شكلت الطبعات المتوالية لترجمة رباعيات الخيام, منذ الستينيات في القرن التاسع عشر, انقلاباً واضحاً في الثقافة الأوروبية والعالمية, وتجاوزت تأثيراتها الحياة الثقافية إلى الحياة الاجتماعية العامة, وانتقلت من اللغة الانجليزية إلى اللغات الاخرى بشكل لم يسبق له مثيل, وقيل ان الاعداد الخيالية للنسخ المطبوعة تجاوزت كل نسخ الكتب الاكثر شهرة باستثناء الانجيل, وليس غريباً ان تترك تأثيراً على حركة التجديد في الشعر الاوروبي عامة, وفي الشعر الانجليزي المكبل بالقيود الكلاسيكية وتقاليد العصر الفيكتوري, وفاضت شهرة الخيام لترفع اسم مترجم الرباعيات ادوارد فيتزجيرالد إلى الصف الأول بين اعلام الادب الانجليزي.
والسبب الأول في هذه (المعجزة) هو ما تحمله هذه الرباعيات ولهذا اقبل على قراءتها حتى اولئك الذين لاتربطهم بالقراءة اية علاقة, واذا كان الخيام قد اخذ لقب الحكيم في الثقافتين الفارسية والعربية, فان الأوروبيين اعطوه لقب (ملك الحكمة), واختطف الاضواء من شيكسبير لفترة طويلة, ولكن اعادة اكتشافه في الثقافتين الفارسية والعربية, اللتين ينتمي اليهما الخيام, تأخرت اكثر من نصف قرن عن اكتشافه في أوروبا والعالم, وعسى ان يكون نصف القرن, هذا, هو الفرق الزمني الحضاري بين الغرب والشرق, وليس أكثر.
كما ظهرت تأثيرات ترجمة اشعار حافظ الشيرازي والمعلقات السبع العربية على اعمال غوته وبشكل خاص في (الديوان الشرقي للمؤلف الغربي), ولم تنته حكايات شهر زاد حتى اليوم في المؤلفات والأعمال الابداعية الغربية.
فيتزجيرالد والخيام
اعتبر بعض النقاد ان ادوارد فيتزجيرالد (1809 ــ 1883) من أهم الشعراء الانجليز في القرن التاسع عشر, ليس لانه كتب شعراً, وانما لانه ترجم رباعيات الخيام بلغة شعرية عالية, توازي اللغة الشعرية الفخمة في الشعر الكلاسيكي الانجليزي في العصر الفيكتوري وما قبله.
كان فيتزجيرالد تخرج من جامعة كامبرج, وجمعته علاقة صداقة مع الشاعر الانجليزي لورد تنيسون والمؤرخ الفيلسوف توماس كارليل, وكان تنيسون قد كتب في تلك الفترة أهم قصائده (الذكرى), ولكنها لم تجذب انتباه القراء والكتاب كما فعلت رباعيات الخيام.
نشر فيتز جيرالد أعمالاً متفرقة, منها ست مسرحيات للكاتب الاسباني كالديرون قبل ان يتجه إلى الدراسات الشرقية, ويترجم مجموعة من رباعيات الخيام وينشرها دون ان يذكر اسم المترجم, في عام 1859, وظلت هذه الرباعيات مهملة, تباع بسعر زهيد, لدى الناشر اللندني كارتش, لاتثير انتباه احد حتى اكتشفها الشاعران دانتي جابرييل روزيتي وصديقه الجرينون سوينبورن, واشتريا ماتبقى من النسخ لتقديمها كهدايا إلى الاصدقاء, وكان ذلك في عام 1860, وهو العام الذي شهد نشر كتاب (اصل الأنواع) لداروين, وبداية الانفتاح على الافكار الجديدة والثقافات الاخرى في بريطانيا,
وكان للدعاية التي بثها روزيتي وسوينبورن اثر سريع وواضح على اهتمام القراء بالرباعيات وتوالي طبعاتها المنقحة مع مقدمة موسعة للمترجم عن عمر الخيام وحياته وعصره, وهو العصر الذي يهتم الاوروبيون بدراسته لانه ارتبط بالحروب الصليبية والصراعات في الشرق, وكان توماس هايد استاذ اللغات الشرقية في جامعة اكسفورد قد ترجم الرباعيات إلى الانجليزية قبل فيتز جيرالد, ولكن ترجمته لم تثر اهتمام عامة الناس.
