نفثات مقدسة من أنحاء اخرى ..

[محمد الجهني]

هل تعلم ..
ربما من الأفضل الحديث عن ذلك لاحقاً.

كم أتمنى أن يبدأ كل برنامج حوار لا يبرئ أي جرح بهذة الطريقة كل يوم.

لكن ..

دعني أحدثك عن قصة الأنسان و الحيوان كما وجدتها مكتوبة بماء الذهب في هذة الأرجاء التي أفقت فيها.

يقال أن في تلك المجرة, يوجد كوكب تعيس ذا لون ازرق. تسكنه الحشرات و مخلوقات اخرى. يتحكم مخلوق يدعى الانسان في كل شيئ يجري على ذلك الكوكب, حتى المخلوقات الآخرى.

يقال أن يوماً ما قد اقترن زحل بالجوزاء في برج القوس, فحملت أشعة الشمس في ذلك الصباح لحن موسيقى في الضوء تجاه سهل كان في أعلاه رجل و خروف.

حملت تلك الموسيقى بعضاً من صفاء اخترقت قلب ذلك الان الانسان حتى نظر نحو الحيوان,
وقال في نفسه: أنظر الى هذا المخلوق, لا يفعل شيئاً إلا الأكل و اللعب و النوم, لا يهتم الا بشكل طفيف بما يرضيهم أو يزعجهم, مغروسين باللحظة الآنية ولهذا هم غير مكتئبين أو ضجرين.

لم يكن من الصعب على الأنسان أن يرى هذة الحقيقة, فهو يفتخر بكونه انساناً و ليس بحيوان و مع ذلك عندما يتعلق الامر بالسعادة فهو يحسد الحيوان, لم يكن يرغب بشيئ أكثر من أن يعيش كالحيوان, بلا ضجر أو ألم, مع ذلك يرغب ذلك بشدة. نظر الأنسان نحو الحيوان نظرة تحمل الكثير من الاستعلاء, وقال: لم لا تخبرني عن سعادتك و تكتفي بالنظر نحوي بهذا الشكل؟

أراد الحيوان أن يجيب الأنسان و يقول: لأنني انسى بشكل سريع ما أرغب بقوله, وعندما انسى ما أرغب بقوله انسى السؤال كذلك. ولهذا, يبقى الحيوان ينظر الى الانسان, دون ان ينطق بكلمة و يبقى الانسان بلا إجابة.

لكن الانسان تعجب لحاله, فهو لا يستطيع ان يتعلم كيف ينسى و يبقى دائما متشبثا بالماضي, لا يهم الى أين يبتعد, فهو يبقى بسلاسل ذكرياته التي تخنقه.

لم تكن الشمس رحيمه بهذا الانسان, فقد علمته بدأية لحظة تعاسته, فلقد كان طفلاً يلعب, بلا ماضي ينكره, ينتقل ما بين الماضي و المستقبل بكل سهولة عندما كان يمتلك نعمة العمى السعيد. للاسف, هي لحظة يفقدها كل طفل عندما فهم معنى: " أنا كنت", فهذا الفهم هو كل مصدر تعاسة, وألم , وضجر هذا الأنسان.

شعر الانسان بحسد كبير نحو الحيوان. لكنه لم يعلم ان سعادة الحيوان اللامنتهيه تأتي من كونه مخلوقاً يعيش بلا تاريخ. نعم انه يعيش بشكل غير تاريخي. فذلك الحيوان يعرف كيف تموت اللحظة. أما الانسان, فهو يبعث روح اللحظات في مخيلته كلما أيقظها من موتها.

لا يكشف عنه السر إلا عندما تحين ساعته, و تغمره نعمة النسيان على فراش موته, تسرق منه الحاضر و وجوده و تطوي معها سرها في جسده, ذلك السر الذي يقول ان الوجود ليس الا شيء غير متقطع من "بعد ان كان", شيء يعيش لكي ينفي نفسه, يستهلك نفسه, يناقض نفسه.


ما أتسعهم, أوحيت لقلوبنا القصص عن كثير, فبعض المخلوقات لا تعلم الحب, وبعضهم لا يفهم القيم, وأقلهم ظرافة اولائك الذين لا يعرفون ما هو الغناء.

مع ذلك لا ارى اتعسهم الا ذلك الأنسان.


--------------------------


القصة مقتبسه بتصرف من كتاب غير مشهور لفريدريك نيتشه يحمل عنوان: حول مزايا و سلبيات التاريخ لحياة
On the advantage and disadvantage of history for lif