بأني لا أزال على ذكرى بقول نادية البغيضة !! فتقول لتواسيني :
" لا عليك من نادية فهي مجنونة !


ولم تدرك بأن قولها سيضيف جرحا ً فوق جروحي .. !!

حين سمعت نادية ذلك اقتربت منا صارخة بقولها :
" من المجنون ؟؟ أنا أم هذه ابنة المجرمين ؟؟ صاحبة المجرمين ؟؟

كنت في حالة سيئة للغاية لا ارغب في الحديث او التعليق أو المشاجرة ,, فأجابت فاطمة :
" ومادخلك أنت ؟؟ نحن لم نتحدث عنك !

" أتظنيني بأني لا أسمع نهيقكما ؟

غضبت فاطمة لهذا التعليق فصفعت نادية صفعة قوية تلقاها خدها الأيمن ,, أنا ذُهلت لما فعلته فاطمة ,, وحين دققت النظر في وجه نادية فأصابني الذهول الاكبر .. لقد تورم خدها وأحمر ..

فصرخت ُ :
" يا إلهي ماذا فعلت ِ ؟؟

كانت نادية تصرخ ألما من قوة الصفعة ,, فاقتربت من فاطمة لتهبها مثيلها , فأمسكت بيدها فاطمة مهددة :
" إن فعلتها لأكسرن لك هذه اليد أفهمت ِ !؟


رغبت نادية في الانتقام ولم تجد سواي تثأر به !

فتلقيت الصفعة التي لم تشعرني إلا بالاهانة !

لم أستطع فعل شيء غير البكاء , فاطمة لم تحاول أن تنتقم لأجلي ,, بل فضلت الاكتفاء بقول : لا !

لا ؟؟ أهذا يكفي ؟؟ أهذا ينفع ؟؟ أهذا يرد علي كرامتي الذي جرحتها البغيضة نادية ؟

تجمعت الطالبات حولي يحاولن تهدأتي ,, أما زميلتي سارة فرغبت باستدعاء المشرفة للتدخل وحل النزاع .


أنا متعبة ,, متعبة ,, دعني وانصرفن .. ! مابالكن مجتمعات ؟؟

بعض منهن تجمعن حولي وآخريات فضلن البقاء جنب نادية لايقافها عن سخافاتها ,, وأخريات جلسن في صمت ٍ لم يشأن الحديث أو الدخول ..

وصلت المشرفة بعد حين ,, واستطاعت ان تلاحظ خد نادية المتورم فتسألها :
" من التي فعلت بك هذا ؟

فتشير ناحية فاطمة :
" تلك الحمقاء .

عبست المشرفة في وجهها ,, واستدعت فاطمة .. وابتغت الانصراف معهما ..
فاستوقفتهن سارة :
" استاذة ! ليلى كانت معهن .


لا يا سارة ماهذا الذي فعلتِه ؟؟ ليتك لم تتحدثي ليتك !



~~~~~~~~~~~~~~~


مريم فضلت الجلوس عند ذات المكان الذي جلسنا عليه الامس كذلك ,, وكأنها ترغب في أن يكون المكان المعتاد لنا ,, تسألني :
" مابه خدك الايمن ؟

اتحسسه بيدي واشعر بحرارة الصفعة التي تلقيتها ,, وبألم الاهانة .. ! تبا ً لك يا نادية فوالله لأمقتك ِ .

" تشاجرتْ معي نادية اليوم .

" ثانيةً ؟

" أجل .

" وعلام ََ ؟

تحشرج القول ,, ..فهو القول الذي يؤلمني ويعذبني ,, ويذكرني بمن رحل ! فقلت بشجن :

" أعادت نعتها لخالي بالمجرم السفاح !

مجرم وسفاح قولان أججا النيران في قلب مريم ,, ووجدت دمعة في عينها تنذر بالذرف !
لعلي ذكرتها بأخيها ,, وذكرتها بماضي جميل عاشته تتمنى رجوعه ..

غيرت مجرى الحديث وسألتني :
" ماذا حصل لك اليوم ؟ لم تخبريني بعد . ألا ترغبي في القول ؟


حقا ً كنت مرهقة هذا الصباح ,, وكنت بجنون خائفة على مريم ,, فقلت :
" كنت خائفة عليك ِ .

" ما الذي يجعلك تخافين هكذا ؟

سمحت لسيل من الدموع أن ينهمر مصاحبا ً حديثي الشجي ,, والخوف الذي ينحرني كلما لاقيتها .

" لقد زارني بالأمس كابوسا ً مرعبا ً وجدت فيه مراسيم جنازتك .. ففزعت له ,, وكدت أموت خوفا ً حين لم ألاقيك بالحافلة ,, وانهرت أكثر حين مررنا بجانب حادث مروري ,, لقد قلقت عليك كثيرا ً صدقيني !

أمسكت بيدي وهي تبتسم قائلة :
" لا تقلقي عزيزتي فأنا عمري طويـــــــــل !

قلت ببلاهة :
" حقا ً ؟

" أجل صدقيني ,, عمري طويل وسأعيش وسأرى أحفاد أحفادي !

قالت ذلك وهي تضحك بسعادة فسألتها :
" ما أدراك ؟

" أخبرتني أحدى العرافات بذلك !

إني لا أؤمن بمثل هذه الامور ,, ولكن لاجل مريم سأصدق وسأؤمن ,, عساي أقتل الخوف المتغلغل لأعماق اعماقي ,, فقلت متناسية بأن الأقدار بيد خالقها :
" أتعديني بذلك ؟

حدقت بي قليلا بصمت ,, وأطلقت ضحكتها : أجل أعدك .

قلت بعد حين :
" أنا جائعة !

فنهضت لنمضي سويا ً للــ " الكافتريا "
لدي مصروفا ً يكفي لشخصين ,, فسألتها :
" ماذا تريدين ؟

" أريد ماذا ؟


" أقصد ماذا تودين أن أشتري لك ؟

" لا لا .. لا أريد شيئا ً !
" سأشتري لك شيئا ً لتأكليه .

" ليلى قلت لك لا أرغب بشيء !


ألا تشعر بجوع هذه الانسانة ؟ الجو حارا ً بعض الشيء ,, وهي منذ اللقاء الاول اخبرتني بعدم رغبتها بتناول وجبتها في هذا الاثناء !


لم يكن لدينا وقتا ً كافيا ً للعودة لحيث ما كنا ,, فقد دق الجرس ,, وأنا للتو لم أتناول شيء ..

قالت لي مريم :
" تناوليه بسرعة ,, قبل أن تحضر استاذتكن .

" حسنا ً فأنا جائعة .


تناولت بسرعة وجبتي الخفيفة ,, وحين دخلت الصف وجدت فاطمة متشاجرة مع نادية ,, وهذه المرة نادية استطاعت أن تحقق ماتريد بصفعة يتلقاها وجه فاطمة .. تبا ً !

البرود الذي كسا فاطمة حين ضرب نادية لي أخذني للبعيد ,, لم أحسب فاطمة هكذا ذات يوم ,, ولأني اكتشفت ذلك هذا الصباح ,, فأن ساكنا ً لم يتحرك لي حين رأيت نادية تصفعها .

لم أشعر بالمقت لشخص ما ,, ولكني بتُ أعرف للانتقام سبيل !أهو ذاته الذي يجري في عروق خالي !؟
أرجو أن لا يدفعني ذلك للتهور لاحقا ً ! وإن نادية ستنال نصيبها حتما ً ذات يوم !


نادية ! هو أمقت حدث يمر على حياتي الان ! إني لا اطيق رؤيتها حتى .. أمقتها أمقتها !
هي ممثلة بارعة ,, لقد عرفت ذلك في غرفة المشرفات حين أدعت بأننا من أبتدأنا الشجار ,, وبكت لأننا نعتناها بصاحبة الاخلاق السيئة ,, ونعتها لخالي بمجرم أمر كذبته ..
لم يكن لدى المشرفة موقفا ً غير التصديق لدموعها المنهمرة .. والتكذيب لأقوالنا ,, وفاطمة لم تحاول هناك أن تساعدني بشيء .

تغيرت هذه الاخيرة كثيرا ً .. فهي ومنذ ظهور مريم لم تعد فاطمة التي أعرفها . فكثيرة هي تلك الاوقات التي تبعث لي فيها بشر النظرات التي تكون ذروتها حين تجد مريم بجنبي ..
ستتغير مع مرور الوقت حين تدرك بحقيقة مريم النبيلة !



رميت ببقايا الطعام في سلة المهملات القريبة من الباب وحين دخلت الاستاذة فإن نظراتنا تصادمت ! هي ذاتها استاذة الرياضيات البغيضة !
استاذة اللغة العربية غائبة لذا فهي هنا .. كنت متعبة قليلا ً وسعدت لغياب الاستاذة لكني شعرت بما يشبه البركان الثائر في داخلي لهذه الجالسة !


لحظت ُ مدى عمق تحديقها بي ,, كأنها تود قول شيء ما .. وبعد دقائق تقول بسخرية :

" ليلى هل خالك هو من قتل ؟

مابهم هؤلاء البشر ؟ في كل حين يذكروني بما يؤلم الفؤاد ؟؟ أما كفى ؟؟ وأنت ِ لمَ تسألين ؟

بعثرت نظري في أي شيء أراه أمامي ,, في الكتب ,, في وجوه الطالبات ,, في وجه نادية ! وهنا شعرت بالغصة .. لتلك السخرية المرسومة عند شفتيها ..

حاولت أن أشغل نفسي بحقيبتي تهربا ً من الجواب ,, عساها تدرك بأني لا أرغب به ,, لكنها عادت لتسأل :
" أهو خالك ؟

قلت وأنا أتصفح كتاب التاريخ :
" أجل هو !

وتقول لما يعيدني لعالم اشجاني من جديد ,, لذات العالم الذي رمتني فيه نادية منذ قليل :
" أجل سمعت من المدرسات هنا يتحدثن عنه ,, وقلن بأنه خالك .. كم رجل قتل ؟؟ سمعت بأنه أرتكب أكثر من جريمة ,, وحين عارضه أحد الرفاق فيما يقوم به قتله !

ماهذا الذي تهذين به ؟؟ وأي جرائم وأي رفيق ؟ اخرسي وربي لم أعد أحتمل !

صمت ولم أجبها تاركة تلك الاقاويل الزائفة معلقة ,, فتجيبها نادية :
" اجل ,, وأنا سمعت بأنه حاول أن يقتل أخته كذلك حين منعته ,, يارب أحفظنا من المجرمين !

برب السماء ماهذا الذي تقولاه ؟؟ وأي جرائم تتحدثان عنها ؟؟ لقد قتل خالي من يستحق القتل ,, لقد قتل خالي من أدخل الخوف والرعب في النفوس ,, لقد قتل خالي من قتل رفيقه .. وقتل أصاحبه واخلاءه ,, أو بعد كل هذا تنعتاه بالمجرم السفاح ؟؟


صمت كعادتي عاجزة عن قول مالابد لي قوله ,, وأخرست لساني عن قول الحق .. القول الذي سيجعل حدا ً لتفاهات هاتين الجالستين أمامي !


قالت الاستاذة محاولة استفزازي :

" لا عليك ليلى فأنت مجتهدة وعلى خلق وخالك لن يسيء لسمعتك بشيء !

وقفت وقد بان الغضب على ملامحي ,, ورميت بكتاب التاريخ جانبا ً صارخة :
" كفاك ِ !!

وخرجت من الصف دون إذنها ,, متوجهة لذاك المكان الذي جلست فيه قبل دقائق مع مريم ,, وأبكي بحرقة على هذا الذي يحصل ..

لماذا السخرية من خالي ونعته الدائم بالمجرم ؟؟ ألم تخبرني والدتي بأنه شهيد ؟؟ وإنه ضحى بدمه لأجل هذا الوطن ؟؟ فلمَ كل الاقاويل هذه ؟؟ لم َ ؟؟

وانخرطت في بكاء مرير ,, راغبة في وجود يد مريم ,, يدها التي تمسح هذه الدموع المنهمرة ,, وتخفف علي أعباء رحيل خالي وماتلاه ,, راغبة في بقائها ووجودها .. وما أسرع أن تحقق الحلم !!

مريم واقفة أمامي وتنظر لي بكبرياء :
" ليلى انهضي !

لم استطع النهوض فبقيت جاثمة على الأرض لتكرر من طلبها :
" قلت لك انهضي !

فنهضت متستجيبة لطلبها وقد نفضت بيدي التراب العالق بمريولي وأسألها بعد أن توقفت قليلا ً من نوبة البكاء :
" ما أدراك إني هنا ؟

وضعت يدها على كتفي :
" لا يهم كيف عرفت بوجودك هنا لكن اجيبني هل كنت تبكين ثانية لقول نادية ؟

أخفضت بصري وقلت باستياء :
" أجل

لم تعلق لثوان ٍ وحين رفعت بصري وجدت نظرات لم أرها بعينها من ذي قبل ! نظرات شبيهة بالنار ! شبيهة بالبركان الغاضب ,, لم كل ذلك ,, ؟ ؟

تسلل الخوف لقلبي حين وقعت عيني على حدتها !

قالت :
" اسمعيني جيدا ليلى !

وأمسكت يداي بقوة :
" انتِ العزيزة ولا أحب ان تكون عزيزتي ضعيفة تنهار لقول السفهاء افهمت ِ !؟

" لكن ..

" اسمعيني .. قلت لك لا أريد أن ارى هذه الدموع ثانية .. دعي نادية وشأنها ولا تكترثي لما تقوله من حماقات ,, إنما أضربي بها بعرض الحائط والا لرحلت عنك وللابد !

" لا مريم ماذا تقولين ؟؟ الا رحيلك الا هو !

تركت يدي وهي تقول :
" اذا أفعلي ما أقوله لك ِ كوني أقوى بذلك بكثير بكثير ..

يبدو بأن لمريم ذكرى مع الضعف ! فسألتها :
" ولماذا أنت غاضبة ؟

وشرعت تسرد ندمها على ذلك اليوم البائس :
" حين تلقيت خبر اعدام أخي من زميلتي لم أتحمل الصدمة فهويت أرضا ً من هولها ,, وكدت أخسر الكثير ! لم أرغب أن أكون ضعيفة لهذا الحد وأنا التي عرفت بالقوة والتصبر .. حين أبتغي البكاء فأني سأنفرد مع ذاتي متيقنة إن لا أحد يسمعني ويراني غير الاله وحده !

غاصت كلماتها لأعماقي , وأبحرت في داخلي وجالت .. ضعف وقوة ,, في أي منهما أنا أعيش ؟؟

كلماتها بقيت تدق في فكري كناقوس .. وعدت لصفي بقوة مامثلها قوة ,, مهمشة اقوال نادية ,, وأقوال كل من سيقف في طريقي .. ولن أكترث لأقوال الحمقى .. سأدعهم يثرثرون وحدهم دون جواب مني ..

لن أفسح المجال لعيني أن تذرف المزيد من الدموع .. وإن لم أقوَ على حبسها بين الجفون ,, فـإني سأهرب من أنظار الجميع وأختبأ بعيدا ً عنهم ..

لن أضعف ولن أنهار .. واذا ما واجهني أحمق بقوله ,, سأبدو قوية .. قوية .. !!


تناولت كتاب التاريخ وأدخلته حقيبتي وتسألني زهراء زميلتي :
" أين ذهبت ِ ؟؟ الاستاذة كانت غاضبة عليك جدا ً !

فقلت لها :
" وماذا يهمني غضبها ؟؟ فلتغضب بقدر ماتريد ..

" مابك ؟

" لا شيء عزيزتي لكن استاذة كمثلها لا تخيفني ! وإني لا أكترث لغضب الحمقى أمثالها !


عسى قولي يصل لأذن من يهمهن الامر !!