وقد نشر فيتزجيرالد ترجمته بأسلوبين مختلفين: احدهما كان الترجمة النثرية الحرفية التي التزمت بالمضمون الدقيق للنص وافكاره وصوره, والثاني كان الترجمة الشعرية التي ترصد المضمون وتضعه في قالب الشعر الانجليزي الكلاسيكي المألوف الذي يميل إلى الفخامة والبلاغة والغنائية العالية, ويمكن للقارىء ان يختار من هذين النصين ما يريد, لان النص الشعري لا يخلو من التصرف احياناً, بضرورة الشعر, كما يقولون, وكان عدد الرباعيات في ترجمة فيتزجيرالد مئة وخمس رباعيات.
حكايات عن الخيام
ارتبطت بعبقرية الخيام حكايات نادرة حدثت معه أو بعد وفاته, وقد التقط الباحثون بعضاً من هذه الحكايات, ومنها:
ـ اجتمع ثلاثة من الطلاب الدارسين لدى الامام موفق الدين النيسابوري في جامعة خراسان وهم عمر الخيام ونظام الملك والحسن بن الصباح, وكانوا يراجعون دروسهم في غرفة خاصة, وهم يدرسون العلوم الدينية واللغة والهندسة والرياضيات والمنطق والعلوم واللغة الاغريقية والفلك.
وفي احد الايام قال الحسن ابن الصباح: دعونا نتعاهد على ان من يصل إلى الوزارة من بيننا نحن الثلاثة يساعد صديقيه الآخرين على الوصول إلى المراكز العالية.
ومرت الايام وصار نظام الملك وزيراً في بلاط الب شاه, فزاره الصديقان القديمان عمر الخيام والحسن بن الصباح, ولكن الخيام لم يطلب مركزاً في البلاط, ولكنه كان يريد الاهتمام بأعماله العلمية, فلبى له نظام الملك رغبته وحدد له منحة سنوية بألف ومئتي مثقال ذهبي, اما الحسن بن الصباح فقد حاول منافسة الوزير لدى السلطان, لكن المنافسة انتهت بخصومة شديدة, ثم هرب الحسن, وتحول بعد ذلك إلى قائد مشهور من قادة فرقة الحشاشين التي نظمت حملة من الاغتيالات السرية المنظمة للخصوم.
وكان احد ضحاياها الوزير نظام الملك نفسه, بينما كان الحسن بن الصباح يحتل (قلعة الموت) ويذكر فيتزجيرالد في مقدمته للرباعيات ان نظام الملك كان قد اعتاد ان يردد في حياته بعض العبارات من رباعيات صديقه الخيام, وكانت آخر كلماته عند اغتياله, وقبل ان يلفظ انفاسه الأخيرة: (يا الهي (انني امضي في قبضة الريح) وقد استعار هذا القول من الشطر الرابع من رباعية الخيام التي يقول فيها:
(جئت كالماء وكالريح أمضي).
ـ يذكر فيتزجيرالد في مقدمته نقلاً عن كتاب (جهار مقاله) ــ اربع مقالات للخواجة النظامي السمرقندي, الذي كان تلميذاً للخيام, انه كثيراً ما كان يناقش استاذه الخيام في أمور مختلفة, وسمعه في احدى المرات يقول: سيكون قبري في مكان تهب عليه النسائم الشمالية وينتشر فوقه الورد والزهر, وكان النظامي يستغرب ما قاله الخيام, ومرت سنوات طويلة, وسمع النظامي عن موت الخيام فعزم على زيارة قبره في نيسابور بعد ثلاثة عشر عاماً من موته, فوجد قبره إلى جانب سور حديقة مهجورة, فتدلت أغصان الاشجار فوق القبر ونثرت عليه من ثمارها وازهارها حتى غطت احجاره.
زار الخيام بلدة فسمع اهلها يشكون من كثرة اسراب الطيور التي تحوم فوقهم وتلقي ذرقها فوق رؤوسهم وثيابهم, فصنع الخيام لهم تمثالا من الطين لطائر كبير, ونصبه في مكان عال يطل على البلدة, فهاجرت اسراب الطوير خوفا من هذا الطائر الجارح.
بعد وفاة فيتزجيرالد بنحو عشر سنوات تأسس في لندن ناد يحمل اسم عمر الخيام, وكانت مهمته تنحصر في الدعوة الى المزيد من الاهتمام بأعمال الخيام ورباعياته, وزيارة قبر مترجمه ادوارد فيتزجيرالد, كما وجه رسالة الى الشاه يطلب فيها صيانة قبر الخيام في نيسابور وتجميل موقعه بزراعة انواع الزهور من حوله.
