سرداب التاجوري - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
وصب ! (الكاتـب : تركي المعيني - مشاركات : 155 - )           »          هــايــكــو (الكاتـب : حسن زكريا اليوسف - آخر مشاركة : تركي المعيني - مشاركات : 299 - )           »          لاَ مِسَاس ... ! (الكاتـب : جليله ماجد - مشاركات : 509 - )           »          ارتداد (الكاتـب : ماجد العيد - مشاركات : 325 - )           »          جُمُوحُ العَاطِفة (الكاتـب : محمّد الوايلي - مشاركات : 1682 - )           »          [ #مَعْرِضٌ وَ تَعْلِيْقٌ ] (الكاتـب : قايـد الحربي - آخر مشاركة : ماجد العيد - مشاركات : 8214 - )           »          تبّت يدين البُعد (الكاتـب : عبدالله العتيبي - مشاركات : 14 - )           »          [ رَسَائِل أُخَوِيّة ] : (الكاتـب : خالد صالح الحربي - مشاركات : 41 - )           »          العيد والغياب!!! (الكاتـب : محمد علي الثوعي - مشاركات : 6 - )           »          غُربة .. (الكاتـب : نوف مطير - مشاركات : 13 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد النثر الأدبي > أبعاد القصة والرواية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-12-2012, 03:06 PM   #1
مريم الضاني
( أديبة )

الصورة الرمزية مريم الضاني

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 13

مريم الضاني غير متواجد حاليا

افتراضي سرداب التاجوري


عندما كنت صغيرة ، كنت أسكن مع أسرتي في بيت من بيوت التاجوري .
وأذكر أنني كنت أجد كلامي ، وضحكي بل وأنفاسي تختبئ بين طوب البيت القديم .
وكنت أركض حافية القدمين في دهاليزه الطويلة فتدخلني برودة الطبطاب من أسفل قدميّ وتُذهب قيظ الصيف. وفي الصباح اعتدت أن أغسل مع أمي درج البيت المتآكل بمكنسة من جريد النخل ، وعند ما ننتهي يجفف الدرجَ الهواءُ الذي يتخلل البيت من النوافذ والأبواب . وكنت أحب بعد ذلك أن أسترخي على بسطة الدرج ، وأضع خدي على الأرض الرطبة الندية ، وأشم رائحتها فتدغدغ مشاعري ، وقد يسرقني النوم هناك فتحملني أمي وتضعني في فراشي . وبعد العصر تجتمع بنات الجيران في بيتنا ونجلس على ( الدكَّة ) القريبة من باب البيت مع عرائسنا القماشية المحشوة بالقطن والمزينة بالشرائط الملونة والأزرار والكشاكش ، ثم نخرج من هذا العالم إلى عالم العرائس وقصصهن المشوّقة ، ونصنع لهن بيوتا ودواليب وأسرّة من بقايا الصناديق الخشبية الملقاة في زوايا الحارة . وحين تنعس العرائس وتنام تنصرف البنات مع عرائسهن . أحببت كل مكان في بيتنا : ( القاعة ) و ( الديوان ) و( المقعد ) والحجرات الأخرى ، خلا مكان واحد هو ( السرداب) ، وهو مكان معتم مجهول في الطابق السفلي ، مغلق بباب خشبي مشروخ ، وكنت أخشى رؤية بابه فكيف لو أنني دخلته ؟ .
بعض جيراننا قالوا : إنه نفق ضيق مهجور يربط التاجوري ب (المناخة ) وبعضهم قالوا : إنه مسكن للجن ، أما أمي فكانت تملّ من أسئلتي الكثيرة عن السرداب ولا تجد جوابا فتقول لي :
إنه نفق طويل يمتد كالعروق في جسد المدينة المنورة .
فأسألها : وإلى أين يذهب ؟ .
ـــ إلى قلب المدينة الذي يحبنا ونحبه .
فأصمت حينئذ ولا يبقى في نفسي شيء سوى تخيّل تلك العروق المتصلة بالقلب ، فيقشعر جسدي ويغمرني إحساس مبهم لا أعلم ماهيته . وفي المساء كانت أمي تعبئ ( السطل ) بالماء من الطابق السفلي وتصعد الدرج المؤدي إلى سطح البيت الترابي،
فترشُّ التراب بالماء ثم تفرش بعض الحصير ،و تضع فوقه أبسطة ، وفُرُشاً ، ووسائد لننام عليها .
كانت حكايات أمي تتفتح فوق السطح كالأزهار وأنا أحدق في النجوم البعيدة في السماء ، وأصغي إلى حكاياتها عن بلدتنا الصغيرة في فلسطين ، وعن بيوت تلك البلدة التي يحتضن كل بيت فيها ساحة صغيرة مزروعة بأشجار البرتقال والزيتون ، وعن رائحة تلك الأرض التي تتشبث بجذور الأشجار بقوة ، وعن لون ترابها الطيب الخصيب . وكانت تصف طرقات تلك البلدة التي تمتد كالأذرع القوية وتضم البيوت ، وعن سمائها الصافية ، وهوائها العليل ، وبيت جدي القديم وأثاثه المرتّب ، والسلال المنسوجة من الجريد الممتلئة بخيرات تلك الأرض ، وخبز جدتي الشهي الساخن الذي تعجنه بيديها وتخبزه في التنور. وحين تنتهي أمي من حكاياتها تبلّل دموعها خدي فتتحرك في نفسي لواعج الشوق إلى رؤية تلك البلدة . وذات مرة سألت أمي :
لو أن اليهود خرجوا من بلدتنا فهل نرجع إليها ؟ .
ــــ بالطبع يا حبيبتي ! ، أهلونا وبيوتنا ومزارعنا وسماؤنا كلهم يتحرقون شوقاً إلى رؤيتنا ، ونحن أيضا نحلم بذلك اليوم.
ــــ ولكنني يا أمي أحب بيتنا هذا .
فصمتت أمي ولم تقل شيئاً.
وذات يوم استيقظت من نومي فرأيت والديّ يعدان حقائب السفر ويحزمان متاع البيت ، و قالا:
الحمد لله ! ، خرج اليهود من بلدتنا .سنرجع إلى أرضنا و أهلينا ومزارعنا .

فذهبتُ إلى الطابق السفلي ، وفتحتُ باب السرداب المشروخ . هربتُ مع عروستي ، و اختبأتُ في ذلك المكان الممتلئ بالأخشاب والمتاع القديم والتراب والرطوبة .


ــــــــــــــــــــــــــــ
التاجوري والمناخة هما من الحارات القديمة في المدينة المنورة .
قصتي هذه هي من ضمن قصص مجموعتي القصصية الأولى( سرداب التاجوري ) التي صدرت عن دار المفردات في 1428ه

 

مريم الضاني غير متصل   رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
على غفلة من الزمن خالد الناصر أبعاد الهدوء 23 08-28-2013 01:43 PM


الساعة الآن 02:13 PM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.