~~~~~~~~~~~~



اليوم مليء بالاحداث ولأنه كان كذلك فإن جلسة خاصة مع والدتي أمر مهم وقوعه ..
فبعد العشاء الذي لم أتناول منه حصتي الكافية .. كان الموعد ..


والدي سألني عن اخباري المدرسية فأجبته :
" كل شيء على مايرام والدي ونحن لم نزل الا في البداية ..

" اذا أردت شراء ماتبتغين فالسائق موجود غير مشغول هذا اليوم .

" حسنا سأطلبه عند الحاجة .


غادر والدي تاركا ً لي الفرصة لقول ما أريده لوالدتي ..

أجلستني بقربها وهذه المرة هي من ترغب بالحديث .. سألتني :
" بنيتي مابك البارحة ؟

آه .. البارحة قاسية ..

" رأيت كابوسا ً أرعبني ..

" ماذا رأيت ِ ؟؟

أغمض عيناي لأرى مشاهد الألم .. مشاهد الجنازة والوداع .. مشاهد الرحيل .. ما أقساها من مشاهد .. !

" رأيت موت مريم ,, ورأيت قبرها في المقبرة القريبة من هنا .. وانا أبكي بمرارة عند مثواها .. ورأيت في مشهد آخر أنها على سرير الموت بدمائها !

وحين أكملت حديثي وجدت دمعة حبيسة في عين والدتي .. هل حديثي كان شجي ؟؟

" مابك امي ؟

" لا شيء بنيتي .. ما رأيته مجرد كوابيس !


ليتها تكون كابوس لا يرغب بأن يزورني ثانية .. ليتها تكون الاخيرة .. !

أمي هذه المرة سقطت دمعتها حين وجدتني أتمتم مع ذاتي خوف الرحيل ,, والرجاء من الله ان يجعله كابوس في عالم الاطياف والخيال ,, بعيدا عن صلته بالواقع !


سألتها :
" أمي مابك هل حصل شيء ؟ هل قلت مايزعجك ِ ؟

وتنهدت بأسى :
" أفكر في أخيك عادل ,, فهو ومنذ رحيل العزيز لم تعد الدنيا تعني له شيئا ً بات شبيه الاموات الاحياء !

عادل ؟؟ لم يعد لعادل وجود كما بالسابق , إني لأشفق عليه في كثير من الاحيان ,, وأدعو ربي بعد صلاتي ان يشافيه ,, وأن يستعيد صحته ,, وأن يدرك حقيقة الموت وإنما الحياة ستمضي بموت وولادة .

وحين يطرأ على فكري حال أخي ,, ينتابني الخوف من جديد على حال ٍ سأقضيه إذا ما رحلت مريم عن عالمي !

أمي خائفة وقلقة بشأن كابوسي المرعب ,, وقلقة على حالي أكثر من اي شيء .. وتحاول بطريقة ما أن تنسيني ماحصل .. وأن تدعوني لتجاهل هذه الاحلام المرهبة ..


الأحلام التي بقيت لأيام طوال ,, أخشى أن يبصر نورها واقعي ,, فيبدد كل ما يمكن له أن ينير في داخلي مايسمى بالسعادة الحقيقية !!


تركت والدتي ومضيت لغرفتي ملقية التحية على عادل كما بالعادة اثناء توجهي ..

ودفنت وجهي بالوسادة محطمة مايمكن له بالظهور .. مبقية كتاب الله على يميني يحميني وينجيني مما يبثه لي أعوان الشياطين !


~~~~


لا أعرف حقيقة القلق الذي يعتريني كلما لاقيت مريم ,, وبابتسامتها البريئة تجعل القلق يتضاعف ,, الكابوس الذي زارني عند تلك الليلة لازلت اخشاه ,, ولا زلت اشعر بالخوف من تكراره ..
والاكثر من ذلك . اخشى أن تمتد أياديه للواقع ..


لقد مرت الثلاثة الاسابيع الاولى منذ بدء هذا الفصل الجديد ,, والعلاقة فيما بيننا تكبر وتكبر ,, الا انني اشعر بالخوف في كل دقيقة تمر ..
لعل رحيل خالي احدث كابوسا ً لا يرغب في المضي عن أحداث عمري .. إني لأرجو لكل الالام أن تموت ,, ويرحل هذا الخوف المقيت المتربع على ملامحي .. على قلبي ....


لقد اعتدت رؤية مريم عند كل صباح ,, واعتدت توديعها حين العودة من المدرسة ,, أصبحت أمقت الاجازات فهي تخلو من وجودها ,, وأصبحت مريم هي كل شيء ..

ثلاثة أسابيع كفيلة في أن توقظ ما كان نائما ً في داخلي ,, ثلاثة اسابيع كفيلة لتشعرني بمن أكون في هذا الوجود ,, وهي كفيلة في أن تصنع مني إمرأة أخرى .. لقد غيرت في داخلي الكثير ,, الكثير مما كنت لا افهمه ,, والكثير مما كنت أمقته ..

وثلاثة أسابيع كافية لتشعرني بعمق الخوف من رحيلها ..


حينما أخطأ ,, وحين أضعف ,, فإنها تهددني بالرحيل ,, وهي التي لا تدري ماذا يعني رحيلها !
وكان هذا التهديد أوله ردا ً على قول نادية الذي أضعفني لحد الانهيار ,, وكلماتها عند ذلك الوقت لا تزال تعيش في داخلي وتتردد على مسمعي ..

أصبحت أكثر قوة ,, فقط لكي لا أخسر مريم ! فخسارتها بداية الانهيار الحقيقي الذي إن حل .. لا أظنه سيرحل ..
فبحق ,, تعلقت بهذه الانسانة , وجدتها أختاً كنت أبحث عنها و صديقة رغبت في مصاحبتها و ملجأ رغبت في البقاء بين احضانه وكل ذلك ومنذ سنين !



هذا اليوم رغبت في الحديث مع مريم حول العلاقة خارج المدرسة ,, فالساعة والنصف التي أقضيها معها بالمدرسة غير كافية .. أحتاج لمضاعفتها !


لم أتناول وجبتي رغبة في المحافظة على الخمس دقائق التي استغرقها بالكافتيريا ! أصبحت دقيقة في الحسابات ,, وعد الزمن ,, هل هذا منطلقا ً ليتبدد مقتي للرياضيات ؟؟


نحن نجلس في الزاوية الاخيرة للمدرسة بشكل اعتيادي ,, ولكن اليوم مُنع الجلوس هناك ,, أحسب بأن وفدا ً ما سيحضر المدرسة ..
الجميل بالموقع أنه بعيد الانظار ,, ونتحدث بحرية .. دون أن يسمعنا أحد .. و إذا ما إحداهن ستمر عنده فإننا نخفض اصواتنا لاقترابها ..
أصبحت أضحك لأوقات كثيرة حينما أختلي مع ذاتي وأتذكر هذه المواقف .. كيف نتحاور وكيف نهدأ وكيف نصمت لمرور طالبة بقربنا ..
لقد تغيرت حقا ً ,, وأنا التي لم أكن أحسب لذلك مجالا ً ..


جلسنا في مكان آخر ولم استطع الحديث معها جيدا ً ,, إذ كان يقطعه سلام الطالبات والسؤال عنها .. والبعض منهن يستغرق وقتا ً طويلا ً في الوقوف ..

قلت بعد حين ..
" مريم فلنغير المكان ..

تضحك وتجيب :
" لم يتبقَ غير عشر دقائق عن انتهاء الفسحة .. اخبريني بحديثك دون هذه المقدمات ..

أحتاج لوقت طويل في الحديث .. كما إني لا أجيد البدء فيه الا بمقدمة طويلة يستوجب حذفها ..!

" أنت تعرفين بأنا علاقتنا في حدود ضيقة .. و ..

واصمت !

" أوه ليلى مابك ؟؟ ما الذي تودين قوله ؟؟

" هل سنلتقي فقط بالمدرسة ؟

يبدو مريم فهمت ما بودي قوله الان .. الزيارات !! إلى متى ؟؟ سألتني محاولة التاكيد :
" ماذا تعنين ؟؟

" اقصد ألن أزورك بمنزلك؟


كالعادة ,, يزعجها ذكر هذا الحديث ..

قالت بشيء من الانزعاج :
" ألن ننتهي من هذا الموضوع ؟

" مريم ,, الوقت الذي امضيه هنا معك قليل .. و ..

قاطعتني بقولها :
" ليلى هل اخبرك بشيء ؟

" تفضلي

قالت :
" إن ذكر الحديث هذا يزعجني ويبث الضيق لصدري ولا تسأليني عن الاسباب فأنا لا احبذ الافصاح عنها ,, وكل ما أرجوه هو عدم تكراره ثانية !

" لكني أطمع في المزيد من الوقت اقضيه معك .. هذا ما في الامر ..

وتقول ممثلة دور الاخت الكبيرة :
" إذا أنت لا تطيعين أوامري ..

ونهضت وهي تهز رأسها :
" لا فائدة ,, سأرحل عنك إذا ً ..

وسارت مبتعدة !!

جريت خلفها محاولة امساك يدها ,, وحين استوقفتها انفجرت ضحكا ً فيما أنا اشتعلت غيضا ً واقول :
" لماذا تفعلي بي هكذا ؟؟ لماذا تهدديني بالرحيل في كل مرة ؟؟

وتهدأ قليلا من نوبة ضحكها وتجيب :
" أسعد كثيرا ً حين ألحظ خوفك علي !!!

تسعدين يامريم تسعدين ؟؟

قلت لها بغضب :
" هذا الحديث يزعجني جدا جدا ! لا تكرريه ثانية ..

هو الحديث ذاته الذي أمرتني به منذ قليل حول أمر الزيارات ,, وحين انتبهت كلانا للامر ضحكنا ,, فتقول مريم بدعابة :
" تقلديني ؟؟

" لربما ..

دق الجرس ,, ودق الخوف في داخي من حديث مريم معه .. أصبحت أمقت هذا الحديث المتكرر . ألم تعدني يوما ً بما هو خلافه ؟؟ أي سعادة هذه التي تجتاحها حين تلحظ الرعب الذي يخفق قلبي لأجله ألما ً .. إني لأحتاجها معي ,, فهي التي هبت لحياتي معنى بعدما كانت أشبه بالصحراء القاحلة ..

وجودها هو الحدث الاكبر في حياتي الان .. وإن بعادها حتما ً ليضنيني ويعذبني .. إذ أشعر بالفراغ في ظله .. وإني أشبه بمن ظلت طريقها ..

أحتاج للحديث معها حول هذا الشأن ,, لسوف أخبرها بحجم المعاناة والخوف .. والتهديد بالرحيل لن أرضاه ,, وسأنهيها عن فعل ما يحزنني ويؤلمني ..

عدت للصف في حالة من الضيق لأقوال مريم ,, ولحسن الحظ الاستاذة غائبة عن المدرسة ,, مما يتيح لي البقاء مع الذات لبضع الوقت .. بعيدا ً عن اجواء الشرح المملة ..

إلا أن الرغبة لم تتحقق ..

اقتربت مني زميلتي زينب تستأذن الجلوس معي ومحادثتي فأذنت لها ..
زينب هذه .. فتاة نبيلة .. من أسرة محافظة .. لها التزامها القوي بالدين .. ويعرف الجميع عنها ذلك ..

سألتني حال جلوسها :

" " لقد اشتقنا لابتسامتك الغائبة !



ابتسامتي ؟؟ ياه ,, إنها أعادتني للوراء ,, لما قبل ستة شهور .. كان حالي مختلف تماما ً عما عليه الان ..


قلت لها :

" لا شيء يستحق الابتسامة .

" ولا حتى مريم ؟؟


ماذا ؟؟ مريم ؟؟

إنه فعلا ما لم أتوقع سماعه من زينب .. أتعلم حجم الحب الاخوي لشخص مريم ؟؟

سألتها بتعجب :
" ماذا تعنين ؟؟

ابتسمت بلطافة وتجيببني :
" منذ أن صادقت مريم وابتسامتك غائبة عن محياك .. أنت تخالفين واقعك دوما ً ..


لم أفهم بعد مقصدها الحقيقي .. فعدت أسألها :
" ماذا تعنين من تلك المخالفة ؟؟


يبدو لي بأن هذه الانسانة تحاول اجتياز حواجزي ..


" كانت الابتسامة لا تكاد تفارق شفتيك بالسابق ,, و إن كنت نسيت فأذكرك بضيق بعض المدرسات من هذا الامر ,, إذ كن يكثرن من تنبيهك .. والان ..


وصمتت ..


" الان ماذا ؟؟


تسـتأنف حديثها :

" بعدما نلت مريم صديقة وهي التي يرغب في معرفتها الكثير .. أراك حزينة .. غير راغبة حتى في سماع ما يستدعي الفرحة والابتسام ..



دعاني هذه القول للشرود ,, والتبصر في الواقع المخالف لحقيقته ..


حين كانت حياتي تخلو من المباهج الحقيقة ويسودها الفراغ لم تفارقني الابتسامة يوما ً وكنت على وشك الدخول في موسوعة " جينيس " لأكثر فتاة تبتسم


والان .. لا ابتسامة .. ولا شيء مماثل لها ..

أيا ترى ألا تستحق مني مريم ذلك ؟؟

أم أن ابتسامتها البريئة المرتسمة على ملامحها كافية ؟؟


لم أشعر بشيء غير يدي زينب تحركني لتعيدني لواقعي .. وهي تقول :
" هي .. أين ذهبت ؟؟

" نعم ؟؟ لا لا شيء ..


" حسنا ً هل اقول لك شيئا ً ؟؟

" أجل !!


تضحك بلطافة وتقولها منصرفة :

" أنت مهووسة بمريم !!