الخيام على الشاشة
قدمت هوليوود في عام 1941 فيلما روائيا طويلا بعنوان (عمر الخيام), من اخراج البرت لويس, ولكن هذا الفيلم لم يستطع ان يرسم صورة حقيقية واضحة للخيام, ولكنه استلهم المرحلة التاريخية التي عاشها, فقيل انه فيلم مزدحم بالمغامرات والسيوف والرمال وشيء من الحب, واعتمد السيناريو على مصادر تاريخية شرقية وغربية عن حياة الخيام واحداث المرحلة التي عاشها, وكان من اهم المراجع ما كتبه مانويل كومورن, واصدره في كتاب ترجمه الى العربية بتصرف واسع عمر ابو النصر في بيروت عام 1970 بعنوان (قلعة الموت).
واذا كانت المراجع والدراسات عن عمر الخيام قليلة ومحدودة في اللغة العربية فانها ليست كذلك في اللغات الاجنبية الحية, ويعتبر كتاب هارولد لام (قصة حياة الخيام) من اهم المراجع الموثقة والشاملة حول حياة الخيام واعماله العلمية ورباعياته الحكيمة:
(فكم توالى الليل بعد النهار
وطال بالانجم هذا المدار
فامش الهوينى ان هذا الثرى
من اعين ساحرة الاحورار)
الرباعيات في العربية
اذا كان الاوروبيون قد اكتشفوا رباعيات عمر الخيام في منتصف القرن التاسع عشر, فإن اكتشاف هذه الرباعيات عربيا تأخر الى بداية العقد الثاني من القرن العشرين, حينما نقلها الى العربية, بتصرف, وديع البستاني, على شكل سباعيات, من اللغة الانجليزية, عن فيتزجيرالد, وابتعد بها عن الاصل, ومنذ ذلك الحين شهدت الرباعيات عشر ترجمات الى اللغة العربية, منقولة عن اللغتين الانجليزية والفارسية, انجزها كل من:
محمد السباعي, محمد الهاشمي, احمد الصافي النجفي (ترجمة شعرية عن الفارسية), احمد رامي (ترجمة شعرية عن الفارسية), جميل صدقي الزهاوي (ترجمة نثرية عن الفارسية), احمد الصراف (ترجمة نثرية), عبدالحق فاضل (ترجمة شعرية), د. احمد زكي ابو شادي (ترجمة شعرية عن الانجليزية), د. محمد غنيمي هلال (ترجمة مختارات نثرية عن الفارسية), الشاعر الاردني عرار (مصطفى وهبي التل).
واجمع النقاد والقراء على اهمية الترجمة الشعرية لأحمد الصافي النجفي, (عن الفارسية), وترجمة احمد رامي (عن الفارسية) والتي انتشرت بشكل واسع بعد ان غنت ام كلثوم مختارات منها, من تلحين رياض السنباطي, وكان احمد رامي قد درس اللغة الفارسية في باريس في نهاية العشرينيات من القرن العشرين, ومع ان بعض النقاد الكلاسيكيين ذموا ترجمة احمد رامي, مثل روكس بن زايد العزيزي في مقدمته لترجمة ابي شادي للرباعيات, الا ان شاعرية ترجمة رامي وغنائيتها الفريدة ترتفع بها الى مستوى شعر الخيام وترجمة فيتزجيرالد.
اما ترجمة عبدالحق فاضل فقد رافقتها دراسة موسعة عن الخيام مع مقارنة بين الخيام والمعري, تتحرى نقاط الالتقاء والاختلاف بينهما, ويبرز الالتقاء في طرح الاسئلة الجريئة المتأملة الحائرة عن الحياة وسر الوجود, بينما يظهر الخلاف واضحا في زهد ابي العلاء وانصرافه عن الملذات التي يدعو الخيام الى استنزافها طولا وعرضا, ومع هذه الاختلافات فإن ما يجمع بينهما هو الحكمة والذكاء المتوقد.