~~~~~~~~~~~~



" هل أبدو فعلا ً مهووسة بمريم ؟

سألت والدتي ذلك مساء قبل الخلود للنوم ..

فضحكت مكتفية بالصمت ,, كأنها لا تود الحديث !!


كررت سؤالي ثانية .. ولم تجب .. أخال بأنها بالفعل لا تود الحديث هذه الليلة ..


نهضت بحزن متوجهة لغرفتي .. وهذه المرة لم أفكر بالوقوف عند غرفة أخي عادل .. فهو من ناداني .. وشعرت بأني في عالم مختلف .. هل أصبح أخي عادل بخير ؟؟


هذه هي المرة الاولى منذ شهرين تقريبا ً يحادثني !!

سألني :

" كيف حالك عزيزتي ؟؟

اقتربت منه لأعرف حقيقة ما أراه أمامي ,, هل هو عادل حقا ً ؟؟ ففي هذه الايام أصبحت الاوهام والاطياف تلازمني !!


دعاني للجلوس معه في الغرفة .. لربما يرغب في التحدث معي ..


حقيقة هذا أمر عظيم !!


الحديث كان حول مريم .. سألني عنها .. في بدءه .. أخبرته بأنها بخير ,, كما أني أخبرته بأمر صداقتنا ,, وبدا جليا ً سعادته بذلك ..


تمنيت حينها لو أني أخبرته بذلك منذ مدة ,, عساني أرى الابتسامة التي غادرت ملامحه منذ رحيل خالي .. آه ,, فوالله لاشتقتها !!!



لمريم فضل كبير في شعوري بالسعادة وإن لم تكن بادية على ملمحي .. أرجو أن يكون لها فضل آخر في عودة أخي عادل لسابق عهده ,, وإني لا استبعد ذلك .. فأنا أعرف حقيقة هذه الانسانة جيدا ً !



سألني أخي :

" ما هي آخر كتاباتها ؟؟


" لا ادري ..


" ألا تتابعين انتاجها الادبي ؟

" في الحقيقة لا ..


ارتسمت على شفاته ابتسامة دافئة كأنه تذكر شيئا ً ما ..


لم يكن لدي فعل أقوم به في صمته سوى مراقبة الابتسامة تلك .. يبدو لي بأنه يغوص الان في ذكرى الماضي .. وهذه المرة تبدو الذكرى سعيدة .. مفرحة !


أنا سعيدة .. أجل سعيدة .. فأخي استعاد شيئا من إمكاناته ..


سألته بعد أن أطال الصمت :

" في ما تفكر ؟؟

" الوقت لا يزال مبكرا ً !


هذه الجملة جديرة بالاهتمام .. هل يوجد أمرا ً يخفيه ؟؟ وإذا كان مفرحا ً ما سبب هذا التأجيل ؟


" لماذا ؟؟

" لا تتعجلي الامر لا يزال مبكرا ً !



انتهى الامر عند هذا الحد .. هو هكذا رغب ,, وحين لمست جانب رغبته في الحديث .. أخبرته عن الجانب الذي يقلقني .. في شأن رحيل مريم ..


كنت أرغب في ما يشعرني بالطمأنينة .. في ما يبدد ذلك الخوف المرعب .. ويقتل تلك الكوابيس التي تزورني في غفلتي وانتباهي ..



" عادل لا أدري لماذا يراودني شعور قاتل بشأن مريم ..

" ماهو ؟

" أشعر بأني سأفقدها يوما ً ما ..


حديثي أعاد الحزن لأخي ,, لمحت بريقا ً في عينيه يتلألأ . . هل يود البكاء ؟؟


نهض من كرسيه متوجه لمكتبه الواقع عند يسار الغرفة .. جلس هناك لبضع الوقت ..


أزعجتُه ,, لم يكن من المستحسن ذكر أمر الخوف هذا له ,, وهو الذي يعاني منه الان ..

قلت محاولة تجاهل جملتي الاخيرة :

" هل قرأت شيئا ً مما كتبته مريم ؟؟


أجابني بسرعة :

" أجل "


" ماذا قرأت لها ؟

" كانت قصة قصيرة .. منذ مدة شبه طويلة .. لربما أربع سنوات ..


شعرت بالرغبة لمعرفة أحداث قصة أجتاحت خيال فتاة لم تبلغ الثانية عشر بعد .. فسألته :

" هل تتذكرها ؟؟

" أجل . وهي تدور حول فتاة عاشت على أوهام لا صلة لها بالواقع .. إلى أن توفت بسببها ..


أوهام وموت ؟؟ هل عادل محق في ما يقوله ؟؟


بقيت لفترة من الزمن صامتة .. أما هو ففضل الحديث :

" أنا كذلك لا زلت أعيش على أوهام العقل يقول أنها مستحيلة ,, أوهام عودة خالي للحياة ,, لذا تريني اليوم شبيه بالاموات .. !


انطلقت الاهات من صدر أخي عادل ,, وكادت تشعل في قلبي حريقا ً ولهيبا ً ..
أصبحت أشعر بالحرارة ..


أغمض عينيه وهو يقول :

" لم أدرك ماذا تعني أوهام الا بعد أن تعايشت في أحضانها ! ليلى .. أنا لا أزال أترقب عودة خالي عند كل مساء ..



وعاد لنوبة الحزن من جديد .. ماكان الاجدر بي فتح هذا الملف .. اليأس من هذه الحياة تخلل حديثه ,, وهو لم يرغب في العودة لها .. هو فضل البقاء بين تلك الاحضان التي تبيده ..




انصرفت بخوف من الخوف .. !!

بخوف من تلك الاوهام التي تجعلني في حزن قد خلقته لعالمي .. بخوف من كوابيس قد جعلتها تعيش بين جفوني .. بخوف من خوف الرحيل ..


لماذا القلق والخوف ؟؟ أكل هذا من أجل كابوس زارني ذات يوم ؟؟

عادل محق في ما يقوله .. لماذا أدفن نفسي في عالم خلقه لي كابوس ؟؟
ولماذا ادع الحزن يعتليني لمجرد ذلك ؟؟






الاوهام قد تهوي بأصحابها ,, ولربما ترسلهم للفناء .. وأنا لا أبتغي ذلك الان ..


أي عقل هذا الذي تملكينه يا مريم ؟؟ لتسطرين منذ أربع سنوات ما يجعل حزن في داخلي ينتهي .. !


إنها أوهام ,, أوهام في عالم ما .. لا أعرف حقيقته جيدا ً لكنه سيولي .. ولن تعود ذاكرتي عنده .. سأعيش يومي مع مريم .. متجاهلة أياها ,, فلقد أوليتها أهتماما ً هي لا تستحقه !




][ يتبع ][



.0

 

التوقيع

.0.
.0.


وحيدةٌ أنا دُونما ذاكرة ,,
أو ربما بذاكرة ..
ذُبل فيها كُل شيء .. ,

الاهل ..
الاصدقاء ..
والوطن !


.0.
.0.

الوجه الأليم غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 01-08-2008, 12:30 AM   #28
الوجه الأليم
( كاتبة )

افتراضي



.0



الحلقة العاشرة : دروس مهمة





قريبا ً ستبدأ امتحانات المنتصف لهذا الفصل الدراسي ,, ولا اشعر بالحماس لهذا الاقتراب ؛ إذ لا تبدو لدي النية الفعلية للمذاكرة .. اشعر بخيبة أمل كبيرة فغالبا ً ما ينتابني هذا الشعور ويضيع مني الكثير .. وأنا أرغب في بذل اقصى ما يمكنني .. لأعوض ما فاتني من درجات بالعام المنصرم والذي كان سببه اعدام خالي ,, انا في وضع قلق واحتاج للجلوس مع مريم لاخبارها بهذا الامر ..


وكان هذا الحديث هو اول ما أبتدأت به فور جلوسي معها في الحافلة :
" اتصدقين مريم انا قلقة جدا ً بسبب قرب الامتحانات .. لا أشعر برغبة في المذاكرة !

" لقد انخفض معدلك كثيرا ً الفصل الاخير ,, لابد أن تجتهدي ..

" أعلم لكني لا أدري مالذي يصيبني ,, هذه الحالة تنتابني في فصول كثيرة .

" هل هذا قلق الامتحانات ؟

" لا اظن ذلك .

" ماذا تسمينه ؟

" لا أعلم ولكنها حالة تصيبني كثيرا ً ..

" سأفكر في حل لاجلك .

" شكرا ً مريم !



كالعادة تبتسم .. لتشعرني إن الدنيا لا تزال بخير لوجود مثيلها ..



ألتفتُ الى النافذة حيث فتاة بالسيارة المقابلة تشير لنا بيديها ,, لا أعرف هذه الفتاة فسألت مريم :
" هل تشير لنا هذه ؟

" من ؟

فأشرت لها واعتلت شفتا مريم ابتسامة عريضة وهي تقول :
" أوه هذه هيفاء .. !


لا يمكنهما الحديث ونحن وسط الشارع .. لذا فضلتا تبادل النظرات والضحكات .


بدت على ملامح مريم السعادة الكبيرة .. وهي تحدث نفسها علنا ً :
" مضت ايام دون رؤياك ياهيفاء لكم اشتقت لك !


لم ارغب في سؤالها من تكون ..


المدعوة هيفاء .. لحقت بنا لحين وصولنا المدرسة ,, وما إن نزلت مريم من الحافلة حتى اقبلت ناحيتها تحتضنها وتقبلها :
" آه يا مريم والله اشقت لك كثيرا ً كيف اخبارك واخبار والدتك ؟؟

" الجميع الجميع بخير عزيزتي انت ماهي اخبارك ؟؟
" انا بخير لكني اشتقت لكم كثيرا ً ..



كل هذا وانا وافقة حائرة بين المضي ام الانتظار .. وحين قررت الاول ألتفتت ناحيتي هيفاء وسالت :

" من هذه ؟؟

" إنها ليلى ..



" أوه ليلى ؟؟ هذه التي ارهقتني بالحديث عنها ؟؟


مدّت يدها لتصافحني وكم كانت هذه المصافحة حارة !!



" سعيدة لمعرفتك ,, فكنت مشتاقة لرؤيتك كثيرا ً ..


" كيف ؟


" مريم تكثر الحديث عنك ! حتى اصبحنا ننعتها في بعض الاحيان بمجنونة ليلى !


يسعدني ذكر هذا الحديث دائما ً !!


لحظتُ التورد الذي بدا على خدي مريم وكأنها تود لهيفاء الصمت ,, أما أنا فرغم تورد خداي الا اني وددت لهيفاء المواصلة !


قالت هيفاء بعد لحظات :

" مريم مشتاقة للجلوس معك ,, اليوم فقط عدت من الاردن .. وسعيدة جدا ً لرؤيتك ,, هل يمكنني زيارتك اليوم ؟؟ لاني لن اطيل الجلوس هنا . .


ولكم ان تتصوروا حجم الحزن الذي بدا على ملامح مريم حين مر ذكر الزيارات !!


حزن .. كآبة .. ألم .. حسرة .. رغبة في تحطيم اي شيء .. اي شيء يبرهن على غضب كبير وحزن كبير تمثل في وجهها !!


اشعر بالقهر بالقهر حيال هذا الموضوع ,, فكيف لهذا الذكر ان يتعب مريم لهذا الحد ؟؟
ولماذا بعد كل هذه المحبة والمودة تخفي عني هذا السر لماذا ؟؟



الحزن البادي على مريم أحرج هيفاء قليلا ً فقالت محاولة التجاهل :

" لا زلنا في بداية الشهر .. وانا لا آكل كثيرا ً في الضيافة ..


كانت تضحك ببلاهة .. وقالت :

" حسنا ً لقد تأخرتما عن دخول المدرسة سأترككما الان وداعا ً ..


ومضت لتعيدني لذلك الفضول الذي مامثله فضول ,, وأتناسى تهديد مريم بالرحيل حين أذكر هذا الحديث ,, أمسكت بيدها وقلت لها بصوت جاد :
" مريم ,, أنا في قمة القهر الان أتعلمين ؟

" لماذا ؟

" لأني لا أعرف حقيقتك بعد !
وقالتها بشيء من الجد :
" ولن تعرفينها !


ليبقى ذلك النفي شجنا ً عشعش في داخلي راغبا ً بالخلود !





أني لأجهل السر الذي يجعل مريم تخبئ الكثير من الحقائق عني رغم المودة التي صرحت بها علنا وسط زميلاتها وصحبها ,, أهي الثقة الغير حاضرة ؟؟ أم أن حداثة العهد هي ما يدفعها للغموض ؟؟ تجتاحني الاحزان لهذه الاسرار المخفية ,, ولهذه الحقائق الغير مكشوفة والتي لا ترغب في الافصاح عنها ولو بالقليل ,, فالامر الاخير الذي حصل لنا هذا الصباح من وجه جديد يدعى هيفاء .. كان مجرد مشهد حصل دون أن تود الحديث عنه بأي أمور تذكر ,, فقد تعذرت عن الاجابة لحين سألتها من تكون هيفاء ..


أنا في قهر لهذه الامور التي تصيبني من مريم ,, فهي تهددني بالرحيل حين أنوي السؤال عن مالا تبتغيه ,, والجنون لتخطي حواجزها يدفعني لتجاهل الخوف المقيت من تحقيق ذلك التهديد ..


سألتها حين العودة من المدرسة في الدقائق الاخيرة قبل نزولنا من الحافلة :

" هل تثقين بي ؟

" أجل !

" لكن .. لكن .. ما تفعليه لا يدل على ذلك ..


وقالت جملتها مودعة :
" الثقة لا تعني قول مالا يفضل قوله !!



أحتاج لفهم الامور قليلا ً .. واستيعاب تفاصيلها جيدا ً .. فمريم تخبئ كثير من امورها .. وتبرر بأن ذلك قولا ً يستحسن كتمانه .. هل أحتاج أنا لفعل ذلك ؟ ؟

أظنه درس جديد تعلمته من مريم هذا اليوم و علي القيام به في الايام القادمة ,, علي قول الحسن وترك القبيح ,, علي أن أدرك ما يتوجب علي قوله ,, ومالا يتوجب ,, علي أن أدرك بأن للحديث حدود لا يجوز تخطيها ..


ولكن حين أفكر بتأمل .. أجد رغبة كبيرة تقحمني في معرفة تفاصيل الامور التي تخص عالم مريم .. خصوصا ً ذلك الذي يهتم برفضها لزيارة أي مخلوق !!!

لا زالت نظراتها الحادة التي بعثتها لنا اثناء زيارتنا للعزاء تتراءى أمام عيني كما لو أنها أرسلتها للتو .. وهي التي تقود فضولي في كثير من الاحيان للتهور ..

آه يا مريم .. إني ومنذ أن عرفتك حصلت لي كثير من الامور ..
ورغبت في تغيير كثير من الامور ..

إنك المختلفة وستبقين كذلك .. !!!


~~~~~~


أحاول أن أقلب صفحات كتاب التاريخ راغبة في المذاكرة ,, إلا أني فشلت حقا ً في جمع شتاتي .. غداً هو أول امتحان وأنا إلى الآن لم اذاكر شيء ..


احسبها المرة الاولى التي تعدني فيها مريم بشيء ,, ووعدها كان باطلا ً مع الاسف .. !!
لا أزال مستغربة حيال هذا الامر .. فقد اخبرتني في ما مضى أنها ستجد لي حلا ً للمشكلة التي تؤرقني في ما يختص بالامتحانات .. وها نحن سنبدأ بالغد و لم أجد شيئا ً يذكر من محاولاتها .


هذا أخذني بعيدا ً عن ما لابد لي فعله من مذاكرة .. فأمر اخلاف الوعد مالا يتناسب مع شخص ونبل مريم ,, أتكون هكذا حقا ً ؟؟ أم أنها أجلت الحل لوقت آخر .. أم نست ؟؟ أم أن ظروف حالت دون مساعدتها لي؟

أخشى مصارحتها بهذا الامر .. ومن ثم .. ثم .. لا يجوز لي قول ذلك .. أليس هذا قول يستحسن كتمانه ؟؟ لعلها وقعت في مشكلة ما ..


طرق خفيف على الباب ..
إنها أمي .. وجهها مبتسم وتبدو سعيدة :
" هناك مفاجأة بانتظارك ؟

" مفاجأة ؟ "

قلت هذا ولم ادع لعقلي فرصة ليفكر .. فأي مفاجأة هذه التي تنتظرني ؟؟

سألتها :
" أين ؟

أجابتني :
" هي معي الان ..


وتخطو خطوات للخلف وتعود ممسكة بيد مخلوقة تجعل البهجة في داخلي لا حدود لها !!


قفزت من سريري ,, وحاولت أن ارتب اللحاف بسرعة وان أجمع الاوراق المتناثرة على السرير ,, وكثير من الامور الغير جيدة حاولت ترتيبها في الغرفة و تلك المخلوقة الواقفة عند الباب تنظر لي بتلك الابتسامة الرائعة !!


أمي تضحك وتقول :

" ليلى هل ستتركين ضيفتك ِ واقفة عند الباب هكذا ؟


الان شعرت بما يدور من حولي جيدا ً وقلت بخجل :

" أوه آسفة لكن .. الغرفة لم تكن مرتبة فعذرا ً !


وتضيف أمي :

" لا عليك عزيزتي يبدو لك ذلك الغرفة مرتبة عدا السرير الذي تذاكرين عنده .. والان تفضلي مريم ..


وتتركنا وتنصرف .. وتبقيني في ما لا يمكن تصديقه ..


أبتدأت حديثها بالاعتذار على الزيارة الغير مسبوقة بموعد ,, أ وهذا شيء يطلب العذر منه ؟

وقالت فيما بعد :
" أحببت ان اذاكر معك ,, لعل هذا حلا ً لما تعانينه من قلق لقرب الامتحانات ,, وعسى أن يكون لحضوري نتيجة في ذلك ..


" بالتـــــــــــــــــــأكيد !!


" تقولينها بكل ثقة ! هذا شيء ممتاز .

" مريم .. أنا أعلم مدى تأثيرك في كل شيء ,, وحضورك حتما ً سيساعدني على قتل القلق .

" تقتلينه ؟؟ اصبحت تستخدمين التشبيهات والاستعارات !! لا تستعجلي الامور فبعد غد هو امتحان اللغة العربية !

" لقد تأثرت بالمادة ..


واصمت قليلا ً واضيف :

" وبك ِ ايضا ً !! "


ولكي لا ادع لها مجالا ً للتعليق أسألها فورا ً :

" ماذا تفضلين من شراب ؟

" لا لا أريد شيئا ً ..

" سأصنعه لك بيدي هذه ,, لا تقلقي ..

" لا أريد شيء فلست جائعة . .


" هذا عصير ليلى وصدقيني ستطلبين غيره حين تجربينه !


تصمت كأنها راغبة بتكرار النفي ,, كم عنيدة هذه الفتاة ..

تجيب اخيرا :

" حسنا ً لكن لا تتأخري .

" ماذا تريدين الان ؟

" افضل البرتقال .

وأنهض مسرعة حيث المطبخ ,, أدعو الخادمة لاحضار برتقال من الثلاجة ,, فهذا العصير هو أهم عصير في حياتي !!!






~~~~~~



أغلقت الكتاب فجأة ,, ونهضت كأنها تبتغي الانصراف .. سألتها :

" إلى أين ؟ الوقت لا يزال مبكرا ً .

" لقد حان موعد الصلاة هل لي أن أصلي ؟


شعرت بالحرج لهذا القول ,, فأنا لم أعتد في الواقع على تأدية الصلاة في أوقاتها ,, قلت لها :

" الحمام هناك عزيزتي يمكنك التوضأ .



ومضت فيما بقيت جالسة في مكاني أفكر في أمر حفاظها على صلاتها في وقتها ,, إني ومنذ ان بدأت بالصلاة فإني اقوم بتأديتها في وقت متأخر ,, وحين أكون مرهقة أدعها تفوتني دون تأديتها في يومها التالي ..


تقبل الان مريم وتسألني :

" هل لي بحجاب صلاة وسجادة ؟

" إنها في الخزانة .. لحظة . .


وحين ناولتها السجادة ,, لمحت في عينيها بريق متلألأ من الدموع .. يبدو أنها ستبكي ..



لعلها المرة الاولى التي لا اشعر فيها بالقلق لدموع أو حزن يعتلي هذه المخلوقة ,, لأني أدرك أن هذه الدموع ستنهمر خشية لخالقها ..


عدت لمكاني متصفحة الكتاب واستعيد مذاكرة الدروس السابقة .. وتسـألني قبل أن تبدأ :

" ألن تصلي ؟


وقفتُ بخجل لأجيبها :

" بلى لكن فيما بعد وليس الان ..

" لماذا ؟

" اشعر بالارهاق ..