وبين الترجمات الشعرية العربية تبدو ترجمة احدم زكي ابو شادي للرباعيات سلسة. وموفقة في توصيل المعاني, ولكن الترجمات الشعرية عموما تعاني من الحشو وتبديل الالفاظ المناسبة بالفاظ غير المناسبة, حسب حاجة الوزن والقافية, وقد ضمت ترجمة (ابو شادي) مقدمتين, واحدة للمترجم, واخرى للأديب روكس بن زائد العزيزي يقارن فيها بين الخيام والمعري ايضا, ويؤكد ان عدم زواجهما كان له تأثير خاص في شعرهما.. وتبدو ترجمة د. محمد غنيمي هلال لثلاث وعشرين رباعية مختارة, عن اللغة الفارسية, في كتابه (مختارات من الشعر الفارسي ـ عن الدار القومية للطباعة والنشر ـ القاهرة 1965) هي الاقرب والاكثر دقة والتزاما بالاصل, وساعده في ذلك انه ترجمها نثرا حرا, ليس فيه حشو او تحوير في المعنى او الصورة الشعرية.
تحديد عدد الرباعيات
ويلخص د. هلال نتائج الدراسات التي تناولت مشكلة الرباعيات المضافة الى رباعيات الخيام فيقول: .. ولكن يؤخذ من البحوث الكثيرة التي قام بها المتخصصون في مختلف اللغات الكبرى ـ وبناء على الرجوع الى المخطوطات الكثيرة والقرائن التاريخية ـ ان ستا وستين رباعية هي من كلام الخيام على سبيل القطع, وبناء على خصائص اسلوبها يمكن ان نلحق بها مئة وثماني عشرة رباعية اخرى على سبيل الاحتمال لا اليقين, فيكون مجموع الرباعيات الصحيحة يقينا واحتمالا مئة وثماني وسبعين, بدلا مما يعزى اليه من رباعيات كثيرة منحولة, تبلغ مئات, بل انها في بعض المخطوطات تتجاوز الالف.
صورة شرقية للخيام
لقي الخيام اهتماما باعماله في مجال الرياضيات والفلك, لدى الدارسين القدامى, الفرس والعرب, وتجاهلا او هجوما على رباعياته واتهامات بالزندقة من المتعصبين المتزمتين, فوصفه الرازي في كتابه (مرصاد العباد) بأنه (الدهري التائه في ميدان الضلال), كما يذكر محمد غنيمي هلال, وان القفطي في (اخبار الحكماء) قال بأن بعض متأخري الصوفية نقلوا ظواهر شعره الى طريقتهم, وناقشوا هذا الشعر فاعتبروه افاعي سامة, وعندما استنكروه وتألبوا عليه, خاف على دمه, وامسك من عنان لسانه وقلمه وذهب الى الحج.
أما الباحثون المحدثون في الادب الايراني فلهم مواقف غريبة ومختلفة من عمر الخيام, فبعضهم يعتبره رجل علم وتقيا, لا علاقة له بالرباعيات المنسوبة اليه, لما فيها من افكار حرة ودعوة الى الحياة بكل وجوهها المشرقة, وينكرون انه كعالم , يمكن ان يقول شعرا في الغزليات والخمريات والتأمل في حال الوجود واسئلة الحياة والموت, مع ان هذه الموضوعات هي الاغراض الاساسية لأهم اعلام الشعر الفارسي من الذين سبقوا عمرالخيام او عاصروه او جاؤوا بعده, ومنهم: رودكي, رابعة القزدارية, فرضي السيستاني, عسجدي, قطران التبريزي, معزي النيسابوري, انوري, حافظ الشيرازي, ومن قبلهم أبو نواس الذي كتب شعره بالعربية.
ويشير بعض الباحثين الى ان التعسف الذي تعرض له الخيام في حياته وبعد موته من المتزمتين كان في بعض جوانبه يرتبط بأن اسمه (عمر) تحديدا.
ان شعر الرباعيات كان مألوفا في الشعر الفارسي الذي تأثر كثيرا بالشعر العربي, لغة واسلوبا ومضمونا, ويقال ان اول من كتب الرباعيات الفارسية هي الشاعرة (محاسي), كما كتبها ابو سعيد ابي الخير الذي توفي في فترة ولادة الخيام, ثم شاع هذ النوع من الشعر المكثف بين كبار الشعراء فيما بعد.