وتكتفي بذكر هذه الجملة وتبدأ في تأدية صلاتها :

" الصلاة الصلاة يا ليلى ,, إلا هي ,, كل شيء أتركيه وتخلي عنه إلا صلاتك ,, فهي عامود دينك الذي إن استقام فلحت امورك التي تتليه ,, و إن لم يستقم فقد خسرت دنياك وآخرتك .. صلي فروضك في أوقاتها !



لا اخفي عليكم بأن هذا الحديث اجرى على نفسي وقلبي شعور مخيف ,, والقشعريرة سرت في كامل جسدي ,, شعرت بالرهبة الحقيقية للخالق .. فمريم كانت تنطق بنطق ٍ كفيل ان يوقظ الضمير ..


نزلت للطابق السفلي راغبة بسجادة وحجاب صلاة ,, وكانت والدتي تلحظ الارتباك في طلبي فتسألني :

" ليلى مابك ؟


" لا شيء أمي فقط اريد حجاب وسجادة ,, أين هما ؟

" في تلك الخزانة ..



وحين تناولتهما رغبت بالانصراف فعادت لتسأل :

" ليلى مابك ؟؟ لا تبدين بحال جيد .. هل حصل أمر ما ؟


" لا لا أمي لم يحصل شيء ,, لا عليك .. سأذهب لأصلي ..

" ليلى اخبريني ماذا بك ..


هل اخبركِ بما يجعل في داخلي الحزن الان .. ؟؟ فماذا عساي القول أماه ؟ هل ألومك ِ ؟ أم ألوم ذاتي المستهترة ! أم ألوم والدي ؟؟

أمي .. أبي .. ذاتي .. هم المسؤولين جميعا ً عن ضياع كثير من أمور ديني ..



واكتفي بقول :

" لا شيء أمي ولكني تأخرت عن مريم لا اريدها أن تمل .





حين دخلت الغرفة فكانت مريم قد انتهت من فرض المغرب للتو .. وكانت تسبح في خشوع كبير لا أحسبها شعرت بدخولي !!!



تلتفت ناحيتي بعد ذلك طالبة :

" عزيزتي هل لي بقرآن ؟

" أكيد ,, بالطبع . .

ناولتها إياه و أنا لا أزال غارقة في حزن كبير ,, وبقي هذا الحزن معشعش الى أن أنتهت كلانا من أداة الصلاة ,, وجلست مريم على الكرسي وتقول براحة :

" الان يمكننا المذاكرة ..


أجل الان يمكننا ان نذاكر ,, ويمكن لنا فعل ما يحلو لنا ..


سألتها محاولة تغيير الحزن الذي يعيش في داخلي الان لاستهتاري :

" مريم , , لم تعلقي على العصير وقد مرت ساعتان ونصف وأنا أنتظر ألم يعجبك صنع يدي !!؟
تعلق :

" بلى ألا تريني شربت محتوى الكأس كله .. !!


وتضيف بعد ثوان ٍ :

" على فكرة هذا أروع عصير شربته في حياتي ,, أنت بارعة ما رأيك في أن تفتحي محل عصائر إني متيقنة من أمر نجاحه ..


" ساخبر والدي بذلك متأكدة أنه سيوافق !



ونضحك سويا ً على اقوالنا ,, فيما أمد يدي ناحية مريم و أقول لها ممازحة :

" سأقتلك حتما ً .

" لا أرجوك دعينا نكمل الامتحانات وبعدها اقتليني ..



وهل أنا جديرة بفعل ذلك يا مريم ؟ ؟ أو تظنين بأن قوة ما ستتملكني تحت أي ظرف لافعل ,, إني لا اجرؤ حتى على قول ما يجرحك و يحزنك ..

إنني وقبل أن انطق أراجع ما سأقوله لك ..

فأنت العزيزة يا مريم ,, ألم تدركي بعد إني أحبك في الله !؟



تصفق بيديها وتقول :

" هـــــــْي أين ذهبت ِ ؟

" لا لا شيء ..


" حسنا ً تبقى لدينا ثلاثة دروس وسأنصرف بعدها ..

" ما رأيك بالعشاء معنا ؟

" لا لا أبتغي التأخير عزيزتي ..

" أرجوك ِ تناولي العشاء معنا .

" لا استطيع ..

" حسنا ً سانتظرك بالغد اذا ً لتذاكري معي امتحان اللغة العربية .

" لن استطيع المجيء .. سأتواجد معك الجمعة القادمة ..

" فقط ؟ الجمعة فقط ؟

" اجل ,, فقط !


~~~~~~~~~~



مريم انسانة غريبة حقا ً ,, تعشق الغموض كثيرا ً .. و تعشق أن ترى طرفها الاخر في حيرة لا مثيل لها ,, دائما ما أجد حديثها لغزا ً يستعصب علي ّ حله فهي لا تود أن تكون واضحة معي في امور كثيرة ..
لا أعلم لماذا تفضل البقاء معي بهذه الصورة ,, إني لأمقت الغموض .. وأمقت السراب ..
أريدها معي واضحة .. واضحة ! لكنها تأبى أن تكون كذلك ..



إلا أنها تبقى تلك الانسانة الرائعة التي أعطتني الابتسامة الحقيقية ..


اليوم علمتني أهم درس لا بد منه ..


الصلاة !!

لكم غفلت عنها ,, ولكم استهرت في تأديتي لها ,, ولكم مرت أيام دونها !

القرآن !!

تمر شهور دون ان أعطر شفتاي بتلاوة آياته ..


هل يوجد ضياع حقيقي يجابه هذا الضياع ؟؟ إنه لعمري ضياع مر ما أمقته ..


كيف كنت اظن الحياة ستكون في سعادة دون وجود صلاتي ,, وكيف كنت أرى نعيمها دون اقامتي لصلاتي ؟ وكيف كنت احسب الحزن .. والالم ؟؟ وكيف كنت ارى السعادة ؟


إنه هو الحزن .. هو الالم .. فهو الضياع الحقيقي ..


لا زال حديث مريم متردد على مسمعي ,, لا زلت اسمعه .. وتسري تلك القشعريرة في كامل جسدي !
إنها عامود ديني الذي لم اسعى لاستقامته ,, وتركت كل ما يليه في طريقه للفشل ..

من المخطئ ؟ أنا ؟ أم أمي ؟

إنها لم تحاسبني يوما ً على تأديتها في وقتها ,, ولم تفضل الحديث معي ذات يوم بهذا الشأن !!

إنه الشرخ الاول في ما بيننا ,, وما أعظمه من شرخ !



أمي ,, كنت ولا تزالين الصديقة الاولى ,, ولا تزالين خير جليس أأنس بوجوده ,, وكم أتمنى للمرة المليون عند هذه اللحظة انك جعلت امور ديننا تتخلل أحاديثنا ,, لما كنت ضيعت ما ضاع ..


إني أدرك بأن الصلاة حق وواجب ,, لكني لم أجد من يعشعش في داخلي الحب الالهي !!


مريم أنت عظيمة ,, أنت تخلقين في نفسي ما لابد له أن يُخلق وما هو كفيل في أن يدعوني لنيل السعادة الابدية .


شعرت برغبة كبيرة في قراءة القرآن الكريم ,, أنا أحتاج لفعل ذلك ..


وشعرت بخشوع كبير ,, و تقاطرت الادمع على خداي كجمر كادت تحرقهما .. فأي شعور أروع من هذا الشعور ؟ فهل يوجد أروع من العشق الالهي حين يتغلغل داخل الصدر والقلوب ؟


ومضيت في بكاء مرير ,, نادمة على ما مضى ,, راغبة في تجديد العهد مع الله ,, عاقدة على التوبة النصوحة ,, و أقسمت ألا اضيع صلاتي .. ووعدت الاله بذلك ..


فهو الرب الغفور الرحيم ..






.
.


][ يتبع ][




..

 

التوقيع

.0.
.0.


وحيدةٌ أنا دُونما ذاكرة ,,
أو ربما بذاكرة ..
ذُبل فيها كُل شيء .. ,

الاهل ..
الاصدقاء ..
والوطن !


.0.
.0.

الوجه الأليم غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 01-20-2008, 10:37 PM   #29
الوجه الأليم
( كاتبة )

افتراضي


أما من عشاق للرواية هنا ؟ يبدون نقدهم وقراءتهم التحليلة؟

 

التوقيع

.0.
.0.


وحيدةٌ أنا دُونما ذاكرة ,,
أو ربما بذاكرة ..
ذُبل فيها كُل شيء .. ,

الاهل ..
الاصدقاء ..
والوطن !


.0.
.0.

الوجه الأليم غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 02-11-2008, 04:07 PM   #30
الوجه الأليم
( كاتبة )

افتراضي


بسمه الهادي



اتمنى ان ينقل الموضوع الى القسم الجديد ..






كل الود نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

 

التوقيع

.0.
.0.


وحيدةٌ أنا دُونما ذاكرة ,,
أو ربما بذاكرة ..
ذُبل فيها كُل شيء .. ,

الاهل ..
الاصدقاء ..
والوطن !


.0.
.0.

الوجه الأليم غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 10-03-2009, 10:42 PM   #31
الوجه الأليم
( كاتبة )

افتراضي






الحلقة الحادية عشر : غموضها !










استطعت أن أفيق باكرا ً على صوت المنبه الذي قمت بتضبيطه الليلة الماضية بعد اطلاعي على وقت الاذان من الجريدة الموضوعة على مكتب والدي ..





المؤذن ينادي " الصلاة خير من النوم "



في حين الادمع تتقاطر على خداي حزنا ً وشجنا ً وألما ً !





إنه لن يهنأ لي نوما ً بعد هذا إن لم أصلِ !





بكيت كثيرا ً هذا الفجر ,, و أنا أتلو آيات من الذكر الحكيم ,, !



فآه على أيام عمري الراحلة .. ..





وحين طويت سجادتي ناهضة , رفعت يدي نحو السماء داعية للرب بقبول توبتي ,, وراجية منه أن يبقي لي مريم .. هذه الانسانة التي معها أدركت حقيقة الاشياء من حولي .









.

.





رغم البهجة التي اعتلتني لزيارة مريم ,, الا اني في استغراب تام لهذه الزيارة !

إنها ترفض وبشدة الزيارات .. ما الامر اذا ً ؟





أظن الامر متعلق بزيارات زميلاتها لمنزلها فحسب ,, وهذا الرفض المطلق لم يكن الا متأخرا ً والا لما سألت والدتي منذ مدة عن عدم حضوري ..





مريم ,, زيارتها الاخيرة هذه رغم فرحتي بها الا أنها زادت قهري قهرا ً !

وقد تضاعف القهر آلاف المرات بقولها هذا الصباح في الحافلة :



" إياك واخبار زميلاتي بموضوع زيارتي لك ِ ! "



سألتها فورا ً :



" لماذا ؟



" لا أريد أن يعرف احدا ً بذلك .



" ما الامر مريم اخبريني ..





تتنهد قائلة :



" ليلى لا تحاولين معرفة كل شيء ,, لو كنت انوي قول السبب لذكرته دون سؤالك ِ





يالهذه الانسانة ,, أتراها تسعد حين تراني غارقة في السراب ؟



قلت هذه الجملة غاضبة :

" حسنا لن اخبر أحدا بالامر !



تمسك بيدي بحنان متأملة أطرافها :



" اعذريني ,, ولكن ثمة حقائق لا يتوجب علي قولها لك الان ,, ولكني اعدك أنك ستعرفينها لاحقا ً ,, إن ابتغيت مداومتي على زيارتك لا تخبري أحدا ً ..





شعرت بحاجتها الماسة لأخفي هذه الزيارات ,, وشعرت بأن وراءها سرٌ كبير تخشى علنه ,, والا لما كان هذا التحفظ التام على الامور .. ؟





فما السر وراء رفضها الزيارات المنزلية ؟

و ماذا سيجري لو عرف البعض عن زيارتها لي ؟

ومن تكون هيفاء حتى يكون الحديث عنها من الامور التي يحبذ كتمانها ؟

وما السر وراء رغبتها الكبيرة في أن تكون مصدر سعادة للغير ؟





سأبقى على انتظار مع تحقيق الوعد بايضاح هذه الامور ,, و أرجو أن لا أجن إلى ذلك الحين!



أتذكر بأنها أخبرتني في أحد المرات أنها لا تحبذ أن تأكل شيئا ً في الفسحة المدرسية ,, واجابتها كانت مصحوبة بشيء من الاستغراب ..



لم يبدُ لي الامر عاديا ً ,, أظنه هو الاخر حقيقة لا تود أن يعرفها أحد !



كثير من الامور كنت أحسبها لا معنى لها وقد تبين لي بأنها بحال مخالف تماما ً ..



فمريم غامضة في ابتسامتها ,, وفي نظراتها .. وفي أقصر الجمل التي تقولها ! إنها غامضة في كل شيء !





****





تذكرت قول أخي عادل في ما سبق بخصوص انتاجها الادبي الذي كان شيئا مما أشارت له بعض المدرسات هنا ,, فسألتها فور جلوسنا في الفسحة :



" لم أطلع على شيء من انتاجك الادبي ,, أريد أن أرى كتاباتك ..



" غريبة !



" ما الغريب بالامر ؟



" أنت لا تحبين الكتابات الادبية ..



" عزوفي عنها لا يعني مقتا ً ,, أنا لم أفكر بقراءة قصة أو نثر خارج ما درسته وأدرسه هنا بالمدرسة .



" زميلاتي ومدرساتي لم يطلعن الا على الكتابات التي تخص مادة اللغة العربية في حصة التعبير !



" حقا ً ؟؟



" أجل .. لا أحبذ أن يقرأن غير هذا !



هل وراء كتاباتها سرا ً أيضا ً ؟؟ أعِّني يا إلهي !



سألتها :



" هل يطلع على كتاباتك أحد غير زميلاتك ومدرساتك ؟



" أجل هنالك من كان يطلع عليها ..



" من ؟



" أخي و ... !



و .. تصمت !! كعادتها هذه الانسانة دوما ًالصمت ..



الصبر الصبر ,, هبني إياه يا رب ..



قلت لها:



" أخبرني أخي أنه اطلع على قصة لك منذ مدة !





تطايرت شياطين الدهشة من عينيها ,, وملأ الاستغراب ملامحها ,, وتقول لي:

" أخوك قرأ قصة لي ؟ كيف ؟ ومتى؟



" أجل قرأ وكان ذلك منذ أربع سنوات تقريبا ً لكن كيف لا أدري ! .. ما الذي يدعوك للاستغراب ؟؟



" قصصي لم يقرأها الا شخصين فقط وأخوك ليس واحدا ً منهما ,, فكيف قرأها ؟



" لا أدري ولكن ما المحزن في الامر .. ؟؟

" أوه كلا ,, لم أكن اعلم بالامر , من الذي أوصلها له ؟



" مريم ! لماذا كل هذه العصبية ؟؟



" لقد وعداني أنهما لن يدعا أحدا ً يطلع على قصصي المكتوبة ,, وعداني فكيف وقع ذلك ؟



أحيانا غموضها وسريتها تتحول لشيء من الغرابة . فهل يبدو الامر مهما ً لحد العصبية هذه ؟



" مريم أهدأي واخبريني بالامر .



" كيف أهدأ ,, و أنا لا يمكن لي التحقق عما إذا وفى كل منهما بوعده !



أخيها قد رحل ,, أما الاخر والذي لا تحبذ اسمه هل رحل أيضاً ؟



سألتها :



" هل رحل الاخر ايضاً ؟؟



تقف متوجهة للشجرة القريبة من مكاننا .. تتأمل بجذوعها .. بأوراقها المتساقطة التي تعلن حضور فصل الخريف وتقول بصوت شجي :



" أجل رحل ,, ليجعلني كمثل هذه الشجرة المتساقطة أوراقها !





شعرت بالحزن لهذا القول ,, فلقد أجرى رحيل خالي العزيز على حياتي شجون مامثله شجون ,, وخوف من القادم بأطيافه دوما ً يطاردني ,, الا أن حبي لك يامريم أعادني لهذه الحياة ,, أخُوتك جعلتني أدرك بأن لا تزال الدنيا بخير بوجودك معي ..



لقد تناسيت كل شيء بوجودك .. حتى رحيل العزيز .. أتراني غير كافية لقتل الحزن المقيم بداخلك لرحيل ذلك الاخر الذي لا تريدين أن يعرفه أحد؟ وأنا العزيزة التي صرحت بها علنا امام صحبك ؟





مريم ,, إنك حتى في المرة الاولى التي تخبريني فيها بحزن مقيم في داخلك غامضة .. ! لأدرك فقط بأنك شجرة تعيش فصل الخريف .. أما البقية فأجهله .. ألا استحق أن اعرف ولو القليل ؟





أنت لا تدركين بأن قولك الاخير هذا أهوى بي ,, أنت لا تدركين أنه جعلني أشعر بأن ذرات الاكسجين هذه تخنقني .. تشعرني بالنهاية ..



أنت لا تعلمين أنه أماتني .. ! حقا ً لا تعلمين !!



أنه الحزن العميق الذي أشعر به الان وأنا أعرف مكاني لديك ِ ! إنه الالم الذي يجتاحني الان وأنا أعرف بأني لم اقوَ بوجودي حتى أن أكون ماء اسقي عروقك العطشى ..





أخبريني عزيزتي ماذا اصنع وأنت خلقت ألف حاجز وحاجز لتخطي كل نوافذك ..

أخبريني عزيزتي ماذا اعمل لاجلك وأنت ترفضين اصغائي ..

أخبريني عزيزتي كيف اكون لك الماء وأنت لا تجديني أهلا لاقوالك السرية ..



أخبريني يا مريم .. ؟



إن كنت أعرفك منذ شهور فأنت تعرفيني منذ مايقارب الاربع سنوات ,, ألم يكن هذا كفيل للامان ؟

أم أنك ترفضينه معي .. ؟؟







مريم ,, رغم غموضك .. تبقين الاخت العزيزة ..

رغم الحواجز التي صنعتيها من حديد .. تبقين الصديقة ..

ورغم كل شيء ,, تبقين أنت ,, مثل ما أنت ,, مريم المختلفة !







مريم إلى الان غارقة في عالم ذلك الاخر الذي لم تخبرني بأي شيء عنه ,, لأتركها وحدها تعيش لحظات الماضي وأتسلل خفية متوجهة للصف ..









.

.



سحبت أذني بقوة عند جلوسها أمامي في طريق العودة وتقول :

" أيتها الخائنة ,, كيف تتركيني وتمضين ؟



" لقد وجدت فكرك غير حاضر ,, شعرت بأن لك رغبة في الانفراد ..



" هذا ليس سببا ً اخبريني لماذا تركتني ؟



بل سببا يا مريم ,, لماذا لا تصرحين ؟



" هل لي بسؤال ؟



" تفضلي عزيزتي ..



" شكرا ً .. مريم .. هل تشعرين بالامان معي ؟؟





أوقات عديدة حين أسألها تصمت ثم تجيب ,, أما هذه المرة أجابتني فورا ً :



" بالطبع اشعر به .. ! ليلى افهم شعورك تجاه تصرفاتي .. اعتادي على غموضي لحين يُفرج له بالايضاح .. الجمعة القادمة سأتحدث معك حول هذا الشأن .. لكن اخبريني ما اخبار الامتحان ؟



" أي امتحان ؟



" أوه ! هل أنت جادة ؟؟ امتحان التاريخ أنسيت ِ ؟



" لا لم أنسَ .. الامتحان كان سهلا ً للغاية أتوقع الدرجة الكاملة ..



" ممتاز جدا ً .. ثابري ليلى أريدك متفوقة هذا الفصل ..



" بعون الله سأكون كما تريدين ..