لوركا يكتشف (الشرقي الرائع)
تتركز اهتمامات المستعرب الاسباني خوسيه ميجيل بويرتا حول (تاريخ الفكر الجمالي العربي) وهو عنوان بحث مطول وفريد, صدر في مدريد في اكثر من تسعمئة صفحة, وفي الذكرى المئوية لميلاد لوركا (1998) ترجم الى العربية مقالة كانت مغمورة, حول عمر الخيام, وكتب خوسيه ميجيل مقالة, اعطاني نسخة منها, عن التأثيرات المبكرة لرباعيات الخيام على شعر لوركا, وهي غير منشورة باللغة العربية, جاء فيها:
(لا شك ان قراءة رباعيات الخيام تركت تأثيرا هاما في تكوين فضاء لوركا الشخصي والادبي, وبالاضافة الى المقال الرقيق الذي نشره بعنوان (تعليقات حول عمر الخيام) في مجلة (آداب ـ Letras) يوم 17/10/1917, حين كان مؤلفنا يصدر هذه المجلة مع فئة من الأصدقاء في غرناطة, وهو لا يزال في التاسعة عشرة من عمره, نجد اشارات اخرى الى الشاعر والعلامة النيسابوري, خليقة بالذكر, مبعثرة في قصائد ومحاضرات مختلفة, تنتمي عموما الى بداية مشوار لوركا الادبي, واهم دليل على ذلك هو ان لوركا ارتمى بنفسه في روض الشاعر الشرقي الكبير, منذ الابيات الاولى لما تعتبر اول قصيدة خطها لوركا في حياته, وهي اغنية (حلم والتباس) المؤرخة في 29/6/1917 ونقرأ في مطلعها:
كانت ليلة شبقية كاملة
ليلة ذهبية في الشرق العتيق
ليلة قبلات ونور ودعابات
ليلة ملتفة بقماش العشق
اوجاع وورود على جسدك
وعيناك هما الموت والبحر
وفمك, وشفتاك, وظهرك, وعنقك
وانا كظل عمر (خيام) قديم
حلم اقمشة الجزائر ودمشق
كان يعطر, فاترا, قلبينا
وضفائرك تبث لحنا
على نجوم هواك العظيم
ويتضح من قراءة نصوص لوركا المتعلقة بعمر الخيام ان سلوك مؤلف الرباعيات لمواجهة قضية استقرار المأساة والتعاسة في حياة الانسان, يعني ممارسة الحب ولذات الجسد البسيطة وتعبئة روحانية تأملية خاصة تتلخص في تقييم الفرد بذاته واعادة الانسان الى بعده المادي الطبيعي والانسجام مع بقية مخلوقات الكون, اصاب الكاتب الغرناطي المبتدئ بصدمة قوية, لأن الموقف الوجودي لعمر الخيام, بكل بساطته وعمقه, ينافي تماما التقاليد المسيحية المطالبة بالتخلي عن اللذات الجسدية, بوصفها اقبح الخطايا, والاستسلام للاعتراف وانتظار مجيء حياة ثانية بعد الممات).
لوحات عن عالم الخيام
حملت الينا بعض الطبعات الاوروبية والامريكية والطبعة العربية من ترجمة رباعيات الخيام للشاعر المهجري المصري احمد زكي ابو (شادي المكتبة العلمية ـ بيروت 1952) رسوما تخطيطية بارعة الحبر الصيني, بمعدل رسمة مع كل رباعية, ولوحات متفرقة بالألوان المائية, تستلهم الاجواء العاطفية والوجودية التي تبثها الرباعيات, بما فيها من دعوات مفتوحة الى اكتشاف جماليات الحياة والحب والامتاع وتحرير العقل والحواس من الهموم والمخاوف والاوهام.
وقد انجز هذه الرسوم واللوحات فنان عالمي, ايراني المولد, من اصل ارمني, هو سركيس خجادوريان, وهو فنان, رسام وباحث اثري, قام بترميم الرسوم الرومانسية التاريخية على الخزف في اصفهان.
درس خجادوريان في كلية الفنون الجميلة في روما, وفي معهد فن الديكور في باريس, ثم في ميونيخ, وبعد ان انجز اعمالا فنية في اوروبا وايران سافر الى الهند للعمل في اكتشاف ودراسة الرسوم التاريخية في شبه القارة الهندية, ثم عاد الى اوروبا في طريقه الى الولايات المتحدة, ووجدت اعماله اهتماما خاصا في الأوساط الفنية, وبعد رحلته الثانية الى الهند عاد في عام 1941 ليستقر في الولايات المتحدة, وله اعمال فنية في اكثر من عشرين متحفا عالميا تحمل الى مشاهديها صورا من الاجواء الساحرة التي رسمها الخيام بالكلمات