وأدير بصري ناحية النافذة وأضيف :



" وأتمنى أن تكوني كما أريد ..



لم أسمع شيئا منها ,, بل حتى زفيرها لا اسمعه ! فأعدت بصري ناحيتها ,, وجدت دمعة محتبسة بين جفونها .. ! ماذا ؟؟ مريم .. مريم على وشك البكاء ؟؟



خفق قلبي خوفا ً ورحت أسألها :



" مريم مابك هل أزعجتك بشيء ؟



فتجيبني مغمضة العين حابسة تلك الدمعة :



" لعمري يصعب علي أن لا أكون كما تريدين ..





لتكتفي بذكر هذه الجملة وحدها وتفضل الصمت المطبق بالالم دون الحديث إلى أن ودعتها بعد النزول من الحافلة ..



هل شق الحزن طريقه في داخلنا منذ الان ؟؟

مريم انت قادرة على ان تبعديه .. فابعديه ارجوك





حين يكون فكري مشغولا ً فإني لا ارغب بتناول أي شيء .. لذا صعدت مباشرة للأعلى وجلست على الاريكة القريبة من غرفتي وغرفة أخي .. أتراه قادر على الحوار معي هذا اليوم ؟؟



اخبرني في المرة التي سبقت انه ثمة حديث مؤجل لم يرغب في قوله انذاك .. حان وقته الان ,, لن اقبل بتأجيله اكثر من ذلك ..



أوه .. الصلاة !





نادتني والدتي قائلة :



" عزيزتي نحن ننتظرك على الغداء ..



" امي لا اريد شيئا ً سأصلي الان ..





المسافة فيما بيننا طويلة ولا استطيع رؤية ملامح أمي ,, ولكني ادرك تماما ً أنها تغيرت !

أدرك تماما أنها استعجبت وقت صلاتي الذي باشر عودتي ..



فلتتعجبي أمي ,, فليلى اليوم هي ليست ليلى بالامس !





*******











إلى الان لا أتملك القدرة الكافية التي تدعوني للتركيز التام على محتويات هذا الكتاب !

مريم ,, ليتك معي تذاكرين .. غدا ً هو الامتحان والى الان لم أقوَ على مذاكرة أي شيء ..



سمعت صوت باب غرفة عادل يفتح ,, قفزت للاطلاع على الامر ,, و وجدت أخي - بشعره الطويل .. وبلحيته الكثة التي توحي لمن يشاهده أنه من العصور الوسطى – ينوي الخروج .. فسألته :



" عادل إلى أين ؟



" إلى خالي حيث يكون !



" حسنا أنتظرني سأرتدي عباءتي و آتي معك ..









المقبرة كانت مخيفة هذا المساء ,, و أشعر بأن عظام الموتى تحدثني ! وأصوات آهاتهم أكاد أسمعها .. في المرة السابقة لم أشعر بمثل هذا الخوف الذي يعتريني عند هذا اللحظة ..



وحين أناظر أخي يصور لي أنه سيلحق بهم عما قريب .. لا لا ! أخي أرجوك عد لهذه الحياة ,, فوالله سأموت إن خطفك الموت مني ..



عادل بدا نحيفا ً للغاية ,, لقد تغير كل شيء فيه ..



تمدد على قبر خالي وأخذ يحدثه عن شجونه من بعده ,, و يثرثر بآلامه ,, هل ياترى الموتى يسمعون ؟ أخشى عليك من الجنون .. أ ولست واقع فيه الان ؟





تخطيت القبور لأصل عند قبر أخ مريم .. تبدو التربة رطبة ,, والورود الموضوعة عند حافة القبر ليست بجافة .. إن أهله يداومون زيارته ..





قرأت الفاتحة ,, و دعوت له بالنعيم .. وحين أنهيت مراسيم الزيارة .. وجدت عادل أخذ غفوة بجانب قبر خالي ,, أصبحت معتادة على هذه المشاهد ..





وجدتها فرصة لزيارة القبور الموجودة هنا .. فالكثير من أصحابها قد هجرهم أحباؤهم .. إن المقبرة عالم مخيف .. خصوصا في هذا الوقت الخريفي .. فبالاوراق المتطايرة على القبور هنا وهناك ,, تدرك حتمية هذه النهاية ..





شعرت بأني أنجزت أمرا ً كان لابد لي فعله منذ مدة ..



جلست عند أحد القبور ,, كان لفتاة عمرها 17 سنة .. أهديت لروحها الفاتحة .. وقرأت لشبابها الراحل الدعاء ,, وحين أردت البكاء وجدت ظلا ً خلفي !



" عادل ؟ أفزعتني !



سألني بهمس خفيف :

" هل تعرفينها ؟



" لا ,, لكني زرت الكثير منهم اثناء غفوتك ..





جلس بجانبي ومضى هو الاخر يحدق بالقبور هنا ,, ويطيل النظر عند ذلك القبر " قبر أخ مريم " ويتمتم :

" ليتني كنت معكم !





لم تبدو عليه رغبة النهوض ,, هو يطيل المكوث هنا في المرات القليلة التي يزور فيها العزيز الراحل ,, حاولت أن ابعده عن هذه الاجواء ورغم المكان الغير ملائم لقول مالابد قوله الا أني ناديته :



" عادل ؟



لم يسمعني منذ أول نداء ,, وحين كررته ثانية وثالثة أنتبه فقلت له :



" اخبرتني فيما سبق أنك قرأت لمريم قصة أليس كذلك ؟



" أجل قرأت ..



" كيف وصلت لك القصة ؟



سؤال رآه غريبا ً .. هكذا فهمت من نظرته فأجاب :



" القصة لم تصلني ,, إنما وجدتها على مكتب خالي في أحد المرات ..





ماذا ؟؟ خالي ؟؟ ما دخل خالي بالامر ؟ هل .. هل هو الاخر ؟؟ لا .. ! لا أظن .. سألته :



" هل خالي هو من دعاك للاطلاع عليها !؟



أجابني بعد لحظات :



" لا ,, خالي لم يكن يعلم بأمر قراءتي .. اثناء قراءتي لها كان بالحمام .. ما المهم بالامر ؟



خالي إن كان هو الاخر فقد وفى بوعده ! لكن السؤال الان لماذا لم تصرح به ؟ ولماذا رغبت بكتمه ؟؟ بل لماذا جعلت رحيله وجعا ً.. ؟؟





" لا أدري ولكن حين أخبرت مريم بأمر قراءتك لقصة من قصصها غضبت !



" حقا ً ؟

" أجل و رغبت في سؤالك عن الامر ,, فلا أرى ما يستدعي غضبها .. فهي قصص ليس الا ..



" ربما قطعت على خالي وعداً الا يقرأها سواه ..





ماالذي كان يجمع بينهما ؟ خالي ومريم ..



سألت عادل :



" ماذا كنت تخبئ في المرة الاخيرة وتقول بأن الوقت مبكرا ً ؟



كان يشعر بالتردد ,, الا أني لا أملك القوة التي تمكنني من الصبر أكثر من ذلك .. أرغب في معرفة الحقائق من حولي ..



قال :



" حين كان خالي يكثر الحديث عنها بدت لي ابنة العشرين على أقل تقدير وحين عرفت عمرها الذي لا يتجاوز الحادية عشر صدمت .



قاطعته :



" أعلم هذا ما الجديد بالامر ؟



" الجديد الذي لا تعرفينه أن خالي لم يراها ابنة الحادية عشر بيوم من الايام .. وكان ينتظر فقط عمرها الزمني يكبر ليـ ..... !



وصمت !



هل الصمت طبع جميع من يحادثوني ؟؟ اصبحت لا أطيقه أبدا ً ..



" ماذا كان ينوي خالي ؟



" كان ينوي الزواج منها !



" مــــــــاذا ؟؟ هل أنت محق ؟ يتزوجها ؟؟ إنها صغيرة جدا ً !



يبتسم بلطف كأنه يتذكر كل المشاهد الآفلة :

" ومنذ متى كان الحب يعرف عمرا ً .. ؟ ومريم لم تقاس بعمرها الزمني يوماً ..



" هل صرح خالي بالامر ؟؟



" أخبرني به بعد إلحاح مني ,, إذ كنت أرى الحب لشخص مريم متلألأ في عينيه اثناء حديثه عنها ,, وحين واجهته بالامر اكتفى فقط بأمر زواجه المؤجل منها .. و آخر مرة تحدث عنها قال :



"" كبرت مريم كثيرا ً عن أول مرة لاقيتها فيها ,, لقد ناهزت الثالثة عشر ,, سأنتظر أربع سنوات اخرى وأتقدم لخطبتها ! ""







إن كان خالي يعشق مريم التي حملها لايام طوال على كتفه ,, وداعبها ,, واشترى لها كثير من الألعاب .. وخرج برفقة ناصر معها للحدائق لتلعب .. فهل تحبه هي الاخرى .. ؟؟



إن لم يكن يعني لها خالي شيئا ً فكيف برحيله أن يحل الخريف على عمرها ؟؟ و أن تبدو كمثل ما وصفت لي صباح هذا اليوم ؟؟





هل سيكون عشقها شيئا ً مما تنوي اخفائه .. ؟؟ أم أن كل سبل الاخفاء منتهية بعد كشف الحقيقة ؟؟



" عادل ماذا عنها هل تحبه ؟



" لا أدري ,, وخالي هو الاخر لا يدري ..!



فيما أضفت أنا :



" وأنا الاخرى لن أدري !!





****





لو شاءت الاقدار لكانت مريم زوجة لخالي ,, ولو شاءت الاقدار لأكملت العام الخامس لصداقتنا ,, ولو شاءت الاقدار لبارك لنا خالي هذه الصداقة !





حين تيقنت من أمر اخفاء مشاعرها واخفاء حقائقها كنت على حق ! فحين واجهتها بالامر اكتفت بقول أن خالي هو الشخص الاخر الذي لم ترغب في الافصاح عنه ..





وحين حكيت لها تفاصيل الحدث الذي يبرء خالي من تهمة الاخلاف بالوعد حمدت الله حمدا كثيرا ً..



أوليس هذا حبا ً .. ؟؟





حين سألتها ذلك ضحكت ! وقالت :



" خالك حين رآني كنت ابنة الاربعة اعوام ! وكان يلاعبني كثيرا ً .. يمازحني .. ماذا تسمين كل هذا ؟؟ هل هو الحب يا مريم ؟؟







" إن لم يكن الحب لماذا تخفين حقائق المشاعر .. ؟



" لأنها مشاعر خاصة بمن رحل ,, وطالما هو رحل فلن ينفع القول .. فالمشاعر قد رحلت معه !





إن المشاعر لا ترحل مع من رحلوا ,, و إن يكن هو الواقع لما بكيت كثيرا ً على ذكرى جمعتني مع الراحل ؟؟ ولما تمنيت للمرة الالف أنه لا يزال حيا ً يرزق ..





مريم .. لن أتخطى حواجزك .. فالحواجز التي صنعتيها اكبر بكثير من محاولاتي .

لذا سأكون بانتظار الاصغاء لك عند مساء كل جمعة .. !



و إن خابت آمالي عند انتهاء زيارتك ,, ستعود حين الجمعة القادمة !









.







يتبع


 

التوقيع

.0.
.0.


وحيدةٌ أنا دُونما ذاكرة ,,
أو ربما بذاكرة ..
ذُبل فيها كُل شيء .. ,

الاهل ..
الاصدقاء ..
والوطن !


.0.
.0.

الوجه الأليم غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 10-03-2009, 10:44 PM   #32
الوجه الأليم
( كاتبة )

افتراضي





الحلقة الثانية عشر :العشرون من يناير







انتهيت أخيرا ً من الفصل الدراسي الأول ,, لكم كان شاقاً ودسما ً احتجت فيه لمراجعة مكثفة مع العزيزة ,, فأنا وعدتها أن أبذل قصاري جهدي ..





في الغد ستظهر النتائج ,, و متيقنة من أمر التفوق الذي سأناله ..





هاتفت مريم عصراً فسألتها بعدما استفقدت اخبارها :



" هل ستذهبين في الغد للمدرسة ؟؟



" لا سأستلمها عند بداية الفصل الثاني ! ماذا عنكِ ؟



" كنت في الغد سأذهب لكني تراجعت الان ..



" لا ! أريد رؤيتها في الجمعة عندما أزورك ِ ..





وحين أردت اقفال السماعة تحدثت كأنها تذكرت شيئا ما :



" ليلى ,, هل بطاقتي عندك ؟ فأنا فبعد خروجي من المشرفة في اليوم الاخير لا أتذكر أين وضعتها ..



" أجل لقد نسيت ِ أخذها ,, في الجمعة القادمة حين تزوريني سأسلمك إياها .. ما الذي ابتغته المشرفة ؟



صمتت برهة وقالت :



" لا أدري !



قلت بشي من الغضب :



" لا تقولي بأنها أسرار وهي امور يتوجب كتمانها ؟؟ فإن كانت كذلك حقا ً سأجن !



تضحك بلطف وتعلق :



" ليس لهذا الحد كما تظنين .. كل مافي الامر أنها رغبت بنسخها ولم تعلمني عن الاسباب !



" هكذا إذا ً !



" أجل أيتها العزيزة !







***********







أشعر بالملل في هذا الفراغ القاتل الذي يحويني في العطلة ,, أخبرني والدي أنه ينوي إدخالي أحد المعاهد الا أني لا أفضل ذلك ,, لا أملك أي رغبة في الدراسة ..





حين سألتني مريم عن بطاقتها " هويتها " لم أتذكر في بادئ الامر أين وضعتها ,, فخشيت أنها ضاعت ..



و بعد معاناة مع البحث وجدتها في كتاب " الانجليزي ".. حيث كنت اذاكر في محتواه اليوم الاخير!



تأملت ما تحتويه من معلومات ,, وتوقفت عند صورتها الشخصية أكثر من التوقف عند الامور الاخرى ! فلمريم وجه ملائكي رائع ..





حتما ً لهذا الوجه الوقع الخاص على قلب خالي الراحل ,, وكيف لا والجميع يتحدث عن جماليته !

لا ألومن خالي إذا ما وقع اسيرا ً تحت قيود هذه الانسانة ..

في بعض الاحيان أضحك كثيرا ً كلما تذكرت أقوال زميلاتي حول براءة وجهي ؛ إذ أنه لا يعادل الثُمن من براءة هذا الوجه الذي بين يدي الآن !



لكم عظيمة أنت يا مريم ,, ولكم أنت جميلة في كل ما تحتوينه ..





إن هذه الملامح لن تغيب عن ذاكرتي وإن غابت طيوفها .. فهي تعيش في داخلي بصورة أكبر من تلك التي تعيش في عيني حين رؤياها ..





أدرت ناظري نحو المعلومات البقية .. و عندما وقعت عيناي على تاريخ ميلادها عزفت في داخلي أوتار البهجة !! العشرون من يناير هو تاريخ ميلادها,, لم يتبق َ الكثير على ان يصادف التاريخ هذا اليوم .



وقد اشتد وقع موسيقى البهجة في داخلي حين علمت بأن ذلك سيصادف يوم الجمعة القادمة !!





ستكون هذه الجمعة مختلفة ,, ستكون تاريخية .. فهي ستحمل تاريخ ولادة من انتشلتني من ضياع كنت أراه فرحاً







العشرون من يناير ..



يوم مولدي لا مولدك وحدك يا مريم !







العشرون من يناير ..



سيحوي توثيق عهد الصداقة ..



سيحوي الحب الاخوي ..



سيحوي زرع شتلات الحب في طريقنا المستقبلي ..



العشرون من يناير ..



سأنشد لهذا الكون شعرا ً ,, ففيه قد خلقت أجمل أنسية قابلتها عيناي ,, وأنبل أنسية صافحتها يداي ,, !



ياااه ! أيتها الايام اجري سريعا ً .. وتوقفي عند يوم الجمعة دهرا ً , أيمكنك فعل ذلك ؟





أخبرت والدتي بالأمر لأستئذنها الخروج للسوق ,, سأشتري ورودا ً و أضعها في كل مكان في غرفتي ,, سأشتري كل شيء يعبر عن بهجتي ..





مررت بأحد محلات العطور ,, فاشتريت زجاجة عطر لها ..



وحين مررت بأحد المكتبات اشتريت لها كتاباً ..



اشتريت لها حقيبة يد ..



واشتريت لها خاتماً أيضا ً !





السائق يسألني :



" هل تودين الذهاب لمكان آخر ؟؟





أفكر .. ماذا يمكنني أن أهدي مريم في العشرون من يناير ؟؟ سأشتري لها باقة ورد في صباح الجمعة حتى لا تذبل ,, وماذا أيضا ً ؟؟





السائق يعيد سؤاله :



" إلى أين سنتجه ؟



" انتهى المشوار اعدني للمنزل ..



سألتني والدتي فور دخولي المنزل :



" لماذا كل هذه الاكياس ؟؟



ناديت الخادمة لتحمل الاكياس لغرفتي ,, فيما اتجهت ناحية والدتي أجيبها :



" انها استعدادت عيد ميلاد مريم ..



" هل ستوجهين دعوة لزميلاتك ؟؟





هي فكرة ممتازة ,, ولكن فعلها سيغضب مريم ,, فقد وعدتها أن لا اخبر أحد بأمر زياراتها لي ومفاجأتها بهذه الدعوة سيكون اخلافا ً !



تهنئة زميلاتها سيسعدها للغاية , لكن ماذا عن زيارتها لي ؟؟ اخشى من نظراتها الحارقة بعد هذا ..





قلت لوالدتي :



" مريم لا تود أن يعلم أحد بأمر زياراتها .. ولم تعلمني بالاسباب ..



" مريم شخصية غامضة وغريبة ,, !



" هي أكثر من ذلك .. أنا أسعى لتكون سعادتها دائمة ..



" مريم كنز بين يديك فحافظي عليه ..







كنز !! إنه حقاً لقب يليق بمريم جدا ً ! ولن أترك كل هذا للضياع !!





قول والدتي بشأن الدعوة أسرني للحيرة القاتلة ,, فلا أعلم عمّ اذا كانت مريم ستسعد من لقائها بزميلاتها ,, أم أنها ستكون لها الزيارة الاخيرة .. وأخشى من هذا الاخير !





لقد وعدت مريم ,, ولن أخلف بوعدي ,, لا أريد أن أرى في عينيها نظرات الاستصغار ! وإن البهجة التي قد تتحقق في داخلها لن تشفع لي من نظراتها الحارقة ..





***********







وجدت فاطمة أمام البوابة فرحة ,, عندما تغيرت هذه الانسانة لم تعد تعني لي الكثير .. لذا مضيت دون الاكتراث لوجودها .. لكنها استوقفتني بندائها :



" ليلى ؟



" أهلا ً فاطمة كيف النتيجة ؟



قالتها بسعادة كبيرة :



" لقد نلت هذا الفصل " 93 % أنا سعيدة جدا ً ..



" حقا ً ؟؟ هذا ممتاز .. مبارك لك التفوق ..





عندما رغبت في الانصراف فضلت مصاحبتي .. أظنها تود معرفة نتيجتي !!



لاقيت استاذة هناء ,, وهي ذاتها الاستاذة التي أكثرت القول عن شخص مريم .. رحبت بها ,, وغمزت لي قائلة :

" ماهذا التغيير يا ليلى ؟؟ هذا العام ستكونين في حفل المتفوقين !



ولكم أن تتخيلوا أي غضب حلّ في وجه من تصاحبني !!





قلت محاولة التلاعب بها :



" حقا ً ؟؟ هل يعني نيلي المرتبة الاولى في فصلي ؟؟



أجابتني ضاحكة :



" ربما .. !





حجم الغضب الذي ارتسم على ملامحها قد تضاعف ,, إنها توشك على تحطيمنا ! استئذنت الاستاذة للمضي للصالة الرياضية حيث توزع الشهادات . أما هي فكانت في صمت قاتل .. إني بدأت أشفق على أسنانها !!



نادية كانت هناك أيضا ً ,, ويبدو عليها الغضب !! مابهن هؤلاء مع الغضب هذا اليوم ؟؟





رحبت بي استاذة أمل ترحيبا كبيرا,, وهي تتبسم وتناولني الشهادة :



" ليلى لقد تفوقت كثيرا ً هذا العام أهنئك على المرتبة الاولى !





حدقت فاطمة في الشهادة ,, وحين وقع ناظرها على النسبة قالت بغيظ شديد :



" هذا ليس من العدل والله !



وانصرفت في قهر قاتل ! إن هذا ما توقعته ,, فلتحترقي بنار الغيرة التي احتوتك ِ ,, و لتموتي رعبا ً من اشباح المتفوقين والمتميزين !





تسألني الاستاذة باستغراب :



" مابها ؟ "



" كانت تتوقع نيل المرتبة الاولى ! وقد خاب حدسها ! "





أتعجب لحال هؤلاء البشر الذين يرغبون في اعتلاء القمة والاسقاط بكل من يحاول الاعتلاء لها ,, ألا يدركون أنهم على أي حال ليس الافضل على الاطلاق ؟؟



اتذكر في أحد المرات سألت مريم :



" ترى ما شعور ذاك الذي يعتلي قمة الجبل ؟



" يرى الناس بذات الحجم الذي يرونه به ! إذ فكما يراهم صغارا ً هم يرونه كذلك !





فاطمة ومثيلها لا يدرك هذه الحقيقة ,, طالما الانانية متربعة على عرش الاخلاق ! إذ أنهم يتمنون للمرة الالف الفناء لكل متميز ومجتهد ..



فاطمة ,, فلتعودي لصوابك ,, فهذا المقام لا يليق بك ,, والانانية مصطلح عهده جديد !!











عدتُ للمنزل وأهتف بقوة :



" أمي ,, أمــــــــــي !



خرجت أمي من المطبخ خائفة تسألني :



" ماذا هناك أفزعتني .. ؟



كنت أخبئ شهادتي خلفي وقد أظهرتها أمام والدتي لترى النتيجة .. عانقتني بحرارة وهي تقول :



" 96 % ! إنها نسبة عظيمة جدا ً !!



معدلي لم يتعد طيلة مرحلتي المدرسية الـ 87 % , وما حققته هذا العام لهو انجاز عظيم ..



للنجاح فرحة كبيرة جدا ً ,, وتكبر هذه الفرحة وتبلغ عند ذروتها حين يكون مقرونا بالتفوق ..



كم كنت أسخر في اوقات كثيرة من هؤلاء المتفوقين الذي ينشرون صورهم في الجرائد ليعلنوا الفرحة ,, الان حقا أدركت حقيقة التفوق والنجاح !







أسعدتني والدتي بقولها :



" ستكون شهادتك أثمن هدية تقدمينها لمريم في عيد ميلادها !



" حقا ً ؟؟ أتمنى ذلك أتمنى !





أمسكَت أمي يدي وتهمس في أذني :



" كفاك هوساً بمريم !



" أمي ما الذي تقولينه ؟



" لقد كانت زينب محقة بنعتها لك مهووسة بمريم ,, لذا لا تكوني أكثر جنونا ً بمريم ,, فتكاليف الحياة سـتأخذها منك ذات يوم .





صرخت غاضبة :



" لا .. لا .. لا ! مريم لن تأخذها عني تكاليف الحياة يوما ً .. هي وعدتني .. أعرفها جيدا ً !







وهربت ناحية غرفتي محدقة بالورود الموضوعة ,, وبعض الزينة المعلقة ,, و أتساءل :



" أ من الممكن أن تخطفها الايام مني؟؟ إني أدرك حقيقتها !







************



وجدت الفرحة تعتلي قسمات وجهها حين وجدت الزينة معلقة على جدران الغرفة و أخذت تبكي لبضع الوقت فاحتضتنها قائلة :



" مالذي يبكيك مريم ؟؟



استجمعت قواها وقالت :



" أنا سعيدة بالتعرف عليك جدا ً , وأشكر أخي كثيرا ً لانه كان سبيلا ً لك ِ .





" أما أنا فالشكر الجزيل موصول لتلك الاستاذة التي أكثرت القول عنك ِ





إن كنت سعيدة لمعرفتك بي فإني أنا السعادة عينها بوجودك معي ,, أنت لن تدركي أي فراغ قاتل احتواني في عالمي المجنون الذي عشته قبل اقتحامك ..



أنت لن تدركي حجم جهلي لكل ما يحيط بي ,, لكم كنت افتقد الحب الاخوي الذي يشعرني بوجودي كإمرأة تدرك كل شيء من حولها ,, !



حين كان البعض يتحدث عن مغامراته ,, و أحداثه كنت أصغي بانتباه وتركيز شديدين ,, و تمنيت أن تحتوي أيامي على مثل هذه الاحداث ..





لقد كنت بسيطة في كل شيء .. !



في تفكيري ,, وفي مواقفي ,, وفي وزني للأمور !





لقد علمني وجودك أمور كثيرة ,, علمني أن لا أجاري السفهاء والحمقى ..

و علمني أن أقف في وجه المستحيل ..

علمني أن الوحدة تعني الضياع ..

علمني أن الخير لا يزال يسكن بعض البشر ..

وعلمني أن الصمت من ذهب ..





و العشرون من يناير .. علمني أن الاحلام تتحقق إذا ما سعيت لأجلها ..



و فيه هذا التاريخ أدركت إني ولدت من جديد ,, أدركت بأن كل أيام عمري السالفة قد ولت ,, !





سعادة مريم كانت كبيرة جدا ً لتفوقي ,, شعرت بمدى الاهتمام الذي توليه لأموري المستقبلية ,, و هذا ما يعينني على تخطي كل الحواجز ,, وهذا ما يعينني على التقدم في السير في مشوار الالف ميل ..



كنت محقة في ما ظننته بشأن الدعوة ,, لقد بدا لي رفضها صريحا ً بشأن ذلك ,, و أقسمت أن تكون هي الزيارة الاخيرة لو حوت جمع الزميلات ..

حمدا ً لله إني لم أفعل ذلك !



وعادت بي اقوالها نحو جحيم الكتمان ! فأي سر تخبئينه ؟؟ أكاد أفقد عقلي !





الغريب الذي احتوى هذه الزيارة ,, أنها طلبت مني مصاحبتها لزيارة المقبرة ,, ألا تخشى أن تصادف إحدى زميلاتها هناك وتعلم بأمر زياراتها لي ؟؟



إن هذا الاختلاف في أفعالها يفقدني الخيوط التي توصلني للحقيقة .. وتبعدني عن أي وهم قد أعيشه !





المقبرة لا تبعد الكثير عن المنزل ,, لذا فضلنا زيارتها سيرا ً على الاقدام ..



حدثتني مريم في الطريق عن أخيها ناصر .. أخبرتني عن مدى الاهتمام الذي يوليها إياه في عيد ميلادها منذ الاول ,, إذ كان يشتري لها ألعابا ً و هدايا كثيرة ,, و يخرج معها في نزهة لأحد الحدائق ..



كان هو اكثر الاشخاص عناية واهتمام بها ,, إلى أن اقتحم خالي عالمهم .. فقد كان يشاركه هذا الاهتمام ,, ويحتفلان سويا ً في كل عام بعيد ميلادها ..



الثلاث سنوات الاخيرة فقدت هذه الرعاية ,, و فقدت ذكريات العشرين من يناير ,, هل أقوى على إعادة هذه الذكريات ؟؟





قضيت كما العادة وقتا ً شجيا بالمقبرة ,, تذكرت فيه كل شيء عتيق ..

تراءت أمام ناظري كل الصور القديمة ,, مرحي .. شقاءي .. عنادي ..

وشجاري مع عادل !



آه يا عادل ,, أمتى تعود ؟؟





استطعت أن ألمح دمعة بين جفون مريم على وشك السقوط ,, وحين تلاقت أعيننا قالت :





"لاأريد أن أشكو ,, لكنما ناصر كان كل شيء لي ,, أشعر بالفراغ في غيابه ..

الشهور التي مضت دونه مقيتة جدا ً ..

لا يزال مكانه على وجباتنا الثلاث محجوزا ً لا يجرؤ أحدنا على الجلوس عنده! ""





أما مكان خالي ففضلت والدتي اخفاء كرسيه في غرفته فيما استبدلت الطاولة لتجعلها اقل حجما ً .

أمي استبعدت كل شيء يذكرها بخالي الراحل ,, هي لا تود أن تحترق بنار الذكرى كل يوم ,, أما عادل فرغم غياب اشياء خالي ,, الا أن الذكرى لا تزال حاضرة في داخله .. و يعيشها في كل يوم .. بل في كل لحظة ..









إن الذكرى لا تزال تعيش في داخل مريم ,, إلا أنها لم تكن ضعيفة كعادل ..

لقد كان أخوها منطلقا لتعيش أقوى ,, أما عادل فرحيل خالي منطلقا ً لفنائه ..







إلا أن ما يتشابهان فيه تماما ً هو الهذيان أمام القبور ! أتصل الشكوى للموتى .. ؟؟ أيسمعوننا ؟؟





ودعتني مريم قائلة :



" ثلاث سنوات مرت لم أجد سواك من يعيد لي ذكرى الراحلين .. سعدت جدا ً باحيائك لعيد ميلادي ,, وسعدت بهداياك جدا ً أعدك بأني لن أخلع الخاتم يوما ً ! وستبقى عبير ورودك مسكا لختام هذا اليوم .









مر العشرون من يناير محملاً بذكريات قد خلدها تاريخ عمري ,, ! إنه لن يمر هذا التاريخ في كل عام عبثاً ,, سأحيي فيه ذكرى ميلادك أيتها العزيزة ,, وسأمنحك العودة لذكريات من رحل ,, لتدركي بأن خالي بعد رحيله أورثني حبك النابض يا أخية !















يتبع





 

التوقيع

.0.
.0.


وحيدةٌ أنا دُونما ذاكرة ,,
أو ربما بذاكرة ..
ذُبل فيها كُل شيء .. ,

الاهل ..
الاصدقاء ..
والوطن !


.0.
.0.

الوجه الأليم غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
رواية: (جت..) عبدالعزيز رشيد أبعاد الهدوء 118 08-22-2010 04:05 AM
رجــفــة الــخــوف - رواية عبيد خلف العنزي أبعاد النثر الأدبي 14 07-16-2008 07:16 PM
عايدة القردة فصل من رواية جلاء الطيري أبعاد النثر الأدبي 12 05-08-2008 12:26 PM
استفسار لمن قرأ رواية ( الحدود البرية ) لميسلون هادي حـــصـة أبعاد الإعلام 2 11-08-2006 11:46 AM
(( رواية عشق )) متعب آل حشيان أبعاد الشعر الشعبي 21 08-03-2006 02:00 AM


الساعة الآن 03:38 PM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.